محضر اجتماع اللجنة الاقتصادية بالمجلس
يوليو 5, 2023زيارة السفير د./ عزت سعد لجمهورية أوزبكستان
يوليو 9, 2023
بتاريخ 5 يوليو 2023، شارك السفير د. عزت سعد بورقة بعنوان “تحديات التنمية فى بيئة دولية متغيرة”، فى المنتدى الذى نظمته الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية والشبكة العالمية لمراكز الفكر لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، تحت شعار “مكافحة الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة”. وفيما يلى نص الكلمة.
أود أولا أن أعرب عن عميق شكري وتقديري لدعوتي لهذا المنتدى الهام في إطار الأنشطة المتواصلة للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ((CASS) Chinese Academy of Social Sciences) والشبكة العالمية لمراكز الفكر لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة (Global Network of Think Tanks on Poverty Eradication and Sustainable Development).
السيدات والسادة،
فى الواقع، لا يخفى على أحدٍ ما يواجهه عالم اليوم من تحدياتٍ وتهديداتٍ ضخمة غير مسبوقة، على كافة المستويات. ففى غضون سنواتٍ قلائل، شهد العالم حالة من التنافس الدولي، على الصعيد التجارى والجيوسياسى، والذى أدت تداعياته إلى ازدياد المخاوف القائمة أصلاً ارتباطًا بقضايا نزع السلاح والإرهاب والتطرف وتغير المناخ وندرة الموارد، وأيضًا الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية وازدياد معدلات الفقر والتهميش الاجتماعى، والنزوح القسري وتفاقم اللجوء والهجرة، وزيادة حدة الجريمة المنظمة، والتفاوت في الحصول على المنافع الاقتصادية والاجتماعية الأساسية حول العالم. وقد زادت أهمية تلك القضايا في السنوات القليلة الماضية، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات والتحديات الدولية المتلاحقة، لا سيما في ظل جائحة Covid-19.
ولا شك كذلك أن البيئة العالمية الراهنة، والقائمة على التنافس بين القوى الكبرى، تشكل عقبة رئيسية أمام أي نمو مستدام من شأنه أن يسمح بمكافحة الفقر في العديد من المناطق. كما أن جائحة Covid-19 أدت إلى تفاقم هذا التنافس وضاعفت الضغوط الحمائية في الاقتصاد العالمي، على حساب التكامل الاقتصادي العالمي والإقليمى، فى الوقت الذى لم تزل فيه الحواجز التجارية والاتفاقيات والشراكات التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك سياسة العقوبات، خلال الإدارة السابقة كما هي.
فى سياقٍ متصل، لا يزال العالم يرصد كذلك محاولة البعض فرض وصاية على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية خارج حدوده، وفقا لمقاربة غير متسقة مع خصوصيات الدول وواقع الأمور بها، بل اتخذ من حقوق الانسان ذريعة لممارسة الضغط، بشكل أدى إلى تسييس قضايا حقوق الإنسان، والتدخل في الشئون الداخلية للدول. ومع التسليم بوجوب احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فإن على الجميع أن يستمع لشواغل العالم النامي ويتفاعل معها دون انتقائية، فلابد من مقاربة شاملة تعطي أولوية لمكافحة الفقر، وتوفير الرعاية الصحية والغذاء والتعليم، وتمكين المرأة والشباب، بالتوازي مع إرساء الدعائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لترسيخ الحكم الرشيد وسيادة القانون.
السيدات والسادة،
لقد أثبتت الصين قدرتها على إحداث التنمية الشاملة بموارد أقل بشكل عام بالمقارنة بالقوى الكبرى الأخرى. ويشمل ذلك، ليس فقط الإنفاق العسكري الصيني، كنسبة مئوية من الناتج المحلي، بل وأيضاً المسارات الاقتصادية الأخرى، ومنها الابتكار الذى كان من أهم العوامل التي شكلت المسار الاقتصادي للصين وصعودها التنموي الكبير. وليس بمقدور أحدٍ أنْ ينكر أن النمو الاقتصادي السريع في بلدان مثل الصين قد أدى إلى انتشال الملايين من براثن الفقر، لكن التقدم كان محدودًا في مناطق أخرى، مثل جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والتي تمثل معًا أكثر من 80 % من أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع. كما يحذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) في تقريره الأخير الصادر في أبريل 2023 من أن البلدان النامية تواجه سنوات من الصعوبات مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وسط الاضطرابات المالية المتزايدة، وأن رفع أسعار الفائدة سيكلف تلك البلدان اكثر من 800 مليار دولار من الدخل الضائع خلال السنوات القادمة، بل من المتوقع أن ينخفض النمو السنوي عبر أجزاء كبيرة من الاقتصاد العالمي إلى ما دون الأداء المسجل قبل جائحة Covid-19 وأقل بكثير من عقد من النمو قبل الأزمة المالية العالمية. خاصة وأن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية يتوقع انخفاض النمو العالمي في عام 2023 إلى 2.1 % مقارنة بـ 2.2 % المتوقعة في سبتمبر 2022، بافتراض أن التداعيات المالية الناجمة عن أسعار الفائدة المرتفعة قد تم احتواؤها.
