ندوة حول “تطورات الأوضاع ارتباطًا بملف مياه النيل والسد الإثيوبي”
يوليو 19, 2023السفير عزت سعد السيّد: أعبر عن إعجابي الشديد بكلمة الرئيس بوتين ومن الحكمة استدعاؤه الخلفية العظيمة للتعاون الأفريقي السوفييتي
يوليو 27, 2023
فى الفترة من 25 إلى 29 يوليو 2023، زار السفير/ عزت سعد مدير المجلس روسيا الاتحادية، بناءً على دعوة شخصية، للمشاركة فى القمة الثانية الإفريقية الروسية، والتى استضافتها مدينة سانت بيترسبرج العاصمة القديمة لروسيا، والتي عقدت تحت مسمي “القمة الاقتصادية والإنسانية الروسية الإفريقية”، والتي استهدفت تعزيز العلاقات بين روسيا والبلدان الإفريقية، وبصفة خاصة في مجالات السياسة والأمن والتنمية الاقتصادية والعلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية والتعليم والثقافة. وشمل جدول أعمال القمة أكثر من 30 جلسة نقاش حول أهم قضايا التعاون الإفريقي الروسي، جرت خلالها التفاعلات، وجهاً لوجه، بين السياسيين ورجال الأعمال والخبراء ووسائل الإعلام. وقد صدر عن القمة بيان ختامي وخطة عمل مشتركة حتى عام 2026، وأيضاً خطة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وأخرى لتنشيط التنسيق بين الجانبين في السياسة الخارجية.
وعلى حين بدت روسيا مصممة على عقد القمة، بعد تأجيلها عام 2022 لظروف الحرب في أوكرانيا، رغم الضغوط الشديدة التي مارستها الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين خاصة المانيا وفرنسا، رأت دول القارة فيها فرصة لتبني مقاربات براجماتية تتيح لها الاستفادة من الإمكانات والفرص التي توفرها السوق الروسية، رغم قسوة العقوبات الغربية المفروضة عليها.
وعلى خلاف القوى الكبرى الأخرى المتنافسة في إفريقيا، والتي أعلنت عن استراتيجية واضحة المعالم لكل منها في إفريقيا جنوب الصحراء، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، لا توجد مثل هذه الاستراتيجية لروسيا. وفي هذا السياق، ينظر إلى الإعلان الختامي الصادر عن القمة الأولي – التي تم تدشينها في أكتوبر عام 2019 برئاسة مشتركة من مصر رئيس الاتحاد الإفريقي آنذاك وروسيا تحت شعار “السلام والأمن والتنمية” – على أنه الأساس الأوّلي للشراكة الإفريقية الروسية، أو بالأحرى استراتيجية روسيا الإفريقية.
ويمكن القول بأن الجانب الروسي تبني مقاربة اقتصادية واضحة للقمة، وهو ما يتضح ليس فقط من مكان عقدها في أكبر أرض معارض في المدينة حيث جرى عرض بعض أحدث إنتاج روسيا من الأسلحة بما فيها المسيرات، بل وأيضاً من حيث المشاركين في الجلسة الافتتاحية، بجانب الرئيس بوتين والرئاسة الحالية للاتحاد الإفريقي (جزر القمر). فقد شاركت ديلما روسيف رئيس “بنك التنمية الجديد” لتجمع بريكس ورئيسة البرازيل الأسبق، ورئيس البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير. وجاءت مشاركة البطريرك كيريل “بطريرك موسكو وعموم روسيا” في الجلسة الافتتاحية، للتأكيد على اهتمام روسيا بإبراز القواسم الثقافية والدينية المشتركة مع إفريقيا من حيث تمسكها بالقيم التقليدية في مواجهة “القيم الليبرالية الغربية”.
من ناحية أخرى، جاءت القمة بعد أيام من قرار موسكو رفض العمل باتفاق الحبوب، والذي انتهي في 17 يوليو الماضي، الذي يسمح بتصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود، والذي تعتبره الأمم المتحدة غاية في الأهمية كونه يحافظ على التوازن في الأسعار ويمنع وقوع أزمة غذائية عالمية. وقد حظي هذا الموضوع بمساحة معتبرة في الكلمة الافتتاحية للرئيس الروسي الذي أوضح أنه بينما تبلغ حصة روسيا في سوق القمح العالمي 20%، وحصة أوكرانيا 5%، إلا أنه لم يتم الوفاء بأي من شروط الصفقة المتعلقة برفع الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة من قائمة العقوبات ووصولها إلى السوق العالمية.
وقد أعلن الرئيس بوتين في ختام عرضه قيام روسيا بتوفير ما بين 25.000 إلى 50.000 طن من الحبوب مجاناً إلى كل من بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطي وإريتريا خلال الأشهر القادمة وأن روسيا ستتحمل تكلفة توصيل هذه الشحنات. ومن جانبه، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته في الجلسة العامة للقمة، “أهمية إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد إفريقيا على تجاوز هذه الأزمة، مع البحث عن آليات تمويل مبتكرة تدعم النظم الزراعية والغذائية في إفريقيا”. وأعرب الرئيس السيسي عن تطلعه “لحل توافقي بشأن اتفاقية تصدير الحبوب، يأخذ في الاعتبار مطالب كافة الأطراف ومصالحهم، ويضع حداً للارتفاع المستمر في أسعار الحبوب”.
وفي التقدير فإن عقد القمة في حد ذاته يمثل نجاحاً لا يستهان به لروسيا. ذلك أنه رغم مشاركة نحو ثلث القادة الافارقة فقط (17 رئيس دولة وحكومة) في القمة، الأمر الذي اعتبره الإعلام الغربي بمثابة فشل ذريع، إلا أن التغطية الروسية أبرزت أن قادة الدول الرئيسية في القارة حرصوا على الحضور وفي مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي ورؤساء جنوب إفريقيا والسنغال ورئيس الوزراء الإثيوبي، بجانب إيفاد 49 دولة ممثلين عنها في القمة، منهم 20 على مستوي عال، وهو عدد الدول التي توجد لروسيا فيها سفارات مقيمة. وقد أشار الرئيس بوتين في كلمته الافتتاحية والختامية إلى أن الغرب “حاول بشتى السبل عرقلة القمة، بممارسة ضغوط غير مسبوقة على الدول الإفريقية”.
والواقع أن خطاب الرئيس السيسي أمام القمة أشار بوضوح لمدى ضخامة تلك الضغوط الغربية عندما ذكر أن هذه القمة “تأتي في ظرف دولي بالغ التعقيد، ومناخ عام يتسم بدرجة عالية من الاستقطاب، والتغيرات التي باتت تمس القواعد الرئيسية التي بني على أساسها نظامنا الدولي، بمفهومه الحديث … إن الدول الإفريقية ذات سيادة، وإرادة مستقلة وفاعلة في مجتمعها الدولي، ويتعين أن تبقي بمنأى عن مساعي الاستقطاب في الصراعات القائمة”.
ومن المهم الإشارة إلى أهمية اللقاءات الرئاسية الثنائية التي عقدت على هامش القمة، بما فيها لقاء الرئيسين المصري والروسي. واختص هذا الأخير مصر بإشارات عديدة في كلمته الافتتاحية والختامية، خاصة وأنها الشريك الاقتصادي والتجاري الأكبر لروسيا في إفريقيا (أشار إلى مشروع الضبعة النووي والمنطقة الصناعية الروسية المنتظر تدشينها للتصدير لإفريقيا). وبالمثل كشفت القمة عن قوة العلاقات الروسية / الإثيوبية في ضوء إعلان بوتين، خلال لقائه بآبي أحمد قبل يوم من القمة، “لقد أعددنا حزمة كاملة من الوثائق لزيارتكم، بما في ذلك اتفاق حكومي بشأن أمن المعلومات، والنقل الجوي، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخارطة طريق للتعاون في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وبروتوكول بين سلطات الجمارك في البلدين.
ولقد لخص الرئيس بوتين في كلمته الختامية، ما خلصت اليه القمة من نتائج، مشيراً في ذلك إلى ما يلي بصفة خاصة:
-
تعهد بأن تكون هناك آلية عمل وتنسيق بين روسيا وإفريقيا في المرحلة المقبلة (وهو ما أغفلته القمة الأولى).
-
تقديم مساعدات للدول الإفريقية لمكافحة الأوبئة، مشيراً إلى أن المبالغ المخصصة لذلك تتجاوز 1.5 مليار روبل.
-
أشار إلى أن الشركات الروسية مستعدة لتمكين الشركاء الافارقة من التكنولوجيا وزيادة التعاون الثقافي والرياضي.
-
أعلن عن خطة عمل مع إفريقيا حتى 2026 تستهدف زيادة التبادل التجاري وتطوير البنية التحتية والتعامل بالعملات الوطنية.
-
أكد استعداد روسيا لتزويد إفريقيا ببعض الأسلحة مجاناً لتعزيز الأمن بالقارة والعمل بشكل أوثق مع أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات الإفريقية.
