شكرى فؤاد
فبراير 2, 2022معركة روسيا الممتدة مع الغرب
فبراير 25, 2022د. عزت سعد
مدير المجلس المصري للشئون الخارجية
مع إطلالة العام الجديد، أطلقت كوريا الشمالية سلسلة من التجارب الصاروخية، بلغت ثلاث، وأوردت وكالات الأنباء، عن رئيس هيئة الأركان الكوري الجنوبي أن الصواريخ من نوع “هوا سونج-12” الأرض – أرض المتوسطة والطويلة المدي، وأن التجارب هي الأقوى منذ عام 2017. حيث حلق الصاروخ الباليستي الذي أطلق في تجربة 5 يناير الماضي لأكثر من 700كم على ارتفاع 60كم وبسرعة تبلغ عشرة أضعاف سرعة الصوت. وأفاد خبراء أنه من الناحية النظرية، يمكن لهذا النوع من الصواريخ أن يصل إلى جزيرة “جوام” حيث توجد قاعدة عسكرية أمريكية ومخزونات أسلحة نووية.
وقد أدانت التجارب كل من الولايات المتحدة الأمريكية والأمين العام للأمم المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وحذرت هذه الأخيرة جارتها الشمالية من أن استمرار إطلاق صواريخها الباليستية هو انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي، وأنه عليها وقف إطلاق هذه الصواريخ فوراً، والتي تشكل تهديداً كبيراً للسلام والأمن، ليس فقط في شبه الجزيرة الكورية ولكن العالم بأسرة. ولم تكتف واشنطن بالإدانة، حيث دعت مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع طارئ في أواخر يناير الماضي لاتخاذ موقف من مواصلة كوريا الشمالية أنشطتها “غير القانونية والمزعزعة للاستقرار”. وفي ضوء إدراكها صعوبة الحصول على دعم جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن – الدائمة وغير الدائمة – اضطرت واشنطن إلى إصدار بيان – أيدتها فيه دولتين من الأعضاء الدائمين هما فرنسا والمملكة المتحدة ومثلهما من الدول غير الدائمة هما البانيا وإيرلندا، إلى جانب اليابان – يدعو إلى الانخراط في “حوار ذي مغزى نحو هدفنا المتمثل في نزع السلاح النووي بالكامل، بما يتفق مع قرارات مجلس الأمن”. وذكرت المندوبة الأمريكية لدي المنظمة، التي تلت بيان الدول الست: “نشجع مجلس الأمن على وحدة الصف في معارضة تصرفات كوريا الديمقراطية الشعبية المزعزعة للاستقرار وغير القانونية”، داعية كل الدول إلى الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعقوبات بموجب قرارات مجلس الأمن”، وحث كوريا الشمالية على تغليب الحوار والسلام على برنامج أسلحتها غير القانوني والمهدد للاستقرار.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر تسعة قرارات رئيسية بفرض عقوبات على كوريا الشمالية رداً على أنشطتها النووية والصاروخية منذ عام 2006، كان آخرها القرار 2379 (2017). والمهم هنا أن كل هذه القرارات التسعة صدرت بالإجماع، وفي إطار الفصل السابع من الميثاق المتعلق بتدابير القمع الواجب على جميع الدول الالتزام بها، باستثناء قرار وحيد هو القرار 2087 الصادر في 22 يناير 2013، الذي صدر بعد طلاق ناجح للأقمار الصناعية الكورية الشمالية في 12 ديسمبر 2012، وكان الأطلاق انتهاكاً لقرارين سابقين للمجلس هما: 1718 / 2006 و1874 / 2009 اللذين حظرا أي تطوير آخر للتكنولوجيا ينطبق على برنامج الصواريخ الباليستية في كوريا الشمالية.
