مشاركة السفير/د. عزت سعد في الاجتماع السنوي لمجموعة الرؤية الاستراتيجية “روسيا – العالم الإسلامي”.
نوفمبر 30, 2019لقاء مع وفد من المعهد الصيني للدراسات الدولية
ديسمبر 3, 2019
بتاريخ 30 نوفمبر 2019، وبالتعاون بين المجلس ورابطة أصدقاء جامعة الدول العربية، ألقى السفير/د. منير زهران- رئيس المجلس، محاضرة حول التنوير والحداثة، بمقر الرابطة، حيث تم استعراض المفهومين منذ بداية الأديان وحتى فصل الكنيسة عن الدولة ودور الفلاسفة والعلماء، ثم دور مؤسسات الدولة من التعليم والثقافة والإعلام والجامعات ومجالس البحوث ومنظمات المجتمع المدني، والتي لعبت كل منها دوراً هاماً في التنوير والحداثة.
وقد تناولت المحاضرة المحاور التالية:
أولاً : مقدمة
التنويرفى لغةً :
جاء في لسان العرب لابن منظور، أن التنوير هو وقتُ إسفار الصبح، يقال قد نوَّر الصبح تنويراً، والتنوير : الإنارة، والتنوير : الإسفار. ويقال : صلَّى الفجر في التنوير وفي المعجم الوسيط، استنار : أضاء. ويقال : استنار الشعبُ : صار واعياً مثقفاً. و به : استمدَّ شعاعَه. و عليه : ظَفِرَ به وغَلَبَهُ. ونَوَّر اللهُ قلبَه : هداه إلى الحق والخير.ويطلق اسم النور على الهداية كما في قوله تعالى { اللَّه وليّ الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور}، أي الهداية { أفمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً }، أي هداية { اللَّه نور السمـوات والأرض}.
التنوير اصطلاحاً:
هو الاستخدام العام لعقل الإنسان في جميع القضايا، وتبني شعار “لا سلطان على العقل إلا للعقل ،” وهو شجاعة استخدام العقل ، والإيمان بقدرة الإنسان الذاتية على الفهم والتحليل والتشريع. ويطلق مصطلح التنوير في الخطاب العربي الحديث بشكل عام على حركة التوعية والتثقيف والتحديث والتجديد التي حدثت في العالم الإسلامي منذ قرنين من الزمان.
الحداثة
الحداثة أو العصرنة تحديث وتجديد ما هو قديم وهو مصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري التاريخي.
بداية الحداثة
الحداثة تشمل مجموعة من التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى أخذ تلك التغييرات على أنها عصرية.
والحداثة هي نقيض القديم والتقليدي. فهي ليست مذهباً سياسياً أو تربوياً أو نظاماً ثقافياً واجتماعياً فحسب، بل هي حركة نهوض وتطوير وإبداع، هدفها تغيير أنماط التفكير والعمل والسلوك، وهي حركة تنويرية عقلانية مستمرة هدفها تبديل النظرة الجامدة إلى الأشياء والكون والحياة إلى نظرة أكثر تفاؤلاً وحيوية.
و التحديث Modernization; له مدلول تاريخي لا يشير إلى السمات الحضارية المشتركة، وإنما إلى دينامكية التحولات البنيوية ومستوياتها. فابتداءً من القرن السادس عشر حدثت في أوروبا تحولات وحركات اجتماعية واقتصادية ودينية وسياسية اجتاحت أوروبا، رافقها استكشافات جغرافية وفتوحات استعمارية، وفي ذات الوقت، ثورة علمية تقنية رافقت الثورة الصناعية، التي فجرت الثورة الفرنسية والثورة القومية- البرجوازية في أوروبا، والثورة الصناعية .
ثانياً: يمكن فهم الحداثة باعتبارها المعطى الدوري والتحول المتسلسل في بنيات الإنتاج والمعرفة والثقافة والاستطاعة التقنية والتي تمثلت بثلاث تحولات كبرى هيأت لقيامها وهي:
-
أنها تقوم على سلوك ذي نزعة إنتاجية واسعة تتخطى الحدود التقليدية لمنظومة العمل والإنتاج القديمة. وبهذا فهي مرادفة للرأسمالية، كنظام اقتصادي وبيروقراطي رشيد للمشروع الاقتصادي الحر الذي يقوم على تقسيم العمل الاجتماعي والتخصص استناداً لنظرية آدم سميث ثم ريكاردو وجون ستيوارت ميل.