فى ذات السياق، تتمتع الصين بتجربة ناجحة، فيما يتعلق باستغلال وإدارة الموارد الطبيعية والأهداف البيئية وحماية الصحة العامة، والتى يُؤمَل أن تستفيد منها باقى البلدان والتعلم منها من خلال آليات التعاون المشترك بين الجانبين، لتحقيق الازدهار والتقدم، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بأبعادها المختلفة. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، نفذت الشركات الصينية مشاريع واسعة النطاق مطلوبة بشدة في إفريقيا، وكذلك في آسيا وأوروبا الشرقية. وفي كثير من الحالات، ساعدت هذه المشاريع الدول على تشييد بنية تحتية لا غنى عنها، وضرورية لتنمية البلدان الأفريقية.
السيدات والسادة،
تُعَد مبادرة التنمية العالمية (GDI) التي اقترحها فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2021 إحدى أهم المبادرات التنموية العالمية التي يجب دعمها والانخراط في تحقيقها؛ بغية تعزيز التعاون الدولي في مجالات التنمية المختلفة ولفت الانتباه إلى المشاكل المتعلقة بتنمية البلدان النامية على نحوٍ خاص؛ إذ إن التنمية هي المفتاح الرئيسي لمعالجة جميع المشاكل والأزمات التي تعصف بالدول، والتي أشرنا إليها أعلاه.
إن هذه المبادرة الجديرة بالتقدير، تلتزم بتحقيق أربعة أهداف: أولاً، بناء إجماع سياسي حول تسريع التنمية. ثانيًا، تلتزم المبادرة ببناء منصة مشتركة للتعاون الإنمائي، بالنظر إلى أن التنمية العالمية تحتاج إلى رؤى وأهداف واضحة، والأهم من ذلك، إجراءات وتدابير عملية، منوطة بحماية وتحسين سبل العيش والتركيز على مجالات التعاون الرئيسية مثل الحد من الفقر، ومكافحة تداعيات Covid-19، والتعاون في مجالات تنمية الموارد البشرية، وأمن الغذاء والطاقة، والتصنيع، والاقتصاد الرقمي، والتنمية الخضراء. والتي من شأنها أن توفر سبلًا مفيدة للأطراف لمواءمة احتياجاتهم الإنمائية وإجراء تعاون قائم على المشاريع. ثالثًا، تلتزم المبادرة بتعزيز الخبرات المتبادلة بشأن التنمية، مستفيدةً في ذلك بالخبرات الغنية المتراكمة لدى البلدان المتقدمة والنامية على السواء، فيما يتم دعم البلدان في استكشاف مسارات التنمية ضمن سياقها الوطني وعلى أساس نقاط قوتها، بهدف تحقيق التنمية المشتركة في نهاية المطاف. رابعًا، تلتزم المبادرة بتعزيز التآزر الدولي من أجل التنمية المنسقة، وذلك من خلال تنسيق التعاون الإنمائي في إطار المبادرة على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية لتوليد تأثير مضاعف. وهكذا، فإن المبادرة تشجع المنظمات الدولية والحكومات والشركات والأوساط الأكاديمية والمجتمعات المدنية على لعب أدوارها، في السعي العام لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر (SDGs)، بحلول عام 2030.
