مشاركة السفير د./ عزت سعد مدير المجلس بورقة بعنوان “الأزمة ومستقبل تنافس القوى العظمى” فى ندوة جمعية الصداقة المصرية / الصينية، بالتعاون مع مركز التحرير للدراسات والبحوث حول “مستقبل العلاقات الصينية / الأمريكية في ضوء المستجدات الأخيرة بمضيق تايوان”
أغسطس 20, 2022لماذا تجدد النزاع الداخلي في إثيوبيا؟
أغسطس 30, 2022
عزت سعد مدير المجلس المصري للشئون الخارجية
فى خضم حالة التوتر وعدم الاستقرار والاستقطاب التى خلقتها حرب أوكرانيا فى أوروبا وحول العالم، شهدت العلاقات الدولية العديد من التغيرات والظواهر غير المسبوقة التى لم تألفها قواعد الاشتباك المتعارف عليها فى المواجهات العسكرية بين الدول، وما جرى عليه العمل فى إطار الممارسات الدبلوماسية المعتادة. وفى هذا السياق، مثلت الحرب ذروة جديدة فى الاستخدام العلنى للمعلومات الاستخباراتية من قبل الغرب كأداة للسياسة الخارجية من أجل التأثير على جدول الأعمال وتشكيل الرأى العام المحلى والأجنبى، وذلك من خلال الكشف عن نوايا الخصم وخططه الهجومية مما ساعد فى خلق رواية متعاطفة، وحشد الدعم، والمشروعية لاتخاذ تدابير مؤلمة ضد روسيا. كذلك تم تزويد كييف بالأسلحة وشن حرب اقتصادية غير مسبوقة اعتبرت نقطة تحول جيواقتصادية امتدت آثارها لتشمل العالم بأسره، كما حوصرت روسيا دبلوماسيا وطُرد أعضاء بعثاتها فى الخارج وتم التضييق عليهم، وبذلت ضغوطا متواصلة ــ ولا تزال ــ لطردها من الأطر المتعددة الأطراف، وغير ذلك من الضغوط الرامية إلى فرض عزلة دولية كاملة على روسيا.
وفى بيان له فى 9 أغسطس الجارى، نقلته وكالة نوفستى الروسية للأنباء، ذكر أناتولى أنطونوف سفير روسيا لدى الولايات المتحدة أن واشنطن «تواصل صب الزيت على النار» فى الصراع الأوكرانى، وتقدم المزيد من المساعدات الإضافية لكييف، منوها بأنها تقترب من «خط خطير فى المواجهة مع روسيا» وبأنها «لا تنوى الاستماع إلى صوت العقل والمنطق وأن ذلك لن يؤدى إلا إلى إطالة احتضار النظام الأوكرانى». وجاء بيان أنطونوف تعليقا على تصريحات لوكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشئون السياسية كولن كال، فى 8 الجارى، أشار فيها إلى أن المساعدات العسكرية التى تقدمها واشنطن وحلفاؤها، مَكنت الأوكرانيين من تغيير مسار الحرب مع روسيا، وأن بلاده مصممة على مواصلة تقديم هذه المساعدات مهما تطلب الأمر، مضيفا أن بلاده بصدد تقديم مساعدة عسكرية إضافية بقيمة مليار دولار إلى أوكرانيا، مما يرفع قيمة المساعدات العسكرية التى قدمت منذ بدء الحرب إلى 9.8 مليار دولار، بجانب الصفقة العسكرية الكبرى التى وافق عليها الكونجرس فى مايو 2022 بقيمة 40 مليار دولار، تشمل أسلحة وتدريب وصيانة ورواتب عسكريين، بالتزامن مع موافقة مجموعة السبع الكبار على 20 مليار دولار أخرى.
من ناحية أخرى يمارس بعض أعضاء الكونجرس ضغوطا على إدارة بايدن لوضع روسيا على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، بما يضعها ضمن مجموعة صغيرة جدا من الدول التى تطلق الحكومة الأمريكية عليها تقليديا دول «منبوذة»، تحكم علاقات أمريكا بها حالة من العداء العام. وتشمل القائمة حاليا كل من كوبا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية. ويعنى ذلك، وفقا لدراسة أعدتها مجموعة الأزمات الدولية، نشرت فى 4 أغسطس الجارى، تضييق المجال أمام الدبلوماسية، حال وجود مجال لذلك، الأمر الذى من شأنه أن يؤدى إلى تصاعد التوترات بشكل خطير ويعيق الجهود المتعددة الأطراف الرامية إلى معالجة حالات الصراع والأزمات الإنسانية حول العالم، ناهيك عن نظرة الروس أنفسهم إلى هذه الخطوة على أنها إهانة بالغة، ومن ثم فقد هددت وزارة الخارجية الروسية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، إذا تم اتخاذ مثل هذا القرار.
إن هذا الدعم الأمريكى غير المحدود لأوكرانيا، ومواصلة حشد الحلفاء والمزيد من الضغوط التى تمارسها واشنطن على العديد من الدول لخدمة السياسة الأمريكية فى هذا الشأن، أدى إلى ترسيخ الاقتناع لدى النخبة السياسية الروسية، بما فيها أولئك الذين عرف عنهم حماسهم لتعميق التعاون مع الغرب، بأن الحرب التى أطلقها الرئيس بوتين منذ فبراير الماضى هى بالفعل «حرب وجودية لروسيا المهددة فى كيانها ذاته»، وأنه «يتعين على البلاد اتخاذ تدابير جادة لضمان بقائها على قيد الحياة، حيث كشفت الحرب للقيادة الروسية، عن مدى عمق انخراط أوكرانيا فى حلف شمال الأطلسى (ناتو) وتعاونه الوثيق معها، بالأسلحة والتدريب، منذ بدايات الأزمة عام 2013/2014، بحيث أصبحت كييف بمثابة رأس حربة، تستهدف قلب موسكو».