-
تقوم الحداثةعلى تقدم علمي- تقني مستمر ظهر في العلم التجريبي والطباعة والتعليم والإعلام والاتصال وغيرها.
-
أنها نهضة فكرية واجتماعية – سياسية في دوائر المجتمع والفرد، أدت إلى الاعتراف بقدرات الانسان الذهنية وحددت حقوقه وواجباته.
وأنتجت الحداثة طفرة حقيقية في التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، تطورت بموجبها قوى العلم والتقنية والإنتاج تطوراً واسعاً بحيث أحدثت قطيعة بين الانسان وماضيه وجعلت منه سيد الطبيعة. ومالكها عن طريق ضبط علمي -عقلاني لأفعاله. ولكن منذ مطلع القرن الماضي بوجه خاص . بمعنى الأهمية المتعاظمة التي تمثلها التقنية في العالم بحيث لم يعد هناك إنسان وطبيعة وإنما هناك أنا والعالم.
وحول مفهوم الحداثة، ذكر د. زهران أن هيجل كان أول فيلسوف يضع مفهوماً واضحاً للحداثة واستخدمه في سياقات تاريخية للدلالة على حقبة زمنية معينة، حيث ذكر بأن الحداثة بدأت مع عصر التنوير، بفعل أولئك الذين أظهروا وعياً وبصيرة، باعتبار أن هذا العصر حد فاصل لمرحلة نهائية من التاريخ. كما وضع هيجل مدلولاً للعلاقة الداخلية القائمة بين الحداثة والعقلانية، وهو مدلول امتد بذاته حتى وصل إلى ماكس فيبر. وقد استخدم هيجل مفهوم الحداثة ضمن أطر وسياقات تاريخية للدلالة على الأزمنة الحديثة.
وقد بدأ عصر التنوير بعد فصل الكنيسة عن الدولة منذ العصور الوسطى وقبلها أنارت لنا الأديان الإبراهيمية وغيرها الطريق وفتحت لنا آفاق التنوير، فقال الله تعالى فى سورة النساء : ” ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك، وكلًم الله موسى تكليماً (الآية 164) “ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله، فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون” ( سورة غافر الآية : غافر 78) وبنى عليها الفلاسفة من أرسطو وسقراط وأفلاطون وغيرهم من الفلاسفة العلماء مزيداً من المعرفة والحداثة والتنوير من أمثال هيجل وديكارت وفولتير وتوماس هوبنزو اسبينوزا وعلماء الاقتصاد والعلوم الإنسانية من أمثال، آدم سميث وريكاردو وجون ستيوارت ميل وشوبان وفيردى وشتراوس . وفي مجال الفنون والموسيقى من أمثال برامزوموزار وبيتهوفن ويوهان سيباستيان باخ وفاجنر وليستوباجانينىوبيزيه–وتشايكوفسكي، ورحمانينوف وغيرهم مما ارتقى بأذواق الجنس البشري . ومن طليعة التنوير في الحياة المصرية رفاعة رافع الطهطاوي وعلي مبارك وجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ومصطفى كامل وقاسم أمين وسعد زغلول وطه حسين.
وبالإضافة الى دور الدولة ومؤسساتها فى التنوير والحداثة فى إطار التعليم والثقافة والفنون والآداب والرياضة على مستوى العاصمة وفي المحافظات، للقوة الناعمة دور هام في ذلك أيضاً: مع أهمية التدريب التواصل للعاملين في جميع تلك المجالات سواء في القطاع العام أو الخاص للتنوير والحداثة والتقدم والإبداع والابتكار وضرورة الاهتمام بالتنمية البشرية على مستوى الدولة في إطار من المسئولية والمساءلة والالتزام بميثاق السلوك لمكافحة الفساد.
وتضم القوة الناعمة تضم عدداً كبيراً من الخدمات للمجتمع منها الثقافة والفنون والآداب والسياحة والخدمات المصرفية والإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي والتربية والتعليم والصحة والرياضة …إلخ، وتعد مراكز الفكر والبحث أحد أساليب القوة الناعمة.
