ندوة حول تطورات الأزمة الليبية وفرص الحل (الجزء الأول)
يونيو 4, 2017حلقة نقاشية حول “مابعد زيارة ترامب للمنطقة”
يونيو 7, 2017
بتاريخ 5 يونيو 2017، عقد المجلس حلقة نقاشية حول ” خمسون عامًا على حرب 67 .. الدروس المستفادة”، وذلك بهدف تسليط الضوء على الأسباب الداخلية والخارجية للحرب، والدروس المستفادة منها، بهدف العمل على صياغة رؤية استراتيجية مشتركة تكون أساسًا عند مواجهة كافة التحديات المستقبلية.
حضر اللقاء كلاً من السيد السفير/ د. منير زهران، رئيس المجلس، والسفير/ د.عزت سعد، مدير المجلس، والدكتور/ أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية – جامعة القاهرة، واللواء أ.ح/ طلعت موسى، الخبير الاستراتيجي والعسكري، بجانب لفيف من أعضاء المجلس من السفراء والخبراء والأكاديميين، كما أرسل اللواء/ محمد إبراهيم مقالًا حول الدروس المستفادة من الحرب أُدرج ضمن مخرجات الحلقة النقاشية.
-
بدأت أعمال الحلقة بترحيب السفير/ د. منير زهران، بالمشاركين، مُنوّهًا أن الهدف من هذه الحلقة هو مناقشة كافة الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية، والدروس المستفادة من هذه الحرب بعد مرور نحو 50 سنة على الهزيمة، خاصة وأن هذه الهزيمة مثلّت مرحلة مفصلية في التاريخ المصري ونقطة تحول، ولم تكن أقل وطأة من نكبة الأرض لدى الشعب الفلسطيني. واضاف بأن حرب 1967 ترجع إلى حرب 56، والتي تعود جذورها بالأساس إلى تأميم القناة، مؤكدًا أن تلك الفترة تحديدًا من تاريخ الدولة المصرية كان يتم فيها اتخاذ القرار بشكل عشوائي وبدون التشاور مع أهل الخبرة، والإصرار على إخراج القوات الدولية المتمركزة على الحدود مع إسرائيل وقبالة خليج العقبة عند شرم الشيخ، الأمر الذي ساهم في فتح الطريق أمام إسرائيل، منوهًا في هذا السياق أن مدير مكتب وزير الخارجية آنذاك طلب من سيادته، بعد اتخاذ الرئيس جمال عبد الناصر قرار غلق خليج العقبة، إعداد مذكرة عن حكم القانون الدولي من هذا القرار. و ارتكزت هذه المذكرة على أمرين أساسيين: الأول، أن خليج العقبة خليج دولي لابد من كفالة حرية الملاحة فيه، والثاني، أن إسرائيل إحدى الدول المطلة على الخليج ولها هذا الحق، وأنه سبق وأن وافقت مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر– للتخلص من عدوان 1956– بالسماح بحرية الملاحة للدول المطلة على الخليج بما في ذلك إسرائيل، والسماح بوجود قوات طوارئ دولية في شرم الشيخ لحماية حرية الملاحة عند مدخل خليج العقبة، وبالتالي فالقرار كان منتهكًا للقانون الدولي و لالتزامات مصر التي وافقت عليها لانسحاب إسرائيل من سيناء عام 1957.
مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن مصر عانت على مدار تاريخها من عدوان خارجي استهدف سلامة وأمن الدولة المصرية، ففي عام 1956 تم تدمير العديد من المدن المصرية، وفي 1967 تم تدمير القدرات العسكرية للقوات المسلحة المصرية، وحاليًا تتعرض مصر لهجمات إرهابية خطيرة لكن الشعب المصري تحمل دومًا عناء المقاومة والمواجهة لحماية الدولة المصرية.
-
عقب ذلك أعطى سيادته الكلمة للواء/ طلعت موسى، الخبير السياسي والعسكري، والذي أكد على أهمية محتوى الورقة التي قدمها السفير هشام الزميتي، وتناولت الموقف العام للقوات المسلحة (قبل معارك يونيو 1967)”مرفقة”، مؤيدًا تماماً ما جاء بها حول أسباب الهزيمة:
-
حركات التغيير وتعيين القادة في القوات المسلحة كان يتم وفقًا لمبدأ الولاء لا الكفاءة.
-
التوسع في إنشاء الوحدات العسكرية ومنها وحدة قيادة القوات البرية، وما أسفر عنها من ضم أعداد كبيرة وجديدة دون تلقى التدريب والمهارة القتالية اللازمة، فضلًا عن انتداب مقاتلين من الوحدات الأخرى.
-
تخفيض ميزانية القوات المسلحة عن عام 66/67 وشمل التخفيض تأجيل إنشاء تشكيلات جديدة، ومطارات مهمة كان من المقرر انشاؤها والتخفيض من نفقات التدريب الموجودة فعلًا وفي عدد ساعات طيران التدريب.
-
عدم انتظام صفقات التسليح مع الاتحاد السوفيتي، إضافة لعدم وجود خطة عامة للتسلح، ولا في التوازن في حجم القوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البرية، وخضوع القوات الجوية والدفاع الجوي لقيادة واحدة مما أثر سلباً على كفاءة كل قطاع من القطاعين.
-
عدم التأهيل الكافي للقائد العام للقوات المسلحة، وعدم وجود تنسيق أو توافق بين القائد العام ورئيس الأركان من ناحية، ولابين القائد العام ورئيس الجمهورية–القائد الأعلى– من ناحية أخرى، بل إن قرار الانسحاب الصادر في 6 يونيو 1967 تم دون التنسيق أو الاتفاق مع الرئيس الذي كان لديه تصور خاص بأن بقاء القوات يمكن أن يحتفظ بخط المضايق في سيناء.
-
انشغال القيادة العامة للقوات المسلحة بأنشطة مدنية للدولة والسيطرة على جهاز النقل العام، والنوادي، ولعبة كرة القدم، وندب ضباط للإشراف عليها، مما أثّر على الكفاءة القتالية ووحدات وتشكيلة القوات المسلحة.كما أن قيادات القوات المسلحة لم تكن على استعداد كامل لقيادة ميدان العمليات نفسها.
نوّه سيادته في السياق ذاته إلى عدم موافقته مع الرأي القائل بأن وجود قوات في اليمن كان سببًا من أسباب الهزيمة، خاصة وأن القوات التي كانت موجودة كانت كافية لأداء مهامها (تم تكليف نحو 5 فرق عسكرية في سيناء لكن لم يتم تكليفها بأية مهام).
وفيما يتعلق بالدروس المستفادة، أكد أنه تم في أعقاب النكسة اعتماد مبادئ الهجوم والمفاجأة والخداع، فمنذ 12 يونيو تم التحضير لخوض حرب 73 وأُسندت المهام للفريق/ عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وتم العمل على وضع خطط لتنظيم عناصر وأفراد التشكيلات العسكرية والمهام المسندة لها، وحجم القوات المناسبة لاستعادة سيناء وخوض الحرب، كما تم الاستعداد اللوجستي والعسكري، فتم إنشاء حائط صواريخ على جبهة طولها 162 كم وتدريب الأفراد على استخدام صواريخ مضادة للدبابات، وفصل قيادة القوات الجوية عن قوات الدفاع الجوي حتى يتم ممارسة كل فرقة لخواصها، كما تم إنشاء الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وفرق لإدارة الأسلحة والذخائر، وإدارة المياة، وإدارة العمليات.
كما تم إنشاء مناطق عسكرية (المنطقة المركزية والغربية والجنوبية)، وتم إدخال معدات جديدة وأسلحة روسية ومراكب آلية، وتم مراجعة وتطوير نظام المراجعة في مصر، فضلًا عن تدريب الأفراد على استخدام تلك المعدات، والعمل على إعداد وتجهيز مسرح العمليات وتشكيل جبهة قتال من الجيشين الثاني والثالث الميداني، و5 فرق عسكرية داعمة، وتشييد 20 مطار جديد، و2000 كم طرق وكباري على جبهتي القناة، فضلًا عن تجهيز وحدات هندسية متخصصة لإصلاح المطارات.
وإضافة للتجهيز العسكري، تم الحرص على رفع القدرات المعنوية للفرد المقاتل، والتوعية القومية، وبناء العقيدة العسكرية، والسماح لحاملي المؤهلات العليا بالانضمام للقوات المسلحة (بحيث أصبح تشكيل الجنود يتألف من جندي قاتل العدو، وآخر لم يقاتل، وثالث ليس له خبرة، ورابع من حاملي المؤهلات العليا، وآخر عائد من اليمن) وزيادة التواصل بين القيادة وأفراد الخدمة من خلال عقد لقاءات دورية.
مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن جندي حرب الاستنزاف كان صاحب خبرة وتدريب قوي،مشيرًا إلى إنه في ذلك الوقت أمكن العبور والعودة وأخذ أسرى من الجبهة الشرقية ودخول دوريات الصاعقة للعمق الإسرائيلي، منوهًا أن القوات الموجودة في 1967 كانت كافية، وأنه لولا قرار الانسحاب لما حدثت تلك الخسائر.
-
من جانبه، أكد السفير/ صلاح حليمة، عضو المجلس،أن السبب الحقيقي للهزيمة تمثل في تراجع كفاءة الجندي والضابط المقاتل ومستوى التسليح، وأن وجود القوات في اليمن لم يؤثر، خاصة وأنه وجد عدد كافي من القوات المقاتلة في سيناء، فضلًا عن تعرض القوات المصرية في اليمن للاستنزاف، مؤكدًا أن قرار دخول الحرب كان خاطئاً، خاصة وأنه وجد خلل في الميزان العسكري لصالح إسرائيل.
مشيرًا في هذا الصدد الى أن التدخل المصري لدعم الثورة اليمنية فتح الباب أمام التدخلات الخارجية الأخرى، والتي تقوم بها إيران حاليًا في اليمن مبررة هذا التدخل بكونه شبيه بالتدخل المصري السابق لدعم الثورة.
-
في حين أكد السفير/ د. محمد أنيس سالم، عضو المجلس، أن الأخطاء الاستراتيجية الكبرى كانت سببًا رئيسيًا في هزيمة 1967، وأنها تجربة أعمق من كونها تجربة عسكرية بل تمتد لتشمل جوانب إقليمية ودولية، منوهًا لعدد من الملاحظات:
-
لم تستفد مصر استفادة كاملة من دروس هزيمة 1967 حتى اليوم، وحتى القيادة السياسية الحالية تُحيل جزءًا من مشاكل مصر الحالية لهزيمة 1967.
