بتاريخ 10 نوفمبر 2022، شارك السفير د./ عزت سعد، نيابة عن المجلس، وبدعوة من السيد السفير/ لياو ليتشيانغ سفير جمهورية الصين الشعبية لدى القاهرة، فى ندوة أقامتها السفارة بفندق The Nile Ritz Carlton، حول “تأثير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى على مستقبل الصين وسلام العالم وتنميته”، حيث أعرب عن عميق شكره للسيد السفير/ لياو ليتشيانغ، على دعوته الكريمة، فيما تقدم بخالص التهنئة للحزب الشيوعي الصيني راعي نهضة وتقدم الصين، بمناسبة نجاح المؤتمر الوطني العشرين للحزب، مُعربًا عن الثقة فى أن الحزب سيرسِّخ المزيد من النتائج الإيجابية والحاسمة التي تعزز من وضعية جمهورية الصين الشعبية عالميًا، ومن خططها لبناء دولة اشتراكية حديثة بالخصائص الصينية الفريدة، بقيادة وحكمة أمينه العام الرئيس “شي جينبنج”.
وأضاف السفير/ سعد أن المؤتمر الوطنى العشرين للحزب الشيوعى الصيني حظي بأهمية خاصة، باعتباره الأول للحزب في مئويته الثانية بعد أن احتفل العام 2021 بمرور 100 عام على تأسيسه، ومن ثم فقد كانت اجتماعات الحزب مهمة في تحديد رؤيته، ورؤية القيادة الصينية لمستقبل ومكانة وسياسة الصين فى القرن الحادى والعشرين. وعلى الرغم من تصاعد وتيرة التطورات العالمية التي انعقد في ظلها المؤتمر، إلا أنه كان لافتاً أن الخطاب الافتتاحي للرئيس الصيني “شي جينبينج” الذي دام لنحو 100 دقيقة، لم يركز على هذه التطورات، بقدر تركيزه على المستقبل.
فإلى جانب تشديده على وقوف الصين بحزم ضد جميع أشكال الهيمنة وسياسات القوة وعقلية الحرب الباردة، تعرَّض الخطاب باستفاضة للسياسات الداخلية وكيفية الانتقال بالصين إلى المستقبل، بعد أن نجح الحزب الشيوعي خلال القرن الأول في تحقيق أهدافه الاستراتيجية الرئيسية، ولاسيَّما ما يتعلق منها بالقضاء على الفقر المدقع، ورفع مستوى المعيشة وقيادة الصين لتصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وشريكاً تجارياً رئيسياً لأكثر من 140 دولة ومنطقة. وفي رؤيتها للمستقبل، حددت القيادة الصينية هدفها المئوي الثاني في بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظيمة من جميع النواحي، وضرورة أن يبقى الابتكار في قلب حملة التحديث بالصين، كما تعهدت بتحقيق الازدهار المشترك للجميع، وتعزيز التقدم المادي والثقافي والأخلاقي، وتعزيز القوة الناعمة الوطنية بشكل كبير، وتعزيز نظام وقدرات الأمن الوطني بشكل شامل.
لقد شهدت قيادة الحزب الشيوعى الصينى على مدى العِقد الماضى تعزيزًا هائلاً وشاملاً، حيث اكتملت المنظومة المؤسسية لقيادة الحزب بشكلٍ منهجى وفق أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد، والتى حققت قفزة جديدة فى صيننة الماركسية وعصرنتها، بما اشتملت عليه من تسليح العقول وإرشاد الممارسات ودفع الأعمال بهذه النظرية المبتكرة، بما فى ذلك العمل على تعزيز الوعى السياسى والوعى بالمصلحة العامة والوعى بالنواة القيادية والوعى بالتوافق، وهو ما رسَّخ من مفاهيم التضامن والوحدة والتنسيق العالى داخل الحزب الشيوعى الصينى الذى يضم أكثر من 96 مليون عضوًا، فضلاً عن تطوير الديمقراطية التشاورية الاشتراكية على نطاقٍ واسع، وترسيخ مفهوم “الشعب سيدًا للدولة” إلى حدٍ أكبر، إلى جانب تطبيق سياسة الحزب الأساسية الخاصة بالشئون الدينية على نحوٍ شامل، فيما تلقَّت حقوق الإنسان ضمانًا أفضل.
