منتدي أمن الشرق الاوسط
نوفمبر 28, 2019“التنوير والحداثة….ودور القوى الناعمة “
نوفمبر 30, 2019
بدعوة من أمانة مجموعة الرؤية الاستراتيجية (روسيا – والعالم الإسلامي) ، شارك السفير/د. عزت سعد- مدير المجلس في اعمال الإجتماع السنوي للمجموعة حول ” حوار الحضارات والثقافات والديانات” (رؤية مصرية)، بـ(جمهورية باشكورتوستان،الاتحادالروسي)في الفترة من 28 وحتى 30 نوفمبر 2019.
وقد أكد سيادته عدد من النقاط الموضحة على النحو التالي:
– إعرابه عن عميق شكره وامتنانه لرعاة هذا المؤتمر الدولي الهام وللحفاوة وحسن الاستقبال والرعاية التي شملوا الضيوف بها.
– أشاد بالمواقف الثابتة لروسيا الاتحادية في دعم القضايا العادلة للعالم الاسلامي وحرص القيادة السياسية في روسيا الاتحادية على تحقيق الوئام والتفاهم والتسامح والتعايش بين شعوب روسيا وشعوب الدول الإسلامية، لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التقدم والازدهار للجميع.
– الواقع أن الشعب الروسي، تاريخياً، عاش دائماً- مسيحيوه ومسلموه – جنباً إلى جنب في سلام، كما حرص القادة الروس على تقديم بلادهم كصديق للدول والشعوب الاسلامية يحترم شئونها الداخلية وخياراتها وقيمها وعاداتها وتقاليدها. ولعل الجميع يتذكر أنه في فترة الاتحاد السوفيتي لم تتدخل موسكو لوقف التعسف والعنت الذي لقيته الأحزاب الشيوعية في بعض البلدان العربية مثل العراق وسوريا وليبيا. ولكي تؤكد روسيا توجهها هذا نحو العالم الإسلامي، شارك الرئيس بوتين في مؤتمر منظمة المؤتمر الاسلامي في أكتوبر عام 2003، قبل أن تحصل روسيا على وضعية المراقب لدى المنظمة بعد ذلك بعامين (2005)، والتي يُحتفل اليوم بمرور خمسين عاماً على إنشائها.
– تمثل تتارستان نموذجاً للعالم الاسلامي حول التسامح الديني في روسيا، كما أن تصميم القيادة السياسية الروسية على التفاعل مع العالم الإسلامي – والذي تمثل مجموعة ” الرؤية الاستراتيجية”.. أحد تجلياته – هو أيضاً دليل على صدق النوايا والرغبة في دعم العلاقات بين الجانبين على أسس من مبادئ الحوكمة العالمية التي يؤكد جوهرها ميثاق الأمم المتحدة لاسيما مبادئ عدم التدخل في الشأن الداخلي ونبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية والمساواة في السيادة والتسوية السلمية للمنازعات الدولية في اطار الاجهزة المعنية للأمم المتحدة وليس خارجها.
