كلمة السفير د./ عزت سعد أمام فعالية مركز يفجينى بريماكوف حول الوضع الراهن للعلاقات المصرية / الروسية وأفق تعزيزها فى نظام عالمى متغير “The Current State and Prospects of Russian-Egyptian Relations in the Changing Global Order”
يوليو 28, 2022عقيدة السكون الاستراتيجي
أغسطس 3, 2022
بتاريخ 28 يوليو 2022، شارك السفير د./ عزت سعد فى الفعالية التى نظمها مركز يفجينى بريماكوف حول “الوضع الراهن للعلاقات المصرية / الروسية وأفق تعزيزها فى نظام عالمى متغير”. حيث قدَّم شكره للمركز على دعوته الكريمة، مُعرِبًا عن تقديره العميق لرجل الدولة والأكاديمى العظيم يفجينى بريماكوف، الذى دافع دومًا عن العديد من قيم ومبادىء السياسة الخارجية، لاسيما مبادىء السيادة والمساواة فى السيادة والديموقراطية فى العلاقات الدولية، وقدسية مبدأ تعددية الأطراف. وفى هذا السياق، أشار السفير/ سعد إلى عدة نقاط، على النحو التالى:
-
يوافق العام القادم 2023 ذكرى مرور 80 عامًا على قيام العلاقات الدبلوماسية بين كلٍ من مصر وروسيا، وسط فوضى تضرب النظام الدولى، بسبب إنكار الولايات المتحدة حقائق الأوضاع الدولية المعاصرة، وأن العالم انتقل بالفعل إلى عالم متعدد الأقطاب، وأن الأغلبية الساحقة من مناطق العالم المختلفة، بما فيها الشرق الأوسط، ترفض أن تجد نفسها فى موقف الاضطرار إلى اختيار طرف بعينه، أو أن يصبح الشرق الأوسط مسرحًا للصراع بين القوى الكبرى.
-
لقد كانت ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر فاتحة لمرحلة جديدة فى علاقات البلدين، حيث توافرت لدى الجانبين الإرادة السياسية القوية لإعادة الدفء لهذه العلاقات. ولقد كشفت الزيارة الأولى للرئيس السيسى لموسكو فى 14 نوفمبر 2013، وقت أن كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للدفاع، والحفاوة التى استُقبِل بها فى الكريملين، أن هناك تقاطعًا واضحًا بين أولويات الامن القومى المصرى وبين اهتمامات ومصالح روسيا الاتحادية فى المنطقة، وهو ما ساهم فى إيجاد مساحة كبيرة مشتركة تلاقت فيها الرؤى حيال معظم الملفات الإقليمية والدولية.
-
وفى خضم الفوضى التى تضرب النظام الدولى ومحاولات الغرب استقطاب أكبر عدد من الدول لخدمة أهدافه الجيوسياسية، أطلقت مصر وروسيا فى 21 يوليو الجارى بدء أعمال بناء الوحدة الأولى بالمحطة النووية بالضبعة فى حضور د./ محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصرى، والسيد/ اليكسى ليخاتشيف المدير العام لشركة روس آتوم. والمشروع، الذى ستنفذه الصديقة روسيا، يعد عنصرًا مهمًا فى استراتيجية مصر للتنمية المستدامة، رؤية مصر 2030، حيث يوفر العديد من الفوائد لمصر، ومن بينها التنوع فى مصادر الطاقة فى مصر بطريقة موثوقة ويُعتمَد عليها ومستدامة.
-
وفى 24 يوليو 2022، استقبلت مصر بحفاوة السيد وزير الخارجية/ سيرجى لافروف فى زيارة ناجحة استقبله خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأجرى سيادته جولة مباحثات مكثفة مع نظيره المصرى/ سامح شكرى، تم خلالها تناول مختلف قضايا العلاقات الثنائية والأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بما فيها التطورات المرتبطة بما يجرى فى أوروبا وتداعياته. ووفقًا لبيان صدر عن الرئاسة المصرية، فقد أطلع الوزير لافروف الرئيس السيسى على آخر تطورات الأوضاع بشأن الأزمة الأوكرانية، ومستجدات التحركات الروسية في هذا الإطار على المستوى الدولي. وفي هذا السياق، شدد الرئيس المصري على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة، مؤكدًا دعم مصر لكافة المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها الدولية مع جميع القوى الفاعلة سواء في الإطار الثنائي أو المتعدد الأطراف.