كما نجح الحزب فى إنجاز الترتيبات الاستراتيجية العلمية والكاملة بشأن تطوير قضايا الحزب والدولة فى العصر الجديد، والتى شملت تحقيق الإنجاز المتمثل فى “التكامل الخماسى”، بين البناء الاقتصادى ونظيره السياسى والثقافى والاجتماعى والحضارى الإيكولوجى، وكذا تحقيق التخطيط الاستراتيجى المتمثل فى “الشوامل الأربعة” (أى بناء مجتمع رغيد الحياة، وتعميق الإصلاح، ودفع حكم الدولة وفقًا للقانون، وإدارة الحزب بحزم على نحوٍ شامل). والإنجازات التى حققتها القيادة الصينية لا تُحصَى، وتكفى الإشارة فقط إلى زيادة إجمالى الناتج المحلى الصينى خلال العقد الأخير، من 54 تريليون يوان إلى 114 تريليون يوان، ليشكل حوالى 18.5 % من حجم الاقتصاد العالمى، بزيادة 7.2 نقطة مئوية، فيما تربعت الصين بثبات فى المركز الأول عالميًا من حيث حجم قطاع التصنيع واحتياطى النقد الأجنبى. كما ظل إجمالى إنتاج الحبوب بالصين فى المركز الأول على مستوى العالم، بما يشتمل عليه من ضمان فعَّال لأمن الغذاء والطاقة لأكثر من 1,4 مليار نسمة. أضف إلى ذلك بناء أكبر شبكة عالميًا للسكك الحديدية الفائقة السرعة، بجانب العديد من منشآت البنية التحتية مثل المطارات والموانئ ومنشآت الحفاظ على المياه والطاقة والمعلومات، وزيادة الإنفاق على البحث العلمى والتطوير فى مجالات العوم والتكنولوجيا من تريليون يوان إلى 2.8 تريليون يوان، لتأتى الصين فى المركز الثانى عالميًا فى هذا الشأن، بينما حلَّ مجموع مُمارِسى البحث والتطوير بالصين فى المركز الأول عالميًا.
فى سياقٍ متصل، حققت الصين بنجاح مزيدًا من الانفتاح، بإنشائها شبكة من مناطق التجارة الحرة الموجهة للعالم والتى تتسم بمعايير عالية من الكفاءة والنمو، بما فى ذلك مناطق التجارة الحرة التجريبية وميناء “هاينان” للتجارة الحرة، بل وأصبح التشارك فى بناء “الحزام والطريق” منفعة عامة دولية ومنصة للتعاون الدولى، ويحظى بتأييد العديد من دول العالم، وذلك إلى جانب غيره من المبادرات الصينية التنموية الضخمة التى حازت تقدير وإعجاب الشعوب. وهى مبادرات من شأنها أن تعزز السلم والأمن الدوليين، ورفاهية الشعوب، لاسيما فى ضوء ما طرحه الأمين العام للحزب من ان “التحديث الصينى هو تحديث يتعايش فيه الإنسان والطبيعة بانسجام” وأنه “تحديث يسلك طريق التنمية السلمية”.
من جهة اخرى، تطرَّق السفير/ سعد إلى مدى التطور فى العلاقات المصرية / الصينية، والتى شهدت زخماً غير مسبوق خلال السنوات العشر الماضية. ففي ديسمبر 2014 أنشأ البلدان شراكة استراتيجية شاملة، وفي يناير 2016، وقع البلدان خطة تنفيذية لسنوات خمس لتعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية، على هامش الزيارة التاريخية للرئيس “شي جينبنج” للقاهرة. ومن جانبه، زار فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي الصين ست مرات، بواقع زيارة كل عام منذ ديسمبر عام 2014 وحتى أبريل عام 2019، وهو ما يعكس عمق وقوة العلاقات بين البلدين والثقة المتبادلة بين القيادة فيهما. كما أشاد الرئيسان فى اتصالهما الهاتفي في فبراير 2021، بما وصلت إليه العلاقات بين البلدين من تقدم وازدهار في العيد الـ 65 لإنشائها. فقد أكد فخامة الرئيس الصيني أن بلاده أعطت دائماً أهمية كبرى للعلاقات مع مصر، وأنها مستعدة للتعاون معها لترسيخ الثقة السياسية المتبادلة وتعزيز التنسيق والتعاون في القضايا الدولية والإقليمية، والعمل معاً من أجل حماية تعددية الأطراف ومبادئ الإنصاف والعدالة في العلاقات الدولية. كذلك أكد الرئيس شي جينبنج تعاون الصين مع مصر لمواجهة وباء “كوفيد – 19″، وتعزيز التعاون في مجال اللقاح في إطار التعاون الفعلي القائم بين البلدين في هذا الشأن، كما دعا إلى المزيد من الجهود لدعم استراتيجيات التنمية وبناء الحزام والطريق معًا.
