زيارة وفد المجلس لوكالة الفضاء المصرية
مارس 17, 2021صرخة في الوادي … عبد الرؤوف الريدي
مارس 24, 2021
في فبراير الماضي اهتمت فضائية الـ “بي بي سي” عربي وبشكل ملحوظ، بإبراز نجاحها في الحصول على مقاطع فيديو للأميرة “لطيفة” أبنة حاكم دبى وهي معتقلة وتفاصيل مكان احتجازها وتعرضها لحبس انفرادي وتعذيب مضيفة أن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب علق بالقول “نحن قلقون إزاء هذا”، كما أبرزت اعتزام مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة استجواب الامارات العربية بشأن الأميرة، ولم تنس القناة تأكيد أن المملكة المتحدة تراقب تطورات “محنة” الأسرة، وما سيقوم به فريق الاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة بشأن “الأميرة المفقودة”، خاصة وأن نشطاء حقوق الانسان في دبى يقولون أنه ليس هناك تسامح مع المعارضة هناك وأن النظام القضائي قد يميز ضد المرأة. وما أن انتهت القضائية من “لطيفة” جاءتنا بأنباء اختطاف الأخت الشيخة “شمسة”، مشيرة الي أن محكمة بريطانية أصدرت حكماً العام الماضي ضد والد الشقيقتين بأنه “نظم عمليات اختطاف لبنتيه، “وهو ما هدد ليس فقط بفوضى في العلاقات مع الامارات العربية المتحدة، بل و”أثار أسئلة لاتزال من دون إجابة حول ما إذا كانت بريطانيا قد ضحت بحقوق الانسان لحماية حليفة لها”. ونوهت القناة الي عدم استجابة السلطات في دولة الامارات وفى إمارة دبي الى طلباتها للتعليق على الظروف الحالية للأميرتين.
ولست هنا بصدد الدفاع عن الاميرتين أو الحديث عن نهج الفضائية ولونها السياسي المعروف، وإنما دعوة القارئ الي التأمل في المدي الذي ذهبت اليه وسائل الاعلام المحسوبة على قوة استعمارية تعتقد أن لديها الحق في التصدي لأمور من قبيل ما أشرت اليه، واعتقاد القائمين عليها بجدارتهم في الدفاع عن حقوق الانسان بهذه الصورة. بل أن ما تم بثه يعزز وجهة النظر القائلة بأن انتهاء العصر الاستعماري هي مقولة خادعة ليس فقط بالمعنى المادي، وانما بالمعنى النفسي والتاريخي. فما تزال الدول الغربية ذات الماضي الاستعماري البغيض تنكر على شعوب مستعمراتها السابقة ذاكرتها التاريخية وتفرض عليها نظاما دوليا ماتزال هذه الدول تهيمن عليه وفقاً لمنظومة القيم الخاصة بها والتي تريد فرضها على الجميع. وفيما يخص المملكة المتحدة بصفة خاصة، فالأمر لا يتعلق بماضي استعماري أو برجال دولة، عرف عنهم حماسهم لتجارة الرقيق وللحكم العنصري ودفاعهم عن ذلك للنهاية، على نحو ما كشفت عنه الاحداث الأخيرة ارتباطاً بمأساة جورج فلويد في مايو 2020وتداعياتها الاحتجاجية العارمة حول العالم وما كشفت عنه من إرث مشين لهذه الدول وقادتها التاريخيين، خاصة في لندن وباريس، وإنما بالواقع المعاصر الذي نعيشه الآن. فقد لا يعلم البعض أن المملكة المتحدة، وقبل ان تمنح الاستقلال لدولة موريشيوس بنحو ثلاث سنوات، ومع بدء عملية التفاوض من أجل الاستقلال عام 1965، قامت بإخلاء “أرخبيل شاجوس” الذي هو جزء لا يتجزأ من إقليم موريشيوس من سكانه وترحيلهم اجبارياً للجزيرة الأكبر في موريشيوس، وتأجير أكبر جزره، وهي جزيرة “دييجو جارسيا” للولايات المتحدة الأمريكية لاستخدامها كقاعدة عسكرية منذ ذلك التاريخ وحتى الأن، واستخدمت الدولتان القاعدة لضرب العراق عام 2003، ومعروف أن الولايات المتحدة تخزن أسلحة نووية في هذه الجزيرة.
ولم تستسلم موريشيوس لهذا السلوك، حيث بذلت جهوداً مضنية لاستعادة الارخبيل المسلوب من خلال التفاوض، ولما فشلت في ذلك لجأت الى الامم المتحدة، حيث نجحت – بدعم من الدول النامية أساساً – في استصدار قرار من الجمعية العامة للمنظمة بإحالة الامر الى محكمة العدل الدولية لإبداء رأيها القانوني في “مسألة ما إذا كانت دولة موريشيوس ماتزال مستعمرة بريطانية مع استمرار احتلال جزء من أراضيها وهو أرخبيل شاجوس من قبل بريطانيا”. وبالفعل أصدرت المحكمة رأيها القانوني في فبراير 2019 خلصت فيه الى ان الاستعمار البريطاني لموريشيوس مازال قائماً من الناحية القانونية حتى تاريخه، طالما بقي الارخبيل محتلاً من المملكة المتحدة. ودعت المحكمة جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة للمعاونة في تنفيذ هذا الرأي القانوني. ورغم أن الجمعية العامة للمنظمة حددت تاريخ 22 نوفمبر 2019 موعداً نهائيا لإعادة الارخبيل للسيادة الموريشية، إلا أن المملكة المتحدة تجاهلت الامر تماما. وكان من بين نتائج هذا الموقف فشل لندن في تأمين أصوات كافية لإعادة انتخاب قاضيها لدى محكمة العدل الدولية، حتى قبل أن تصدر المحكمة رأيها القانوني (في نوفمبر 2017)، وهي المرة الاولى في تاريخ المحكمة التي تفشل فيها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن في أن يكون لها قاضياً في المحكمة، حيث يوجد للدول الخمس الدائمة العضوية قضاة في المحكمة باستمرار منذ انشائها وحتى الأن. ويعلق دافيد سنوكسل السفير البريطاني الاسبق لدى موريشيوس، بأنه قد يأتي اليوم الذي تفقد فيه بلاده مقعدها الدائم في مجلس الأمن مالم تنهى استعمارها لموريشيوس وأنه ليس من مصلحة بريطانيا أن ينظر اليها كدولة لا تحترم القانون الدولي، خاصة وأنها تسعى اليوم الى لعب دور جديد في العالم بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي.
أما رئيس وزراء موريشيوس، فقد صرح قبل عام بأنه قد يلجأ الي المحكمة الجنائية الدولية بطلب توجيه اتهامات بإرتكاب جرائم ضد الانسانية ضد مسئولين بريطانيين نتيجة لفشل المملكة المتحدة في التجاوب مع الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية، مضيفاً أن الامر يتعلق بانتهاك حقوق الانسان الاساسية، أخذاً في الاعتبار أن المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تنص على أن الترحيل الإجباري للسكان من محل إقامتهم الطبيعي الى مكان أخر هو جريمة ضد الانسانية.
ولقد رأيت التنويه الي قضية أرخبيل “شاجوس” ليس فقط كمثال معاصر على ازدراء بعض القوي الكبرى للقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني في الوقت الذي لا تكف فيه عن إعطاء الدروس للأخرين حول احترام هذه الحقوق، وتعد القضية الفلسطينية والسلوك الإسرائيلي العدواني والعنصري المثال الصارخ لذلك، ولكن لكي لا يأخذ البعض منا أحاديث قادة هذه الدول ووسائل اعلامها عن القيم وعن حقوق الانسان في البلدان الأخرى وتقديم أنفسهم كمدافعين عنها، على محمل الجد. ففي العلاقات الدولية الغلبة دائماً للمصالح، وستظل مسألة التمتع بحقوق الانسان وحرياته شأناً داخلياً يتوقف على الإرادة السياسية للنظم الحاكمة وبمدي ايمانها بأن المؤسسات الداخلية المستقلة هي وحدها القادرة على حماية هذه الحقوق وضمان التمتع بها. والمتأمل للتجربة الأوروبية في مجال حماية حقوق الانسان والحريات الأساسية سيري أن الأغلبية الساحقة من الاحكام الصادرة عن أجهزة الاتفاقية الأوروبية في هذا الشأن تصدر ضد دولتين فقط من أطرافها (تركيا وروسيا)، بينما حصّنت النظم القانونية الداخلية المستقلة والفاعلة في الدول الأخرى الأطراف هذه الدول من المساءلة الدولية، وهي نفس الدول التي تستخدم الاتفاقية كآداة للدعاية بخضوعها لآليات دولية ملزمة للرقابة على حقوق الانسان ولتحقيق أغراض سياسية على نحو ما نراه بوضوح في الممارسة الدولية.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 20 مارس 2021 و رابط: