أدانة الممارسات العدوانية للقوات الإسرائيلية ضد المدنيين العزل واقتحامها حرم المسجد الأقصى والتعرض للمصلين الفلسطينيين واخراجهم من داخل ساحات المسجد
مايو 11, 2021بمناسبة مرور (65) عاماً على قيام العلاقات الدبلوماسية بين مصر وجمهورية الصين الشعبية
مايو 18, 2021كشفت تقارير دولية أكدتها مصادر رسمية إيرانية وسعودية مؤخراً، عن مباحثات سرية جرت في بغداد في ابريل الماضي بين كبار مسئولي الاستخبارات في كل من السعودية وإيران برعاية عراقية. كما كان ولي العهد السعودي قد صرح، في برنامج تلفزيوني بث محلياً مساء 27 ابريل الماضي، بأن بلاده “اعترضت على تصرفات إيرانية سلبية معينة” معرباً عن أمله في “بناء علاقة طيبة وإيجابية مع إيران مفيدة لكل الأطراف”. وتشير بعض التقارير، غير المؤكدة، باتصالات بين إيران وبعض الدول الأخرى في المنطقة.
ولا شك أن خطوة كهذه تعد تطوراً بالغ الأهمية منذ قطع البلدين علاقاتهما عام 2016. فحتي ما قبل الإعلان عن الحوار، كثيراً ما تم التأكيد من قبل دول الخليج على أن فكرة الحوار التي تروج لها طهران لم تسفر عن أي نجاح بسبب عاملين رئيسيين: انعدام الثقة في إيران وعزوف الولايات المتحدة عن ضمان أي حوار إقليمي بين إيران وجيرانها.
والجديد الذي دفع الرياض الي اتخاذ هذه الخطوة هو تغير الأوضاع الإقليمية والدولية عن ما كانت عليه قبلاً و السياق هنا هو أننا بصدد إدارة أمريكية جديدة استهلت سياستها الخارجية بانتقادات شديدة للسعودية من ناحية والتأكيد على العودة الي الاتفاق النووي مع إيران من ناحية أخرى. وعندما وقع الاتفاق النووي في يوليو 2015، والذي أعتبره أوباما ” ضرورياً لإرساء الاستقرار الإقليمي، وتعزيزاً لنفوذ الإيرانيين المعتدلين”، اعترضت عليه ثلاث دول هي إسرائيل بجانب كلا من السعودية والامارات اللتين طلبتا إدراج سياسة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي على أجندة المفاوضات حول الملف النووي وألا يعالج هذا الملف بمعزل عن هذه السياسات، إلا أن أوباما لم يلتفت لهذا الطلب وتم التركيز فقط على المسألة النووية. ومن جانبها عارضت إسرائيل توسيع جدول أعمال المفاوضات الي ما هو أبعد من الملف النووي، خوفاً من أن يؤدي ذلك الي قيام واشنطن بتبني حل وسط في الملف النووي مقابل تنازلات في القضايا الإقليمية. وعندما قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق في مايو 2018 وفرض سياسته المعروفة بـــــ “أقصي ضغط”، – بضغوط من إسرائيل – رحبت الدول الثلاث بذلك.
والحقيقة أن هناك اعتراف امريكي واسع بأن الصفقة النووية مع إيران عام 2105 – والتي تسعي إدارة بايدن الي العودة اليها – تؤشر لتحول كبير في السياسة الخارجية الامريكية تجاه إيران، وأن ضغوط إسرائيل ودول الخليج على واشنطن ارتباطاً بذلك قد بلغت نهايتها. فمنذ البداية لم تكن لجهود إسرائيل للتأثير في سياسة إدارة أوباما حيال إيران حظوظاً كبيرة من النجاح، كما لم تنجح سياسات الرئيس السابق في حدوث أي تحول في الموقف، ووصلت إدارة بايدن الي أن البديل الوحيد لمنع استمرار التصعيد مع إيران هو العودة الي الاتفاق النووي والتي ينظر اليها من قبل البعض على أنها اعتراف بمصالح إيران الاقليمية. ولا يبدو ان العمليات الإسرائيلية ضد إيران والتي تستهدف العملية الدبلوماسية ستكون لديها فرصة للتأثير على موقف واشنطن.
