إطار للتعاون الإقليمي والأمن في الشرق الأوسط
ديسمبر 3, 2024عاصرت إرهاصات نشأة النظام الطائفى (العلوى) الاوليجاركى فى إطار حزب البعث السورى لأسرة حافظ الأسد فى عام 1970 عندما انتقلت للعمل عضوا دبلوماسيا فى سفارة مصر بدمشق. وكان حافظ الأسد آنذاك – وزيرا للدفاع – وجاء الى سدة الحكم بانقلاب ضد رئيس الدولة العلوى أيضا – اللواء صلاح جديد – فى اطار من الترتيب مع قيادة الطائفة العلوية فى محاولة لامتصاص الغضب الشعبى العارم من طوائف السنة المختلفة ومن بينها خلفيات اثنية – الاكراد – الدروز ـ (بجانب المسيحيين).
تمثل طائفة العلويين ـ الشيعة ـ نحو 10% من اجمالى عدد السكان وبنسبة مماثلة أو أقل قليلا للمسيحيين والنسبة الغالبة نحو 80% من السنة. ومثلما تتوزع الطوائف السورية فى مناطق محددة، فان الطائفة العلوية تقطن منطقة اللاذقية وطرطوس وهى مناطق جبلية عالية على البحر المتوسط حيث النفوذ والقواعد العسكرية والبحرية الروسية.
هكذا كان يتكون الهيكل السكانى للشعب السورى من موزاييك متجانس متعايش متوافق لم يصبه ما أصابه من نكبات سوى من جراء ممارسات النظام المتوارث عائليا الذى استمر لما يقرب من خمسة عقود. ارتكب انتهاكات لحقوق الانسان، ودفع الملايين للنزوح الداخلى واللجوء الخارجى، وتحولت سوريا لساحة للصراعات الإقليمية والدولية, ما بين إيران وروسيا التى دعمت نظام الأسد, وما بين قوى غربية ـ الولايات المتحدة – تدخلت بدعوى محاربة الإرهاب والمحافظة على حقوق الإنسان ساعية لمصالح أمنية واقتصادية.
سقط نظام بشار الأسدـ بمقياس التاريخ ـ ما بين عشية وضحاها، على يد مجموعات المعارضة السورية التى أجبرها من قبل على الخروج من وسط وجنوب سوريا فى عام 2015 بدعم من ايران – حزب الله – الحرس الثورى وروسيا، لتتمركز تلك المجموعات فى شمال سوريا بمناطق فى حماية تركيا. وهو الامر الذى أتاح لتركيا ـ وربما لدول بالجوار ـ رعاية هذه المجموعات ودعمها عسكريا بالتدريب والتسليح وسياسيا بتوحيد توجهاتها بأولوية نحو إسقاط النظام فى التوقيت المناسب والقاتل، تحت قيادة هيئة تحرير الشام – محمد الجولانى – تلك الهيئة التى ولدت من رحم تنظيم الدولة وانفصلت عنها وتسعى الى أن تظهر بوجه معتدل فى مواجهة المواطن السورى والدول الغربية. ويبدو من قراءة تطورات الأحداث ومواقف الأطراف أن «ثمة توافقا بين كل من تركيا وإسرائيل والإدارة الامريكية الحالية المنتهية ولايتها قريبا والإدارة الأمريكية القادمة على صفقة لمصلحة كل منهم, وقد تسهم على الأرجح فى أن تعزز من فرص مولد الشرق الأوسط الجديد، خاصة أن هناك مؤشرات على أن تحالف المعارضة بقيادة الجولانى حظى بدعم وتأييد الأطراف الاربعة على نحو أو آخر، بما فى ذلك إسرائيل، بما يتردد عن علاقة تعاون اسرائيل فى معالجة جرحى عناصر من الهيئة فى مستشفيات إسرائيلية، وبما يبدو من توجهات ونزعات استقلالية لهيئة تحرير الشام عن تنظيمى داعش والقاعدة ونحو تبنى توجه اسلامى معتدل ليتسق مع توجهات المجموعات الأخرى فى التحالف، والقوى الإقليمية والدولية المؤثرة.
جاء التحرك من جانب قوى المعارضة بأولوية إسقاط النظام فى توقيت تخلت فيه كل من روسيا وإيران عن تأييد ودعم نظام الأسد، لمصالح ذاتية لكل منهما، فقد تراجع التأييد الروسى لنظام الاسد بسبب تطورات الحرب الروسية الأوكرانية وعلى الأرجح بضغوط الإدارة الأمريكية الجديدة بمقايضة مطامح روسيا فى أوكرانيا مقابل سوريا، وفى توافق مع الإدارة الحالية فى هذا الصدد أيضا، كى تحقق نجاحا ولو شكليا يبدو كإنجازقبل نهاية ولايتها بإسقاط نظام الأسد، مثلما تراجع التأييد والدعم الإيرانى أمام ما أصاب ايران وأذرعها من سلسلة الضربات والاغتيالات لقيادات إيرانية، وقيادات حزب الله وقواته فى لبنان وسوريا ، فضلا عما أصاب حماس فى هذا الصدد، لتتقوقع ايران حول المحافظة على النظام والبحث عن تأمين برنامجها النووى، وهو ما يفسر تراجع أنشطة الحوثى فى اليمن وتبنى النظام فى العراق – ذى الأغلبية الشيعية – موقفا يتسم بالحصافة وتجنب التورط عبر الحشد الشعبى.
وعلى الرغم من التأكيدات المتواترة من قيادة تحالف المعارضة عن وحدة قوى المعارضة والتمسك بوحدة الدولة وسلامتها الإقليمية والمحافظة على مؤسسات الدولة والتعامل مع كل أبناء الشعب السورى دون تمييز، وبناء دولة حرة عادلة وديمقراطية أساسها المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز ، وما يبدو من توافق على الانتقال السلمى للسلطة إلى رئيس وزراء جديد، مع خروج الأسد من المشهد باللجوء الى روسيا، الا أن الدولة تواجه تحديات جساما تهدد من بين ما تهدد وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية بالتقسيم وبالتفتيت اذا ما دب خلاف بين مكونات تحالف قوى المعارضة على السلطة والتوجه السياسي. قد بدأت بالفعل إسرائيل فى تجاوز ما تضمنته اتفاقية فض الاشتباك بينها وبين سوريا عام 1974 بل وأعلنت إنهاء العمل بالاتفاقية، ودخلت بقواتها منطقة جبل الشيخ وربما بعدها، مع حديث عن إنشاء مناطق آمنه كتلك التى تتحدث عنها فى غزة وفى لبنان.
تواجه سوريا مرحلة انتقالية دقيقة وخطيرة، تستوجب تحركا عربيا فاعلا ومؤثرا فى الإطار الثنائى والمتعدد متجاوزا البيانات والتصريحات الداعمة والمؤيدة، وذلك عبر فتح قنوات اتصال مباشرة مع تحالف قوى المعارضة، وعبر مجموعات وتنظيمات اللاجئين السوريين خاصة بدول الجوار لدعم الثورة السورية الوليدة مجددا، سياسيا بما يتسق وخيارات الشعب السورى العربى، وتحقيق الأمن والاستقرار ودرء مخاطر ما تواجهه من تحديات، والإسهام فى إعادة البناء والإعمار عبر خطة عربية شاملة.
نشر المقال بجريدة الاهرام بتاريخ 16 ديسمبر 2024 ورابط دائم: