بتاريخ 8 مارس 2022، نظم المجلس ندوة حول “تداعيات الاتفاق النووي المحتمل مع إيران وعلاقات القوى الكبرى والأمن الإقليمي”، شارك فيها عدد من الخبراء والأكاديميين والسفراء السابقين، من أعضاء المجلس ومن خارجه.
وقد تناولت أعمال الندوة ثلاثة محاور رئيسية هي:
-
القدرات النووية الإيرانية، ومدى قربها من نقطة “الاختراق”.
-
محددات السياسة الخارجية الإيرانية في عهد إبراهيم رئيسي.
-
رؤية إيران لأمنها وأمن الإقليم.
وفيما يلي أهم ما خلصت اليه الندوة:
-
منذ بدء قيام إيران – اعتباراً من يوليو 2019 – بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاق عام 2015، أي بعد أكثر من عام على انسحاب الإدارة الأمريكية السابقة من الاتفاق (ماسو 2018)، تنامت قدرات إيران النووية في تملكها الحالي لــ 25 كج يورانيوم عالي التخصيب لدرجه 60% مع إمكانية زيادة درجه التخصيب لـــ 90% خلال أسابيع قليلة، بالإضافة لتملكها أكثر من 200 كج يورانيوم مرتفع التخصيب بنسبة 20%، وهو ما يمكن تحويله ليورانيوم 90% خلال أسابيع أيضاً، مما يمكن إيران من تملك مادة تكفي لثلاث قنابل ذرية خلال أشهر معدودة. كما أن تشغيل إيران، وبكفاءة، لعدد من وحداتها المتطورة للتخصيب، خاصة IR-8, IR-6 ، يمكنها من سرعه إنتاج كميات كافية لصناعة عدة قنابل ذرية في وقت محدود. وتملك إيران أيضاً أوراق إيقاف بنود البروتوكول الإضافي المؤقت والزيارات الاكتمالية والمفاجأة وكذا بنود الشفافية خاصة المراقبة بالكاميرات وتحجيم التعاون مع المفتشين.
وبإيجاز، تشير كل التقديرات المحايدة إلى أنه حتى لو وافقت إيران على إزالة مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب في إطار الصفقة الجديدة المحتملة، فلا يمكن محو المعرفة التي اكتسبها العلماء الإيرانيون في هذا الشأن.
-
دفعت تصرفات ترامب السياسة الإيرانية في اتجاه أكثر تطرفاً وأدت إلى توافق واسع بين النخب الإيرانية على أن الطريقة الوحيدة لحماية المصالح الوطنية للبلاد هي تأمين النظام وتقديم الحرس الثوري كبطل حام للقومية الإيرانية. لذا، من المتوقع أن يعزز الحرس الثوري قدراته العسكرية من أجل مواجهة الضغوط الأمريكية. ويعني ذلك تعزيز شبكة الوكلاء لخدمة حماية وبناء الدولة الموازية في إيران بقيادة رجال الدين. فقد جعل النظام الديني في طهران من معاداة الأمريكيين عنصراً أساسياً في أيديولوجيته وخطابه العام.
وتجسد ذلك بوضوح في خطاب رئيسي، في 11 فبراير الماضي بمناسبة الذكري الثالثة والأربعين للثورة عندما قال: “أن الثورة الإسلامية اقتلعت نظام الشاه الفاسد من جذوره وقامت ببناء نظام قائم على أساس الدين وحاكمية الشعب الدينية. أن كل شعوب العالم الإسلامي، لا سيما المستضعفين، يعشقون هذه الثورة الإسلامية”.
ويعني ذلك أن نجاح مفاوضات فيينا في التوصل إلى صفقة نووية مع إيران، أو فشلها، لن يخل بتوازن القوي الداخلية بصورة جوهرية.
