
صرخة في الوادي … عبد الرؤوف الريدي
مارس 24, 2021
حلقة نقاشيةلمجموعة عمل السودان بالمجلس حول “فرص تعزيز العلاقات المصرية / السودانية”
مارس 30, 2021أكد الدكتور عزت سعد مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية أن مصر حاولت- بالتعاون مع شركائها – الحفاظ على بقاء واستمرارية حركة عدم الانحياز، وسط التحديات الهائلة، وأن هذه التحديات تتطلب- فضلاً عن الحفاظ على الحركة- تكثيف الجهود؛ لإعادة بناء وتعزيز قدرات الحركة؛ من أجل الدفاع عن نظام دولى متعدد الأطراف، عادل وسلمى وتعاونى. جاء ذلك فى ورقته، حول: مصر وحركة عدم الانحياز، التى شارك بها، فى ذكرى الاحتفال بمرور 60 عاماً على قيام الحركة، بدعوة من معهد السياسة الدولية والاقتصاد ببلجراد، فى 30 مارس 2021.
وتناولت ورقة الدكتور عزت سعد رؤية مصر حول حركة عدم الانحياز. وذكرت أن “مصر تعد من الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، ولها دورها الحيوى المعروف فى تأسيس وبناء وتطوير الحركة. وقد حاولت مصر- بالتعاون مع شركائها – الحفاظ على بقاء واستمرارية الحركة…، بالنظر إلى ثقلها الإقليمى والدولى. كما كانت لمصر مساهمة واضحة فى تحويل الأفكار المتعلقة بعدم الانحياز إلى واقع ملموس منذ نشأة الحركة.“
وشرحت ” لعبت مصر دورًا رئيسًا فى تشكيل حركة عدم الانحياز، على يد الزعيم الثورى المصرى، ذو الشخصية البارزة، جمال عبد الناصر، مع شركائه الآسيويين والأفارقة. تابعت مصر تطوير فكرة إنشاء حركة عدم الانحياز منذ البداية حتى أصبحت كيانًا حقيقياً مهماً فى مؤتمر باندونغ 1955. لقد دعت رؤية الرئيس عبد الناصر إلى اتحاد جماعى، يتكون من دول نامية يمكنها العمل بحرية على حل مشاكلها وتحليلها وإيجاد حلول لها. دعا ناصر إلى عدم التدخل، من قبل كتلتى القوى، بشأن السياسة الخارجية للدول المستقلة حديثاً فى آسيا وإفريقيا. وقد امتدت رؤيته وتأثيره إلى بقية العالم العربى؛ حيث شجع تبنيه لسياسة عدم الانحياز الدول العربية الأخرى على أن تصبح محايدة فى نهجها للدبلوماسية فيما يتعلق بالكتلتين الغربية والشرقية.
بعد ذلك، استضافت القاهرة الاجتماع التحضيرى للقمة الأولى لحركة عدم الانحياز، فى بلغراد، فى الفترة من 5 إلى 12 يونيو 1961، ثم القمة الثانية فى أكتوبر 1964، التى حضرتها 47 دولة. حكم ناصر مصر من عام 1954 حتى وفاته عام 1970، ولا يزال عبد الناصر رمزًا للكرامة ومعاداة الصهيونية وإنهاء الاستعمار والقومية العربية، وقبل كل شىء العدالة الاجتماعية بالنسبة للكثيرين. إن المشاعر، التى عبر عنها الرئيس عبد الناصر ورؤيته لتضامن الدول النامية، لا تزال حاضرة حتى اليوم.
وفى هذا السياق، كان من الواضح أن مصر تؤمن بقدرة حركة عدم الانحياز على أن تكون الإطار الأهم والأوسع لتنسيق مواقف الدول النامية، فيما يتعلق بمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدولية، بما فى ذلك جدول أعمال الأمم المتحدة؛ مع دعم العمل الجماعى في مواجهة السياسات الأحادية التى تشكل تحدياً لدول العالم الثالث. لقد أصبح هذا بالفعل السمة الرئيسية لدور حركة عدم الانحياز.
وفى عام 2009، استضاف منتجع شرم الشيخ القمة الخامسة عشرة لحركة عدم الانحياز، حيث شاركت 118 دولة فى أنشطة الحركة، بما فى ذلك 55 من رؤساء الدول، ودول أخرى بصفة مراقب. وأكدت الوثيقة الختامية لتلك القمة على: ضرورة تحقيق أهداف حركة عدم الانحياز، بما فى ذلك تحقيق العدالة والمساواة بين شطرى العالم (الشمال والجنوب)؛ حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية؛ الحفاظ على استقرار الدول وأمنها؛ وتعزيز التعددية كمبدأ أساسى للمفاوضات فى مجال نزع السلاح وعدم الانتشار… إلخ.
