السفير عبد الرؤوف الريدى : السادات لم يفرط فى حقوقنا.. ورؤيته كانت أبعد (حوار)
أكتوبر 2, 2021في عيدها الستين، حركة عدم الانحياز في عالم متغير
أكتوبر 6, 2021
بعد مضى أكثر من عقدٍ على اندلاع الثورة السورية والصراعات التالية لها، عُقِدت ندوة حول التطورات فى سوريا، وفرص تحريك عملية التسوية بها، استضاف خلالها المجلس المصرى للشئون الخارجية الدكتور(السورى) سمير العيطة أستاذ الاقتصاد السياسى بجامعتَى باريس والسوربون؛ وجرى طرح رؤى تؤكد أن: السلطة القائمة فى دمشق لا تُبدى استعداداً لأية تنازلات، وأن الوضع السورى سيبقى على حاله لسنوات قادمة؛ وأن كل مناطق النفوذ فى سوريا تعتمد بشكلٍ كبير على المساعدات الدولية وعلى تحويلات المغتربين، ولا يُتوقع أن يعود كل اللاجئين السوريين إلى بلادهم على المدى المتوسط؛ وضرورة وجود دور عربى حاسم لحلحلة الأزمة السورية، إلى جانب كونه سيوفر مخرجاً لروسيا، وأن وجود ممثل لمجلس سوريا الديمقراطية(مسد) فى مصر دليل على تعويل “المجلس” على دور مصرى وعربى مؤثر فى الأزمة. كما تمت مناقشة أدوار كل من إيران وتركيا والولايات المتحدة والأردن فى الأزمة السورية ومعالجتها.
وافتتح الندوة، فى 4 أكتوبر 2021، السفير د./ منير زهران رئيس المجلس، و تحدث الدكتور سمير العيطة، وهو أيضاً رئيس منتدى الاقتصاديين العرب وصحفى سورى معروف، وشارك فيها عددٌ من الأعضاء من السفراء والأكاديميين المعنيين بالشأن السورى، من بينهم السفراء د./ عزت سعد مدير المجلس، محمد أنيس سالم، رخا حسن، محمد بدر الدين زايد، فاروق مبروك، محمد منير، محمد مصطفى كمال، ود./ ليلى موسى ممثل مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة، وأ./ على نواف العاصى نائب رئيس حزب سوريا المستقبل. وساهم بعض المشاركين فى المناقشات؛ التى رد على تساؤلاتها الدكتور سمير العيطة.
وقد شهدت الندوة، بصفة خاصة، ما يلى:
-
أشار د./ العيطة إلى أن هناك إشكاليات عدة فى المفاهيم داخل البلدان العربية؛ كالدولة والمجتمع والاقتصاد السياسى؛ مضيفاً أن الحركات والثورات العربية قد طرحت مفهوم الدولة بشكلٍ رئيسى وواضح، وكذا علاقة الاقتصاد بالدولة، حيث لم يكن هناك فى السابق اقتصاد سياسى؛ نظراً لسيطرة السياسة بشكلٍ كامل على الأنماط الاقتصادية وأبعادها. كذلك هناك إشكالية بين مفهومَى النظام “Regime” والسلطة “Authority” وأساليب التمييز بينهما، خاصةً وأن السلطة قد توظِّف الدولة وتعوق نظامها كى تحقق مآربها، مثلما يحدث فى لبنان من جرَّاء ثِقَل حزب الله بها، بل وينطبق هذا على الرئيس السورى بشار الأسد؛ حينما قام بتعديل الدستور السورى ليتمكَّن من حكم سوريا أربع مرات متتالية، رغم أن ذلك لا يحق دستورياً سوى مرتين فقط. بالإضافة إلى ذلك، هناك إشكالية حول مفاهيم: المركزية واللامركزية والحكم الذاتى وكيفية تطبيق كلٍ منها. والواقع أن هذه المفاهيم ستُطرَح بطريقة أو بأخرى داخل العديد من بلدان المنطقة، غير سوريا، حتى فى تونس؛ فمنطقة بوزيدى المُهمَّشة التى انطلقت منها شرارة الثورة التونسية، لم يزُرْها مسئول واحد منذ اندلاع الثورة التونسية، فى ديسمبر 2010.
-
فى سياقٍ متصل، هناك إشكاليات وعقبات أخرى فى طريق تسوية الأزمة السورية، من بينها الميليشيات العسكرية والقوات الأجنبية الموجودة داخل الأراضى السورية، ومدى نفوذها عليها؛ فهناك، مثلاً: القوات الروسية والإيرانية والتركية، وكذا الأمريكية. وهذه القضية لا ريب تُسهِم فى مزيدٍ من عرقلة عملية التفاوض لتسوية الأزمة السورية. هذا فى الوقت الذى أصبحت فيه قرارات مجلس الأمن ومحادثات جنيف مختلفة تماماً عن الواقع السورى اليوم، بما يستتبعه ذلك من ضرورة الدخول فى محادثات ومفاوضات جديدة شكلاً وموضوعاً، للأخذ بالاعتبار ما آل إليه الوضع الحالى فى سوريا، وهى عملية ليس باليسير إجراؤها فى ضوء استمرار التنافس الإقليمى والدولى داخل الساحة السورية. هذا، إلى جانب حقيقة أن ما حدث من مفاوضات لم يكن حقيقياً وشاملاً، بالنظر إلى أنه قد تم استبعاد كلٍ من مجلس سوريا الديموقراطية (مسد) وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)؛ وهو ما يخل بوجوب انضمام كافة أطياف وتنظيمات الشعب السورى فى عملية المفاوضات، لاسيما فى هذا الظرف التاريخى الحرج الذى تمر به سوريا، وكذا للآثار المستقبلية التى سينطوى عليها ذلك بالضرورة. فى هذا السياق، هناك إشكالية أخرى ترتبط بموضوعات التفاوض وأولوياتها؛ فـ (مسد)، على سبيل المثال، تضع النفط على صدر قائمتها لموضوعات التفاوض، فيما تنادى بتحقيق نظام لامركزى للحكم فى سوريا، والأخذ فى الاعتبار مكونات وهويات النظام السورى كالأكراد والسنة والشيعة، وهو ما يُعَد مستبعداً تحقيقه بشكلٍ كامل فى الوقت الحالى.
-
لقد باتت كل مناطق النفوذ تعتمد بشكلٍ كبير على المساعدات الدولية وعلى تحويلات المغتربين، التى وصل مبلغها الإجمالى إلى ما بين ثلث ونصف الناتج المحلى. وبغضِّ النظر عمَّا إذا كان هناك ضمان لأنْ تبقى المساعدات الدولية على مستوياتها الحالية، رغم أنها أقل مما كان يُنفَق دولياً على الحرب بالوكالة، فإن هذه المساعدات – التى تأتى فى مجملها فى صورة مساعدات عينية – تشكِّل فى حد ذاتها عائقاً أمام تنشيط الاقتصاد المحلى والتشغيل، لاسيَّما فى ظل البنية التحتية المدمرة وانهيار البيئة الصناعية بالبلاد، وكذا الشكوك حول استمرار مستويات تحويلات المغتربين فى ظروف هشاشة الاقتصادات الدولية، والخليجية خاصة، فى زمن وباء Covid-19. هذا، إلى جانب وطأة العقوبات الغربية الشديدة المفروضة على سوريا، وعدم وجود منفعة للنظام من إعادة النازحين والمُهجَّرين إلى البلاد مرة أخرى، لأنهم سيشكلون عبئاً إضافياً عليه، فى ظل الحرص على تأمين الغذاء والخدمات بحدّها الأدنى للمقيمين الموجودين، حيث هم، وقد ازدادت أعدادهم ليصل سكّان سوريا إلى ما كان عليه عددهم قبل الأزمة. وبالتالى، لا يُتوقع أن يعود كل اللاجئين السوريين إلى بلادهم على المدى المتوسط، خاصّةً أولئك الذين وصلوا إلى أوروبا أو تركيا، أو حتّى مصر، وجهدوا للحصول على فرص شغل، وأنشأوا عائلات، وحصلوا على حماية اجتماعية، صحيّة وغيرها، وخدمات غير موجودة لا فى سوريا ولا فى دول الجوار العربيّة. من ناحية أخرى، لا يبدو أن عودة هؤلاء اللاجئين، أو حتى النازحين الداخليين، تشكّل همّا أساسياً للسلطة السورية المهتمة فقط بـ “صفقات ما بعد الأزمة“.
-
لا تُبدى السلطة القائمة فى دمشق استعداداً لأية تنازلات، وهى تعيد ترتيب أوضاعها لزيادة التسلط فى المناطق التى تهيمن عليها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ احتفاءً بـ “انتصارها” المدعوم بقوة من الوجود الروسى، وترى أن مخاطرها ستزيد إذا ما منحت أية مزايا للمصالحة مع المناطق الأخرى. فى المقابل، فقدت (قسد) والإدارة الذاتية عملياً إمكانية خلق “كيان مستقل” على الأرض، ولكنها ما زالت تملك نسبياً موارد أفضل؛ بحيث يُمكن لها أن تلعب وقتاً طويلاً لصالحها؛ لترسيخ واقع ما يوماً ما. أما مناطق الفصائل، فعدا الفوضى القائمة فيها رغم الهيمنة التركية، عدا إدلب الواسعة التى تنظمها “هيئة تحرير الشام” نوعاً ما، لم تعُد مناطق “معارضة” بشكلٍ فعلى؛ إذ لا تحمل مشروع حوكمةٍ سياسية منفصلة عن أمراء حربها؛ لا للأرض ولا للمواطنات والمواطنين الذين يقيمون فى ظلها، ولا لكل سوريا.
-
تتفق معظم آراء المراقبين أن الوضع السورى سيبقى على حاله لسنوات قادمة؛ بلدٌ منقسم إلى مناطق نفوذ ثلاث، لكلٍ منها آليات الهيمنة المحلية الخاصة بها وقواها العسكرية وداعميها الخارجيين؛ بل أكثر من ثلاث، إذا أُخِذ بالاعتبار أن مناطق “هيئة تحرير الشام” لها وضع خاص ضمن السيطرة التركية، دون نسيان نفوذ “داعش” الذى لم يزل موجوداً، وكذا إيران التى باتت لها منطقة هيمنة مباشرة أيضاً.
-
هذا، وعلى الرغم من الحاجة المُلِحَّة الآن لتوحيد المعارضة السورية، إلا أن تحقيق هذا الأمر قد أصبح شبه مستحيل، بعد كل ما عانته محاولات التوحيد السابقة من عوائق. بل ربما تنتظر السياسة فى سوريا فرزاً جديداً فى الفكر والممارسة وفى جميع المناطق، بين مَن يريد سوريا واحدة ومَن لا يريد، ومَن يقبل بهيمنة أمراء الحرب، مهما كانوا، ومَن لا يقبل، وبين مَن يتخطى الطائفية المذهبية أو الإثنية ومَن لا يريد تخطيها، وبين مَن يدين ممارسات التسلط وأمراء الحرب والقمع فى منطقة تواجده قبل المناطق الأخرى، من طرف، وأولئك الذين لا يوجهون الأصابع سوى إلى تعديات الطرف الآخر، وكذلك بين مَن يُدينون كل أطراف التدخل الخارجى فى سوريا أو بين أولئك الذين لا يُدينون سوى أطرافٍ بعينها مستعينين بالأطراف الأخرى.
-
فيما يتعلق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فتجدر الإشارة إلى أن قرار تعليق عضويتها كان خاطئاً منذ البداية؛ إذ إن التعليق فى حقيقته قد أضرَّ بالشعب السورى وليس بالنظام السياسى القائم. وهذا أمرٌ تجلَّت ملامحه بشدة خلال السنوات القليلة الماضية. وفى هذا السياق، لا بد من الدعوة إلى إنهاء هذا الوضع فى أقرب وقتٍ ممكن. كما يجب العمل على التحضير لما بعد الأسد عقب انتهاء فترة رئاسته الدستورية الرابعة، إذا لم يكن هناك تعديل دستورى إضافى.
-
كان د./ العيطة قد استهل حديثه بتوجيه الشكر للمجلس على تنظيم اللقاء، مشيراً إلى أنها الزيارة الثالثة التى يجريها للمجلس بعد اثنتين فى عامَى 2008 و2015.
المناقشة:
-
السفير د./ منير زهران: ذكّر بالوحدة المصرية/ السورية فيما بين عامَى 1958 و1961، وتساءل عمَّا يمكن لمصر القيام به لتسوية الأزمة فى سوريا، وكذا عن دور التواجد العسكرى الروسى فى سوريا فى تسهيل أو عرقلة عملية التسوية بها.
-
السفير/ رخا حسن: أكَّد على وجود مشكلات كثيرة داخل سوريا، وأن هناك قوى عدة تسيطر على هذه المشكلات؛ فهناك إيران– على سبيل المثال- التى تساعد الأسد؛ لوقوف سوريا إلى جانبها فى حربها ضد العراق، وكذا لعدم سماحها بتكرار ما حدث فى العراق ضد حزب البعث، فى سوريا مرة أخرى. هذا فضلاً عن أن إيران تميل إلى الحل العسكرى، فيما تعمل على تقديم تنازلات ليست فى صميم وجودها فى سوريا. من جانبها، وبشأن مسألة تقسيم سوريا وإعطاء الحكم الذاتى، فتجدر الإشارة إلى أن تركيا هى إحدى أكثر الدول التى لا ترغب فى رؤية ذلك، رغم ما تقوم به من سياسات فى المنطقة السورية الشمالية الواقعة تحت سيطرتها؛ وذلك لأنها لا تريد تكرار سيناريو كردستان العراق فى سوريا، بما يشكله من تهديد على ملف الأكراد ودعواته الانفصالية داخل الأراضى التركية ذاتها.
من جهةٍ أخرى، لا بد من القول بأن المعارضة السورية قد خسرت الكثير، ولو كانت قد قبلت قرار مجلس الأمن رقم 2254، لكانت حصلت تطورات أخرى ومفصلية فى القضية السورية. ولكن ذلك لم يحدث، ناهيك عن عجز المعارضة ذاتها فى توحيد رؤاها والدفع قدماً ببديل للرئيس الأسد، وهو ما يُسهِم فى إضعاف موقفها أكثر فأكثر. ولعلَّ هذا قد أسفر فى جانبٍ منه عن تراجع أمريكى واضح من رفض النظام السورى إلى قبول التعامل معه، على الأقل فى الوقت الراهن.
-
السفير د./ محمد بدر الدين زايد: أكَّد على الضعف الشديد، الذى يعترى المعارضة السورية، فى مقابل “انتصار” النظام السورى، بطريقة أو بأخرى. كما أكَّد على محورية الدور الروسى فى سوريا، وإدارته للازمة ببطء، ووفق مناورات محسوبة، لتحقيق مصالحه الخاصة، مشيراً إلى أن روسيا ستحتاج إلى إعادة تطبيع علاقاتها فى سوريا؛ بشكل أو بآخر، لكى يتم قبولها فى المنطقة، مع الأخذ فى الاعتبار تراجع الولايات المتحدة منها، ورغبة روسيا فى ملء الفراغ وتعزيز وجودها بها.
-
د./ ليلى موسى: بكونها ممثل مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) المُعارِض بالقاهرة، أشارت إلى أن المجلس يحاول توثيق التنوع الاجتماعى السورى؛ للتعبير عن كافة مكونات المجتمع السورى وتعزيز حقوقه، بما فى ذلك تحقيق تشارك السلطة السياسية، فى ظل بيئة سياسية لامركزية؛ مؤكِّدة أن ذلك المطلب ليس مشروعاً انفصالياً، بل هو مشروع وطنى خالص، يحافظ على كيان الدولة السورية؛ عن طريق الأخذ بالاعتبار خصوصية كل منطقة ومجتمعها، فهو لا يسعى إلى تقسيم جغرافى، خاصة وأنه لا توجد منطقة واحدة بها عِرقٌ واحدٌ صافٍ.
من جهةٍ أخرى، يدعو (مسد) إلى خروج كافة العناصر الأجنبية من الأراضى السورية. ولكن إلى أن يتحقق ذلك، فهو يدعم وجود قوات أمريكية؛ لموازنة الوجود الروسى، وضمان عدم انفراد روسيا بالقرارات داخل سوريا.
لا مناص من ضرورة العمل على تعزيز الحوار السورى / السورى بالدرجة الأولى؛ حتى يتسنَّى حل الأزمة بشكل كامل، ودون إملاء من القوى الأجنبية. كما يجب العمل بالتوازى على تعزيز الدور العربى بشأن سوريا. ووجود (مسد) فى مصر هو خير دليل على تعويل المجلس على دور مصرى وعربى مؤثر فى الأزمة.
هذا، وفيما يتعلق بقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، أشارت د./ موسى إلى أنها ستكون جزءاً من الجيش الوطنى السورى مستقبلاً، وليست أداة عسكرية موازية له. كما أكَّدت على أنه يجب العمل على إيجاد حل للقوات والعناصر الإرهابية الموجودة بالمنطقة التى تسيطر عليها تركيا، باعتبارها قنابل موقوتة تهدد أمن المنطقة بأسرها، وليس أمن سوريا فحسب.
-
د./ محمد مصطفى كمال: تنادى مصر دوماً بضرورة تسوية الأزمة سلمياً، وكذا الحفاظ على سوريا الدولة، بكامل سيادتها واستقلالها، وليس سوريا النظام. وحاولت لعب دور حيوى فى الأزمة، لكن ما أسهم فى إضعاف هذا الدور هو مواقف القوى الإقليمية والدولية فى الأزمة، بل وغياب الدعم العربى؛ ونتيجة لذلك أن كل المبادرات ذات الصلة بسوريا كانت تتم فى غيبة الدور العربى. من جهةٍ أخرى، كانت المعارضة السورية عاجزة عن تقديم بديل للنظام السورى القائم، فيما لم يقم أىٌ من القوى الكبرى بمساعدتها على تقديم مثل هذا البديل. ورغم هذا، لا بد من العمل على الحيلولة دون تقسيم الأراضى السورية، وكذا مناهضة فكرة الشام الجديد؛ التى تُعَد الخدمة الأكبر التى تُقدَّم لإسرائيل.
-
السفير د./ محمد أنيس سالم: تُعَد مبادرة ملك الأردن وتحركه بشأن سوريا جديران بالإعجاب، وهذا نموذج مهم فى التحرك الدبلوماسى العربى. ولكن ما هى مآلات هذا التحرك على المديين القصير أو المتوسط، وهل سيسبِّب ذلك تغييراً جوهرياً فى الأزمة أم إنها مبادرة شكلية؟
-
السفير د./ عزت سعد: أكَّد على أن سوريا تمثل إحدى أهم الأوراق فى يد روسيا، منذ فرض العقوبات عليها عام 2014 بعد الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم، وليس لدى روسيا استراتيجية خروج من سوريا فى المدى القريب، مشيراً إلى ضرورة وجود دور عربى حاسم لحلحلة الأزمة السورية، إلى جانب كونه سيوفر مخرجاً لروسيا؛ مع تعمد الولايات المتحدة بقاء الحال على ما هو عليه فى سوريا، وعدم الاعتراف بنظام الأسد أو المساهمة فى إعادة إعمار البلاد فى ظل استمرار نظامه. وفى هذا الصدد، يمكن القول بأن مبادرة ملك الأردن قد تفتح الباب أمام فرص حل الأزمة، وتعزيز الانخراط العربى بها.
-
أ./ على نواف العاصى: أشار إلى معضلة الوجود الإيرانى فى سوريا على وجه الخصوص، منوِّهاً إلى ضرورة العمل على مناهضته لاسيَّما وأن إيران تدافع باستماته عن النظام السورى القائم، وقُدِّر إنفاقها فى الأزمة منذ بدايتها إلى الآن بنحو 13 مليار دولار، رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كما ساهمت فى تَشَيُّع العديد من البلدان داخل سوريا، وفُرِض الأذان الشيعى فرضاً فى عدد من المدن السورية، مثل: دير الزور وحلب الشرقية وغيرهما. هذا فضلاً عن محاولة تعزيز قوتها الناعمة بسوريا، عبر أدواتٍ، من بينها استجلاب الطلبة السوريين المتفوقين إلى المؤسسات التعليمية الإيرانية.