وقد عاودت الولايات المتحدة مساعيها لعقد جلسة لمجلس الأمن على أمل إصدار قرار مماثل يدين تجارب كوريا الشمالية الصاروخية. وبالفعل عقد المجلس اجتماعاً مغلقاً في 4 فبراير الجاري – هو الثالث للمجلس خلال أقل من شهر – تحت رئاسة روسيا الاتحادية. غير أن الاجتماع لم يسفر عن أي شيء، لا قرار ولا حتى بيان رئاسي. وكما فعلت واشنطن قبل أسبوعين، حشدت دعم سبع دول فقط هي الدول الأربع السابق الإشارة اليها، ومعها اليابان، بجانب كل من النرويج والإمارات والبرازيل، حيث أصدرت بياناً مشتركاً أدانت فيه التجربة.
أما الصين، التي رفضت الانضمام إلى واشنطن على خلاف ما كان عليه الحال منذ عام 2006 وحتى عام 2017، فلم تكن وحدها حيث اتخذت كل من روسيا والهند (نعم الهند) والمكسيك وثلاث دول إفريقية هي كل من الجابون وكينيا وغانا، الموقف ذاته. وفي مؤتمر صحفي، أكد سفير الصين لدي الأمم المتحدة في نيويورك أن مفتاح حل قضية برامج الصواريخ الباليستية والنووية لكوريا الشمالية “في يد” الولايات المتحدة، مطالباً واشنطن بإظهار “المزيد من الصدق والمرونة إذا كانت تريد تحقيق انفراجه”. وذكر السفير موجهاً حديثه إلى الأمريكيين: “يجب أن يطرحوا اقتراحات أكثر جاذبية وأكثر واقعية وأكثر مرونة، وسياسات وإجراءات مماثلة لتهدئة مخاوف جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”.
ووفقاً لتسريبات دبلوماسية، نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية، فقد رفضت كل من الصين وروسيا والدول الأخرى المساندة لموقفهما اعتماد مشروع قرار أمريكي يدين التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية. كما عرقلت الصين مسعي أمريكي في يناير الماضي بتبني عقوبات فردية في مجلس الأمن تستهدف كوريين شماليين. في المقابل أجهضت الولايات المتحدة محاولة صينية روسية في مجلس الأمن، قبل أكثر من عام، لتبني قرار يهدف إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على كوريا الشمالية التي تعاني من ضغوط اقتصادية كبيرة ارتباطاً بتفشي “وباء كوفيد-19”.
ومن المهم الإشارة إلى أن كوريا الشمالية أعلنت انسحابها من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1993، ثم أعلنت للعالم، في أواخر عام 2017، أنها أوفت بطموحاتها التي طال انتظارها في أن تصبح قوة نووية. وفي غضون تلك الفترة، وخلال وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، أجرت بيونج يانج ست تجارب نووية واختبارين للصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وقدر الخبراء آنذاك أنها أرادت توجيه رسالة واضحة لواشنطن بأنه، من الناحية الفنية، كانت لديها القدرة على ضرب الولايات المتحدة برأس حربي نووي، ومن ثم شعر الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون بالأمان، وأعلن أن بلاده قوة نووية كأمر واقع، ومن ثم فهو في وضع يسمح له بتحديد السياسة الواجب اتباعها تجاه الولايات المتحدة، وبعد ذلك، انتقل كيم إلى المرحلة الثانية من علاقته بواشنطن: الحوار والمفاوضات. وفي هذا السياق استحوذت قمة سنغافورة في يونيو 2018 مع ترامب على اهتمام العالم. وكانت قمة ناجحة، من وجهة نظر كيم على الأقل. ومن جانبه عرض ترامب دعم واشنطن الاقتصادي مقابل نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية.