-
من بين أبرز ما يتم التأكيد عليه هنا هو تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على تاريخية واستراتيجية علاقة مصر بروسيا الاتحادية، وحرصها على تطويرها فى جميع المجالات، خاصة وأن مصر هى الشريك الاقتصادى والتجارى الأول لروسيا فى المنطقة العربية، وفى القارة الأفريقية. وقد أكَّد الرئيس المصرى ذلك فى خطابه أمام منتدى سانت بطرسبرج الاقتصادى فى يونيو 2022، وخلال زيارة السيد الوزير لافروف للقاهرة فى 24 يوليو 2022. ولعلَّ من المهم هنا أيضًا الإشارة إلى أنه وفقًا لقاعدة بيانات معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام (SIPRI)، زادت صادرات الأسلحة الروسية لمصر فى السنوات الخمس الماضية (2017 – 2021) بنسبة 723 % ، وأصبحت روسيا المورِّد الرئيسى للأسلحة للقاهرة خلال هذه السنوات، حيث زودت موسكو القاهرة بنسبة 41 % من جميع الأسلحة التى تستوردها مصر.
-
من جهة أخرى، فإن العلاقات الاقتصادية الثنائية واعدة، وبلغت المبادلات التجارية تبلغ نحو 5 مليار دولار، وبطبيعة الحال هو رقم لا يعكس إمكانيات البلدين. ويُعتقَد فى هذا السياق أن الظروف الدولية الراهنة، ارتباًطا بالحرب الاقتصادية الغربية غير المسبوقة ضد روسيا، يمكن أن تكون فرصة للمزيد من تعزيز العلاقات الروسية / المصرية. لذا، تطرقت مباحثات السيد الوزير لافروف مع المسئولين بالقاهرة إلى سبل تطوير التبادل التجاري والتعاون التكنولوجي بين مصر وروسيا، وكذا المضى قدمًا فى تنفيذ مشروع الضبعة النووي والمنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وما تمثله من شراكة جديدة تتخطى مرحلة الاستثمار والتبادل التجاري لتصل إلى مراحل التصنيع المشترك. فضلاً عن تناول اللقاء سبل إنشاء مصنع لإنتاج لقاح سبوتنيك ضد وباء كورونا في مصر، وكذلك أفق تطوير التعاون والكفاح المشترك ضد الإرهاب، واستعادة الرحلات الجوية بشكل كامل بين روسيا ومصر.
-
التأكيد على أن الظروف الدولية الراهنة تحمل أيضًا فرصًا لتعزيز علاقات روسيا بالعالم العربى، سواء فى الأطر الثنائية أو فى الإطار المتعدد الأطراف، أى فى إطار منتدى التعاون العربى / الروسى، والذى أُطلِق فى أعقاب الزيارة التى قام بها الرئيس الروسى للجامعة العربية فى سبتمبر 2009، والذى عقد دورات خمس حتى الآن. وهناك مشروع خطة عمل للمنتدى للفترة من 2021 إلى 2023، تشمل التعاون فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والعلمية، وكذلك التعاون الصحى، وفى مجال الإعلام. وكان مقررًا اعتماد هذا المشروع فى الدورة السادسة للمنتدى على مستوى وزراء الخارجية، والتى كان محددًا لها 28 أكتوبر 2021 فى مراكش بالمغرب، إلا أنها تأجلت بسبب ظروف وباء كوفيد-19، ويُؤمل أن تُعقَد الدورة قريبًا. ولقد أثار الوزير لافروف هذه المسألة خلال لقائه بأمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط ومندوبى الدول بمقر الجامعة مساء 24 يوليو 2022، وذلك بجانب إعرابه عن تقديره للموقف العربى المتوازن والعادل والمسئول الذى اتخذته الدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية ارتباطًا بالأزمة الأوكرانية.
