مشاركة السفير د./ عزت سعد مدير المجلس فى المؤتمر الصحفي للسيد سفير جمهورية الصين الشعبية حول زيارة نانسي بيلوسي لإقليم تايوان
أغسطس 11, 2022عالم بدون روسيا!!
أغسطس 21, 2022
بتاريخ 20 أغسطس 2022، شارك السفير د./ عزت سعد مدير المجلس بورقة بعنوان “الأزمة ومستقبل تنافس القوى العظمى” فى الندوة التى نظمتها جمعية الصداقة المصرية / الصينية، بالتعاون مع مركز التحرير للدراسات والبحوث، تحت شعار “مستقبل العلاقات الصينية / الأمريكية في ضوء المستجدات الأخيرة بمضيق تايوان”، حيث أشار فيها إلى ما يلى:
-
لم تؤثر صدمة وباء كوفيد – 19 في ترتيب التسلسل الهرمي للقوة العالمية. فلا تزال الولايات المتحدة هي القوة الأكبر والأكثر ثقلاً عالمياً، حيث ما تزال في قيادة النظام المالي والنقد في العالم وتحتفظ بقدرة عالمية على إسقاط / إظهار القوة، سواء أكانت قوة خشنة أو ناعمة. وقد أدت هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020 إلي أن أصبحت الولايات المتحدة في وضع أفضل للاحتفاظ بدورها المحوري في قلب الأنظمة الأمنية الأوربية وآسيا والمحيط الهادئ.
-
وبالنسبة للصين، فهي مستمرة في الصعود دون عوائق تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، مما يؤكد مكانتها كمنافس نظير للولايات المتحدة منذ الأزمة المالية الكبرى عام 2007 /2008. فقد كان لهذه الأزمة تأثير أعمق من الوباء على التسلسل الهرمي للدول، وكان من مظاهر هذا التأثير: التحول الاستراتيجي الامريكي نحو آسيا في عهد أوباما، و إدارة الديون وقضية مكافحة الفقر، والإقرار بالحاجة إلي المرونة في التعامل مع الأزمتين، وصعود الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وعودة روسيا كلاعب استراتيجي عالمي، وبداية ترنح الاتحاد الأوروبي ومعاناته من أزمة وجودية الواحدة تلو الأخرى حتى ما قبل كوفيد -19. وتنطبق نفس الملاحظات بدرجات متفاوتة على الجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى: فالهند ليست أقرب إلى اللحاق بالصين، ولا تزال البرازيل تعتمد على أسواق المواد الخام.
-
وخلافاً لسابقة الكساد الكبير، عملت واشنطن وبكين معاً باعتبارهما “صاحبي مصلحة قابلين للرعاية” بهدف مشترك هو الخروج من الكساد العالمي. وعلى العكس من ذلك، لم تظهر الولايات المتحدة في عهد ترامب أي اهتمام، وكذلك الصين، بارتداء عباءة القيادة العالمية، سواء بشكل منفصل أو مشترك، عندما ضربت الجائحة العالم. وعلى خلاف واشنطن التي انكفأت على نفسها، قدمت الصين اللقاح للعديد من لبلدان العالم النامي خاصة افريقيا في الوقت الذى اتسمت فيه مواقف الدول الغربية – في البداية على الأقل – بالأنانية.
-
وعلى المستوي الاستراتيجي، تعمقت الفجوة بين نظام التحالف الذى ركزت عليه الولايات المتحدة في أوربا وآسيا والمحيط الهادئ وبين الصين الصاعدة. وجاء الانسحاب الامريكي من أفغانستان ليجسد عشر سنوات من التراجع الامريكي. وقد غذى ذلك شكوك الحلفاء والمتنافسين على السواء فيما يتعلق باستعداد أمريكا وقدرتها على دعم رؤيتها العالمية بنوع التصميم الذى ساد خلال الحرب الباردة الأولي. كما لا توجد ثقة كامنة في استمرار الخط السياسي لبايدن، مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي لمجلس الكونجرس.