– ماتزال روسيا تعمل بنشاط في إطار الأجهزة الدولية للدفع بالمبادرات الرامية إلى حوار الحضارات والتعايش بين الأديان لا الصدام بينها. وعلى العكس من ذلك نلاحظ خطاب الكراهية والعنصرية والتحريض الصادر عن بعض الدوائر الأمريكية، لاسيما أركان الإدارة الحالية، التي لا ترى في منطقة الشرق الأوسط سوى “النفط والرمال والموت” ولا شيء آخر، والتي تتبنى سياسة لا مسئولة وتخريبية بشأن قضايا خطيرة تمس ليس فقط أمن الشرق الأوسط بل قضايا السلم والأمن الدوليين مثل الدعم غير المحدود للممارسات العدوانية والعنصرية لإسرائيل في الأراضي العربية المحتلة وانتهاك كافة قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، ومؤخراً الإعلان عن مشروعية المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة. إن هذه السياسة التخريبية وتخلي الإدارة الأمريكية الحالية عن العمل الجماعي متعدد الأطراف، لاسيما الأمم المتحدة ووضع دورها موضع الشك من خلال الوقف الكامل أو تقليص التمويل لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ولصندوق الأمم المتحدة للسكان ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الارهاب فضلاً عن الانسحاب من اتفاقيات ومؤسسات متعددة الأطراف بما فيها اليونيسكو ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان، كل ذلك يؤكد أن الإدارة الأمريكية الحالية هي بالفعل في حرب مع الاسلام على النحو الذي يؤكده رموز اليمين العنصري المتطرف في الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عقود. وذلك يُذكر بما قالته كوندليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة في حفل استقبال بواشنطن عام 2008 لتقديم Sada Cumber أول مبعوث أمريكي خاص لمنظمة التعاون الإسلامي، عندما ذكرت ” أن مفهوم أن الولايات المتحدة في حرب مع الإسلام أطلقه المتطرفين العنيفين violent extremists ، الذين يسعون إلى تقسيم المجتمعات الإسلامية وإثارتها ضد بعضها البعض”. وقد اعترف المبعوث الأمريكي لاحقاً – وهو من أصل باكستاني – أنه فشل في إقناع من التقاهم من المنظمة بصدقية ما ادعته رايس.
– لقد حظي موضوع حوار الديانات والحضارات والثقافات باهتمام خاص في مصر، سواء من قبل المؤسسات الدينية أو السلطات الحكومية. وفي هذا السياق، أود التنويه إلى أنه من بين فعاليات المنتدى الثالث لشباب العالم الذي استضافته مصر خلال الفترة من 4 إلى 9 نوفمبر 2019- والذي يوفر فرصة لإطلاق مبادرات تثري حوار الثقافات بين الشباب من مختلف الثقافات وخلق سياق ثقافي محايد للحوار يمكن المجتمعات من التعبير عن نفسها بحرية كبعد حاسم من أبعاد التفاهم الدولي والتوفيق بين وجهات النظر المختلفة -كانت هناك جلسة في اليوم الثاني للمنتدى حول ” اختلاف الحضارات والثقافات : صدام أم تكامل”، شارك فيها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بجانب عدد كبير من المفكرين والأكاديميين من مختلف دول العالم. في هذه الجلسة تم التأكيد على عدم وجود صدام بين الحضارات أصلاً، أو بالأحرى عندما يحدث التصارع أو الخلاف فهو ليس بين الحضارات وإنما بين الشعوب والمجتمعات بمعناها الواسع، وعندما يحاول البعض الربط بين صراع الحضارات والاختلافات الدينية، فهو ربط غير سليم، لأن الاديان أيضاً ليس فيما بينها اختلاف يصل إلى حد التصارع، رغم وجود تباين فعلاً في أولويات وترتيب القيم التي يركز عليها كل دين، لكنها في النهاية جميعاً قيم ومبادئ ربانية وضعت لتنظيم حياة البشر والارتقاء بها، لا التعارك حولها أو فيما بينها. وللأسف تأخذ بعض القوى والفئات الدين كرهينة في أياديها وتفسره لخدمة أهدافها ولممارسة الإرهاب والخراب، الذي هو العدو المشترك لكل الحضارات التي هي صناعة الحياة، بينما هو صناعة الدمار والموت.
تبدأ نقط الخلاف فقط عندما يتحول الدين إلى سلوك وعمل قد يصطدم بحقوق أصحاب دين آخر. والحالة الوحيدة التي يتجسد فيها هذا الوضع هي الاستناد إلى تعاليم وشرائع اليهودية (حسب مزاعم اليهود) في اغتصاب أرض ومقدسات إسلامية في فلسطين. كذلك تكمن المشكلة في محاولة البعض فرض رؤاهم وقيمهم ومفاهيمهم الخاصة على الآخرين. إن التنوع والاختلاف من سنن الكون، كما أن التطرف والإرهاب ينبعان من الاستعلاء سواء بالدين أو المذهب أو العرق أو الأيديولوجية. ومن هنا يمكن القول بأن الخطر الذي يهدد الجميع يفرض حوار الأديان نفسه والذي لا يمكن – بل ويستحيل – فصله عن حوار الثقافات، لأنه لو كان هناك تعاون ثقافي وتواصل شعبي لوجدت إمكانية لتفادي مخاطر كبيرة. وهنا للإعلام الدولي دور خطير سواء كعامل للتقارب أو كمشعل للحرائق.