-
وفى هذا السياق، يمكن لفت الانتباه إلى مقال جيد جدًا كتبه الباحث Igor Matveev من نادى فالداى “Valdai Club” فى أبريل 2022 تحت عنوان “Western Sanctions: New Horizons for Russia’s Cooperation with Arab Countries”، يتضمَّن المقال مقترحات وأفكار جيدة لتعزيز التعاون الروسى / العربى فى مجالات مثل: استكشاف الفضاء، الطاقة النووية، تكنولوجيا المعلومات، زيادة الدور الروسى فى ضمان الأمن الغذائى لعدد من البلدان فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توسيع نطاق الصادرات الروسية، فتشمل المعادن الجديدة والنادرة والأخشاب الأرضية غير المجهزة والمجهزة والسياحة الطبية والتعليم العالى (بأجر).
-
لقد كانت مبادرة مصر لتشكيل لجنة الاتصال الوزارية في إطار جامعة الدول العربية لتسوية الأزمة الأوكرانية محل تقديرٍ من قِبَل الرئيس الروسى بوتين، وهى مبادرة تنم عن رغبة القاهرة القوية فى تعزيز السلم والأمن الدوليين عبر تغليب لغة الحوار والدبلوماسية. وكما تعاونت مصر مع روسيا خلال القمة الأولى روسيا – أفريقيا الناجحة التى عُقِدَت فى سوتشى عام 2019 إبَّان الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقى، فإن مصر ستكون حريصة للغاية على إنجاح القمة الثانية التى تعتزم روسيا الدعوة لها فى منتصف العام القادم.
-
وحرىٌ بالذكر هنا أن الأزمة الأوكرانية قد كشفت عن مدى تأثير روسيا فى القارة الأفريقية، التى رفض معظم قادتها الضغوط الغربية لإدانة روسيا أو الانضمام لنظام العقوبات، والتى تحافظ على تواصلها مع روسيا، رغم الضغوط الغربية الهائلة إزائها. وغنى عن البيان أن مبادرة واشنطن لعقد قمة أمريكية / أفريقية فى الفترة من 13 – 15 ديسمبر القادم، ليست سوى جهد دبلوماسى لمناكفة كلٍ من روسيا والصين ومزاحمتهما فى إطار تنافس القوى الكبرى، وذلك على خلفية فشل العديد من المبادرات الغربية التى استهدفت إجهاض ومحاصرة النفوذ الصينى المتزايد فى أفريقيا من خلال مبادرة الحزام والطريق. وكانت آخر هذه المبادرات الغربية مبادرة إعادة بناء عالم أفضل، والمعروفة أيضًا بـ “B3W”، والتى كشف الرئيس الأمريكى بايدن عنها فى يونيو 2021 فى قمة مجموعة الـ 7.
-
والطريف أن المشاريع التى أعلن عنها فى إطار هذه المبادرة، حتى ربيع 2022، لم تتجاوز 70 مليون دولار، فى مجالات الاتصال الرقمى والأمن السيبرانى بجانب بعض المنح لصغار مزوِّدى الطاقة الشمسية، والمبلغ كما هو واضح متواضع للغاية، ولا يمكن معه القول بأن الولايات المتحدة فى وضع تنافسى مع الصين فى أفريقيا. أما المبادرة الأخيرة فقد أطلقتها مجموعة الـ 7 فى قمتها الأخيرة فى 26 يونيو 2022 بحشد 600 مليار دولار استثمارات خاصة وعامة فى البنية التحتية فى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل خلال السنوات الخمس القادمة، وتسمى المبادرة بـ “the Partnership for Global Infrastructure and Investment (PGII)”.
-
والحقيقة أن العديد من الخبراء الغربيين يعتقدون أنه إذا كانت الولايات المتحدة معروفة بسوء الاستثمار فى بنيتها التحتية المادية والحفاظ عليها، فلا يجب توقع أن تحاول بناء مشاريع جيدة للبنية التحتية فى الخارج، وأنه من الأفضل ترك هذه الأنشطة للمؤسسات الاقتصادية المتعددة الأطراف. وباعتراف بعض المسئولين الغربيين أنفسهم، لم تقدم الدول الغربية حتى الآن بديلًا إيجابيًا يعكس قيم ومعايير الغرب وطريقته فى ممارسة الأعمال التجارية.