-
ويحلو لإدارة بايدن تقديم التنافس الأمريكي الصيني على أنه صراع بين الديمقراطيات” مقابل الأنظمة الاستبدادية”. وعلى بقدر بعض الكتاب الغربيين أن مثل هذه السردية قد تكون مرتاحة لمثل هذه الرواية السياسية الثنائية القطب، إلا أن الحفاظ على سلامة الديمقراطيات في مواجهة القوي الشمولية قد يستلزم جلب بلدان غير ديمقراطية بأي شكل من الأشكال. مثلما كان الحال خلال الحرب الباردة عندما كان نظام سالازار في البرتغال وتركيا، التي عصفت بها الانقلابات، أعضاء في حلف شمال الاطلسي، وكانت الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا الجنوبية جزءاً من “العالم الحر”. كما لا يجب تجاهل حقيقة أن هزيمة المانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية كان بسبب تحالف غير عادي بين الديمقراطيات والاتحاد السوفيتي. وهكذا، يمكن القول بأن السردية التي تحرض تحالف الديمقراطيات ضد شراكة صينية/روسية بين الانظمة الاستبدادية تظل سردية مقيدة أو تتسم بالمحدودة، خاصة وأن علاقة الصين الاستراتيجية مع روسيا، والتي تقوم جزئياً على الرفض المشترك للقيم والنظم السياسية الغربية، يشاطرها فيه أغلبية كبيرة من الدول النامية. وقد كشفت جائحة كورونا عن أهمية دور الدولة ومركزيتها لمواجهة تحدي الوباء، علماً بأنه قبل أن يضرب الوباء العالم، لوحظ صعود الجهات الفاعلة غير الحكومية، من منظمات غير حكومية وشركات متعددة الجنسيات يقودها المستهلكون والشركات العملاقة عبر الانترنت. وبعد الجائحة قادت الدولة الاستجابة للتحديات الضحية والاقتصادية العامة. وعلي سبيل المثال، لم يكن هناك تعميم للقاحات في الوقت المناسب في الولايا المتحدة دون اللجوء إلي قانون الإنتاج الدفاعي لعام 1950، ولم تكن هناك لقاحات بريطانية بدون استراتيجية صناعية بريطانية ناجحة لدعم جامعة أكسفورد.
-
في السياق عاليه، بذلت قيادة الحزب الشيوعي الصيني جهداً كبيراً لمواجهة الوباء في الداخل، وقام بتعبئة المجتمع الصيني بأسره، وحققت الصين نتائج مثيرة للإعجاب في احتواء انتشار الوباء خارج مقاطعة “هوبي” أو دحره في نهاية المطاف في وقت مبكر من إبريل 2020.
-
وعلى كلٍ، يمكن الإشارة بإيجاز إلى النقاط التالية:
-
أولويات إدارة بايدن منذ البداية كانت الساحة الداخلية والمنافسة مع الصين.
-
مع بدء الحرب في أوكرانيا. ظهرت تقديرات أمريكية عديدة بأن خروج روسيا منتصرة سوف يشجع بكين على غزو تايوان. وفي هذا السياق، وجدت بكين نفسها في موقف الدفاع عن النفس، خاصة مع عدم إدانتها لروسيا وانتقاداتها للولايات المتحدة والغرب بعدم مراعاة المخاوف الأمنية لروسيا.
-
على خلفية أولويات إدارة بايدن، هناك نقطة مرجعية حاسمة تتمثل في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر 2022، وبذل الجهد لضمان أغلبية ديمقراطية، وهو تحدٍ صعب. ويفسر كثيرون زيارة بيلوسي وتوالي زيارات وفود الكونجرس بأغلبية ديمقراطية باعتبارات داخلية أمريكية، وكذلك الحال بالنسبة لرد الفعل الصيني وارتباطه بمؤتمر الحزب الشيوعي قبل نهاية العالم وانتخاب الرئيس لولاية ثالثة.
-
تركزت استجابة الولايات المتحدة للأزمة الأوكرانية على ثلاثة محاور منها – بجانب المساعدات العسكرية وتكثيف العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية – الحفاظ على تنسيق وثيق وحشد الحلفاء في أوربا وحلف الناتو، وحول العالم بما في ذلك آسيا.
-
وبالنسبة للصين، وعلى عكس واشنطن، لا يبدو أنها مهتمة بتطوير نظام تحالف لتحقيق التوازن ضد الولايات المتحدة. ولا تبدي بكين، من وجهة نظر محللين غربيين كثيرين، أي اهتمام بمفاهيم الاستقرار النووي وإدارة الأزمات. ومنذ ظهور كتاب “جراهام أليسون”، دخلت نظرية “فخ ثوسيديدس” في النقاش العام، حتى في بعض الندوات الصينية.
-
نعلم أن ساحات المعارك الدولية تغيرت: فالقوة الاقتصادية والتفوق التكنولوجي والهيمنة الرقمية، أصبحت الآن حاسمة من الناحية الاستراتيجية، وتتطلب مقاربات مختلفة عن تلك التي سادت خلال الحرب الباردة الأولي. ومن هنا يلاحظ التنسيق الوثيق بين عمالقة التكنولوجيا الامريكية مع أوربا على نحو ما تجسد في 29 سبتمبر 2021 عندما عقد مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة أول اجتماع له، وذلك بعد فترة وجيزة من أول اتصال هاتفي بين ماكرون وبايدن بعد فضيحة AUXUS. حينئذ بدأ الحديث عن صياغة مفهوم استراتيجي جديد للحلف، تحتل فيه الصين مكانة بارزة، وهو ما كان غائباً في المفهوم الاستراتيجي لعام 2010. وقد تكون عبارة ماكرون الشهيرة بأن الناتو “ميت دماغياً ” في نوفمبر 2019 قد دفعت الحلف في هذا الاتجاه.