ومنذ عقود وحوار الأديان يجري بين الفاتيكان والأزهر الشريف في مصر (منذ عام 1988) وجهات أخرى من العالم الإسلامي، إلى أن انتقل الحوار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمبادرة سعودية.
ومع ذلك علينا أن نعترف أن رسالة الحوار بين الأديان تظل محصورة في النخبة، ولم تنتقل إلى القاعدة العريضة. وفي الدين الإسلامي فإن الحوار مع الآخر مطلوب ومؤكد في القرآن الكريم. فلقد خلقنا الله مختلفين كل عن الآخر، ولكن لكي نتعارف (لتعارفوا – الحجرات 13) أي أن الحوار أمر صريح من الله.
وهناك بعض المؤمنين بفكرة الحوار بين الأديان من يدعو – وبحق – إلى عدم قصر هذا الحوار على الأديان السماوية الثلاثة، حيث يجب أن يمتد ليشمل عقائد وأديان أخرى كالبوذيين والهندوس وغيرهم طالما كانوا مستعدين لذلك.
والحوار في المنطق هو عكس كلمة المواجهة، وطالما أننا في حالة حوار فليست هناك مواجهة وليس من مصلحة أحد الذهاب إلى المواجهة. وفضلاً عن ذلك فإن السلام هو الهدف النهائي من الحوار. وبطبيعة الحال فإن السلام لا يجب ان ينفصل عن العدل، والقول بغير ذلك يعني أن منتهك الحقوق والظالم هو من يستفيد من السلام. وهنا علينا التأكيد على أن الحوار يحتاج الي بيئة صالحة تتسم بالتوازن، وليس أن يفرض عليك الآخر مثل هذا الحوار على غرار ترامب وما يريد أن يفعله بالفلسطينيين والعرب.
إن الهدف من حوار الاديان هو البحث عن نوع من المصالحة التاريخية بين حرية الرأي والتعبير والخطوط الحمراء التي تحمي خط الآخرين في احترام معتقداتهم، وهو تحدي لا يستهان به، خاصة وأن هناك شريحة من جانبي الحوار سيغضبها ذلك، إلا أن الوقوف بجانب الحق والعدل يستحق الجرأة والتضحية.
وبطبيعة الحال فإن نجاح الحوار واستمراره يستوجب مناخاً دولياً مواتيا وسلاماً. وهذا السلام يحتاج دائماً إلى توازن وعدالة كأساس لهذا التوازن سواء كان داخلياً أو فيما بين الدول. فالهدف من الحوار هو الوصول إلى نقاط سلام، إلا أنه بدون عدالة وبدون احقاق الحق لن يصل الحوار إلى أية نتيجة. والمثال الواضح على ذلك هو القضية الفلسطينية التي تعذر الوصول الي حل سياسي لها بسبب الانحياز السافر لفريق ضد الفريق الأخر.
أود الاشارة إلى أنه أواخر عام 2018 وبالتعاون مع الحكومة المصرية، أنشأ أحد أقباط مصر المقيمين بالخارج ( د. تروث قادس رئيس اتحاد الجاليات المصرية في أوروبا) أول أكاديمية للحوار بين الأديان في مصر لتكون نواة لنشر التفاهم والتسامح والتعاون بين الإسلام والمسيحية على أسس علمية وثقافية فيما بين المسلمين والأقباط وتجديد الفكر الديني القائم على التفاهم والمعرفة والحوار.
وكنا قد تحدثنا في “سانت بيترسبرج” في أكتوبر 2019 عن حرب المعلومات والأخبار المزيفة والتأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في مسألة التواصل بين الحضارات والثقافات وانعكاسات ذلك على الارتقاء الإنساني. وفي هذا السياق، فإنه من حق الدول أن تحافظ على استقلالها وهويتها القومية ومنظومة قيمها أياً كانت، وأينما كانت. ومن المهم في هذا السياق التعاون والتنسيق فيما بين الدول والمجتمعات لتطوير المشتركات الخلاقة، والسمو فوق السياسة والأجندات الخاصة. وللأسف فإن الفكر الغربي هو من قام بتصدير فكرة صراع الحضارات.رغم أنه من الناحية التاريخية جرت حروب كثيرة فيما بين أصحاب الديانات نفسها مثل حروب الكاثوليك والإنجيليين في أوروبا، وحرب المائة عام، أي أنه مثلما كان هناك صدام بين المسيحية والإسلام (الحروب الصليبية)، جرت حروب فيما بين طوائف المسيحيين أنفسهم.
وفي تقدير الكثيرين، فإن فكرة صراع الحضارات ترتبط بقضية الهوية الشخصية والسياسية، كما أنها أداة في يد المتطرفين لتكريس النزاع بين الدول العربية والغربية. ومن هنا تبدو أهمية التواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى وتفهمها كأساس للعيش المشترك، واحترام الاختلاف والتنوع بين الثقافات المختلفة كمصدر للثراء الفكري وليس الصدام بين الحضارات، وإنما التقريب بين الأديان وتحقيق التواصل وحل النزاعات وتطوير مناهج التعليم التي ترسخ التعايش السلمي وقبول الآخر. وعلى أولئك الذين قاموا بتدمير متاحف وآثار بعض الدول أن يدركوا أنهم فشلوا في محو هذه الحضارات. فالحضارات، كما أن لها ماضٍ لها حاضر ومستقبل أيضاً.
والخلاصة هي أن المشكلة ليست في الحضارات ولا في الأديان، لذا يجتمع المفكرون والنخبة كثيراً من أجل بحث صراع الحضارات أو الأديان، دون التوصل الي شيء حقيقي، لأنهم لا يجدون ما يختلفون حوله. ويخرجون بشعارات وخطوط عريضة تصالحية وإيجابية، ولكنها غير مجدية لأنها تتعامل بعيداً عن جوهر المشكلة الحقيقية. والدليل على ذلك أن الاتهام القديم للمسلمين والعرب برفض الآخر وإقصائه لم يعد قائماً ولا محل له حالياً، بعد موجة العولمة وامتداد كل ما هو غربي إلى داخل مجتمعاتنا. فقد ثبت أن العرب والمسلمين لديهم قدرة عالية على استيعاب الآخر وتقبله كما هو، وما يحدث منذ فترة أن الآخر هو الذي يستعدي العرب والمسلمين ويمارس بحقهم كل الانتهاكات الإنسانية والسياسية. وفي هذا السياق، ينبغي الاعتراف بأن هناك اتجاهاً حالياً في السياسة الأمريكية يكشف بوضوح عن صراع حضاري تجاه الإسلام والمسلمين، يصبح معه الحديث عن الحوار من قبيل الاستسلام، لأن الحوار الذي سيدور سيكون بشروط الغرب، ووفق مدركاته، ونحو غاياته، ولأن السياسة الأمريكية توظف الأبعاد الثقافية لخدمة أغراض سياسية بالدرجة الأولى. وفي هذا السياق، لا يجب تجاهل حقيقة أن وقف وتقليص المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين والمقررة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وكل ما قامت به الإدارة من إجراءات وتدابير في هذا الاتجاه كان – بلسان أركان إدارة ترامب وهو نفسه – هو إجبار الفلسطينيين على الجلوس على مائدة التفاوض والقبول بما يسمى” صفقة القرن”.
والواقع أن السياسات الانفرادية للإدارة الامريكية وتخليها عن الحوار وتعددية الأطراف تثير تحديات كبرى لمستقبل الأمم المتحدة ودورها في حفظ السلم والأمن الدوليين، كما تضعف من قدرة المجتمع الدولي على مواجهة التحديات العالمية من خلال التعاون والتنسيق والتشاور فيما بين الدول. الأمر الذي يستوجب وقفة حادة من المجتمع الدولي لمواجهة هذه التوجهات الخطيرة المضرة بالسلام والأمن حول العالم خاصة في الشرق الأوسط.