-
فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، أشار المشاركون إلى أنه وفقاً لتحليلات أمريكية تبدو الملامح العريضة لاستراتيجية الحزبين تجاه إيران واضحة. ففي الوقت الذي يعارض فيه الجمهوريون النظام الإيراني والاتفاق النووي، إلا أنهم يدركون أيضاً أن ناخبيهم لا يريدون صراعاً أمريكياً آخر في الشرق الأوسط. ومن جانبهم، يدعم الديمقراطيين، بصفة عامة، التعامل مع طهران والعودة إلى الاتفاق النووي، غير أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن 70% من الناخبين الديمقراطيين لديهم وجهة نظر “غير مواتية” تجاه إيران. وبمعني آخر هناك أرضية مشتركة كافية بين الحزبين لبناء توافق في الآراء حول فهم رصين لطبيعة النظام الإيراني، وهو فهم لا يبالغ في التهديد الذي تشكله إيران على الولايات المتحدة نفسها، ولكنه لا يقلل أيضاً من هذا التهديد على مصالح واشنطن وشركائها في الشرق الأوسط.
وتخلص تلك التقديرات إلى القول بأن الولايات المتحدة لن تتمكن من التوصل إلى علاقات طبيعية مع نظام إيراني تقوم هويته على معارضة الولايات المتحدة. كما لا توجد حلول سريعة – سواء في شكل انخراط أمريكي أكبر أو المزيد من الضغوط – يمكن أن تغير بسرعة طبيعة العلاقة الأمريكية الإيرانية. لذا، يجب على الولايات المتحدة التعامل مع إيران مثل أي خصم: أي التواصل لتجنب الصراع، والتعاون عندما يكون ذلك ممكناً.
-
وفيما يتعلق بالتعامل الإيراني مع الملفات الإقليمية المختلفة يبدو واضحاً النفس الأيديولوجي العقائدي الذي يحكم الرؤية الخاصة للنظام الديني الحاكم لاحتياجات البلاد الأمنية كقوة إقليمية طموحة تتنافس إقليمياً.
ورغم عدم وجود وثيقة رسمية إيرانية معلنة تحدد عقيدة الأمن القومي الإيراني، إلا أن هناك مؤشرات عديدة في الخطاب الرسمي للرئيس إبراهيم رئيسي، والتي تعكس مفهومه المتشدد للأمن القومي لبلاده وضوابط وتوجهات الممارسة الإيرانية في هذا الشأن. ولعل أول هذه المؤشرات هي نظرة النظام إلي نفسه كنموذج ملهم جاء من أجل “نصرة المستضعفين”، وهو ما انعكس بوضوح في خطاب رئيسي، في 11 فبراير 2022.
ويعني ذلك أن النظام الإيراني يري أن هناك مخاطر تتعرض لها البلاد خارج حدودها يتعين التصدي لها باعتبارها دولة مستهدفة من الغير، خاصة من الدول الكبرى، أي أن مفهوم الأمن القومي الإيراني مفهوم إقليمي يمتد خارج الحدود بقدر ما يراه النظام الحاكم تهديداً له. وفي هذا السياق يمثل البرنامج النووي الإيراني ركيزة أساسية في رؤية النظام لأمن البلاد واعتباره قضية وجودية، دفع الشعب الإيراني ثمناً باهظاً من أجل الدفاع عنها. ويستخدم النظام القضية النووية بذكاء وحذر، إدراكاً منه أن الحصول على أسلحة نووية من شأنه تكريس عزلة إيران، كما يدرك في الوقت ذاته أن اكتساب المعرفة في هذا الشأن ينظر اليه كأداة ردع تمنع من المحاولات الخارجية لإسقاط النظام. وقد أكد رئيسي أن بلاده ستتجه شرقاً، وهو تحول هام في مفهوم الأمن القومي الإيراني الذي أعطي جل اهتمامه تاريخياً بالغرب في إطار التوازن العالمي بين الأقطاب الدولية.