-
بالنسبة إلى منتدى البريكس، الذى تم إطلاقه بفضل روسيا عندما اقترح الرئيس بوتين عقد الاجتماع الوزارى الأول له فى سبتمبر 2006، على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، واستُقبِلت الفكرة بإيجابية مع الأعضاء الآخرين فى “البريك” – البرازيل والهند والصين – قبل أن يصبح “بريكس” بعد انضمام جنوب أفريقيا للمنتدى عام 2010 – فإن المنتدى اليوم يسعى إلى التحول تدريجيًا إلى تكتل اقتصادى دولى قادر على وضع قواعد الاقتصاد الدولى، على غرار مجموعة الـ 7 . وهناك مجالات تعاون هامة فيما بين الدول الأعضاء مثل: تطوير البنية التحتية، ونظم النقل، والخدمات اللوجستية، والابتكار، ونظم البيانات الإلكترونية، وتوسيع آليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ولا تكمن قيمة نموذج بريكس فى توسيع قدرات أو طموحات دول البريكس، بل فى إحداث تغيير نوعى فى نموذج التنمية الاقتصادية للجنوب العالمى.
-
وجديرٌ بالذكر هنا أن الرئيس عبد الفتاح السيسى قد شارك بتاريخ 24 يونيو 2022 عبر الفيديوكونفرانس فى جلسة حوار رفيعة المستوى للتنمية العالمية فى إطار “بريكس +”، تحت رئاسة الرئيس الصينى شى جينبينج. وسبق أن شاركت مصر فى قمة البريكس التى استضافتها الصين فى سبتمبر 2017. وتمثل دعوة مصر لهذا المحفل الهام تأكيدًا على مكانة مصر وما تملكه من مقومات سياسية واقتصادية وتجارية رائدة على المستوى الإقليمى، بما يؤهلها لتعزيز علاقاتها مع هذا المحفل التنموى الهام. وقد انضمت مصر فى ديسمبر 2021 إلى عضوية بنك التنمية الجديد الذى أُنشِئ فى إطار “بريكس”، لكى يزيد التفاعل بين دول البريكس وغيرها من الدول النامية غير الأعضاء فى التجمع، وذلك من خلال الادوات المالية التى يقدمها البنك.
-
ومن جانبها، تنظر القاهرة إلى انضمامها لعضوية البنك فى هذا التوقيت كدليل على قوة ومرونة الاقتصاد المصرى، وقدرته على تحمل الصدمات وتجاوز التحديات. وتتطلع إلى قيام البنك بدعم الجهود المصرية فى تحقيق التنمية المستدامة وجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص. وخلال زيارة الوزير لافروف الأخيرة للقاهرة، أشاد سيادته باهتمام مصر بالحصول على وضع شريك حوار فى منظمة شنغهاى للتعاون، وأيضًا مشاركتها فى أعمال منتدى بريكس تحت صيغة “بريكس +”. وهناك ثقة فى أن توسيع عضوية هذا المنتدى الهام – فى إطار العالم المتعدد الأقطاب الذى نعيشه اليوم – سوف يجعل من البريكس ثقلًا موازِنًا للهيمنة الغربية، ممثلةً فى مجموعة الـ 7، وذلك متى تم تفعيل دور هذا المحفل على الصعيد الدولى. وليس لدينا شك فى دعم روسيا الاتحادية الصديقة لنا، فى حال اتخاذ القيادة المصرية قرار الانضمام للمجموعة.
-
لقد كشفت التطورات فى أوروبا، ارتباطًا بما يجرى فى أوكرانيا، عن مدى تراجع النفوذ الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فى ضوء انكفاء واشنطن عنها، ولا سيما بعد الانسحاب من أفغانستان. إذ رفض أغلب حلفاء وشركاء أمريكا فى المنطقة إدانة “العملية العسكرية فى أوكرانيا”، ولم يشمل – على سبيل المثال – البيانُ الصادر عن قمة جدة أو البيانات الصادرة عن لقاءات الرئيس الأمريكى جو بايدن الثنائية، إبَّان زيارته للمنطقة فيما بين 13 و16 يوليو الجارى، أية إدانات أو انتقادات لروسيا ارتباطًا بالأزمة الأوكرانية، كما كان يأمل بايدن. وفى تقدير بعض المحللين، لم يكن لبايدن أن يفكر فى زيارة المنطقة على الإطلاق لولا الاضطراب الحاصل فى سوق النفط العالمية وارتفاع الأسعار ارتباطًا بالأزمة الأوكرانية من ناحية، ومخاوف الولايات المتحدة من تنامى النفوذ الروسى والصينى فى المنطقة من ناحية أخرى. وفى كلمته فى قمة جدة، اختار بايدن تعبيرًا استعماريًا منفِّرًا للتشديد على عزم بلاده مواجهة روسيا والصين، حين قال إن واشنطن لن تترك “فراغًا” فى الشرق الأوسط لكى تنفذ منه موسكو وبكين، وأضاف إليهما طهران. وكأن المنطقة، فى قراءة إدارة بايدن، خالية من الفاعلين الإقليميين باستثناء إيران، وكأن مصائر شعوبها ودولها يحددها فقط التنافس بين القوى الكبرى. ولا ريب فى أن المواقف العربية، بجانب زيارة بايدن ذاتها، قد أدت إلى فهم أمريكى أفضل للموقف العربى، وإلى أى مدى لم تعُد الدول العربية تقبل أن يتم أخذها كأمر مُسلَّم به (For granted).