إن المراقب لهذه السياسة الامريكية وتقييم العواصم الإقليمية والقوي الكبرى الحاضرة في المنطقة، مثل روسيا والصين، بأن إيران يمكن أن تواصل وبسهولة مضايقة شركاء أمريكا في الخليج وقلقلة الوجود الأمريكي في العراق وتعزيز قبضة الأسد في سوريا، لابد وأن تدفع الرياض الي مراجعة الموقف برمته، وتبني مقاربة الحوار مع طهران على أمل أن يؤدي الي انهاء الصراع في اليمن ويضع نهاية للهجمات على منشآتها الاستراتيجية، بتكلفتها السياسية والاقتصادية الباهظة.
وبدلاً من الاعتراض على الصفقة النووية عام 2015، ثم دعم سياسة “أقصي ضغط”، أعربت السعودية مؤخراً عن تأييدها للاتصالات غير الرسمية الجارية بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي، على أن يعقب ذلك بحث القضايا الأخرى المثيرة للقلق كترسانة الصواريخ البحرية والمسيرات الإيرانية ونشاط وكلاء إيران في المنطقة. ووفقاً لمدير التخطيط بالخارجية السعودية فإن العودة الي الاتفاق النووي يجب أن تكون خطوة أولي لضم أطراف إقليمية بهدف توسيع بنود الاتفاق والتأكد من أن الأموال التي سيفرج عنها بعد رفع العقوبات عن إيران لن تستخدم في زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وينسجم حوار الرياض وطهران مع السياسة الإيرانية المعروفة منذ عملية التفاوض على اتفاق 2015، والتي تعارض أي توجه بتوسيع المحادثات بشأن الاتفاق النووي لتشمل سياسات إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي، حيث تشدد دائماً على وجوب مناقشة هذه المسائل مع الأطراف الإقليمية فقط دون أي تدخل خارجي، ومعارضة أن تعرض في منتدى مشترك لدول المنطقة أو دولياً. ويلاحظ في هذا السياق قيام وزير الخارجية الإيراني بجولة خليجية مطلع مايو الجاري، بالتزامن مع مفاوضات فيينا حول الملف النووي، شملت العراق وقطر وسلطنة عمان والكويت. وغرد ظريف على صفحته “هناك بوادر إيجابية فيما يتعلق بملفات المنطقة”. وقبل وصوله الكويت التقي ظريف بالمتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام في مسقط، ومصرحاً بأن موقف طهران مؤيد لوقف إطلاق النار والعودة الي طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب المدمرة في اليمن.
ومن الناحية العملية، يصعب القول بأن هناك تحالفاً اسرائيلياً سعودياً – إماراتياً للضغط على إدارة بايدن. فالسعودية لديها مشاكلها مع هذه الإدارة، بينما تتبني الامارات سياسة خارجية تجاه إيران تقوم على التشدد العلني، وفي الوقت ذاته الإبقاء على قنوات حوار خلف أبواب مغلقة. ويبدو واضحاً أن الرياض بدأت في تبني هذه المقاربة، حيث لا تفضل الدولتين تصعيداً مع طهران يمكن أن يؤدي الي حرب ستكونان أول من يعاني منها. وفضلاً عن ذلك، تشير تقديرات إسرائيلية الي اختلاف الأولويات فيما بين إسرائيل ودول الخليج حول المشكلات الإقليمية. ففي حين يعد الحضور الإيراني القوي في سوريا ودعم طهران لحزب الله بمثابة التهديد الأهم لإسرائيل، يمثل الحوثيين في اليمن الأولوية الرئيسية للسعودية والامارات.