من جانبه، أشار د./ العيطة، بصفةٍ خاصة إلى ما يلى:
-
إن واقع التقسيم لا يزال قائماً، ما دامت القوى الإقليمية والدولية موجودة بالأراضى السورية. كما لا يمكن أن يكون هناك حكم وطنى خالص فى سوريا، دون التعامل مع روسيا والولايات المتحدة، وكذا تركيا وإيران والدول الخليجية على حدٍ سواء. وغنىٌ عن الذكر أنه ريثما يتحقق ذلك، فإن هناك وضع من انقطاع التواصل المدنى داخل سوريا، إلى جانب انقطاع الطرق التجارية أيضاً، والارتفاع الباهظ لتكلفة نقل البضائع، مما يعرقل سيولة الحركة التجارية أو أية مشروعات اقتصادية على المدى القريب.
-
بالنسبة للسياسة الأمريكية فى سوريا، يمكن القول بأن وجودها العسكرى بالأخيرة لن يكون دائماً، مع ملاحظة أن إسقاط الرئيس الأسد ليس هو الهدف الذى تسعى إليه الولايات المتحدة، ولو كانت هناك نية لذلك، لقامت بدعم المعارضة منذ البداية. أمَّا روسيا، فهناك رؤى متعددة بشأن استراتيجيتها فى سوريا، مع مراعاة أنها لا تريد حدوث تقسيم بالأراضى السورية. ولكن يُتوقَّع لها الاستمرار فى سوريا عبر قواعدها العسكرية التى تحكمها اتفاقية صارمة لا تتغير بتغير النظام. من جهةٍ أخرى، فإن الوجود التركى فى سوريا مُربك إلى حدٍ كبير، خاصة وأن أنقرة قامت بعمل أشياء متناقضة فى المناطق التى تسيطر عليها، من بينها- على سبيل المثال- تأسيس شركة كهرباء خاضعة لإدارة سكان المنطقة، على النقيض ممَّا تقوم به فى قبرص التركية، ما يعنى أنها لا تنوى البقاء فى هذه المنطقة. أمَّا إيران، فحيثيات وأهداف وجودها فى سوريا معروفة غير خافية، مع وجوب القول بأن قصة التشيع موجودة، ولكن مبالغ فيها.
-
إن ما يأمل فيه مجلس سوريا الديموقراطية من وجود نظام لا مركزى، فى دولة متعددة الطوائف والمذاهب والعرقيات، سيُسهِم فى نهاية المطاف إلى تقسيمها عاجلاً أم آجلاً، ناهيك عمَّا يتضمَّنه ذلك من أزمات، على شاكلة النهج اللبنانى الذى يدفع فيه كل حزب بشخصٍ أساسى فى نظام الدولة ومؤسساتها، حتى أصبح التركيز على المحاصصة أكبر من التركيز على الكفاءات ومصلحة الدولة.
-
لابد من العمل على تعزيز الحوار السورى/ السورى، وغضّ الطرف، قدر الإمكان، عن أية موضوعات قد تؤدى إلى آثار سلبية على مستقبل ووحدة سوريا، على الأقل فى الوقت الحالى الذى تشهد فيه عملية التسوية جموداً.
-
لا ريب فى أن الدور العربى فى الأزمة السورية ضعيف للغاية، بل يكاد يكون منعدماً، ويُؤمَل أن يكون التحرك الأردنى فرصة لتعزيز هذا الدور لحلحلة الأزمة، واستعادة سوريا موضعها داخل الجامعة العربية.
-
بالنسبة لإمكانية مساهمة مصر فى حل الأزمة، فيمكن القول بأن هذا يخضع بدايةً للمدى الذى ترغب فيه مصر للعب دور فى الأزمة؛ ما يعنى أن مصر يجب أن تُقرِّر أولاً أن يكون لها دور. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مصر لديها القدرة على المناورة بشأن الأزمة أكثر من الأردن ذاتها.