-
والملفت هنا أن جميع بيانات القادة العرب خلال لقاء بايدن، ذكَرت الأخير بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين على أساس قرارات الشرعية الدولية، وعلى حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقد يكون هناك تعاون ثنائى بين إسرائيل ودول عربية اخرى، إلا أن هذا لن يغير من واقع أن القضية الفلسطينية ستظل قضية العرب الأولى، وستظل أحد أهم مُسبِّبات المشاعر المعادية للولايات المتحدة فى المنطقة، وتدنِّى ثقة الرأى العام العربى فى السياسات الأمريكية، ليس فقط فى المنطقة، بل وأيضًا حول العالم. ويُضَاف إلى ذلك أن مسألة “الناتو العربى” الذى قِيل أنه لمواجهة التهديد الإيرانى، لم تكن سوى “قصة” فى الإعلام الأمريكى والإسرائيلى.
-
ومن منظور بعض الكتاب الروس، مثل البروفيسور فيتالى نعومكن، من الواضح تمامًا أن مهام رحلة بايدن السياسية كانت أوسع من الشرق الأوسط والمنطقة، فقد شملت توسيع الجبهة المعارِضة لروسيا، والتغلب على أزمة الطاقة. بل إن بايدن نفسه كان صريحًا عندما أشار إلى أنه جاء حتى لا تترك الولايات المتحدة فراغًا تملؤه روسيا والصين فى المنطقة. إن خطاب بايدن هذا موجَّه فى الأساس إلى الداخل الأمريكى ولأغراض انتخابية. ولقد كان تقييم معظم المحللين الروس لنتائج زيارة الرئيس الأمريكى بأنها لم تكن ناجحة، أو فى أفضل الأحوال لم تؤدِّ إلى إنجاز أىٍ من المهام التى أرادها الجانب الأمريكى.
-
وفى هذا الصدد، لعل من المفيد الإشارة إلى المكاملة الهاتفية التى جرت بين ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى 21 يوليو 2022، والتى أشادا فيها بمستوى العلاقات الودية بين البلدين، فى سياق بحث قضايا التعاون الثنائي ذات المنفعة المتبادلة، فيما أشار البيان الصادر عن الكريملين فى ذات اليوم إلى أن روسيا تلاحظ بارتياح أن الدول المشاركة في “أوبك +” تفى بشكل مستمر بالتزاماتها من أجل الحفاظ على التوازن والاستقرار اللازمين فى سوق الطاقة العالمية، وهو ما لاقى انتشارًا واسعًا فى دوائر الإعلام الخليجية.
-
وبإيجاز، تستهدف الدول العربية، خاصة الرئيسية منها مثل مصر والجزائر والسعودية والإمارات، تحقيق التوازن بين حاجتها إلى الحفاظ على علاقة طيبة قدر الإمكان مع الولايات المتحدة، مع التعاون والتفاعل فى الوقت نفسه مع القوى الأخرى، وتحديدًا روسيا والصين، فى جميع المجالات، حيث تعتقد أنه من مصلحتها الحفاظ على علاقات وثيقة مع الجميع على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وفى إطارٍ من احترام القانون الدولى، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.
هذا، ويمكن الاطلاع على النص الكامل لكلمة السفير د./ عزت سعد على موقع المجلس