وكجزء من استراتيجية أوسع وضعها الرئيس الكوري الشمالي بعد إعلان بلاده قوة نووية، بدأ في التواصل مع جارته الجنوبية ومحاولة خلق صورة جديدة وإيجابية لنفسه، كزعيم يحظى باحترام عالمي وقادر على الدخول في مفاوضات مهمة وتحقيق أهداف حاسمة لبلاده. وتعزز هذا التوجه عام 2018، عندما توالت قمم كيم مع نظيره الكوري الجنوبي، ثم مع نظيره الصيني وشخصيات دولية أخري، واجتمع مع الرئيس ترامب في سنغافورة. ونُظر إلى كل هذه القمم على أنها نجاح باهر للاستراتيجية الكورية الشمالية الجديدة. واستمرت فترة شهر العسل في العلاقات بين الكوريتين حتى نهاية عام 2018، التي شهدت ثلاثة مؤتمرات قمة بين الزعيمين الكوريين وصدور إعلانين بدأت معهما عملية حوار تعاون بين البلدين.
ومع ذلك، كان على كيم أن يختار: إما التنازل عن أجزاء من برنامجه النووي مقابل رفع العقوبات بما يسمح بتنمية بلاده اقتصادياً، أم سيمضي قدماً في برنامجه النووي؟. الواقع أنه بعد فترة وجيزة من توليه رئاسة بلاده، وعد كيم شعبه بتحسين الأوضاع الاقتصادية، إلا أنه اختار في النهاية السلاح النووي كرادع ضد أي محاولات أمريكية لتغيير النظام. وكشفت قمة هانوي مع ترامب في فبراير 2019 أن الزعيم الكوري الشمالي يفضل الأسلحة النووية على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة، والتخفيف المحتمل للعقوبات. وبإيجاز، وفي تقدير مراقبين غربيين، ما يزال كيم يخشى أن تصبح كوريا الشمالية هي القادمة، على شاكلة العراق أو ليبيا، وهو نفس الهاجس الذي يراود النظام الإيراني منذ عام 1979 وحتى الأن.
والخلاصة هي أن المتأمل لما جري في مجلس الأمن قبل أيام حول قضية التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، خاصة فشل الولايات المتحدة في حشد دعم دولة مثل الهند، المصنفة خصماً استراتيجياً للصين، إلى جانبها، فضلاً عن ثلاث دول إفريقية، بعض عواصمها محطات دائمة لزيارات كبار المسئولين الأمريكيين، بجانب دولة جوار مباشر (المكسيك)، حيث اختارت الدول الخمس الاصطفاف مع بكين وموسكو، لابد وأن يدرك عمق ما يحدث من تحول في ميزان القوي في النظام الدولي، المفترض أن الولايات المتحدة تقوده حتى الأن. والملفت هنا أنه كثيراً ما تفخر واشنطن بقدرتها الجبّارة على حشد الحلفاء والشركاء كآداة فاعلة ودعامة أساسية لسياستها الخارجية، وميزة رئيسية تتمتع بها في مواجهة منافستها الاستراتيجية الصين.
إن ما حدث في مجلس الأمن حول كوريا الشمالية يؤشر لعهد جديد تتغير فيه – على أرض الواقع – نظرة الصين للعلاقات الدولية واستعدادها لتحمل المخاطر، على خلاف مواقفها الحذرة في السابق. وفي المقابل، فإن الإرث الكارثي للسياسة الخارجية لإدارة ترامب قد وضع إدارة بايدن في موقف لا تحسد عليه، وتركت أمامه خيارات محدودة. فقد أهدر ترامب سنواته الأربع في حملات “أقصي ضغط” لحث كوريا الشمالية، وإيران، على التخلي عن المزيد من التطوير النووي دون جدوى. كذلك ورث بايدن نظاماً سياسياً يترنح من أحداث 6 يناير والأثار الاجتماعية والاقتصادية لوباء كوفيد-19، في وقت يزداد فيه نفوذ الصين وروسيا. وأثق أن كل ذلك حاضر بقوة في فكر القيادة الإيرانية الجديدة، وفريقها التفاوضي في فيينا، حيث تسير طهران بوضوح على خطي بيونج يانج، رغم أنها كانت أكثر التزاماً منها بشأن منع الانتشار النووي وما تزال طرفاً في المعاهدة.
نشر المقال في جريدة الشروق بتاريخ 17 فبراير2022 و رابط:
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=17022022&id=8da0293b-033d-49a9-8476-3733eb26a34d