ومن جانبه، قدم الرئيس عبدالفتاح السيسى تهانيه الحارة بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، واستذكر الرئيس العيد الخامس والستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مؤكداً دعم مصر الكامل للموقف الصيني بشأن القضايا المتعلقة بهونج كونج الصينية وشينجيانج وإقليم تايوان الصيني، ودعم مصر الكامل لجهود الصين للحفاظ على سيادتها الوطنية، وأمنها ووحدتها، ومعارضة التدخل في شئونها الداخلية بدعوى “حقوق الإنسان”. وقد أعرب الرئيس السيسى عن عميق شكره للصين لدعمها للقارة الإفريقية وللدول النامية في معركتها ضد وباء “كوفيد- 19″، مضيفاً أن مصر سوف تعزز تعاونها مع الصين في مجال اللقاح. وبالفعل وقع البلدان اتفاقاً عام 2021 مع إحدى شركات الأدوية المصرية (فاكسيرا) لإنتاج لقاح “سينوفارم” في مصر. وهناك العديد من برامج التعاون القائمة بين البلدين والبرنامج التنفيذي الجديد للأعوام 2021 – 2026، بما فيها الاستثمارات الصناعية الصينية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومشروع حي الأعمال والمنطقة المحيطة به في العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع تصميم وتنفيذ خمسة أبراج سكنية بمدينة العلمين الجديدة، ومشروع القطار الكهربائي الذى يربط بين مدينتي السلام والعاصمة الإدارية الجديدة والعاشر من رمضان، كأحد أهم مشروعات البنية التحتية التي يتعاون فيها الجانبان للربط بين المحافظات المصرية، ومشروعات أخرى عديدة في مجالات مختلفة.
كما يجب التأكيد على ما يعلِّقه البلدان على التعاون المشترك ارتباطًا بمبادرة الحزام والطريق، وحرص الجانب المصري على تأكيد اهتمامه بتعزيز الشراكات القائمة والجديدة في إطار المبادرة، على نحو ما أشار اليه الرئيس السيسى خلال مشاركته في قمة مبادرة الحزام والطريق التي عُقِدَت في أبريل 2019، خاصة وأن المبادرة تتوافق مع الاستراتيجية التنموية التي تتبنَّاها مصر، بما في ذلك رؤية 2030. وقد أبدت الصين اهتمامًا كبيرًا بدعوة مصر للانخراط في أنشطة تجمع البريكس في إطار صيغة (بريكس +)، حيث أصبحت مصر – مع عدد محدود جداً من الدول – عضواً في بنك التنمية الجديد المُنشأ في إطار التجمع، وذلك بفضل الدعم السياسي للصديقة الصين.
وفيما يتعلق بالتعاون السياسي، فإن هناك قواسم مشتركة بين الرؤية الصينية للحوكمة العالمية والتوجهات العامة للسياسة الخارجية المصرية، بما في ذلك المفهوم الخاص ببناء “جماعة تتشارك مستقبل البشرية”، وهو المفهوم الذى في إطاره تدافع الصين – مؤيدة تمامًا من مصر – عن تعزيز مفهوم جديد للعلاقات الدولية يقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية والتعاون على أساس المنافع المتبادلة والأمن المشترك، الذى يعد مسئولية لجميع بلدان العالم، خاصة وأنه في ظل المخاطر المتعددة الماثلة في عالم اليوم، لا توجد دولة واحدة مهما بلغت قوتها، تستطيع مواجهة المشكلات الدولية بمفردها، وبالتالي على كل الدول العمل معاً كقوة واحدة وصولاً إلى نظام دولي يقوم على السلام والعدالة ويحقق التنمية والازدهار للجميع. بالإضافة إلى ذلك، هناك توافق مصري صيني على ضرورة الحفاظ على الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، باعتبارها الخيار الأفضل لتوفير الضمانات الفعالة للحوكمة العالمية، بما فيها التعايش والتعاون القائم على قوى متنوعة ومتعددة الأقطاب.