-
في التقدير، ونتيجة لطموحات روسيا وقدراتها العسكرية، هناك الكثيرون الذين يؤكدون على ضرورة أن يظل تركيز الناتو على روسيا غير أنه بالنظر إلي مسئولية الحلف عن الأمن الجماعي، يمكنه أيضاً أن يضطلع بدور عام في توفير الحماية في المجالين السيبراني والفضائي. من خلال العمل كآلية مؤسسية لتنسيق ضوابط التصدير المتعددة الأطراف في فترة ما بعد الحرب التي تحد من نقل التكنولوجيات الحيوية إلى الصين.
-
وفقاً لبعض الكتاب الأمريكيين، فإن محاصرة روسيا وهزيمة بوتين تتطلب تعاون الصين وإقناعها بالعمل مع الولايات المتحدة لمواجهة روسيا، خاصة في ظل تشابك اقتصادها بعمق مع الاقتصاد الامريكي والعالمي واحتفاظها بديون أمريكية تزيد قيمتها على تريليون دولار في شكل سندات خزانة أمريكية، كما أنها تستفيد من التأثير التراكمي للاستثمار الأمريكي في الصين، وتحتاج إلى الوصول إلى الاسواق الأجنبية. وتشكل كل هذه الحقائق سلوك الصين ومحددات أي مواجهة مستقبلية لها مع الولايات المتحدة الامريكية. ويذهب هذا الرأي إلي القول بأنه” بدلا من تصوير الصين على أنها عدونا العظيم التالي، فإن الأمن الامريكي سوف يخُدم بشكل أفضل من خلال إدراك أن سلوك روسيا يسلط الضوء فقط على الطرق التي تظل بها الصين والولايات المتحدة مرتبطتين ببعضهما البعض، على الرغم من التوترات بينهما. وينبغي لنا أن يعزز هذه العلاقات بدلاً من أن نعرضها للخطر، وهي علاقات شديدة الأهمية لكلا البلدين، لكي يبقيا مزدهرين ومستقرين وآمنين. ولا ينبغي لنا أيضاً أن نسمح لكراهيتنا للنظام المحلي الصيني بأن تكون الاساس لكيفية انخراطنا في بلد تأتي مركزيته في النظام العالمي في المرتبة الثانية بعد بلدنا”.
وتبريراً لوجهة نظره، يشير “كارابيل” إلى أنه لا يجب على الولايات الامريكية أن تتصادم مع أي بلد لا تلتزم بالمعايير الديمقراطية الليبرالية، والنظر إليها على أنها تشكل تهديداً ناشئاً للولايات المتحدة. ويضيف أن الولايات المتحدة لم تقم قط بتأسيس سياستها الخارجية برمتها على حقوق الانسان، ولا ينبغي لها أن تفعل ذلك. ويضيف أنه إذا كان صحيحاً أن الحزب الشيوعي ينظر إلي الولايات المتحدة على أنها خصم، إلا أنه كان دائماً على استعداد للانخراط دبلوماسيا، كما دافع مراراً وتكراراً عن حرمة حدود الدول والقبول بالحلول الوسط بشأن قضايا مثل التجارة وتغير المناخ. وحتى خطاب الصين بشأن تايوان، يراه الكاتب “مجرد صراخ، ويبدو مقيداً بالمقارنة بالطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة تاريخياً مع أمريكا اللاتينية”.
وخلص الكاتب إلى التأكيد على أنه نادراً ما يكون من الحكمة مواجهة خصمين في وقت واحد، وأنه يتعين على الرئيس بايدن إيجاد طرق جديدة للعمل مع الصين، بدلاً من محاولة إجبارها على أن تكون مختلفة. وفي هذا السياق، يقترح الكاتب خطوات محددة مثل: اتخاذ خطوات جريئة لتخفيف حدة الخطاب، مثل رفع التعريفات الجمركية التي فوضت في عهد ترامب على السلع الصينية مقابل خفض دعم بكين لبوتين. ويخلص إلى القول بأن بايدن سيفوِّت فرصة أن يكون رئيساً ذكيًا واستراتيجيًا بدلاً من أن يكون رئيساً يقاتل الصين في كل منعطف.