والمجلس المصري للشؤون الخارجية كباقي منظمات المجتمع المدني يمثل أحد أدوات القوة الناعمة والتي كغيرها، تساهم في إثراء الحياة الثقافية والفنية والإعلامية وتعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني الأخرى في مصر وفي الدول الشقيقة والصديقة لدعم علاقات الصداقة والتعاون التفاعل بين مصر الشعوب الأخرى في العالم وفي إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
الإطار الدستوري لنشاط القوة الناعمة في مصر تمتد جذوره في أحكام الدستور الحالي وخاصة في المواد 19 و25 و47 و59 و64 و70 و82 و92 و93 و99 و244. كما تمتد القوة الناعمة لتشمل قواعد الأخلاق والجرائم المنظمة مثل جرائم الإرهاب والفساد وانتهاك قواعد الأخلاق وحقوق الإنسان والحريات الأساسية وحقوق الملكية الفكرية والمؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر والأوقاف والكنيسة.
ومن هنا كان المنطلق لدراسة الإدارة والفكر الاستراتيجي وأهمية ذلك بصفة خاصة، وأنه يتميز بالصفة الاجرائية والعلمية والسياسية، والفكر الاستراتيجي فكر نمطي لايمكن النفاذ إليه بالبديهية والتلقائية وإنما يبرز نتيجة تراكم الخبرات والمعارف ومبادئ ونظريات ومناهج عقلانية يتم التوعية بها ونشرها على مدى سنوات، وهو تفكير متعدد الأبعاد والزوايا يأخذ في الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل، وهو تفكير تنويري في إطار الحداثة وبناء يعتمد على رسم الأحداث والتنبؤ ورسم المستقبل والحدث قبل وقوعه، وهو يعتمد على الإبداع والابتكار والحداثة والتنوير.
ودراسة الفكر الاستراتيجي تعتمد على وضع رؤية وتخطيط لتنفيذها، فوضع الخطط دون وجود فكر ورؤية استراتيجية تؤدي لعدم القدرة على التنفيذ الصحيح للخطط الموضوعة، وكان الكاتب الأمريكي جوزيف ناي أول من أطلق مصطلح الفكر الاستراتيجي على القوة الناعمة وعرفها بأنها النموذج الذي تعتمد عليه الدول في الوصول إلى، وتحقيق أهدافها، تلك القوة يكون لها جوانب روحية وأخلاقية ترتبط بمجالات حقوق الإنسان والتنمية المجتمعية والاقتصادية مما يؤدي للتأثير في المخاطبين ودفعهم لإتباع نهج التنمية والنهوض بالمجتمع. إن مجالات الثقافة والفن والإعلام والدبلوماسية وغيرها من عناصر القوة الناعمة لتعميق التعاون بين الدول والتفاعل فيما بين الشعوب وحل مشكلات عديدة لاتستطيع القوة الصلبة- أي العسكرية- حلها حيث تكون أكثر تكلفة، ومع انتشار تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ووسائل التواصل الحديثة انتشرت وتعمقت تلك المجالات.
وقد استطاع الفن أن يلعب دوراً هاماً في تشكيل وعي شعبي وشكل قوة ناعمة على السلطة تحالفت مع الأدوات السياسية لتحقق مصالح الشعوب، وهناك قادة تمكنوا من تشكيل تحالفات لسيطرة الفن على وعي الشعوب وحشد طاقاتهم في حالات الحرب والسلم.
إن دعم عناصر القوة الناعمة من ثقافة وسياحة وفنون ليس ترفاً بل هو دعم كافة مجالات الدولة فلا حياة بدون فن.
منذ 30 يونيو 2013 كانت هناك رؤية واستراتيجية لإصلاح كافة المجالات، ومن هنا فإن عودة دور مصر اعتمد على الفنانين والمثقفين، وهناك حاجة للارتقاء بالوعي والمساهمة في تنفيذ هذه الاستراتيجية للإصلاح وعدم قصر التنفيذ على مبدأ الربح خاصة وأن المثقفين فى مصر والدول العربية يريدون رؤية فن راقي يستطيع التعبير عن الشخصية العربية في الخارج.