-
فيما يتعلق بالوضع الداخلي، نوّه أن 1967 كانت إشارة لفشل نموذج الحكم واتخاذ القرار في مصر، وأن هذا النموذج له أبعاده الاقتصادية والسياسية والثقافية، خاصة وأنه يعتمد على أسلوب الفرد الواحد، ووجود أخطاء عميقة في التفكير الاستراتيجي (وهوماذكره الراحل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في اجتماعه مع الجنرال “بوف” قائد العملية الفرنسية في عدوان 1956)، وعليه فالنظام السياسي غير القادر على إنتاج نظام كفء وجذاب أو اتخاذ قراركان هو حال الوضع والنظام الداخلى فى مصر آنذاك.
-
وفيما يخص النظام الإقليمي، أكد أن نجاح مصر في استعادة الأرض والحفاظ على السلام منذ 73 حتى الآن، لم يسهم في عودة الأراضي الفلسطينية، أو في إقامة نظام عربي فعال يحدد الأولويات ويعالج المشكلات،بل وجد انقسام في الصف العربي نشهده حتى اليوم، وسط حالة تراجع فكرة القومية العربية وانهيار الدولة الوطنية في المنطقة، وظهور أفكار إقليمية جديدة مستفيدة من تراجع الدور القيادي المصري.
-
وعلى الصعيد الدولي، استشهد سيادته بمذكرات أحمد أبو الغيط، التي أكد فيها أن مصر تخطئ في قراءة القوى والمنظومة الدولية، وتميل للتحالف مع القوة الثانية في العالم، وإن نجحت مصر في بعض الأوقات في تحالفاتها ووجدت قراءة صحيحة للنظام الدولي في 1956، لكن واجهتها في المقابل قرارات سيئة تتعلق بالتعامل مع مشاريع القرارات الخاصة بالشرق الأوسط عقب حرب 67 كقرار (242) وتم تجاهل الرأي والمبادرات المصرية. وعليه فلاتوجد قراءة مصرية دقيقة للتغيرات في النظام العالمي، وهو مايستمر حتى الآن من خلال رفض، مثلًا، فكرة إقامة منظومة جديدة للشرق الأوسط، على الرغم من أنه لم تتم دراسة عناصرها ومقوماتها ولم توجد محاولات حتى للالتفاف عليها وصياغة رؤية مصرية في إطارها.
وفي هذا الصدد استعرض السفير/ أنيس سالم، عددًا من البرقيات موجهة من “كيسنجر” لمحمد حسن الزيات في أعقاب حرب 1973، حيث طالب في أول برقية انسحاب القوات المصرية والتمسك بخط 6 أكتوبر، وهو مقترح رفضته مصر، كما رفضت القرار الخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية عدة كيلومترات، في حين قبلت مصر بالمقترح الثالث، خاصة وأنه كان في مصر رأي بأنها لاتستطيع إكمال الحرب لمدة أكثر من أسبوع أو عشرة أيام،مع ضرورة التوقف قبل ظهور تراجع في الأداء، وعليه تم القبول بالمقترح الثالث والذي نص على وقف إطلاق النار وبقاء القوات كما هي، وتم إيصال البرقية عبر “هيكل” للمشير أحمد إسماعيل إلا أنه عاد وأكد أنها لم تصله وعليه فهذا دليل آخر على وجود ثغرات في صنع القرار وعدم الاستفادة من دروس حرب 1967.
-
بينما ذهب الدكتور/ كمال أبو عقيل، عضو المجلس، ليؤكد أنه، وبعد الحرب، صدر كتاب بعنوان(Taking Sides)، تم فيه الإشارة إلى تأكيد “شيمون بيريز” على صحة ماتردد عن وجود دعم أمريكي بالعتاد والأسلحة لإسرائيل، فضلاً عن نقل طائرات للرؤية الليلية من بريطانيا عبر أسبانيا لإسرائيل ليتم تصوير المواقع العسكرية المصرية، وهو الأمر الذي أكده الرئيس الأمريكي “جونسون”، مؤكدًا أن المعدات العسكرية غير المتطورة ساهم في الهزيمة، فضلًا عن غياب التنسيق في اتخاذ القرار، متسائلاً عن عدم محاسبة القيادة السياسية باعتبار أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة على خلاف ديمقراطيات أخرى كفرنسا، عندما حُكم على مارشال فرنسا بالإعدام في أعقاب الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.
متناولًا ما أعلن عنه “عاموس عوز” عقب إجرائه مقابلات مع عدد من الضباط الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب، حيث تبين خلالها ارتكاب إسرائيل جرائم حرب عقب حرب 67، وهو ما يمكن أن تستفيد منه مصر لمحاسبة إسرائيل عليها.
-
وفي سياق متصل، أكد السفير/ إيهاب وهبة، عضو المجلس، أن ذكرى 1967 ستظل ذكرى حزينة حتى تزول آثارها وتُستعاد أراضي الضفة وغزة، منوهًا إلى أنه في كتابين لهنري كيسنجر تحدث فيهما عن الحرب، أكد أن “بيريز” طلب منه مزيدًا من الأسلحة والعتاد الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن “كيسنجر” رفض ذلك، وأكد أن الدعم الأمريكي حينها كان كافيًا.
مختتمًا حديثه بالتأكيد على أهمية الاستفادة من دروس الحرب في مواجهة الواقع الراهن، والذي يتمثل في زيادة عدد المستوطنات، وتعرض أراضي الضفة وغزة للضياع من العرب في ظل إدارة أمريكية جديدة تفتقر لرؤية واضحة حيال تسوية الأزمة، بل وتعمد إلى نقل الدفة تجاه إيران، ودفع المزيد من المشاحنات تجاه إيران – وقطر مؤخرًا– مُحدثة المزيد من الانقسام في البيت العربي.
-
وفي هذا الشأن، تحدث الأستاذ/ عاطف الغمري، عضو المجلس، عن واقعتين أساسيتين من واقع عمله كصحفي:
الأولى: أنه قبل حرب 1973 بشهرين صدر كتاب له بعنوان “خفايا النكسة”، تحدث في أحد فصوله عن اليوم السابع الذي تلا حرب الأيام الست، وتم الاستشهاد فيه بالكتاب الصادر عن قائد طيران إسرائيلي وجد فيه هجوم على الجيش المصري واعترافات صريحة بأنه وجدت وحدات مصرية لم تنسحب، وأنه دارت معارك بينها وبين وحدات إسرائيلية، ولولا سوء إدارة المعركة لكانت مصر قد انتصرت في الحرب.
الثانية: أشار إلى أن جذور حرب 1967 بدأت في 1956، وعمليًا، وبشهادة الشهود، كان التجهيز الفعلي للحرب في 1957، ووجد في ذلك الوقت كتاب تم تداوله في الولايات المتحدة تحدث عن الحرب التي دارت مرتين، ورصد المؤلف فيه، من واقع حواراته مع عدد من القادة العسكريين والاستخباراتيين خلال زيارته لكلاً من تل أبيب والقاهرة وموسكو وغيرها، أنه عندما أجبر “إيزنهاور” إسرائيل على الانسحاب في حرب 1956 من سيناء وضعت عندها إسرائيل خطة للتدريب أقامت خلالها هياكل خشبية لكافة المطارات المصرية، مشيرًا إلى أنه جرت تدريبات ومناورات يومية على تلك الهياكل، وعليه فقد تمكنت من ضرب المطارات في 1967 بسهولة.
مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن الصحافة الأجنبية كانت تتناول الإعداد للحرب في 1967، ولكن عدم وجود حرية لتداول المعلومات تسببت في حجب تلك المعلومات عن مصر.
-
أكد الدكتور/ أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية، على أهمية عقد هذه الندوة، خاصة وأن بقايا الحرب لازالت حتى يومنا هذا، ولايوجد يقين باستمرار الاستفادة من دروس الحرب، خاصة وأنها ليست قضية عسكرية بالأساس بقدر ماهي تجسيد لنموذج صنع القرار السياسي. وفي هذا الصدد ارتكزت كلمته على عدة نقاط، جاءت كالتالي:
-
في مرحلة إعادة البناء العسكري بعد الحرب وجد تغير واضح في الإعداد والتأهيل وأدت للانتصار فى حرب 1973، ولكن لايوجد دليل واضح على أنه توجد استفادة فعلية في طريقة صنع القرار السياسي، خاصة وأن بعض القرارات اليوم ليست صحيحة ولا تتلاءم مع الوضع السياسي للدولة.
-
نوّه إلى أن وجود قوات في اليمن لم يكن سببًا في الهزيمة، خاصة وأن المقاتلين الموجودين في اليمن استنزفت قدراتهم واعتادوا على نموذج أشبه بحرب العصابات، وأنه لم تكن لديهم جاهزية لقتال الجيش الإسرائيلي.
-
أشار إلى وجود خلل في نموذج العلاقة بين القيادة العسكرية والسياسية، حيث أسند عبد الناصر إلى عبد الحكيم عامر المؤسسة العسكرية بناءً على الصداقة التي تجمعهما، واستغل عامر ذلك لتأسيس قوته وسلطاته الخاصة ولتكون ذلك ورقة ضغط على النظام السياسي.
-
كما أبرز سيادته أن أسباب العدوان أهم من أسباب الهزيمة، وفيما يتعلق بأسباب العدوان أكد أن المشروع الصهيوني في إسرائيل غير مرتاح لمحاولات مصر لبناء مشروع نهضوي عام، ولو نجحت تلك المحاولات كان سيُمّثل خطرًا على إسرائيل، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن مذكرات الفريق الشاذلي كانت تدل على وجود مشاريع مصرية لبناء قدرات عسكرية وصاروخية قوية، وأن إسرائيل رصدت ذلك، أيضًا هناك من الأسباب ما ارتبط بالسياق العالمي أكثر من الإقليمي في ذلك الوقت، فمع التأكيد البريطاني في فبراير 1966 في الورقة البريطانية البيضاء أنها ستنسحب من اليمن في 1968، في حين استمر وجود قوات مصرية في اليمن أوجد حالة من التخوف البريطاني من انتشار قوات مصرية، وهو مايذكرهم بنموذج “محمد علي”، وبالتالي كان لابد من إيقافه.