من جهة أخرى، أشار السفير/ سعد إلى العلاقات الصينية / الأفريقية، ارتباطًا بالحديث عن صعود الصين وإنجازاتها، والتى تُعَد مكوِّنًا أساسيًا من السياسة الخارجية الصينية. وفى هذا الصدد، أو التنويه إلى ان العام الماضى 2021 يوافق العيد السبعين للمساعدات الأجنبية الصينية، والتى حظيت القارة الأفريقية بنصيب لا يُستهَان به منها، من خلال سياسة صينية مرنة تتوافق مع الظروف والأوضاع المتغيرة فى أفريقيا، وتقوم على نمط تنموى يلبى احتياجات القارة بعيدًا عن المنافسة أو أى اعتبارات أيديولوجية. وقد جاءت سياسة الصين فى هذا المجال متسقة مع حقيقة أنها أكبر البلدان النامية فى العالم، وأكبر داعم للدول النامية حول العالم، لاسيَّما فى القارة الأفريقية. وفى هذا السياق، ومنذ المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعى الصينى، أكَّد الرئيس شى جينبينج على مسئوليات الصين، من المنظور العالمى، عندما اقترح رؤيته الخاصة بجماعة تتقاسم مستقبل البشرية، ومبادرة الحزام والطريق، والمبادرة العالمية للتنمية، ومبادرة الأمن العالمى.
وفى سياق كل هذه المبادرات، استطاعت الصين أن تقفز فى بداية الألفية باستثماراتها إلى 166 ملياراً بعد أن كانت 12 مليون دولار فى خمسينيات القرن الماضي، تضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا في السنوات الأخيرة، حسب إحصائيات البنك الدولي في عام 2014، إلى حوالي 222 مليار دولار، ثم 254.3 مليار دولار في عام 2021، بزيادة 35.3 بالمائة على أساس سنوي. وبلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الدول الأفريقية 148.4 مليار دولار، بزيادة 29.9 بالمائة على أساس سنوي، في حين وصلت قيمة واردات الصين من الأخيرة إلى 105.9 مليار دولار، بزيادة 43.7 بالمائة على أساس سنوي. كما الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا على مدار 12 عامًا متتاليًا. وقد أسفر تعاونها التجارى مع أفريقيا في تعزيز قدرة أفريقيا على مواجهة التحديات الناجمة عن تفشي جائحة كورونا.
وقد أصبحت قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي (FOCAC) التي تُعقد كل ثلاث سنوات مناسَبة منتظمة للإعلان عن أهداف التمويل المتزايد باستمرار، والذي تضاعف من 5 مليارات دولار في عام 2006، إلى تعهدَيْن بقيمة 60 مليار دولار في عامَي 2015 و 2018. ومنذ عام 2012، قدَّمت الصين قرابة 30 مليار دولار كقروض تفضيلية لعدد من البلدان الإفريقية، لدعم نمو المشاريع ذات الأولوية فيها، شملت مجالات متعدِّدة أبرزها البنى التحتية والزراعة، وبناء العمارات، ومشروعات الطاقة وغيرها.
ومن المهم التنويه إلى أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى أكَّد ضرورة إحراز تقدم فى مجال إنشاء نمط تنموى جديد، ومواصلة الإصلاح والانفتاح، وتحديث نظام حوكمة الدولة، وتعزيز استكمال نظام اقتصاد السوق الاشتراكى، وتشكيل نظام جديد للاقتصاد المفتوح، وهو ما يعنى استمرار بكين فى سياستها الرامية إلى تعزيز التجارة الخارجية، الأمر الذى سوف تستفيد منه القارة الأفريقية، وذلك فى الوقت الذى تدعو فيه وثيقة الأمن القومى الأمريكية التى أعلنتها واشنطن فى 12 أكتوبر الماضى، إلى نسخة معدَّلة من العولمة، تتضمَّن وضع قيود على حرية التجارة باستخدام مبررات الأمن القومى وتأمين سلاسل الإمداد.