ولا شك أن أهمية تلك القضايا قد ازدادت، فى السنوات القليلة الماضية، مع الأخذ فى الاعتبار التغيرات والتحديات الدولية المتلاحقة؛ لا سيما فى ظل جائحة كوفيد-19. فى القمة الأخيرة، المنعقدة فى مايو 2020، نسقت الدول الأعضاء جهودها للحد من انتشار الفيروس المستجد، ومناقشة سبل مواجهة الفيروس من الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أكد الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى على ضرورة التعاون والتضامن الدوليين للاستجابة الفورية لأزمة فيروس كورونا. كما دعا إلى دعم اقتصادات الدول النامية والحد من تأثير الأزمة على الأمن الغذائى.
من ناحية أخرى، استحضر وزير خارجية مصر سامح شكرى، فى الاجتماع الافتراضى لحركة عدم الانحياز الذى عقد فى 10 أكتوبر 2020 على هامش الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط، وتطبيق حوكمة الإنترنت والحفاظ على الأمن السيبراني. كما أكد دعم مصر الثابت للحلول السياسية للصراعات في ليبيا وسوريا واليمن، وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق القرارات الدولية؛ لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفى ختام الاجتماع، اعتمد المشاركون إعلانًا سياسيًا بشأن أولويات حركة عدم الانحياز، والذي تضمن معالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كوفيد-19، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الجهود للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كما أشاد الاجتماع بمبادرة مصر بشأن “خارطة طريق القاهرة لتعزيز عمليات حفظ السلام الأممية” فى دعم التنفيذ المتوازن في منظومة الأمم المتحدة لحفظ السلام.”
كما تناولت ورقة الدكتور عزت سعد مكانة الحركة ،وظروف تطورها، والجدل حول استمرارها، والتطلعات نحو مستقبلها.
وذكرت ” تعد حركة عدم الانحياز (NAM) ثانى أكبر تجمع دولى بعد الأمم المتحدة. واليوم، تمثل حركة عدم الانحياز أكثر من 60٪ من أعضاء المنظمة الأممية وأكثر من نصف سكان العالم. وبذلك هي تشكل كتلة تصويتية كبيرة، خاصة أنها تضم فى عضويتها العديد من القوى الكبرى التى تلعب أدواراً مهمة على الساحتين الإقليمية والدولية، وتؤخذ قراراتها بعين الاعتبار فى القضايا الدولية؛ لذا ينبغى للحركة أن تستغل ثقلها الكبير لصالح إقامة العدل والسلام في العالم، ولا شك أن دورها- فى هذا الصدد- بدأ ينمو فى ظل التطورات والتغيرات الحاسمة التى تشهدها البلاد على الساحة الدولية في الآونة الأخيرة.
ومن المعروف أن الحركة وُلِدت من رحم حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونتيجة للصراع الأيديولوجى بين المعسكرين الشرقى والغربى. فخلال تلك الفترة، تخلص مئات الملايين من البشر من الاستعمار، وخشي قادة الدول المستقلة حديثًا أن تكون بلادهم مسرحاً للمنافسة بين الاشتراكية والرأسمالية؛ وبالتالى، فقد ابتكروا عدداً من الأفكار بهدف التحول عن منطقة الصراع المحتملة؛ لذلك، ظهرت فكرة “عدم الانحياز”- لأول مرة- فى مؤتمر باندونغ للتضامن الأفروآسيوى فى إندونيسيا عام 1955. وفى عام 1961، تأسست حركة عدم الانحياز، بفضل جهود قادة، مثل: جمال عبد الناصر (مصر)، جواهر لال نهرو (الهند)، جوزيف بروز تيتو (يوغوسلافيا)، وأحمد سوكارنو (إندونيسيا).
وقد حدد الاجتماع التحضيرى لمؤتمر القمة الأول لحركة عدم الانحياز، الذى عقد فى القاهرة فى الفترة من 5 إلى 12 يونيو 1961، أهداف سياسة عدم الانحياز، التى تم تبنيها، كمعايير للعضوية فى الحركة. ومع ذلك، فإن فكرة عدم الانحياز لم تعن أن الدولة يجب أن تظل سلبية أو حتى محايدة في السياسة الدولية. بل على العكس، فمنذ تأسيس حركة عدم الانحياز، كان هدفها المعلن هو إعطاء صوت للبلدان النامية وتشجيع تضافر تحركاتها في الشؤون العالمية. سعت حركة عدم الانحياز إلى “خلق مسار مستقل فى السياسة العالمية لا يؤدى إلى تحول الدول الأعضاء إلى أدوات فى الصراعات بين القوى الكبرى”. فهى تحدد حق الحكم المستقل، والنضال ضد الإمبريالية والاستعمار الجديد، واستخدام الاعتدال في العلاقات مع جميع القوى الكبرى؛ باعتبارها العناصر الأساسية الثلاثة التي أثرت فى نهجها.