-
وفيما يتعلق بالإيجابيات أكّد أن من أبرزها صمود البقاء المصري الذي مثّل نقطة انطلاق في إعادة البناء، مشيرًا إلى أن ماحدث في القمة العربية بالخرطوم قبل قمة 1967 أدى لتقوية جبهة مكافحة العدوان سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد العربي.
-
أما فيما يتعلق بالسلبيات أوضح أنها تعود بالأساس إلى تراجع الدور القيادي المصري،مشيرًا إلى أن مصر، لأول مرة في تاريخها، تحتاج للمساعدات الأجنبية، وما أعقب ذلك من تحول دور مصر القيادي والاحتكاري لدور قيادي من ضمن الأدوار القيادية الإقليمية الأخرى، منوّهًا أن هذا يستوجب سرعة وضع رؤية استراتيجية للتفكير في كيفية إعادة الدور المصري ليكون أكثر فاعلية، داعيًا لضرورة عقد حلقة خاصة حول تحالف الشرق الأوسط.
-
أكد السفير/ د. محمد بدر الدين زايد، عضو المجلس، أن الهزيمة في الواقع تعكس وجود خلل جوهري في المجتمع المصري، وكذلك في نمط الحياة وصنع القرار السياسي، مضيفًا بأنه في كافة الحروب الكبرى تنتصر الديمقراطيات على غيرها، وعليه فانعدام الديمقراطية أيضًا في ذلك الوقت كان سببًا من أسباب الهزيمة كونه ساهم في عدم الاطلاع على أسباب الهزيمة والتغلب عليها، وهو ماتسبب في تكرار الخطأ الواقع في 1967 في حرب 1973 حين تمكنت إسرائيل في الدخول مرة أخرى بين جبهتي الجيشين الثاني والثالث الميداني( الثغرة).
كما أشار إلى أن ماسبق يؤكد أهمية مراجعة نمط صنع القرار ونمط التفكير ووضع رؤى منطقية واستراتيجية أكثر وضوحًا وقابلية للتعامل مع الواقع، مع أهمية أن تكون أكثر شفافية وواقعية للاستفادة منها في بناء المستقبل.
-
وفي ذات الشأن، نوّه السفير/ هشام الزميتي، الأمين العام للمجلس، إلى الورقة التى وردت اليه بالبريد الألكترونى حول الموقف العام فى القوات المسلحة قبل الحرب والتى طلب توزيعها على المشاركين فى الندوة، مشيراً الى أن معظم مانُشر عن 1967 إما للدفاع عن عبد الناصر أو وضع مسؤولية النكسة على أكتاف عبد الحكيم عامر، مشيرًا إلى أن منهم من يرى ديكتاتورية عبد الناصر السبب، إلا أنه وبعد مرور 50 عامًا على النكسة لابد من إعادة كتابة التاريخ على أن يتم رصد كافة المراحل بهدف التعلم من دروس الماضي، خاصة وأن الانسحاب من سيناء لغرب القناة في عدوان 1956 تم بشكل عشوائي وكان بهدف تحقيق هدف عسكري لم يتم تحقيقه، مؤكدًا أن هذه المصارحة ليست بهدف جلد الذات، خاصة وأن الجيش المصري حاليًا من أقوى جيوش العالم ويحظى بتأييد شعبي.
كما أكد أهمية مراعاة الشفافية عند رصد كافة المراحل وإطلاع الشعب على كافة الخبايا، فمثلًا وضع قوات الطورئ الدولية الذي تم بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وضمان مصر لحمايتها وتأمينها لحرية الملاحة في المضيق لم تعلن للشعب إلا بعد مرور 11 عامًا أي في عام 1967، كما أن إخراج تلك القوات تم على الرغم من وجود تحذيرات بخطورة ذلك كونها قرارات أممية فخروجها لابد وأن يتم وفقًا لقرار أممي.
كما تساءل سيادته عن عدد من الأحداث منها، سبب قرار الحرب في 1967 الذي تزامن معه التورط في اليمن، خاصة وأن استراتيجية إدارة حربان لاتملكها سوى الولايات المتحدة، وعليه فقرار الحرب كان خاطئًا، تساءل أيضًا حول مدى صحة وجود معلومات خاطئة تم ترديدها حينها حول وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية، وإثبات المشير فوزي لعبد الحكيم عامر عدم صحة ذلك، وهل بالفعل وصلت تلك المعلومات لعبد الناصر؟، خاصة وأنه في ذلك الحين كانت العلاقات المصرية مع كافة القوى العالمية مقطوعة وكانت العلاقات المصرية فقط مع شريكها السوفيتي، وكان هناك تأكيد من جهاز الاستخبارات الأمريكي أن إسرائيل قادرة على قهر الجيوش العربية، ومع ذلك اتخذ قرار الحرب.
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية رصد عدد الشهداء المصريين الذين توفوا في اليمن وغزة، وإعادة دراسة الحرب من كافة جوانبها وإطلاع الرأي العام المصري عليها.
-
من ناحية أخرى، تحدث د. أحمد فؤاد، أستاذ اللغة العبرية،عن وجهة النظر الإسرائيلية، حيث أكد أن الحديث الإسرائيلي عن استهداف مصر بقنبلة نووية كان بناءً على رد فعل لما تردد عن استهداف مقاتلات مصرية لمفاعل “ديمونة”، خاصة وأنه تم الترديد للرأي العام الإسرائيلي أن هناك هزيمة كبيرة ستلحق بـ “إسحاق رابين”، وستتسبب في وقوع مجازر، وتم حفر مقابر جماعية استعدادًا لذلك، وكان ذلك كله بهدف حشد الرأي العام الإسرائيلي، واستعطاف الولايات المتحدة وموسكو لحمايتها ومساعدتها في الحرب من ناحية، وإقناع الجانب المصري أن الميزان العسكري مختل لصالحهم من ناحية أخرى.
-
اختتم السفير/ منير زهران، الحديث بالتأكيد على أن إسرائيل في المرحلة السابقة لحرب 1967 كانت تخشى الهزيمة في مواجهة القوات المصرية، وأنها قررت استخدام القنبلة الذرية حال تعرضها للانهيار، وأن تلك المرحلة شهدت توتراً للعلاقات المصرية – الأمريكية وقطع للمعونة وتوجيه إنذار لجمال عبد الناصر للانسحاب من اليمن.
مُنوّهًا الى أن الولايات المتحدة بالفعل كانت تمد إسرائيل بالأسلحة والعتاد سواء في 1967 أوفي 1973، مشيرًا إلى أنه عندما عاتب السفير/ أشرف غربال، وزير الدفاع الأمريكي “شلينجر” عام 1974، وذلك لإقامة جسر جوي لإمداد إسرائيل بالأسلحة أثناء احتلالها سيناء، علق وزير الدفاع الأمريكي على ذلك “بأن إسرائيل كادت أن تنهار وتمحى من الخريطة، ولو علم السادات ذلك لأكمل الحرب واستولى على إسرائيل”.
ذكرى حرب 67 بين إرادة الإنتصار وإرادة السلام
-
تظل الدروس المستفادة من حرب 1967 معيناً لا ينضب لكل من يتعمق فى نتائجها ويدرس التحركات التى تبلورت قى المرحلة اللاحقة لها , ولعلنا إذا قفزنا إلى أهم النتائج الإيجابية التى ترتبت عليها لوجدنا أننا بدأنا الإستعداد الجدى لمعركة تحرير سيناء بعد حرب 67 مباشرة حتى وصلنا بفضل الله وبإرادة الشعب المصرى وجيشه العظيم إلى إنتصار أكتوبر 73 الذى سيظل علامة فارقة براقة مضيئة لن ينساها كل من يكتب تاريح الكرامة والفخر والعزة للدولة المصرية .
-
وعندما نتحدث عن نتائج حرب 67 لابد من التعرض أيضاً إلى جانب شديد الأهمية وأعنى به قضية إقرار السلام ليس مع مصر فقط وإنما عملية السلام فى الشرق الأوسط بصفة عامة , فمن المؤكد والواضح أن مبادئ حل الصراع العربى / الإسرائيلى تمت بلورتها بشكل محدد فى تلك التحركات السياسية التى أعقبت حرب 67 والقرارات الدولية التى تم إتخاذها وكذا المبادرات التى طرحتها بعض القوى الدولية المعنية بحل هذا الصراع .
-
وحتى أكون منصفاً لابد أن أؤكد أن قرار مصر بتحرير سيناء من الإحتلال الإسرائيلى قد تم إتخاذه فى أعقاب حرب 67 , ولم يكن قبول مصر للقرارات الدولية لحل هذه الأزمة ومن بينها قرار مجلس الأمن رقم 242 ثم مبادرة روجرز 1970 إلا بمثابة تأكيد حسن النوايا المصرية بحيث إن لم نستطع إسترجاع الأرض بالسلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية خاصة فى ظل المشروعات الإسرائيلية المتسارعة لتهويد الأرض ( مشروع آلون على سبيل المثال ) فلا مجال أمامنا إلا وضع المجتمع الدولى أمام مسئولياته والتحرك من أجل إسترجاع الأرض بالعمل العسكرى وهو ما تحقق من خلال إنتصار أكتوبر العظيم .
-
ويمكن القول بأن قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر بالإجماع فى 22 نوفمبر 1967 يعد أول قرار دولى يحدد مبادئ حل الصراع العربى الأسرائيلى بصورة واضحة ومحددة رغم أية تحفظات يمكن طرحها على بعض بنوده , ولعل رفض إسرائيل تنفيذ هذا القرار حتى الآن على باقى الجبهات ( الضفة الغربية والجولان السورى ) يؤكد أن تنفيذه فى الوقت الراهن يتعارض مع مصالحها ومع مبرراتها وإدعائاتها الأمنية , كما أن هذا القرار يعد حتى الآن أحد أهم المرجعيات الرئيسية عندما نتحدث عن التسوية السياسية الشاملة للصراع العربى / الإسرائيلى .
-
ولعل أهم مبادئ التسوية الواردة فى قرار 242 تتمثل فى مبدأين رئيسين أولهما إحترام سيادة وسلامة دول المنطقة والنص على إنسحاب إسرائيل من الأراضى التى إحتلتها فى الحرب بغض النظر عن النصوص المختلف عليها هل المقصود الإنسحاب من الأراضى كلها أم من أراض فقط , أما المبدأ الثاني فهو إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين وهى من أعقد المشكلات القائمة حتى الآن , وفى هذا المجال يجب أن أقفز إلى مرحلة بعيدة نسبياً فقد نجحت مصر فى أن تؤكد عملياً أن مسألة الإنسحاب الإسرائيلى المنصوص عليها فى القرار يقصد بها الإنسحاب من كافة الأراضى المحتلة حيث أننا نجحنا فى النهاية أن ندفع إسرائيل ( بالحرب والسلام ) إلى الإنسحاب من كل سيناء دون التفريط فى شبر واحد منها وبذلك أكدنا على مبدأ الإنسحاب الكامل وتنفيذ إسرائيل له على الجبهة المصرية .