-
تعهد بأن تزيد بلاده صادراتها الزراعية للقارة، وأنها ستظل مورداً يعتمد عليه للغذاء، مضيفاً أن موسكو الغت ديوناً مستحقة على إفريقيا بقيمة 23 مليار دولار (لم يوضح الفترة الزمنية أو يحدد الدول المعنية).
-
سياسياً، قال بوتين:
-
“اتخذنا موقفاً موحداً بالقمة على تحدي النظام الاستعماري ومحاولات القضاء على القيم”، مضيفاً أن بلاده وإفريقيا “تؤيدان إنشاء عالم متعدد عادل، مبني على احترام الشرعية الدولية”.
-
أن إفريقيا تتحول إلى مركز قوة جديد، وينبغي على الجميع أخذ ذلك في الحسبان. وفي هذا السياق، أشار بوتين إلى المبادرة الإفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية كدليل على انخراط القارة في عمليات وساطة كانت حصرية على “الدول التي يقال إنها ديمقراطيات، أما الأن فلا”. وأضاف: “اليوم إفريقيا مستعدة للمساعدة في معالجة مشاكل تقع خارج نطاق مصالحها الأساسية. بكل احترام نتعامل مع مبادرتكم، وسندرسها بكل اهتمام.
أخيراً لقيت القمة اهتماماً كبيراً من قبل العديد من مراكز الفكر الروسية، التي قامت بتناول الجوانب المختلفة للعلاقات الروسية الإفريقية، مشيرة في ذلك إلى أوراق القوة أو المزايا التي تتمتع بها روسيا في إفريقيا – مثل التاريخ وتعهدات روسيا الصريحة بالتعاون مع دول القارة والصناعات العسكرية والتعاون الأمني والقيم التقليدية وحاجة إفريقيا إلى روسيا كموازن قوة في عملية صراع القوي الكبرى – وكذلك أوجه الضعف، حيث ذكر الخبراء أنها عديدة، منها:
-
افتقاد التواصل بين روسيا وإفريقيا، والذي بدأ في عقد التسعينات من القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستغرق نحو ثلاثين عاماً. إذ يصعب القول بأن تداعيات هذا الانقطاع تم تجاوزها بشكل كامل، أخذا في الاعتبار حقيقة أنه في غياب روسيا قام لاعبون أخرون بملأ الفراغ.
-
على العكس من الخصوم الغربيين، لا تبذل روسيا ما يكفي على المستوي المفاهيمي، والذي لا يتعلق فقط بتشكيل صورة إيجابية عن روسيا في إفريقيا وأخرى عن إفريقيا في روسيا، ولكن أيضاً التعزيز المتبادل للقيم المشتركة.
-
تعد حركة التبادل التجاري الروسي / الإفريقي الأقل، بالمقارنة بالقوى الكبرى الأخرى في القارة، وذلك بالرغم من التعهد بالعمل على مضاعفتها. فقد تراجعت قيمة المبادلات التجارية بين روسيا ودول القارة من 20 مليار دولار إلى 17.7 مليار في الفترة ما بين 2017 و2021، وذلك على عكس الصين (282 مليار) والاتحاد الأوروبي (254 مليار) والولايات المتحدة (83 مليار)، علماً بأن نسبة 70% من تجارة روسيا مع إفريقيا هي مع بلدان الشمال، منها 30% مع مصر وحدها، وهي الشريك الاقتصادي والتجاري الأكبر لروسيا في القارة.
كذلك فإن الاستثمارات الروسية في القارة لا تزيد عن نسبة 1% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية فيها، وتتركز نسبة 60 إلى 70% منها في قطاعات النفط والغاز واليورانيوم والبوكسيت والماس والحديد والصلب والموارد المعدنية الأخرى.
-
تمثل العقوبات الاقتصادية والمالية غير المسبوقة على روسيا، ارتباطاً بالحرب في أوكرانيا، قيداً على تعاون روسي / إفريقي فعال.
والخلاصة هي أن صعود التأثير الروسي في إفريقيا، وفقاً للخبراء الروس، مرهون بأن تقترن تعهدات موسكو بشراكة قوية مع إفريقيا بتحركات عملية، وأن ذلك يستوجب إعداد استراتيجية واضحة تشمل مشروعات وتدابير فعالة للتنفيذ، ونتائج يمكن التحقق منها. ويؤكد هؤلاء أن لدي بلادهم القدرات الكبيرة الكفيلة بقيام تعاون مفيد للجانبين في المستقبل، خاصة في مجالات الطاقة والصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن الغذائي والتعاون الفني والاقتصادي والتجارة، بجانب التعاون الأمني والعسكري.