ومن وجهة نظر إسرائيل، ستظل المسألة النووية هي القضية الاستراتيجية الرئيسية، والأهم بكثير من أي قضية أخرى، وهو أمر تشاطر فيه الولايات المتحدة إسرائيل، وبالتالي تفضل الأخيرة معالجة القضايا الأخرى بشكل منفصل عن البرنامج النووي، دون شروط أو ربط.
ومن المؤكد أن الرياض والعواصم الأخرى في المنطقة تدرك حقيقة أن مواقف الإدارات الامريكية المتعاقبة منذ ريجان، وبعد أزمة الرهائن الأمريكيين عام 1979، تشير الي عدم استعداد الولايات المتحدة لمهاجمة إيران في أراضيها. فلم ترد إدارة كلينتون على الهجوم الإيراني على منشأة تابعة للقوات الجوية الامريكية في السعودية، كما لم يهاجم جورج بوش الابن أبداً أهدافاً في إيران، رغم اعتبارها جزءاً من “محور الشر”، وخسر العديد من الجنود في العراق بسبب الأسلحة التي زودت إيران الميليشيات التابعة لها هناك بها. وكان أوباما خطط لشن هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن طهران وافقت على الحد من طموحاتها في أن تكون قوة نووية، وبالتالي لم تكن هناك حاجة الي توجيه ضربة أمريكية لها. وحتى ترامب نفسه، سخر من فكرة الانتقام من إيران بسبب هجومها على منشآت أرامكو في السعودية، ولم يقترح أي تحرك لوقف التصعيد واستئناف عملية دبلوماسية مع إيران، مكتفياً بالقول: “نحن مستلقون ولا نحتاج الي نفط الشرق الأوسط”. ويعكس كل ذلك تفاهماً مشتركاً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بأن مهاجمة إيران فكرة سيئة. وما اختلف فيه ترامب عن أسلافه هو نجاحه في خلق محور خليجي / إسرائيلي – أو هكذا تصور – ينظر الي إيران كعدو مشترك.
من ناحية أخرى، ظهرت بعض التقديرات الأمريكية، في الفترة الأخيرة، تشير الي واشنطن لا تملك القدرة على، ولا حتى الرغبة في، فرض إرادتها على المنطقة، وبالتالي ستكون مهمة تقليص النفوذ الإيراني من شأن دول المنطقة ذاتها، التي سيكون عليها القيام بدور أكثر نشاطاً في هذا الشأن. وتعتقد هذه التقديرات أن مقاربة المعادلة الصفرية تجاه إيران قد فشلت، وأن دول الخليج العربية بحاجة الي تطوير نهج يقوم على تحديد مصالحها وأولوياتها مع الاعتراف في الوقت ذاته بأن لإيران مصالح مشروعة في بعض دول المنطقة ما بين أمنية في العراق واقتصادية في سوريا ودينية وثقافية في كل من العراق وسوريا ولبنان. وتضيف هذه التقديرات أن لدي الولايات المتحدة مصلحة ملحة في إيجاد طريقة للتعامل مع إيران، تماماً مثلما سعت مراراً وتكراراً الي القيام بذلك مع الاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة.
والخلاصة هي أنه رغم أنه لا توجد ضمانات بإمكانية نجاح هذا الحوار وصعوبة التكهن بنتائجه، الا أنه تطور مهم يؤشر للبيئة الإقليمية والدولية المتغيرة في المنطقة. ورغم صعوبة فصل الملف النووي الإيراني عن سياسات طهران الإقليمية، حيث يشكلان كلاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الإيرانية الرامية الى فرض الهيمنة وتعظيم النفوذ واستدامة النظام، الا أن تراجع الأهمية الاستراتيجية للمنطقة من منظور واشنطن، وسعى الأخيرة للتخفيف من التزاماتها فيها، يترك عبء تقليص النفوذ الإيراني على عاتق دول المنطقة ذاتها، التي سيكون عليها إيجاد صيغة للتعايش مع هذه الدولة بما يعيد الاستقرار للمنطقة على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 12 مايو 2021 و رابط :
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=12052021&id=8d699995-83a5-466e-b880-7c1cfb9e3f9f