من ناحية أخرى، جاءت المبادئ التأسيسية لحركة عدم الانحياز لتعزيز الأهداف والمعايير المذكورة أعلاه. وأكدت هذه المبادئ على احترام حقوق الإنسان الأساسية ومقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها؛ الاعتراف بالمساواة بين جميع الأجناس وجميع الأمم؛ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؛ الامتناع عن أعمال العدوان أو التهديد بها أو باستخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى لأى دولة؛ تسوية جميع النزاعات الدولية بالطرق السلمية، مثل: التفاوض أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية، وغيرها من الوسائل السلمية التى يختارها الطرف؛ بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز المصالح المشتركة، والتعاون.
كما يتم بذل الجهود التعاونية بين الدول الأعضاء فى حركة عدم الانحياز، من خلال هيئة على مستوى السفراء بمقر الأمم المتحدة فى نيويورك، والتى تستعرض وتقوم بتسهيل الأنشطة بين مجموعات العمل ومجموعات الاتصال وفرق ولجان العمل؛ من أجل تعزيز مجمل التنسيق والتعاون بين دول حركة عدم الانحياز.”
وتناولت الورقة ” ما سبقت الإشارة إليه، وهو أن جدلاً كبيراً قد أثير داخل حركة عدم الانحياز وخارجها منذ التسعينيات، وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، حول شرعية الحركة وعودة استمرارها. وظهرت وجهتا نظر مختلفتين تماماً. ترى الأولى أن حركة عدم الانحياز انتهت عملياً؛ لأن مبررات وجودها اختفت، فقد وُلِدت فى سياق الحرب الباردة التى لم تعد قائمة، كما أن هناك تغيرات عديدةً حدثت فى الدول المؤسسة لها.
أما وجهة النظر الثانية، فترى أن الحركة ينبغى أن تستمر؛ لأن مبررات استمرارها أكثر من مبررات اختفائها، فالحركة قد حققت فى الماضى كثيراً من الإنجازات، مع ظهور تحديات جديدة لم تكن موجودةً من قبل؛ مما يستدعى تفعيل الحركة وإعادة إحياء دورها، على سبيل المثال: ضرورة نزع فتيل التوترات، وحل المشكلات الدولية والإقليمية، التى طال أمدها. ويمكن أن تساعد الحركة- أيضاً- فى منع الدول المتقدمة من الهيمنة على الدول النامية، ومن التدخل في شؤونها. فتسعى الحركة إلى تحقيق إصلاح اقتصادى عالمى، وتضييق الفجوة الاقتصادية بين الشمال والجنوب، والقضاء على الفقر والجوع، وتعزيز الحوار والتعايش بين الشعوب والثقافات.
في هذا السياق، من المعقول التمسك بالجانب الذى يؤكد ضرورة استمرار حركة عدم الانحياز من أجل معالجة التغيرات الدولية الأخيرة. فحركة عدم الانحياز قامت بالفعل بتعزيز التعاون الدولى بين أعضائها. ومن هنا فإن استمرار حركة عدم الانحياز ودورها في النظام الدولي له ما يبرره؛ لاسيما فى ظل قدراتها الهائلة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والجغرافية.
لذلك، من الضرورى إعادة التأكيد على المبادئ التى تأسست عليها حركة عدم الانحياز، لاسيما فيما يتعلق بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها واستقرارها واستقلال قراراتها؛ بالإضافة إلى ذلك، فى ضوء التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب روسيا، ينبغى على حركة عدم الانحياز أن تستمر فى إعلان مواقف أعضائها المحايدة بوضوح وشجاعة للحفاظ على مصالحهم. كل هذه التحديات الهائلة تتطلب الحفاظ على حركة عدم الانحياز، وكذلك تكثيف الجهود لإعادة بناء وتعزيز قدراتها، من أجل الدفاع عن نظام دولى متعدد الأطراف عادل وسلمى وتعاونى.
ومن ثم ينبغى على حركة عدم الانحياز إعادة تقييم هويتها وهدفها في حقبة ما بعد كوفيد-19، واستغلال قدراتها الفريدة. يجب إدخال برنامج إصلاحى لتكون أكثر فعالية على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة. يقترحS. Keethaponcalan ترقية الكيان من حركة إلى منظمة دولية، ويفضل النظر فى فكرة صياغة دستور رسمى، وإنشاء أمانة دائمة، وكذلك الانعقاد السنوى جراء التغيرات الكبيرة الحاصلة وتأثر عدد أعضائها الكبير بهذه التغيرات.”