-
ولاشك أن هناك جوانب تبدو سلبية فى القرار 242 من أهمها أن يكون لإسرائيل ( وأيضاً دول المنطقة ) حدود آمنة معترف بها وهو تعبير مطاطى حاول أن يعطى لإسرائيل الحق فى تأمين نفسها من خلال إدخال تعديلات على الحدود خلال أية تسوية محتملة مع الدول العربية , وقد إستطاعت مصر فيما بعد نسف هذا المبدأ حيث إنسحبت إسرائيل من سيناء كلها دون إدخال أية تعديلات على الحدود معنا وإنسحبت بالفعل إلى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الإنتداب .
-
وفى نفس السياق لم تعد قضية تعديل الحدود قضية شائكة غير قابلة للحل بل تم التوصل إلى حلول عملية لها من خلال طرح بعض المقترحات مثل إمكانية التوافق على تبادل جزء محدود للغاية من الأراضى بين إسرائيل وفلسطين بنفس النسبة والقيمة , بالإضافة إلى إمكانية إقرار بعض الترتيبات الأمنية المتبادلة بين الدولتين بالتوافق بينهما مثلما حدث فى معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية حيث تم النص على تحديد لحجم القوات المصرية فى سيناء فى مقابل تحديد أيضاً لحجم القوات الإسرائيلية داخل الحدود الإسرائيلية نفسها , وهى ترتيبات قابلة للتغيير بإتفاق الطرفين .
-
وفى نفس الإطار يمكن إعتبار مبادرة وزير الخارجية الأمريكى الأسبق ويليام روجرز المطروحة فى يونيو 1970 بمثابة أول رؤية أمريكية للحل تطرح خارج سياق القرارت الدولية , وقد طرحت هذه المبادرة خلال حرب الإستنزاف التى أكدت خلالها مصر رفضها إستمرار الإحتلال الإسرائيلى وكبدته خسائر فادحة دفعت واشنطن للتدخل بطرح رؤية ترتكز على إقرار هدنة على الجبهة المصرية لمدة ثلاثة أشهر والشروع فى التفاوض حول سبل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 , وقد قبل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر المبادرة ثم توفى فى سبتمبر من نفس العام وأعاد الرئيس الراحل أنور السادات قبول المبادرة فى إطار سياسة مصر بمنح الفرصة للجهود السياسية لإجبار إسرائيل على الإنسحاب سلمياً أو اللجوء لخيارات أخرى فى حالة فشل هذه الجهود , وإن كان من المهم أن نذكر هنا أن قبول مصر المبادرة فى حينه إستهدف أيضاً محاولة الضغط على الجانب الروسى حتى يمدنا بالأسلحة اللازمة لمعركة التحرير القادمة عندما نصل إلى طريق مسدود .
-
وقد إنتهجت مصر طوال الفترة التى تلت حرب 67 سياسة ذكية إعتمدت على عدم رفض الحلول السلمية إذا ما حققت الهدف الأهم وهو إنسحاب إسرائيل الكامل من سيناء وفى نفس الوقت الإستعداد لتحريرها بالعمل العسكرى إذا مافشلت التحركات الدولية السياسية , وقد جاء التوافق الأمريكى الروسى عام 1972 على إقرار ما يسمى سياسة التهدئة فى الشرق الأوسط ليدخلنا فيما أطلق عليه سياسة اللاسلم واللاحرب وهى تعنى بشكل واضح أن المجتمع الدولى لم يعد يعبأ ببذل جهود أكبر لحل هذه الأزمة مما أكد لمصر أن خيار تحرير سيناء بالعمل العسكرى أصبح هو الخيار الوحيد لديها وهو ماتم تنفيذه بالفعل من خلال الإنتصار فى حرب أكتوبر 73 والنتائج التى تلتها والتى أسفرت فى النهاية عن إسترجاع كامل سيناء بإرادتى السلام والحرب .
-
الخلاصة كما أراها أنه لا يقلل أبداً من شأننا ونحن نحتفل بذكرى إنتصار العاشر من رمضان أن نستذكر حرب 67 أملاً فى أن نستخلص منها الدروس المستفادة , ولا يضير أمة أن تتعرض لكبوة أو أزمة كبيرة فهذا أمر طبيعى تؤكده تاريخ الأمم العظيمة ولكن الأمر المهم أن تستفيق من كبوتها وتعيد ترتيب أوراقها وتنهض أقوى مما سبق , وهو الأمر الذى نجحت فيه دولة عظيمة ذات حضارة بحجم مصر أن تتعامل مع نتائج حرب 67 بكل عزم وتصميم على إسترجاع الأرض بكافة الوسائل المتاحة هو الأمر الذى تحقق كاملاً .
-
وفى النهاية ليس من العدل أن أختم هذا المقال دون أن أستذكر الشهداء الأبطال الذين سقطوا فى معركة تحرير سيناء إبتداء من حرب 67 ومروراً بحرب 73 وحتى الآن , وكيف أيضاً لا أعيد التذكير بإرادة مصر برفض الهزيمة ليس هذا فقط بل تحقيقها إنجازات مذهلة فى خضم مراحل الألم مثل إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات بعد الحرب بأربعة أشهر فقط , ومعركة رأس العش , وإسقاط الطائرات الإسرائيلية , وبطولات لا حصر لها خلال حرب الإستنزاف , وقدرتنا على ضرب العمق بالعمق , وهى كلها مراحل تاريخية هامة تم تتويجها بإنتصار 73 ثم الدخول فى مراحل تفاوضية متعددة وشاقة ومعقدة ومضنية إنتهت بإسترداد سيناء , وهو ما قد يكون موضوع لمقال تفصيلى آخر بمشيئة الله .
مع الشكر … اللواء محمد إبراهيم
_______________
الموقف العام في القوات المسلحة
(قبل معارك يونيه 1967)
أولاً: الولاء أم الكفاءة
في صيف عام 1966، أصدرت القيادة العليا للقوات المسلحة حركة تعيينات وتنقلات واسعة بين القادة والضباط، شملت عدداً كبيراً منهم، من أكبر الرتب إلى أصغرها، وكان الدافع إليها تطبيق مبدأ: “الولاء قبل الكفاءة”.
والواقع أن كلمة “الولاء” هذه كلمة مرنة لها أكثر من وجه، وقد حار في تفسيرها الضباط، وربما المدنيون أيضاً في قطاعـاتهم، حيث لم يكن واضحاً تماماً أي تفسير لهذا الولاء. لمن بالتحديد؟ ما هي مظاهره؟ ومن هم بالـذات أهل الولاء؟ ما هي العلاقة الحقيقية بين “صاحب الولاء” و”أهل الولاء”؟ ما علاقة بعضهم بالبعض الآخر؟ وإلى أي اتجاه عسكري أو سياسي أو حتى مذهبي تسير قافلتهم؟ أسئلة كثيرة متشعبة لم يكن لها إجابات واضحة محددة.
كان أول مظاهر الولاء، هو ضرورة ارتباط الضباط بإحدى “الشلل” الموجودة، وربط نفسه بها مهما كانت رتبته أو القيادة التي يتـولاها، بل مهما كانت المظاهر الأخلاقية لأعضاء الشلة التي انضم إليها. فانتماء الضابط إلى إحدى الشلل يعني ولاءه لها، وبالتالي لأهل الولاء، وكانت خيوط الولاء كلها تتجمع في النهاية في يد من بيدهم الأمر في القوات المسلحة الذين يمنعون ويمنحون، يحللون ويحرمون، بل يفصلون من الخدمة أو حتى يعتقلون.
أما الكفاءة فهي تعني الكفاءة فـي قيادة الوحدات الميدانية والتشكيلات، الكفاءة المبنية على العلم العسكري الحديث والخبرة الميـدانيـة وممارسة قيادة الوحدات، وقد قال “نابليون” في هذا الصدد: “ليست هناك وحدات رديئة، هناك ضباطاً تعوزهم الكفاءة”.
-
إنشاء قيادة للقوات البرية
كان عام 1964 من الأعوام التي تضخمت فيها مشكلة نقص عدد الضباط عن المطلوب، نظراً لإنشاء عدد كبير من الوحدات الجديدة بعد احتدام الصراع في اليمن، وزيادة عدد المبعوثين إلى الخارج للدراسة في الاتحاد السوفيتي، ثم تضخمت المشكلة بعد ذلك، بافتتاح كلية الحرب العليا، واستئناف الدراسة في كلية أركان الحرب، وقد ضمت هاتان الكليتان عدداً كبيراً من القادة الأكفاء، لا يمارسون القيادة الفعلية مدة دراستهم، كما ازداد عدد الذين يخدمون في الجمهورية العربية اليمنية، نظراً لأهمية المسرح من جهة، وللمزايا المادية المفتوحة من جهة أخرى.
ومع ذلك، وبالرغم من كل هذه الظروف غير العادية، فقد أصدرت القيادة العليا للقوات المسلحة قراراً بإنشاء قيادة جديدة ضخمة، لم تكن موجودة من قبل، سُميت “بقيادة القوات البرية”، وكان من الطبيعي، نتيجة لهذا القرار، أن تحتاج هذه القيادة الجديدة إلى أعداد ضخمة من الضباط من جميع الرتب، يكاد عددهم يصل إلى نفس عدد ضباط رئاسة هيئة الأركان العامة الأمر الذي كان واضحاً أنه لا يمكن تنفيذه إلا على حساب الوحدات المقاتلة والتشكيلات وباقي الأسلحة والقيادات الأخرى الموجودة، ومع ذلك فقد بدء فعلاً بإنشاء قيادة للقوات البرية.
وهكذا ولدت قيادة القوات البرية، ثم ماتت واقعياً بنشوب القتال صباح يوم 5 يونيه 67، ورسمياً بإلغائها بعد انتهاء القتال مبـاشرة، بعد أن تبلبلت الأفكار وتسببت في خلافات وخصومات، وفـي أغلب الظـن أن التقاعس الذي بدأ من القيادة العليا – وعلى رأسها المشير “عبدالحكيم عامر” – والذي أدى إلى عدم حسم الأمور وبتر الخلافات، قد يرجع إلى أن يكون المشير قد أحس أنه بتدخله، قد يفقد تعاطف أحد الجانبين – وهو حريص ألا يفعل ذلك – أو يكون التفكير قد هداه إلى الحد من نفوذ رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة، وسلبه اختصاصه وسلطاته، كرد على الموقف الذي واجهه عند تعيين الفريق محمد فوزي في هذا المنصب، ولم يكن هذا التعيين محل رضاه الكامل، ولم يشأ في ذاك الوقت تصعيد خلاف مع الرئيس جمال “عبدالناصر” حول هذا الموضوع، وقد ظهر فيما بعد أن الفريق “فوزي” لا يكن إخلاصاً أو ولاءً للمشير، بل مال كلية نحو الرئيس عندما اشتد الخلاف بينه وبين نائبه، أو قد يكون هذا التقـاعس في حسم الخلافات، يرجع إلى أن المشير كان يرمي إلى استمرار هذه الوقيعة كإحدى وسائل تحقيق الأمن داخل القوات المسلحة.
-
تعيين العقيد “شمس بدران” وزيراً للحربية
كان من الاختصاصات الرسمية للعقيد “شمس بدران” الإشراف على الأجهزة الهامة في القوات المسلحة، مثل إدارة شؤون الضباط، وهي الإدارة المختصة بترقيات الضباط وتنقلاتهم وتعييناتهم في الوظائف المختلفة، وإدارة الاستخبارات الحربية، وإدارة الشئون العامة والتوجيه المعنوي، والمباحث العسكرية الجنائية، وهيئة التنظيم والإدارة وما يتعلق منها بشؤون الأفراد والتعبئة العامة.
ومن الطبيعي أن تؤدي كل هذه السلطات التي كان يمارسها العقيد “شمس الدين بدران”، إلى ارتفاع مكانته ونفوذه بين الضباط عامة، والقادة وذوي الرتب الرفيعة في القوات المسلحة خاصة. كان شمس بدران في الواقع هو المتصرف الحقيقي في كافة شؤون القوات المسلحة من دون رقيب. وكانت علاقته بالمشير، مبنية ـ كما سبق القول ـ على كامل الثقة وإطلاق اليد والفكر، وقد أدى هذا الأسلوب إلى تطور كبير وخطير في خُلق القادة وشخصياتهم، الأمر الذي أصبح في النهاية غير مقبول من الناحية الشكلية على الأقل، بسبب رتبته، فتقرر تعيينه وزيراً للحربية بعد صيف عام 1966 وكان وقتئذ في إجازة يقضيها في أوروبا.
إن تفاصيل التحقيقات التي تمت في هـذه القضية (قضية فساد المحيطين بالمشير “عبدالحكيم عامر”) لا شك محفوظة في القيادة العامة للقوات المسلحة، فلا داعي للخوض في تفاصيلها لتعلقها بالأعراض والثراء الفاحش واعتقال الأبرياء، وتحصيل الإتاوات والرشاوى، ولكن في نفس الوقت أمامنا نتيجة هذه التحقيقات؛ فقد أحيل البعض على التقاعد، وحُكم على عدد من البعض الآخر بالسجن والأشغال الشاقة المؤقتة. ولا شك أن هذه القضية، قد هزت الأوضاع التي كانت سائدة في مكتب المشير، كما أطلقت العنان لكثير من التعليقات داخل القوات المسلحة وخارجها، بل خارج حدود الوطن.
-
ميزانية القوات المسلحة عن عام 66/67
شمل التخفيض ميزانية القوات المسلحة، وتحددت تفاصيل ما يمكن توفيره، فأجل إنشاء تشكيلات جديدة، ومطارات هامة كان من المقرر إنشاؤها، وخفض من نفقات تدريب القوات الموجودة فعلاً، وفي عدد ساعات تدريب الطيارين، واستغنى عن تكملة الوحدات بالأفراد والمعدات التي كـانت تنقصها، وما إلى ذلك من الأمور التي تؤثر حتماً في كفاءتها. وقد كان من التناقض المُخل، أن السنة التي هُدد فيها أمن الدولة الخارجي ووصل فيها إلى حافة الهاوية، هي نفس السنة التي وجد المخططون للاقتصاد فيها، ضرورة إجراء توفير في كل قطاعات الدولة، بما فيها قطاع القوات المسلحة.
إن الدولة عندما تقرر الحرب، لا تقرر عفواً، بل يجب أن يسبقها تحضيرات واستعدادات قد تستغرق سنوات طويلة، واستعدادات عسكرية واقتصادية وصناعية وسياسية، وما إلى ذلك مما تحتاجه الحرب العصرية التي تشمل الدولة بأسرها، والتي قد تمتد لسنوات، حيث أنه من السهل بدء الحرب ولكن من الصعب إنهاؤها.
وإذا لم يكن في نية الدولة الدخول في حرب، فإن واجبها أن تكون مستعدة لمواجهة موقف قد يضطرها فيه عدوها الطبيعي على ذلك، وحتى في حالة الهجوم المفاجئ، فلن تكون المفاجأة كاملة، مدام الموقف السياسي في يد السياسيين ـ وهو مرحلة قتال بالدبلوماسية ـ تسبق القتال المسلح، وعلى قدر كفاءة القوات المسلحة، واستعدادها، تكون قوة السياسيين في استخدام دبلوماسيتهم، وتحديد أهدافهم.
فإما أن تنفصل السياسة عن العسكرية، وتقلل نفقات القوات المسلحة، بينما في النية تصعيد الموقف السياسي، أو على الأقل في نية العدو استخدام القوة بعد تصعيده للموقف السياسي، فهذا أمر غير مفهوم، ولا يتفق مع الأفكار المسلم بها والسائدة في القرن العشرين.
قال “كليمنصو”، السياسي الفرنسي الشهير: “الحرب موضوع خطير، والأخطر منه أن نتركه للعسكريين وحدهم”. إن العمل السياسي يلعب دوراً هاماً في تقرير نتيجة الحرب، فهو الذي يعد الدولة للمعركة، بما في ذلك من تعبئة للقوة البشرية والاقتصادية والمعنوية والإعلامية، وهـو الذي يختار الموقف المناسب دولياً وداخلياً لتغيير وسائل تحقيق سياسة الدولة، من الدبلوماسية إلى العنف والصدام المسلح، بغرض فرض إرادتنا على العدو. وقد أجمل أساتذة العلوم الإستراتيجية في العالم في هذا الموضوع، وهم يحددون القانون الأول في صراعات القوى في عصرنا بقولهم المشهور: “إن مصير أي حرب يتقرر قبل أن تدوي الطلقة الأولى في ميدان القتال”، ومعنى ذلك، أن الإعداد للحرب، هو نصف الطريق إلى النصر.
وكانت التخفيضات التي طرأت على ميزانية القوات المسلحة عام 66/67 تخفيضات تمس الكم والكيف، الكم من ناحية تأجيل أية توسعات في كافة الأسلحة والفروع، والكيف من ناحية تحديد مستوى التدريب الذي تصل إليه الوحدات والتشكيلات ذاك العام، فقد تقرر أن يكون المستوى هو مستوى سرية مدعمة للتشكيلات بسيناء، ويعتبر هذا المستوى دون المطلوب بكثير.
-
التدريب على القتال
وصل التدريب على القتال في السنوات القليلة قبل 67 إلى مستوى منخفض تزايد انخفاضه بدرجة خطيرة في السنة التدريبية الأخيرة ـ (66/67). ويمكن إجمالي أسباب هذا الانخفاض يرجع إلى عدة عوامل أهمها:
أ. الشكوى المفتعلة من الضباط من قسوة التدريـب، واستجابة القيادة العليا لهذه الشكوى متأثرة بإرهاق الضباط الذين خدموا لمدد طويلة في اليمن – والذي أدى إلى خفض ساعات التدريب.
ب. النزول بمستوى التدريب إلى مستوى الوحدات الفرعية الصغرى وهو أمر في حد ذاته يعني أن توقع القتال مع إسرائيل مستبعد. وإلا كيف أحارب عدو، ومستوى تدريب بعض وحداتنا لم يزد عن مستوى السرية.
ج. منح الضباط وضباط الصف الذين يخدمون في سيناء أجازه ميدانية شهرية ذات مدة طويلة، أثرت تأثيراً كبيراً على انتظام التدريب وعلى جديته وعلى السيطرة عليه.
د. تخصيص عدد كبير من الساعات المخصصة للتدريب القتالي على الموضوعات الرئيسية لصالح التدريب على مهام العمليات، حيث بالغت الوحدات في هذا التدريب الذي لم يخرج عن إتقان احتلال المواقع الدفاعية فقط. وإن هذه الوحدات عندما قامت الحرب تركوا المواقع الأصلية واحتلوا مواقع أخرى.
هـ. تأثر القوات التي خدمت في اليمن بأسلوب القتال الذي لا يعدو – عمليات بوليسية وتأديبية لرجال القبائل-، مما أثر على تنفيذ المبادئ الأساسية التي تتطلبها المعركة مع إسرائيل.
و. تنقلات الضباط المستمر ـ عملاً بمبدأ الأمن الداخلي ـ أثر على التدريب أثراً بالغاً رغم أن هذه التنقلات لم يكن لها مبررها بل كانت تجري أثناء السنة التدريبية، وعلى سبيل المثال تغير جميع القادة تقريباً في النصف الثاني من عام 1966، لا لشغل مناصب أخرى وإنما لشغل مناصب على نفس المستوى وإنما في أماكن أخرى.
ز. اختصار مدد الدورات التعليمية في المنشآت التعليمية أثرت على مستوى تدريب الضباط فلم يذودوا بالعلم الكافي الذي يفيدهم في عملهم وفي الإلمام بجميع ما يلزم لقياداتهم.
ح. ومما يجدر الإشارة إليه أن القوات المسلحة المصرية لم تجري أي مناورة عامة بالجنود من بعد عام 1954، وأهمية المناورات معروفة، فهي أقرب تمثيل لجو الحرب الحقيقية، وتعطي مناخاً أقرب ما يكون للقتال الفعلي وظروفه المختلفة، وأسلوب التخطيط للعمليات وإدارة المعارك والسيطرة على سير القتال.
ط. ضعف التدريب الفني والنقص في عدد الفنيين والمهنيين بدرجة كبيرة أثر على ضعف الكفاءة القتالية في الوحدات والتشكيلات.
وخلاصة القول أن التدريب على القتال والتدريب التعبوي لم يأخذا حقهما من الاهتمـام بعد التورط في حرب اليمن، فكان التدريب قبل دخول حرب 67 دون مستوى تدريب الجانب الآخر بدرجة كبيرة.
-
المعدات
والمقصود بالمعدات كل ما تشتمل عليها من وسائل القتال – أسلحة وذخائر وعربات ودبابات … ألخ وهذه المعدات قد وصلت نسب الاستكمال فيها إلى نقص شديد يتراوح بين (3 % في الأسلحة الصغيرة ـ 24 % في قطع المدفعية والمقذوفات ـ 45 % في الدبابات ـ 70 % في المركبات).
لذلك خاضت وحداتنا معارك 5 يونيه 67 والتفوق في هذه الناحية في جانب العدو، أما من حيث نوعية هذه المعدات المسلحة بها القوات المسلحة المصرية، والتي أُشتريت من الاتحاد السوفيتي، فلم تكن متفوقة على مثيلاتها التي لدى جيش الدفاع الإسرائيلي، خصوصاً من ناحية المدى والسرعة والقدرة على المناورة، ويمكن القول دون تردد في أن روسيا لم تمدنا بأحدث ما عندها. وإنما سمحت لنا باستيراد أسلحة بقدر محدود، وبقيود تجعلنا نفكر أكثر من مرة إذا راودتنا أنفسنا على إشعال حرب في المنطقة. وكذلك لم تفي بكميات الذخائر المطلوبة للعمليات علاوة على قطع الغيار والأجزاء التكميلية.
ورغم أن المعلومات التي تجمعت عند القيادة السياسية العسكرية العليا كانت توضح هـذا القصور في النوع إلا أنها تجاهلت هذه.
كما أن العناية الفنية بالمعدات لم تأخذ الاهتمام اللازم من جانب الأجهزة المسئولة لذلك تعددت الأخطار ونتج عنها خسائر مادية وبشرية، ورغم توضيح هذه الأمور عن طريق التقرير إلا أنها أهملت أو عمل على عدم وصولها إلى القيادات المسئولة عن فروع القوات المسلحة حتى لا تسبب الاستياء.
وكل هذا عمل تحت الاعتقاد بأن الحرب مع إسرائيل لم يحن وقتها بعد. وعندما بدأ القتال كان كثير من الطائرات والسفـن الحربية خصوصاً الغواصات وغيرها يحتاج إلى إصلاحات كبيرة تستغرق وقتاً طويلاً لتكون صالحة للقتال.
ومن أكبر الأخطاء التي وقعنا فيها هو التخلي عن مبدأ السرية وذلك بعرضنا لكل الأسلحة لرجل الشارع، ولقد استفاد العدو النشيط من هذا الخطأ الذريع من حيث التزود بالأعداد والأنواع التي تعطيه التفوق على ما نملك. وهكذا سلمنا بعنصر هام من عناصر المفاجأة إلى إسرائيل.
-
القوات الجوية والدفاع الجوي
إن نظام الدفاع الجوي على سبيل المثال، والذي كان من مسؤولية القوات الجوية وقتئذ، لم يكن بالكفاءة التي تدعو إلى الطمأنينة الحقيقية، وإذا ما أُريد تقييمه ووضع الحلول لنواقصه، قدم المسؤولون فيه حجة بعد حجة على رأسها قلة الإمكانيات التي تشمل أجهزة الرادار من الأنواع الأكثر تقدماً في العالم، ووسائل الاتصال على الدرجة العالية من الكفاءة وغير ذلك من الأعذار المعادة والتي أصبحت بمضي الوقت مشاكل مزمنة، ففي الكثير من الاختراقات الجوية التي تمت في مجالنا الجوي قبل 5 يونيه 67 كان السبب الرئيسي في عدم إمكان اعتراض الطائرات المخترقة يرجع إلى عدم يقظة أفراد الدفاع الجـوي، أرضيين أو جويين. هذا بالإضافة إلى أن المعدات المتيسرة لم يكن الاهتمام بصيانتها والمحافظة عليها محل عناية كبيرة. ولم يكن شكل التعاون بين القوات الجوية والتشكيلات البرية واضحاً تفصيلياً لجميع المستويات المناط بها هذا التعاون نظراً لإحجام القوات الجوية عن تنفيذ المشروعات المخططة لهذا التعاون، أو في أحسن الظروف تكليف أقل عدد من الطائرات للقيام بالمشروعات المشتركة.
-
القائد العام، ورئيس الأركان
لا يعلم إلا الله هل كان القصور في التدريب عام 66/67 سبباً في هزيمة يونيه 1967 أم أن الأمر كان أضخم من موضوع التدريب، وهـل كانت النتيجة تختلف لو كان القائد العام شخصياً قد اهتم بتدريب نفسه وآمن بالعلم العسكري وأهميته في القيادة، يواظب على حضور المشروعات الإستراتيجية والتعبوية ولو مشرفاً ومتأملاً سائلاً ومفكراً بدل أن ينيب عنه رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة أو رئيس عملياتها أو غيرهما للإشراف على هذه المشروعات وإدارتها؟
هل هذا تقصير من هيئة الخبراء وهم يعلمون أنـه سيتولى إدارة المعارك واتخاذ القرارات؟
هل كانوا يجهلون أن الثقافة العسكرية “للقائد العام قد وقفت عند حد التخرج من كلية أركان الحرب المصرية في الأربعينات”؟.
ومن المؤسف أن نذكر هنا أيضاً أن رئيس الأركان الذي اختاره القدر ليكون على رأس القوات المصرية في عمليات يونيه 1967، لم يكن من المؤهلين تأهيلاً عالياً حديثاً، بل كان من البعيدين ـ بحكم عمله في الكلية الحربية أكثر من سبعة عشر عاماً ـ عن التقدم العلمي الذي وصلت إليه القوات خلال هذه السنوات الطوال، ولم تكن مناهج طلبة الكلية الحربية بطبيعة الحال تتجاوز في مستواها الثقافي السرية المشاة أو المدرعة.
-
انشغال قيادات القوات المسلحة.
أ. لجنة تصفية الإقطاع
أدت سيطرة الحكم العسكري بعد الثورة على مجريات الأمور في الدولة. وفي عام 1965 شكلت لجنة برئاسة “عبدالحكيم عامر”، أطلق عليها “لجنة تصفية الإقطاع” وكان له الحكم المطلق فيها دون بحث أسباب الحكم، وذكر أنور السادات في وصفه لهذه اللجنة “أنها أقصى وأعنف ما شهدته مصر في تاريخها، وإنهـا كانت تمثل قمة الإرهاب، والكبت والإذلال وامتهان الكرامة” وإنها اتجهت بشراسة ضد السياسيين القدامى باعتبارهم يقومون بثورة مضادة.
بل أكثر من هذا حينما أدت إلى نقل ضباط كثيرين إلى وظائف مدنية نتيجة وجود أقارب لهم ممن طبق عليهم قوانين تصفية الإقطاع. وكذا بعض الضباط الذين يمتلكون أراضي.
وكذلك انشغال قيادات القوات المسلحة في تعيين عدد كبير من الضباط في لجان تصفية الإقطاع مما كان له الأثر الكبير على نقص الكفاءة القتالية في القوات المسلحة وكذا انخفاض مستوى التدريب والذي كان سبباً من أسباب هزيمة 67.
ب. أنواع أخرى من الانشغال
فقد حرصت القوات المسلحة برئاسة “عبدالحكيم عامر” أن تكون معظم الأمور في نشاطات الدولة في يدها، فقد سيطرت القوات المسلحة على جهاز النقل العام مما استدعى ذلك تعيين بعض الضباط للإشراف عليها وكذا الإشراف والسيطرة على لعبة كرة القدم من خلال النوادي وتعيين لها ضبـاط متفرغين، مما أثر كل هذا إلى انشغال القوات المسلحة بأمور ليس من اختصاصها الأمر الذي أدى إلى إضعاف الكفاءة القتالية في وحدات وتشكيلات القوات المسلحة.
ج. أحداث الإخوان
أنشئت المحاكم العسكرية عام 1953، ولم تكن في الحقيقة محاكم، وإنما وسائل لتوقيع العقوبـات مع الخصوم السياسيين، وكان القبض على الإخوان المسلمين بتهمة أنه يدبرون مؤامرة للعدوان على “عبدالناصر” وقتله، ويذكر الأستاذ موسى صبري – وهو كمسيحي لا يمكن أن يكون ضالعاً مع الإخوان – أن كل الثقات يؤكدون أن قضيـة الإخوان التي أعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع “شمس بدران” وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة.
ويقرر حسنين هيكل أن المعتقلين في هذه القضية وصلوا إلى عدة آلاف، وأن زوار الفجر كانوا يجمعونهم بغير رحمة، وقد تعرض الكثيرون منهم للتعذيب، وكان “عبدالناصر” يعرف ذلك، وعندما كتبت في الأهرام آنذاك عن زوار الفجر انتقدت أعمالهم، فاستاء “عبدالناصر” مما كتبته في هذا الشأن، واتصل بي ليذكرني أنني كنت قاسياً فيما كتبت، وأن “شمس الدين بدران” الذي كان يشرف على تحقيقات الإخوان وقتها غضب وقدم استقالته.
وقد تأثر كثير من الضباط من هذه الاعتقالات وزج بهم في السجن، كما تم نقل كثير منهم إلى وظائف مدنية، كما صدر تعليمات بعدم قبول أولادهم في الكليات العسكرية.
وانشغلت قيادات القوات المسلحة في هذه الأمور، ونسيت أن هناك عدواً رئيسياً للدولة هو إسرائيل “ويجب العدة له تنظيماً وتسليحاً وتدريباً، كما تأثرت الكفاءة القتالية نتيجة خروج الضباط التي تم تدريبهم والذي يحتاج التدريب لمثلهم إلى وقت كبير.
ثانياً: سياسة استخدام القوات المسلحة المصرية ضد إسرائيل
-
توزيع القوات لخدمة الإستراتيجية الدفاعية
إذا بحثنا عن الأسباب التي جعلت الإستراتيجية العسكرية للجولة دفاعية في جميع الأوقات، لوجدنا لذلك أسباباً عدة، على رأسها عدم التفوق العسكري على قوات إسرائيل، وفي معظم الأوقات التي كان يتم فيها مقارنة القوات المصرية بالإسرائيلية للخروج بنتيجة محددة تؤثر على القرار الممكن اتخاذه، كان يظهر أن قوات كلا الجانبين تكاد تكون متساوية، وهنا يبرز أثر الحفاظ على التوازن العسكري بين دول المنطقة الذي حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيقه ولم يعمل الاتحاد السوفيتي على تحطيمه لفترة طويلة في الشرق الأوسط، ولم يسمح في وقت من الأوقات أن تشعر مصر بأي تفوق عسكري يسمح لها بتغيير إستراتيجيتها من الدفاع إلى الهجوم حتى لو أضافت في حساباتها قوات أخرى للدول العربية المجاورة لحدود إسرائيل.
السبب الثاني: أنه من الصعوبة بمكان، إتمام حشد كبير لقواتنا من دون أن يكشفهـا العدو ويقف على نوايانا مسبقاً. كما كانت هناك أسباب سياسية حالت دون التحول إلى الإستراتيجية الهجومية، منها ما كان متعلقاً بالأوضاع الدولية، ولا سيما مواقف الدول الكبرى – التي تتعهد دائماً ببقاء إسرائيل في المنطقة وضمان أمنها، ومنها ما كان متعلقاً بالأوضاع العربية، والتي اهتمت بالشعارات والتزايدات الوطنية أكثر من اهتمامها الحقيقي بتوحيد الجهود العسكرية، ومن الأسباب كذلك ما هو متعلق بالأوضاع الداخلية المحلية، وبمشرعات التنمية وزيادة الإنتاج.
كانت خطة الدفاع عن سيناء، ومنع العدو من الوصول إلى قناة السويس تتعدل بطبيعة الحال – من وقت إلى آخر ولا سيما منذ عام 1963 عندما بدأت المطالب العسكرية لحملة اليمن تزداد تدريجياً، وبشكل لم يكن مخططاً لها من قبل، وكان هذا الازدياد بلا شك يأتي على حساب القوات التي خصصت للاشتراك في الدفاع عن سيناء، إذ كانت حملة اليمن بالوعة للقوات والمعدات، لا ينتهي التسرب منها، ولا يمكن تنظيم هذا التسرب، وللرئيس الراحل جمال “عبدالناصر” قول مشهور لأحد الوفود العسكرية الأجنبية عند مقابلته لها، وكان الحديث يدور حول أهـداف مصر من تدخلها في اليمن “لم يكن في نيتنا أن نتدخل في اليمن، لقد أرسلنا سرية مشاة فقط، ولكننا أجبرنا على تعزيز هذه السرية بثلاث فرق أو أربع”.
كانت الإستراتيجية الدفاعية هي التي ترسم الخطط وتحددها، وتتلخص في الدفاع عن المحور الأوسط، الذي كان معتبراً المحور الرئيسي لعملياتنا، نظراً لطبيعة أراضيه المفتوحة في كثير من أجزائه، والأكثر صلاحية لاستخدام مدرعاتنا عليه، والأقل كثافة في المستعمرات الإسرائيلية الحصينة، وحتى الضربة المضادة المخططة، لم تكن تهدف إلى أكثر من استعادة الأرض التي ينجح العدو في الاستيلاء عليها داخل حدودنا، والسبب في هذا واضح، حيث أن التفوق في القوات والمعدات لم يكن يسمح بأكثر من هذا في حسابات تقدير الموقف العسكري، أو مقارنة بعضها بالبعض، وعلى أساس تسير الأحداث بطريقة عادية تسمح بتنفيذ الخطة في ظروف لا تخرج عن الخيال الطبيعي عند تصور شكل المعركة.
-
تقدير الموقف الإستراتيجي من وجهة نظر العدو
أعلن المسؤولون في إسرائيل، في أكثر من مناسبة، أنهم إذا اضطروا لخوض الحرب، فسوف تكون هذه الحرب حرباً وقائية، وهم يعنون بذلك نقل القتال إلى خارج حدودهم، ليضمنوا لأراضيهم وسكانهم، أمناً ووقاية.
وما كان هؤلاء المسؤولين الإسرائيليون يستطيعون أن يجاهروا بهذا لو أحسوا أن الإستراتيجية العربية عموماً، والمصرية بصفة خاصة، قادرة على القيام بعمليات هجومية واسعة، أو أن العرب قد نبذوا التقاعس والتواكل على المجهول، انتظاراً لما تفعله إسرائيل، أو أنهم (العرب) آمنوا ببديهيات الإستراتيجية العسكرية القائلة بأن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع كما آمن بها القادة الإسرائيليون.
وتسليماً بالواقع، وسيراً عليه، ترك العرب عدوهم يتمتع بالمبادأة التي تجعله حراً في اختيار اتجاه هجومه حسبما يكون هذا الاتجاه مناسباً له، ومحققاً لأهدافه السياسية والعسكرية.
فأين تكون ضربة العدو؟
وعند بحث أكثر الاتجاهات احتمالاً لضربة العدو الرئيسية – وبتحليل دراسة المحاور الثلاثة (الشمالي ـ الأوسط ـ الجنوبي) يتضح من وجهة نظر إسرائيل أن المحور الأوسط أكثر الاتجاهات مناسبة لعمليات هجومية واسعة النطاق، ولا بد من استخدام المحاور الثلاثة وشغلها بقوات في محاولة للضغط على القوات المصرية التي تواجهها، مع عدم إغفال التعاون بين هذه المحـاور وضرورة العمل على الاتصال بينها كما كان هذا ممكناً. وإن كان ولا بد من ترتيب المحاور حسب أهميتها وصلاحيتها من وجهة نظر إسرائيل كتقدير القيادة العامة المصرية، فإن المحور الشمالي هو التالي في الأهمية، ويليه المحور الجنوبي. ومن هنا يبرز أهمية تواجد احتياطيات قوية على مستوى الجبهة متمركزة في أماكن مناسبة لمقابلة هذا الاحتمال بسرعة ولكن ما حدث كان غير ذلك تماماً.
ثالثاً: النشاط المحتل للعدو أمام الجبهات العربية الأخرى
إذا حدث في المستقبل أن التمس بعض المؤرخين أعذاراً أدت إلى قيام دولة إسرائيل، ثم إلى نموها وازدهارها واتساع رقعتها بالرغم من المائة مليون عربي الذين يكونون الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، بثرواتهم الضخمة، وتاريخهم العريق، فلا أظن أنهم سيجدون أسباباً مقنعة عند بحث الناحية العسكرية على الأقل، لتقاعس بعض المسؤولين من ساسة الدول العربية في هذا الجيل، عن الاستفادة من الوضع الإستراتيجي الممتاز الذي وجدت هذه الدولـة نفسها فيه، وهي محيطة بإسرائيل من جميع الجهات حتى بعد هدنة رودس عام 1949، فليس لإسرائيل حدود مع أية دولة أخرى غير عربية، ويبلغ طول هذه الحدود أكثر من 950 كم، خلاف حدودها على البحر المتوسط. وتتميز مرتفعـات الجولان بالتحكم الكامل في الأراضي الإسرائيلية التي تواجهها تحكماً قل أن يكون له مثيل في حدود دول العالم، كما تقترب الأرض اللبنانية قرباً شديداً من أغنى مناطق إسرائيل وأكثفها سكاناً وأنشطها صناعة أكبرها ثروة، وفي نفس الوقت يشطر خط البصر ـ للناظر إلى البحر من الأرض الأردنية ـ إسرائيل إلى قسمين عند خصرها الذي لا يزيد عن 15 كم، عند “قلقيلية” وتستطيع قوة تعمل من الأرض الأردنية، مناسبة في حجمها صادقة في عزمها إذا ما وصلت إلى البحر المتوسط، أن تشطر إسرائيل إلى جزئين منفصلين، شمالي وجنوبي، يمكن التعامل مع كل جزء على حدة بقوات الدولة أو الدول التي تواجهها.
أما عن خليج العقبة، فإن الطبيعة قد قسمت هذا الخليج الضيق بوجود جزيرتي تيران وصنافرة بالقرب من الشاطئ المصري والصالح للملاحة عند شرم الشيخ، أما من الناحية الأخرى، ناحية الشاطئ السعودي، فرغم اتساع الخليج النسبي، فإن ضحالة مياهه تعوق الملاحة فيه لأنواع كثيرة من السفن، ولا تزيد المسافة بين جزيرة تيران وشرم الشيخ عن كيلومتر واحد، الأمر الذي يجعل من اليسير إصابة أية سفينة تحاول عبور هذا المضيق بالنيران المباشرة للمدفعية، وليس من الضروري أن تكون مدفعية ساحلية بعيدة المدى، بل يكفي أن تكون لمدافع قوة الاختراق المناسبة للسفن المراد إصابتها، وهذا يمكن إغلاق هذا الجزء من الخليج بإغراق سفن قديمة استغنى عنها في مياهه، بعد ملئها بكميات من الأسمنت المسلح الذي لا يلبث أن يتماسك بمجرد اختلاطه بالماء مكوناً كتل أسمنتية شديدة الصلابة في قاع المضيق تؤثر ولا شك على غاطس السفن التي تحاول العبور. وإغلاق خليج العقبة يحرم إسرائيل من مزايا حيوية كثيرة سبق ذكرها في غير هذا الموضع وتؤثر إلى أبعد الحدود على مستقبلها السياسي والاقتصادي.
أما عن شواطئها على البحر المتوسط والتي تمتد حوالي 200 كم، فإن تهديدها بالإنزال البحري عليها، أو عرقلة الحركة في موانيها، أو التدخل في عمليات البترول التي تتم في حيفا، وخلاف ذلك من الأعمال العسكرية التي يمكن القيام بها على هذا الشاطئ الطويل، كل هذا يعطي للدول العربيـة حرية في اختيار العمل العسكري المناسب، نوعاً ومكاناً وهدفاً، وبالإضافة إلى ذلك فإن إحاطة إسرائيل بدول عربية من جميع الاتجاهات تقريباً، تجعل من اليسير على القوات الجوية لهذه الدول الوصول إلى جميع الأهداف المطلوب ضربها وتدميرها، وبذلك تقسيم الرقعة الإسرائيلية فيما بينها وإلى الحد الذي يتناسب ومدى عمل الطائرات المتوفرة لدى كل دولة.
هذا هو الوضع الإستراتيجي من الناحية العسكرية الذي كانت فيه إسرائيـل قبل حرب يونيه 67، ولذا كان من الطبيعي، بل من الضروري، أن تتمسك إسرائيل دائماً بالمبادأة في جميع الظروف والأحوال، فلو قبعت إسرائيل داخل حدودها وسمحت لأعدائها بتوجيه ضرباتهم إليها من الشمال والشرق والجنوب والبحر، فلن يتحقق حلمها، من النيل إلى الفرات، بل لن تكون إسرائيل أصلاً، أما لو تمسكت بالمبادأة ثم صالت وجالت بين جيرانها، بينما هذا يدافع عن حدوده، وذاك يستعد لاتخاذ الأوضاع المؤدية إلى ذلك والثالث يدافع سياسياً، والرابع يساير ولا يسير، والخامس لا يهاجم إلا بأجهزة الدعاية المتواضعة فإن إسرائيل في النهاية ستجد نفسها في وضع عسكري ممتاز، تختار المكان، ثم الزمان، تختار ترتيب ضرباتها وتحدد وقت كل ضربة منها، تقرر بمن تبدأ وبمن تنكل، وبإيجاز تستفيد أكبر فائدة ممكنة باحتفاظها بالمبادأة.
وعلى ذلك، كان التقدير لقوات العدو التي قد تعمل على جبهته الجنوبية، هي كل القوات التي يستطيع أن يعبئها، بالإضافة إلى جيشه العامل، ويستبعد منها لواءين مشاة من الاحتياطي، ومن كتيبة إلى كتيبتين مدرعتين يضطر إلى الاحتفاظ بهما على الجبهات العربية الأخرى حتى لا تكون حدوده معها مفتوحة ومغرية للقيام بمغامرة وقتها مناسب ونجاحها محتمل، إما إن كانت أطماعه قد تعدت مصر إلى بعض الدول العربية الأخرى، فكان التقدير أن العدو بعد الانتهاء من جبهة مصر، سيعمل على نقل جزء من قواته إلى الجبهة أو الجبهات الأخرى التي وقع عليها اختياره، يساعد في ذلك سرعة الحركة التي يتميز بها، وصغر المساحة النسبية التي تشمل جبهات القتال، مستخدماً قواته الجوية لأقصى مدى ممكن.
كان هذا هو تقدير القيادة المصرية العليا لما تحتجزه باقي الدول العربية من قوات إسرائيلية أمامها.
-
واجبات القوات الجوية والبحرية في الخطة الدفاعية
بإنشاء قاعدة “السر” الجوية جنوب العريش بما لا يزيد عن 50 كم وقاعدة “المليز” بمطاريها، بالإضافة إلى مطار العريش المنشأ من زمن طويل[1] أصبح معظم المناطق الواقعة جنوب إسرائيل في مدى عمل طائراتنا المقاتلة لو عملت من هذه القواعد الأمامية، وفي نفس الوقت كانت هذه القواعد في مدى عمل معظم أنواع الطائرات الإسرائيلية، التي يمكن أن تعمل ضد القوات الجوية بمنطقة القناة، وبعض أنواعها يمكن أن يصل إلى القاهرة.
وقد يبرز هذا الشرح العام، الميزة الكبرى التي يتمتع بها من يبدأ بتوجيه ضربته، والوضع السيئ الذي يجد نفسه فيه مضطراً إلى تلقي ضربة خصمه الأولى، وبمعنى آخر، الفرق الكبير بين من يحرص على المبادأة وبين من يفقدها ويركن إلى الإستراتيجية الدفاعية البحتة.
وعلى ذلك فعندما كان التفكير دائراً لتخصيص واجبات للقوات الجوية المصرية لمعاونة الخطة الدفاعية في سيناء، وجد أنه لا يمكن تخصيص مجهود جوي لمعاونة التشكيلات الميدانية في قتالها الأرضي، واستبقى هذا المجهود، أو غالبيته العظمى، للحصول على التفوق الجوي خلال الثلاثة أيام الأولى من القتال، وبعدها يُنظر في تخصيص مجهود جوي لمعاونة التشكيلات البرية.
أما عن “القوات البحرية”، فقد كان واجبها بطبيعة الحال في المعركة الدفاعية منصباً على تأمين شواطئنا في سيناء، ولم تكن هذه الشواطئ تسمح باستخدام العدو لها على نطاق واسع، وحتى العريش، لم تكن أكثر من مرفأ يسمح فقط برسو السفن الصغيرة، أما ما يتعلق بعمليات الإنزال البرمائية المحتملة فقد رأى أن إسرائيل، بمواردها المحدودة جداً من سفن الإنزال والمركبات البرمائية لا يمكنها القيام بعملية غزو بحري أو حتى بإغارة لها قيمتها عن طريق البحر، ومع ذلك فقد كان من بين احتمالات نشاط العدو البحري، إنزال بعض الأفراد المحمولين بحراً غرب العريش لإزعاج خطوط المواصلات على المحور الشمالي، أو لاقتناص بعض المركبات، أو نسف بعض أجزاء من خط السكة الحديد. ولذا كان من ضمن الخطة الدفاعية لمواجهة هذا الاحتمال، تمركز وحدة للدفاع الساحلي في العريش من عيار 130 مم متحركة ومجهزة برادار يكشف عن اقتراب السفن على مسافات بعيدة، كما جهزت المواصلات اللازمة للاتصال الفوري بميناء بورسعيد حيث تتمركز القوة البحرية المخصصة للتعاون مع القوات التي تدافع عن سيناء، ومعظمها من زوارق الطوربيد.
-
التجهيز الهندسي لمسرح العمليات ومراكز القيادة
لم توضع سياسة محددة قبل عام 1964 لتجهيز مواقع القتال للأسلحة والمعدات والمركبات والأفـراد حسب الخطط المقررة، وفي عام 1964 عًرض تخطيط جديد للدفاع عن سيناء، واعتُمد هذا التخطيط من القائد العام، ووُضع معه خطة تفصيلية لتجهيز مسرح العمليات تجهيزاً هندسياً يزيد المواقع منـاعة والخطط نضوجاً، وقدرت الموارد والأدوات وتحولت إلى اعتمادات مالية، وزعت على عدة سنوات لتصبح المواقع الدفاعية في سيناء ثابتة ومجهزة تجهيزاً كاملاً يمكن أن يبقى عشرات السنين، حيث تقرر أن تكون التكسيات إما بالطوب الأحمر أو الحجر مع استخدام الأسمنت للتثبيت.
وفي نهاية 1965، بدأ النطاق الدفاعي الأول في الظهور كمنطقة حصينة، وليس مجرد منطقة مجهزة للدفاع، منطقة حصينة لا تقل عن مناطق الدفاع التاريخية كخط ماجينو أو خط زيجفريد. كانت قوات النطاق الدفاعي الرئيسي متمركزة فعلاً في سيناء، أما فيما يختص بباقي النطاقات في خطة الـدفاع عن سيناء فلم يبدأ في تجهيزها وظلت مواقعها مرسومة على خرائط القادة في شكل نقط، في انتظار الظروف المساعدة للبدء فيها والسبب في هذا بسيط وهو عدم توفر قوات مخصصة بالذات لهذا الواجب وتعيش في سيناء.
رابعاً: تقييم الخطط الموضوعة
إن تنظيم الدفاعات في سيناء عام 1967 داخل إطار الخطة الموضوعة لم يكن ينقصه الوقت ولا حسن التدبير، فقد زادت التحصينات الصناعية التي كلفتنا الملايين من مناعة المواقع الطبيعية الجيدة التي وقع عليها الاختبار، وأصبحت الصورة تدعو إلى الطمأنينة المحسوبة على أساس ضرورة تفوق المهاجم على المدافع بنسبة 1:3. إن مجرد نجاحنا في عبور قناة السويس، وإتمام حشدنا في سيناء، واحتلالنا لمواقعنـا الحصينة، يقفز بنا إلى منتصف الطريق إلى النصر في المعركة الدفاعية، على أساس أن إسرائيل لا يمكنها أن تحشد ثلاثة أضعاف ما نستطيع أن نحشده من القوات والمعدات، ناهيك عن مواقعنا الحصينة التي ـ تستلزم رفع هذه النسبة، وعلى أساس التسليح السوفيتي لا يقل كفاءة عن التسليح الأمريكي أو الفرنسي.
ولو كانت هذه الافتراضات صحيحة فأين كان الخطأ الذي أودى بنا إلى كارثة 5 يونيه 67؟
هل كان في الطريقة التنفيذية التي سارت بها الأمور في إدارة المعركة؟
هل كان لما أصاب قواتنا الجوية من خسائر كل هذا التأثير على قواتنا البرية التي جعلتها عاجزة عن حماية نفسها كوحدات داخل مواقعها أو حتى كأفراد، وبيدهم هذه الأسلحة؟
هل كانت القيادات العسكرية، وعلى رأسها القيادة العامة، وقيادة الجبهة على مستوى من الكفاءة أقل من المطلوب لمثل هذه العمليات الحربية؟
والسؤال الذي يجدر بنا أن نسأله هو: هل انسقنا إلى حرب 67؟
وبالتالي ما هي مقدمات حرب 67؟
وهي على النحو الآتي:.
السؤال المهم: هل انسقنا إلى حرب 67
السؤال الكبير الذي يشغل جميع المحللين، هو:
هل كان في تخطيط مصر وفي نيتها، خوض حرب مصيرية مع إسرائيل عام 67؟ أم إنها انزلقت إليها، وأجبرتها الظروف على مواجهتها، بالرغم من التصريحات السابقة لكبار المسؤولين بأننا لن ندخل حرباً ما لم نكن نحن فيها المحددين لزمانها ومكانها؟
إذاً مقدمات حرب 67 هي:
-
مبدأ الولاء قبل الكفاءة.
-
تخفيض ميزانية 66/67، وتخفيض أيضاً في ميزانية 67/68.
-
حرب اليمن: أفضل التشكيلات موجودة على الأراضي اليمنية، وما أدت إليه:
أ. خبرة قليلة لا تصلح مع إسرائيل.
ب. غرور القيادات والظن أن الحرب مع اليمن تماثل مع الإسرائيليين.
ج. استنزاف للموارد البشرية والمادية.
-
عدم انتظام صفقات التسليح من الاتحاد السوفيتي.
-
عدم وجود خطة عامة للتسليح. وعدم توازن حجم ق/جو، د/جو مع حجم ق/بر.
-
إنشاء قيادة للقوة البرية.
-
عدم التأهيل الكافي للقائد العام للقوات المسلحة.
-
مصادر المعلومات الزائفة عن التهديد الإسرائيلي لسورية.
[1] كان كل مطار من المطارات الأربعة مستقلاً، ويتبع رأساً قيادة المنطقة الجنوبية الشرقية.