رابعاً: مراحل تاريخ النهضة المصرية:
بدأت نهضة مصر الحديثة منذ عهد محمد علي حتى النصف الثاني من القرن الـ19 حيث بدأ بناء المؤسسات الثقافية الحديثة في مصر وأنشئت دار للكتب والوثائق ودار الأوبرا والمتحف المصري وإرسال بعثات للخارج، وقاد الفكر التنويري في مصر شخصيات مصرية كرفاعة الطهطاوي وعلي مبارك والذي لعب دوراً مهماً في النصف الثاني من القرن الـ19 لتأسيس النهضة المصرية.
هناك أبحاث قليلة تتناول تاريخ ومراحل النهضة الثقافية المصرية، والتاريخ الثقافي المصري لم يغط بالشكل الصحيح على عكس مجالات أخرى كالسياسة والاقتصاد. وعليه فالتاريخ الثقافي المصري لم يكتب عنه بشكلٍ كافٍ ومنذ 5 سنوات أصدرت دار الكتب كتاب للدكتور/ إبراهيم الدسوقي عن التاريخ المصري الحديث يتناول الثقافة المصرية وتاريخها منذ القرن الـ19.
وقد تم تسليط الضوء على تاريخ النهضة الثقافية المصرية في مشروع عام 1998 أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب بالتعاون مع موسوعة أمريكية تحت شعار “موسوعة مصر الحديثة” من 10 أجزاء غطت جميع مجالات الثقافة في مصر الحديثة، ولكنها لم تحظ بالإطلاع الكافي، و كتاب آخر معنون بـ ” حيوية مصر” والصادر عام 1996 تم فيه تناول الحيوية الفكرية التي كانت موجودة في مصر خلال النصف الأول للقرن الـ20 ، وهذه الحيوية والمعارك الفكرية والأدبية من مظاهر النهضة الثقافية المصرية، ومع ذلك فهذا لايفي بالغرض ولايكفي، داعياً لأهمية وجود عقل استراتيجي يفكر ويوجه المؤسسات الأخرى بالتنفيذ، و أنه كان من المأمول أن تكون المجالس القومية المتخصصة- التي أطلقت في عهد الرئيس السادات – بمثابة العقل المفكر وبالفعل وجد جهد فكري قوي، إلا أنها وئدت ولم يتم نشر جهودها.
كانت بداية القرن الـ20 إلى ثورة 1952، مثلت تلك المرحلة مرحلة للفكر والإبداع، وظهرت الرواية والقصة القصيرة وازدهر المسرح، وكانت لمصر تجربة مهمة، فالسينما المصرية تواكبت مع بداية السينما الفرنسية منذ نهاية القرن الـ19 وكانت مصر في تلك المرحلة منفتحة تماماً ولعب الشعب المصري دوراً هاماً في الإبداع والتنوير ووقفت الدولة بقوة مع النهضة الثقافية على مستوى الحكومة والمجتمع المدني.
إن الموروث الثقافي والتاريخي المصري لابد أن يستخدم بنفس الأسلوب الذي تم استخدامه لدى دول أخرى، من أجل التأثير على نمط حياة الشعوب ، وهذا ما تسعى له قوة كالصين في ربط مصالحها بإنشاء طريق الحرير والذي تعد السياحة أحد العناصر الهامة في الترويج لهذا المشروع.
إن الموروث الفني والأدبي والثقافي المصري أثر في المحيط العربي بدرجة أولى وأثر أيضاً في أوروبا وقت الانفتاح ووجود جاليات أجنبية وجزء من التراجع هو مغادرة تلك الجاليات لمصر وتوافد ثقافات أخرى أدت للتراجع وعدم الانفتاح.
يقوم بالتنوير والحداثة على مستوى الدولة الوزارات والمؤسسات المعنية مع الاشارة بصفة خاصة لوزارات التعليم والبحث العلمى والثقافة والشباب والرياضة والمجالس المتخصصة إضافة الى المجلس الأعلى للفنون والآداب والمجلس الاعلى للثقافة والمجلس الاعلى للرياضة وأجهزة الاعلام من اذاعة وتليفزيون وصحافة الى جانب الجامعات والمعاهد ومجالس البحث … الخ .
ولابد من استنهاض كافة قطاعات الدولة تحت مظلة القيادة، باعتبارها أحد أساليب القوة الناعمة التي يمكن استخدامها في تحقيق مصالح مصر على الساحة الدولية.