بيان بإدانة قرار الرئيس الامريكى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
مارس 26, 2019محاضرة حول “الأمن والأمان وضمانات الأمن النووي”
مارس 31, 2019” الشراكة الهندية مع شمال إفريقيا والقرن الإفريقي : القضايا، المبادرات،التوقعات”
من (29-30 مارس 2019) – أديس أبابا
الجلسة الأولى” العلاقات السياسية والدبلوماسية: القضايا والرؤى حول الحوار السياسي العالمي والحوكمة الرشيدة“
مداخلة السفير/د. عزت سعد- مدير المجلس المصري للشئون الخارجية
تمثل منطقة القرن الإفريقي أهمية حيوية لكل من الهند ومنطقة الشمال الإفريقي على السواء، لاعتبارات عديدة جيوسياسية وأمنية وتنموية.
وفي هذا السياق، فإن التحديات التي تواجه بعض دول هذه المنطقة لاسيما حالةعدم الاستقرار السياسي وضعف مؤسسات الدولة ( حالتي اليمن والصومال)، والتي أدت إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب والقرصنة واللاجئين وتهديد الممرات المائية الدولية ، تمثل تهديداً لحركة التجارة العالمية وتأمين مرور النفط والغاز، بما يشكل تهديداً خطيراً لمصالح دول الإقليم بصفة خاصة والمجتمع الدولي عامة.
لقد أدت هذه الأوضاع المتردية إلى فتح الباب على مصراعيه لدول كثيرة من خارج الإقليم لتتواجد فيه سياسياً وعسكرياً، حيث باتت المنافسة العالمية وصراع المصالح والنفوذ بين القوى الكبرى إحدى أهم سمات النظام الجديد في منطقة القرن الإفريقي، ويمثل ذلك تراجعاً عن أهداف حركة التحرر الوطني الإفريقي من حيث التخلص من النفوذ الأجنبي والتبعية. إن المطلوب للتعامل مع هذه الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية والإنسانية، المعقدة والمتفاقمة، هو تعزيز الحوار السياسي فيما بين دول الإقليم والأطراف من خارجه المهتمة بشؤونه على أساس احترام مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإحترام سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية وأمنها واستقرارها، وذلك بما يدفع عملية التنمية الشاملة فيها.
وكما نعلم يمثل البحر الأحمر أحد الطرق المائية الحيوية، إذ تمر عبره التجارة الأوروبية مع آسيا، وايضاً النفط والغاز من منطقة الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. كذلك يعد البحر الأحمر حلقة وصل بين منطقتي الخليج والقرن الإفريقي، كما أنه ممر للهجرة بين المنطقتين . والواقع أن أمن البحر الأحمر أمر مطروح منذ فترة في ضوء التهديدات غير المسبوقة لأمن هذا البحر بسبب النزاعات الإقليمية، والتدخلات الخارجية والقرصنة البحرية والإرهاب، حيث أصبح البحر الأحمر مسرحاً لصراع القوى الكبرى والدول الإقليمية المتنافسة، بما فيها الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج العربي وإيران وإسرائيل.
ومما لاشك فيه أن ضمان أمن البحر الأحمر لايمكن أن تكفله دولة واحدة بمفردها، الأمر الذي يستوجب النظر في إنشاء نظام أو ترتيبات للأمن والتعاون فيما بين دول المنطقة، خاصة وأن مصالحها مترابطة وتواجه التحديات ذاتها مما يستوجب التنسيق والتعاون الوثيق فيما بينها. وفي هذا السياق، وارتباطاً بالمبادرة المعروفة بـ” الهادئ والهندي…حر ومفتوح””Free and Open Indo– Pacific“، يمكن التفكير في نوع من التواصل بين المحيطين الهادئ والهندي والبحرين الأحمر والمتوسط. ذلك أن جانباً كبيراً من خطوط الملاحة في المحيطين ترتبطان بالبحرين في طريقهما من آسيا إلى أوروبا وإلى المحيط الأطلنطي، ويمكن أن تلعب قناة السويس نقطة محورية في هذا التواصل الذي يعد مسألة حيوية تتجاوز تعزيز التجارة والرخاء لتوحيد المناطق
إن مثل هذه الفكرة، إذا ماوضعت موضع التنفيذ، سوف تتكامل، ولن تتعارض، مع مبادرة الصين بشأن الحزام والطريق. وبالفعل، وكما ذكر السيد رئيس الوزراء/ ناريندرا مودي في كلمته الرئيسية أمام حوار شانجريلا في أول يونيو 2018:” أعتقد بشدة أن آسيا والعالم سيشهد مستقبلاً أفضل عندما تعمل الهند والصين معاً بثقة كل منهما في الآخر وثبات”.
إن مثل هذه المبادرات، التي تقوم على فوائد التواصل، ستكون في صالح الجميع، متى كانت قائمة على التوافق واحترام السيادة والسلامة الإقليمية والتشاور والحكم الرشيد والديمومة والتسوية السلمية للمنازعات.
وللأسف الشديد فإن المنافسة بين القوى الكبرى حول النفوذ في المنطقة تجيء على حساب مكافحة الإرهاب الذي لم يعد يحظى سوى بأولوية ثانوية، بعد أن كان على رأس اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية منذ هجمات سبتمبر 2001. وتؤكد الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي (ديسمبر 2017) واستراتيجية الدفاع الوطني (يناير 2018) حقيقة أولوية المنافسة مع الصين وروسيا على حساب مكافحة الإرهاب.
إن الهند كدولة كبيرة، لديها مصالح وعلاقات تاريخية في هذا الإقليم الواسع وكشريك هام للتنمية مع دول القارة وإيمانها بمُثل التعاون جنوب/جنوب، مؤهلة للإطلاع بدور هام في المساهمة في استقرارالإقليم وتنميته ولديها في ذلك مكانتها السياسية المرموقة وتبنيها لمبادئ الحكم الدولي الرشيد، سياسياً وإقتصاياً، وتاريخها المشترك مع دول المنطقة في مقاومة الاستعمار، وماحققته من إنجازات تنموية ضخمة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث باتت الإقتصاد السادس الأكبر في العالم، فضلاً عن كونها الاقتصاد الأسرع نمواً عالمياً، كما تأتي في المرتبة الرابعة على قائمة شركاء إفريقيا الكبار، والمصدر الثالث الأكبر للقارة بقيمة وصلت إلى 62.66 مليار دولار للعام 2017- 2018 ، بزيادة قدرها 22% بالمقارنة بالعام السابق. هذا بجانب حقيقة أن الهند هي المستثمر الأكبر الخامس في إفريقيا باستثمارات متراكمة قدرها 54 مليار دولار .
إن كل هذه الإمكانات الكبرى التي تمتلكها الهند تؤهلها للمزيد من الانخراط في المشكلات والتحديات التي تواجه المنطقة، بما يحقق المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين الجانبين.