وفد من المجلس الفيدرالي الروسي
يوليو 16, 2019لقاء مع وفد من عدد من المدن الصينية
أغسطس 4, 2019يمكن النظر إلى الحرب التجارية التى أطلقتها إدارة ترامب ضد الصين منذ مارس 2018 على أنها جزء من استراتيجية أوسع لوقف صعود القوة الصينية. وكانت واشنطن قد بدأت هذه الحرب منذ إدارة أوباما عندما فشلت فشلاً ذريعاً فى عزل طموحات الصين الاقتصادية عبر اتفاقيات شراكة استراتيجية مع دول آسيا والمحيط الهادئ، كان قد دعا إليها أوباما، وذلك قبل أن يعلن الرئيس الحالى الانسحاب منها وشن حربه التجارية ضد الصين. وفى هذا الصدد، فشلت واشنطن فى إقناع حلفائها بعدم الانضمام إلى البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية الذى بادرت الصين بإنشائه عام 2015 ليكون الذراع التمويلية لمشروعات مبادرة الحزام والطريق التى أطلقتها الصين عام 2013، وتضم اليوم نحو 130 دولة من آسيا وإفريقيا، بما فيها مصر، وأوروبا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وهى مبادرة تعتبرها الولايات المتحدة بمثابة مشروع الصين للقرن الحادى والعشرين لفرض هيمنتها على العالم وتقويض النظام الليبرالى الدولى الذى أسسته أمريكا وتهيمن عليه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وقد أسست الولايات المتحدة حملتها ضد إنشاء البنك على أنه يهدد وجود صندوق النقد والبنك الدوليين ويقوض النظام المالى الدولى القائم من خلال إتاحة استثمارات للدول المختلفة بدون شروط. ولم تمنع هذه الحجج كل حلفاء أمريكا من الانضمام للبنك الجديد بما فيها كل من إسرائيل والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وفرنسا وألمانيا ومصر كأعضاء مؤسسين للبنك، تاركة الولايات المتحدة فى عزلة.
أما التطور الآخر، وربما الأكثر خطورة، الذى ترى فيه الولايات المتحدة تهديداً جدياً لمصالحها ووضعيتها كقوة عظمى عالمية، فيتمثل فى التحول التدريجى للصين لتصبح قوة عالمية منافسة فى صناعات التكنولوجيا المتقدمة، وهى واحدة من عناصر القوة التاريخية للولايات المتحدة. فقد باتت الصين أكثر أهمية كمركز للتكنولوجيا وكمستثمر حول العالم. ومن هنا جاء استهداف هواوى، إحدى الشركات الخمس الأكبر فى العالم فى مجالها، والتى تعمل فى 170 دولة حول العالم بمبيعات قدرها 110 مليارات دولار سنوياً، بحظر مشاركتها فى شبكة الجيل الخامس من الاتصالات فى الولايات المتحدة. وقد علقت الشركةPowered by الصينية على حظر مشاركتها فى السوق الأمريكية بأنه ليس له سوى تأثير محدود أخذاً فى الاعتبار تواجدها المتواضع فى هذه السوق، وقدرتها على المنافسة العالمية بقوة إلى حد لم يعد بإمكان الولايات المتحدة معه إيقافها فضلاً عن أن لديها مخزونا من الأجهزة والمكونات لتغطى احتياجاتها عندما تغلق أبواب الأمريكيين أمامها، علماً بأن هواوى سجلت نمواً عام 2018 رغم ضغوط واشنطن الشديدة على حلفائها لمقاطعتها بدعوى ممارستها أنشطة تجسسية لصالح الحكومة الصينية، وهو ما نفته الشركة.
وهكذا فإن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تخفى وراءها ثلاث قضايا أساسية:
– تملُك الصين للتكنولوجيا المتقدمة لشركات عملاقة فى الدول المتقدمة.
– الدعم الكبير من الحكومة الصينية لتشجيع شركات التكنولوجيا المتقدمة على الاختراع وإعادة الاختراع. وعلى سبيل المثال، تنفق شركة هواوى نحو 15 مليار دولار على البحوث والتنمية سنويا. ووفقاً لبيانات إحدى الشركات الألمانية المعنية ببراءات الاختراع، تمتلك الشركات الصينية نسبة 34.02% من كل براءات الاختراع الخاصة بالجيل الخامس للاتصالات، بينما لا تمتلك الشركات الأمريكية سوى 14% فقط، وهو تطور يقلق الأمريكيين ويدفعهم إلى تقييد نشاط الشركات الصينية.
– الانتهاكات المحتملة لحقوق الملكية الفكرية من جانب الشركات الصينية بدون الالتزام بالقيود القانونية ذات الصلة.
والخلاصة هى أن صراع القوة بين الولايات المتحدة والصين مرشح للاستمرار. وقد تنتهى مفاوضات التجارة بين البلدين إلى تسوية مرضية تقود إلى رفع الجزاءات المفروضة على الصين ارتباطاً بذلك، غير أن مسألة التكنولوجيا المتقدمة ستظل جزءاً من المنافسة العالمية إلى أن يقوم أى من الأطراف بحسم الأمر لصالحه. والملاحظ هنا حرص الصين الشديد على السعى لاحتواء غطرسة الإدارة الأمريكية من خلال تبنى مقاربة هادئة تقوم على الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية أساساً، بما فيها اللجوء إلى القضاء الأمريكى، التى اعتمدت عليها الصين تاريخياً فى إدارة علاقاتها الخارجية مطورة فى ذلك موروثاً ثرياً لعبت فيه حقائق الجغرافيا دوراً مهماً فى تشكيل رؤية الصين لاستخدام القوة فى تفاعلاتها مع العالم، حيث تركز على ضبط النفس والاستراتيجية بعيدة المدى والبراجماتية وتفادى الدخول فى صدامات عسكرية مع الآخرين، بل والقدرة على استيعاب الضربات الخارجية من حيث إن الهدف الرئيسى للصين كان دوماً الحفاظ على هوية وتماسك الدولة، وذلك على نحو ما أشار إليه كيسنجر بحق فى كتابه «عن الصين».
نشرت بجريدة المصرى اليوم بتاريخ 31 يوليو 2019 ، رابط دائم :
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1416773