ويضيف ديمترى ترينن مدير مركز كارنيجى موسكو أن: «هناك شعور قوى متزايد داخل روسيا بأن الولايات المتحدة تحاول استخدام الحرب فى أوكرانيا لشل، أو حتى تدمير، الدولة الروسية، وأنه من واجب كل مواطن روسى وطنى دعم الحكومة الروسية الآن». ويمضى ترينن قائلا إن «الولايات المتحدة وحلفاءها وضعوا أهدافا أكثر راديكالية بكثير من استراتيجيات الاحتواء والردع، المحافظة نسبيا، التى كانت تستخدم ضد الاتحاد السوفيتى… وإنها فى الواقع تسعى جاهدة لاستبعاد روسيا من السياسة العالمية كلاعب مستقل، وتدمير الاقتصاد الروسى بالكامل. إن نجاح هذه الاستراتيجية من شأنه أن يسمح للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، بحل المسألة الروسية، وفى النهاية خلق آفاق مواتية للنصر فى المواجهة مع الصين».
ويخلص تيرنن إلى القول بأن «مثل هذا الموقف من جانب الخصم لا يعنى وجود مجال لأى حوار جاد، حيث لا يوجد عمليا أى احتمال للتوصل إلى حل وسط، بين الولايات المتحدة وروسيا فى المقام الأول، يقوم على توازن المصالح. إن الديناميكية الجديدة للعلاقات الروسية الغربية تنطوى على قطع دراماتيكى لجميع العلاقات، وزيادة الضغط الغربى على روسيا على جميع الجبهات، من الدولة والمجتمع إلى الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة… إلخ».
والواقع أن النظرة الروسية لواقع ومستقبل العلاقات مع الغرب لا تقوم فقط على ما كشفت عنه الحرب فى أوكرانيا فحسب، وإنما أيضا على العديد من الأفكار المتداولة فى بعض مراكز الفكر الأمريكية، بل وفى بعض الدوائر الرسمية، التى تدعو علنا إلى تفكيك روسيا من خلال دعم الحركات الانفصالية داخلها وخارجها ــ ويذكرنا ذلك بما كتبه زبجينيو بريجنسكى مستشار الأمن القومى الأمريكى فى عهد ريجان ــ فى دورية الشئون الخارجية 1997 ــ مقترحا إنشاء «روسيا كونفدرالية فضفاضة تتألف من روسيا الأوروبية، وجمهورية سيبيريا وجمهورية الشرق الأقصى». كذلك كان ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى الأسبق من دعاة تفكيك روسيا إلى عدة دول أصغر.
وفى ذات السياق كتب ريتشارد هاس رئيس مجلس الشئون الخارجية، فى 10 يونيو الماضى، قائلا أن «المطلوب لإنهاء الحرب (فى أوكرانيا) هو حدوث تغيير فى موسكو وليس فى واشنطن»، وأن الأمر يتطلب ــ من وجهة نظر هاس ــ إيجاد بديل للرئيس بوتين لكى «يتخذ خطوات من شأنها أن تنهى وضع روسيا المنبوذ، وأزمتها الاقتصادية، ومستنقعها العسكرى، ويتعين على الغرب أن يوضح أنه مستعد لمكافأة زعيم روسى جديد مستعد لاتخاذ مثل هذه الخطوات حتى فى الوقت الذى يواصل فيه الضغط على الزعيم الحالى».
المثير للسخرية فى هذا السياق أن كبار المسئولين الأمريكيين، وعلى رأسهم بايدن، كثيرا ما يرددون أن الأمر متروك لأوكرانيا وقيادتها لتقرير ما تريده من تسوية. ويشكك هاس فى ذلك، مؤكدا أن واشنطن لديها مصالح أوسع بكثير على المحك من كييف. فقد اقترحت إدارة بايدن مجموعة من الأهداف المختلفة، وأن ما يصرح به الرئيس بايدن من أنه يريد أوكرانيا ديمقراطية ومستقلة وذات سيادة ومزدهرة، ولديها الوسائل اللازمة للردع والدفاع عن نفسها ضد المزيد من العدوان، لا ينهى الارتباك فى الموقف الأمريكى. ذلك أن الإدارة ما تزال مترددة فى الاعتراف بالحقيقة غير المريحة المتمثلة فى ضرورة وجود مقايضة فى أوكرانيا، حيث تظل واشنطن متمسكة بأن لديها مصلحة فى المبدأ القانونى القائل بعدم جواز تغيير حدود الدول بالقوة، غير أن هذه المصلحة تصطدم مع مصلحة أخرى تتمثل فى الرغبة فى تجنب قتال مباشر مع قوة عظمى مسلحة نوويا. ولهذا السبب رفضت الولايات المتحدة نشر قوات على الأرض، واستبعدت فرض منطقة حظر جوى فوق أوكرانيا، ورفضت كسر الحصار الروسى المفروض على الموانئ الأوكرانية. ويخلص هذا الرأى إلى القول بأن ضبط النفس الأمريكى هنا قد يكون حكيما، إلا أن ذلك لن يغير من حقيقة أن أوكرانيا سوف تضطر إلى الاستمرار فى قتال معركتها، وأنه حتى بمساعدة الغرب، ربما لن تتمكن أوكرانيا من استعادة الوضع الذى كان قائما قبل 2014.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 21 أغسطس 2022 و رابط :