فى مائدة مستديرة بالمجلس لبحث تطورات المشهد السودانى وتداعياته: التوصية بأن تكون مصر على تواصل وثيق بمكونات المجتمع بالسودان
نوفمبر 2, 2021ما بين مشرط الجراح وساطور الجزار… محمد عبدالمنعم الشاذلي
نوفمبر 5, 2021رخا أحمد حسن
عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
لقيت السياسات الإسرائيلية المتبعة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وضد الشعب الفلسطينى رفضا وتنديدا على نطاق واسع، ليس فقط من جانب السلطة الفلسطينية بمستوياتها المختلفة، وإنما أيضا على المستويات العربية والإقليمية والدولية. وذلك نظرا لما اتسمت به هذه السياسات من خرق لجميع القوانين والمعايير الدولية سواء بالنسبة لعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أو فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة للشعب الفلسطينى. كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ما تكاد ترتكب خروقات قانونية أو إنسانية فى حقوق الشعب الفلسطينى، إلا وتتبعها بأخرى أشد خرقا ونكالا.
وقد يفسر كثرة القرارات والإجراءات غير القانونية التى تتخذها الحكومة الإسرائيلية الحالية أمران، أولهما أنها حكومة يترأسها أحد كبار المستوطنين الإسرائيليين فى المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة وهو نفتالى بينت، الذى يريد بكل الوسائل غير المشروعة أن يثبت للمستوطنين الإسرائيليين أنهم انتخبوا خير من يحقق أطماعهم التوسعية فى المستوطنات القائمة، بل وبناء مستوطنات جديدة، وأنه يتفوق على أستاذه بنيامين نتنياهو. وثانيهما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية مكونة من عدة أحزاب متباينة الاتجاهات وليس لها إلا أغلبية مقعد واحد فى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى، وتدرك أن رئيس الوزراء السابق نتنياهو مترقب ومتحفز انتظارا لسقوطها لأى سبب على أمل صعب التحقيق وهو أن يعود من جديد لرئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد أن أنهى حياته السياسية بمحاكمته وهزيمته سياسيا.
ومن القرارات التى أصدرتها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا ولقيت أكبر رفض وتنديد، كان قرار وزير الدفاع بينى جانتس، بتصنيف ست منظمات حقوقية ومدنية فلسطينية باعتبارها منظمات إرهابية تتعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التى تعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية. وهذه المنظمات الحقوقية والمدنية الفلسطينية هى مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال ــ فلسطين، وجمعية الحق، واتحاد لجان العمل الزراعى، واتحاد المرأة العربية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء. ويلاحظ أن من أصدر القرار وهو جانتس كان ينظر إليه، من واقع ما كان يقوله وهو فى حكومة نتنياهو السابقة، على أنه يعد من المعتدلين. وهى نظرة زالت عند أول اختبار حقيقى له لتظهر الحقيقة اليمينية المتطرفة لوزراء الحكومات الإسرائيلية المتتالية.
وقد وصف أستاذ قانون إسرائيلى فى جامعة تل أبيب، قانون مكافحة الارهاب الإسرائيلى بأنه معيب لأنه يعطى لوزير الدفاع صلاحيات إصدار تصنيفات إرهابية، ولا يمكن للمتهمين الوصول إلى المعلومات الموجودة ضدهم، ويستحيل على المنظمات الفلسطينية إلى حد كبير أن تطلع على الأدلة المزعومة حيث يمكن حجبها عنهم بدعوى الأمن الإسرائيلى. واستنكر أن تعلن منظمات حقوقية فى 2021 أنها إرهابية بدون تقديم أى دليل. وأضاف أنه إذا كان القانون الإسرائيلى يسمح بذلك، فلا يجب أن يقبل الرأى العام بمثل هذه المستويات من السرية القانونية.
كما بادرت منظمة «إسرائيليون ضد الفصل العنصرى» إلى جمع توقيعات لدعم المنظمات الفلسطينية الست المصنفة إرهابية تعسفا، واعتبروا أن ذلك تزوير وتشويه للواقع. وأشاروا إلى استهداف المجتمع المدنى سياسات إسرائيلية قديمة سواء داخل حدود 1948، أو فى الأراضى المحتلة عام 1967، وأنه يجب إدانة قرار الحكومة الإسرائيلية الذى يهدف إلى عرقلة العدالة فى التحقيقات فى الجرائم التى ارتكبها مجرمو الحرب الإسرائيليون، كما أنها جزء من جهود إسرائيل لتدمير الاقتصاد الفلسطينى.
وقد اعتبرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى 26 أكتوبر 2021 أن قرار تصنيف المنظمات الفلسطينية الست على أنها إرهابية قرار تعسفى، ويشكل هجوما على المدافعين عن حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية المشروعة، حيث إن عمل هذه المنظمات مهم لآلاف الفلسطينيين وأصبح مهددا بالتوقف أو بتعقيدات شديدة، وأن القرار الإسرائيلى يخالف الحق فى حرية تجمع الأشخاص المعنيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان والقضاء المدنى. وطالب خبراء الأمم المتحدة إسرائيل بالتراجع عن هذا القرار.
وقد اعترضت واشنطن على القرار الإسرائيلى وأوضحت أنها ستطلب من إسرائيل مزيدا من المعلومات عنه. وقد أثار القرار الإسرائيلى غضبا فلسطينيا شديدا، ورفضا عربيا له.