السيدات والسادة،
لعلَّ أحدث المبادرات تضافرًا مع مبادرة التنمية العالمية الصينية، هي تلك الخاصة بمحاولة صياغة “ميثاق مالي عالمي جديد”، والتي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نوفمبر 2022، واستضافت باريس قمتها في 22 و23 يونيو 2023، بغية وضع حجر الأساس لنظام مالي عالمي جديد، يمكّن الدول النامية من مواجهة تبعات تغير المناخ ومكافحة الفقر، والتي حضرها نحو 50 رئيس دولة وحكومة وممثلون عن المؤسسات المالية العالمية ورؤساء مؤسسات وشركات من القطاع الخاص من حول العالم ومنظمات من المجتمع المدني. تلك المبادرة التي تلت بدورها مؤتمر COP27 المناخي الذي استضافته مصر عام 2022، والذي نجح في تأمين اتفاق دولي تاريخي على إنشاء صندوق لدعم الدول الفقيرة لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية.
وفي الوقت الذي نقدِّر فيه بشدة هذه المبادرات الحثيثة لدعم البلدان النامية ومكافحة أزماتها، لتحقيق مجتمع عالمي صحي، فإننا نؤكد في الوقت ذاته على أهمية تحلي هذه المبادرات بالجدِّية اللازمة لتحقيق هذا الهدف الضروري وذي الأولوية، خاصة وأن الدول المتقدمة التزمت سابقًا بتخصيص 0.7 % من ثرواتها للبلدان النامية، والمساهمة بمبلغ 100 مليار دولار لمواجهة تبعات التغير المناخي، لكن لم يشهد ذلك توزيعًا لتلك الأموال، إلا في حدودٍ ضئيلة للغاية لا تستحق الذكر. هذا فضلاً عن أن “قمة ماكرون” لم يحضرها من بين قادة مجموعة السبع سوى المستشار الألمانى والرئيس ماكرون ذاته، وإلى جانب المشاركة الفرنسية الألمانية، لم يحضرها على مستوى الاتحاد الأوروبي سوى كلٍ من قادة بلغاريا وسلوفاكيا فقط، ممَّا أثار المخاوف من أن الحدث سيكون استعراضًا أكثر من التركيز على المضمون. هذا وأخذًا في الاعتبار أن أهداف القمة تتطلب موافقة وانخراط جاد من الدول الغنية، التي لا تهيمن فقط على المؤسسات المالية العالمية، ولكنها مسئولة أيضًا عن غالبية الانبعاثات التاريخية، فلا بد أن يؤثر غياب زعمائهم بشدة على نتائج القمة وأهدافها.
وفي هذا السياق، قد يكون هذا المنتدى الذي يجمعنا اليوم فرصة للدعوة إلى إعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة، بما يمكِّنها من تجاوز أزماتها، خاصة وأن خدمة الديون في بلدان الجنوب في أعلى مستوياتها منذ نهاية التسعينيات، و93% من البلدان الأكثر تعرضا للكوارث المناخية هي في حالة من المديونية المفرطة أو قريبة منها، كما أن الدول الغنية تستمر في منح بلدان الجنوب قروضًا بشكل أساسي. ففي عام 2020، مثلت التبرعات 26% فقط من التمويل المناخي المُلتزَم به. في سياقٍ متصل، يجب العمل كذلك على تعزيز دور القطاع الخاص في خطط مواجهة تغير المناخ والفقر، وتشجيعه على الانخراط في هذا المنحى التنموي المهم. هذا إلى جانب ضرورة قيام رؤساء الحكومات بتحمل مسؤولياتهم، لأنه بالإضافة إلى التمويل، يجب العمل على إعادة بناء الثقة بين بلدان الشمال والجنوب.
السيدات والسادة،
إن الأزمات التى يواجهها العالم اليوم تدفع بشدة، ودون تأخير، إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول على كافة المستويات، وفى كافة المجالات؛ لكي يتم التغلب على تلك الأزمات وتجاوزها، بما يحقق الأمن والاستقرار والرفاهية للمجتمع الدولى، خاصة وأنه لا يمكن بأى حال لأى دولة كانت أن تعمل بمفردها لمواجهة مثل تلك الأزمات المعقدة والمتشابكة وتداعياتها.
أخيرًا، ينبغي التنويه إلى ضرورة تجاوز الخلافات لأجل تحقيق تلك الأهداف السامية. كما ينبغي كذلك أن يقوم التعاون الدولى المشترك فى هذا الشأن، على احترام مبادئ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وحق كل دولة في اختيار نموذجها الخاص في التنمية، وفقاً لإرثها الثقافي ونموذج القيم الخاص بها. فضلاً عن العمل على إيجاد حلول سلمية للأزمات الدولية القائمة، بما يعزز السلم والأمن، باعتبارهما الأرضية الأساسية التي تنطلق منها خطوات البناء والازدهار.
شكرًا جزيلاً،