-
ارتباطاً بما تقدم عبر رئيسي ووزير خارجيته، مراراً، عن اهتمامه بتطوير علاقات إيران بجوارها الإقليمي، وبدأ بالفعل في خطوات في هذا الاتجاه من خلال التحاور مع السعودية والإمارات، ولكن في سياق اقتناعه بان التحاور المباشر مع الجيران، بعيداً عن الدول الكبرى، يضع إيران في موقع تفاوضي أفضل في الحسابات الإيرانية. وفي هذا الإطار رفضت طهران دائماً طرح دورها الإقليمي على مائدة المفاوضات، سواء ارتباطاً باتفاق عام 2015 أو الأن في مفاوضات فيينا مصممة على قصر التفاوض على الملف النووي فقط. ويعني ذلك تمسك إيران بالدخول في مواجهات والاستعداد للتصدي لما تعتقد أنها تهديدات لنظامها بعيداً عن حدودها.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية عبداللهيان في 24 يناير الماضي، خلال مشاركته في “المؤتمر الوطني لإيران ودول جوارها”، الذي نظمه معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية، مجدداً رفض بلاده إشراك دول المنطقة في مفاوضات فيينا قائلاً: “لا نرحب بفكرة إضافة أعضاء جدد من المنطقة إلى المحادثات، لكننا نبقي جيراننا على اطلاع بالقضايا”، مضيفا أن إيران تستعيض عن ذلك بالمواظبة على اطلاع دول المنطقة على مجريات المفاوضات، سواء عبر سفرائنا أو من خلال مساعدي وزير الخارجية، أو عن طريق الزيارات التي تقوم بها إلي بعض تلك الدول”. ولا شك في أن موقفاً كهذا يعزز الحضور الإقليمي لطهران من خلال استغلال المفاوضات في المزيد من التحركات الدبلوماسية التي قد تستثمرها لاحقاً، خاصة في حال التوصل إلى اتفاق، للحصول على مكاسب سياسية واستراتيجية في المنطقة. ويستفاد ذلك بوضوح من الاتي:
-
– العمل على تعزيز النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان، من خلال المضي قدماً في ترسيخ ما يسمي بـــ “الهلال الشيعي” الذي يحول إيران إلى قوة إقليمية جيوسياسة كبري في الشرق الأوسط، عبر تشكيل حزام من الدول ذات التواصل الجغرافي المباشر وصولاً إلي البحر الأبيض المتوسط وجنوب شبه الجزيرة العربية.
-
– السعي لإخراج القوات الأمريكية من العراق، وتقليص الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة عموماً. وقد أثبتت التطورات السياسية الداخلية الأخيرة في العراق، بما حملته من تقليص واضح في النفوذ الإيراني هناك على نحو ما كشفت عنه الانتخابات البرلمانية العام الماضي، صعوبة تخلي إيران عن هذا النفوذ مستخدمة وكلائها في الداخل.
-
– العمل على منع أي وجود إسرائيلي في البلدان المجاورة لإيران، وبصفة خاصة كلا من دولة الإمارات العربية المتحدة وأذربيجان. وقد أثار ما سمي بـــ “الاتفاقات الإبراهيمية” بين الإمارات وإسرائيل ردود فعل إيرانية غاضبة. وبينما تجري المفاوضات حول الاتفاق النووي في فيينا، تعرضت دولة الإمارات خلال شهر يناير 2022 لثلاث هجمات بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة شنها الحوثيون. كذلك تراقب إيران بقلق تقارب إسرائيل مع بعض دول الخليج، بما في ذلك التوقيع على اتفاقية دفاعية مع البحرين خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس مؤخراً، في أول خطوة من نوعها مع دولة خليجية.
وقد سعت إيران، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء دوليين خاصة كلا من روسيا والصين، إلى إقناع دول الخليج العربية بالانضمام اليها في إطار منظومة أمنية شاملة تقوم على عدم الاعتداء وعدم التدخل في الشئون الداخلية. واصطدمت مساعي إيران في هذا الشأن بهوة عدم الثقة من قبل كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في النظام الإيراني بسبب، ليس فقط خطابه السياسي وإنما سلوكه على أرض الواقع. هذا بجانب السعي الحثيث لإيران لفصل الولايات المتحدة عن حلفائها والدعوة إلى إخراجها من المنطقة بالكامل.
-
يمكن القول بأن القوي الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، تبدو مقتنعة بأن من شان حوارات متعددة الأطراف، فيما بين دول الخليج وإيران مباشرة، المساعدة كثيراً في خفض التصعيد بين الجانبين. وفي هذا السياق تقدمت روسيا بمبادرة لإقامة منظومة للأمن الإقليمي في منطقة الخليج تضم إيران، كما طرح وزير الخارجية الصيني مبادرة مماثلة العام الماضي تقوم على مبادئ التسوية السلمية للمنازعات وعدم التدخل في الشئون الداخلية. وتشير تقديرات أمريكية إلى إمكانية أن يلعب الحلفاء الأوروبيين دوراً مهماً في الوساطة في مثل هذه الحوارات، على غرار حوارات إقليمية سابقة مثل الحوار المتوسطي ومبادرة التعاون التي أطلقت من إسطنبول في إطار حلف شمال الأطلسي. ومن جانبها اقترحت إيران مبادرة “هرمز للسلام” لا تضم الولايات المتحدة الأمريكية. وخلال عمله امنياً عاماً لجامعة الدول العربية، طرح السفير عمرو موسي وزير الخارجية المصري الأسبق فكرة “الجوار العربي”، والتي تقوم على دعوة الدول الإقليمية المجاورة للدول العربية – ومنها إيران – للانضمام إلى الدول الأعضاء في الجامعة العربية لتكوين رابطة فيما بينها تستهدف البحث عن مصالح وقواسم مشتركة بين الدول العربية وهذه الدول وتسوية الخلافات فيما بينها.
وتعترف كل هذه المبادرات بأن الأمن الجماعي لم ينجح تاريخياً في الشرق الأوسط، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يمنع من بذل الجهود لبلورة نظام متعدد الأطراف في هذا الشأن، يستفيد من تجربة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وذلك من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي ومنع النزاعات والتصدي للتحديات المشتركة.
والمعني المستخلص من كل هذه الأفكار والمبادرات، الداعية إلى إطار جماعي للأمن الإقليمي، هو أن القوي الكبرى من خارج المنطقة، بما فيها الولايات المتحدة، لا تملك القدرة على، ولا حتى الرغبة في، فرض إرادتها على المنطقة في هذا الشأن أو ضمان أمن دولة أو مجموعة من الدول ضد أخرى، باستثناء إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، وبالتالي ستكون مهمة ضبط السلوك الإيراني أو تقليص نفوذها هو من شأن دول المنطقة ذاتها، التي سيكون عليها القيام بدور أكثر نشاطاً وفاعلية في هذا الشأن.
-
أخيراً تشير الأفكار والتقديرات عاليه إلى أن مقاربة المعادلة الصفرية تجاه إيران قد فشلت، وأن دول الخليج العربية بحاجة إلى تطوير نهج يقوم على تحديد مصالحها وأولوياتها مع الاعتراف في الوقت ذاته بأن لإيران مصالح مشروعة في بعض دول المنطقة. وتضيف التقديرات في هذا الشأن إلى أن لدي الولايات المتحدة مصلحة في إيجاد طريقة للتعامل مع إيران، بهدف حماية المصالح الأمريكية وأمن واستقرار المنطقة، تماماً مثلما سعت مراراً وتكراراً إلى القيام بذلك مع الاتحاد السوفيتي السابق خلال فترة الحرب البادرة.
حوار | مسؤول سابق بـ«الطاقة الذرية»: أوكرانيا تحتاج 10 سنوات لامتلاك سلاح نووي
مارس 7, 2022التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا… تداعيات وارتدادات أولية
مارس 8, 2022حوار | مسؤول سابق بـ«الطاقة الذرية»: أوكرانيا تحتاج 10 سنوات لامتلاك سلاح نووي
مارس 7, 2022التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا… تداعيات وارتدادات أولية
مارس 8, 2022