ومن ناحية أخرى فقد أصدرت 12 دولة أوروبية وهي: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبولندا، والسويد، والنرويج، وفنلندا، والدنمارك، وهولندا، بيانا مشتركا عارضوا فيه بحزم قرارا آخر للحكومة الإسرائيلية ببناء 3000 وحدة استيطانية جديدة فى المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، لأنها تعتبر بموجب القانون الدولى غير قانونية، وتبنى على أراض يطالب بها الفلسطينيون كجزء من دولتهم المستقبلية، كما رفضوا سياسة التوسع الاستيطانى فى كل الأراضى الفلسطينية المحتلة حيث تشكل انتهاكا للقانون الدولى، وتقويضا لجهود التوصل إلى حل الدولتين.
كما أعربت الإدارة الأمريكية عن معارضتها بشدة توسيع المستوطنات لأن ذلك يتعارض تماما مع جهود تخفيف التوترات وضمان الهدوء، ويضر بآفاق حل الدولتين، وأوضحت أنه من غير المقبول إضفاء إسرائيل الصفة الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية بأثر رجعى. كما انتقدت واشنطن تصنيف إسرائيل لمنظمات حقوقية فلسطينية على أنها منظمات إرهابية وأشارت إلى استمرار التواصل مع الحكومة الإسرائيلية للوقوف على حقيقة الموقف، وخاصة وأن موقف إدارة بايدن يختلف عن موقف إدارة ترامب السابقة سواء تجاه الحكومة الإسرائيلية، أو تجاه السلطة الفلسطينية. وتسعى إسرائيل بكل السبل إلى إعاقة إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية وتطالب بأن يعاد فتحها فى رام الله، حيث إن إعادة فتحها فى القدس الشرقية يعنى دلالة على أن القدس الشرقية لا تتبع إسرائيل وإنما تعتبر أراضى محتلة مثل الضفة الغربية.
ومن ناحية أخرى فإن الانتهاكات الإسرائيلية فى محور المسجد الأقصى لا تتوقف حيث تستمر جرافات الاحتلال الاسرائيلى فى أعمال هدم مقبرة اليوسفية المحاذية لأسوار المسجد الأقصى دون أن تعبأ بمطالب الفلسطينيين بعدم انتهاك حرمتها ورمزيتها التاريخية. كما تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلية بأقصى جهودها فوق الأرض، وتحت الأرض فى هجمة شرسة لمحو الهوية العربية الإسلامية لمدينة القدس، وتهيئتها لتصبح ذات طابع يهودى، والعمل على بناء حى يهودى جديد يمتد داخل القدس القديمة ومحيط المسجد الأقصى ويتركز فى بلدة سلوان لإقامة كنيس يهودية ومتاحف توراتية، ومسارات تلمودية لاستغلالها للترويج لمزاعمها حول الهيكل اليهودى، والادعاء بأن القدس يهودية.
وقد حذر الفلسطينيون من شق إسرائيل نفقا جديدا فى محيط المسجد الأقصى حيث بلغ عدد الأنفاق التى شقتها إسرائيل فى منطقة الحرم القدسى 26 نفقا مما يجعل مبانيه معلقة على أسس واهية تجعلها مهددة بالانهيار فى أى وقت. وقد بدأ العمل فى هذا النفق الجديد مع بداية 2021، وتم اكتشاف حجرة ومحراب يعودان إلى الفترة الكنعانية، وكان قد جرى ترميمها وإحداث إضافات عليهما فى الفترة الأموية، ومن المتوقع تحويلهما ليكونا مزارا لترويج روايات الاحتلال وخدمة مشروعه الصهيونى.
كما شارك المستوطنون وجماعات من الإسرائيليين حكومتهم فيما ترتكبه من انتهاكات للقانون وحقوق الإنسان حيث إنهم انتهزوا فرصة موسم حصاد الزيتون عند الفلسطينيين، وهو من أهم المواسم الزراعية وله أهمية خاصة على المستوى الاقتصادى الفلسطينى العام وعلى مستوى العائلات التى تعتمد على عائداته لدعم معيشتها طوال العام، فقاموا بالهجوم على الفلسطينيين والاعتداء عليهم وتكسير أو خلع أشجار الزيتون والاستيلاء على المحصول. وقد تقاعست سلطات الاحتلال عن حماية الفلسطينيين ولم تتدخل إلا بعد أن تجاوزت هذه الاعتداءات وسرقة المحصول بالقوة مداها وأصبحت قضية رأى عام فلسطينى وعربى بل وفى قطاعات من الرأى العام الإسرائيلى ذاته.
والحقيقة أن بيانات أو تصريحات الرفض والإدانة الاقليمية والدولية للسياسات الإسرائيلية الاستفزازية والتى تنتهك كل القوانين الدولية، قد تضاف إلى أرصدة الإدانة السابقة، ولكنها فى حقيقة الأمر لم تغير شيئا من خطط إسرائيل الممنهجة للاستيلاء على مزيد من الأراضى الفلسطينية المحتلة على مراحل منتظمة قد تتوقف أو تتراجع لفترة إلى أن تهدأ الاعتراضات والرفض، ثم تمضى فى تنفيذ هذه الخطط دون أن تهتم أو تعبأ بكل هذه الاعتراضات والرفض، والأسباب فى غاية الوضوح وهو أنه طالما أن إسرائيل لا توقع عليها عقوبات لكل انتهاكات ترتكبها ضد الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، بحيث تمس هذه العقوبات مصالحها الحقيقية، فلن تغير إسرائيل من مواقفها وسياساتها، ولن يتجاوز حدود ما صدر أو ما يصدر من بيانات رفض الاعتراضات، أن تضاف إلى أرشيف سابقاتها.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 2 نوفمبر 2021 و رابط :
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=02112021&id=521f3def-82e1-4b67-a7f3-bb384caf871d