حلقة نقاشية حول “تطورات ملف سد النهضة الإثيوبي”
مارس 18, 2020مصير الصراعات الجارية فى ظل كورونا
أبريل 6, 2020
بقلم: د. ياسين العيوطي
المستشار القانوني وأستاذ القانون بنيويورك[1]
في الدستور الأمريكي أكثر من عوار. هذا بالرغم من أنه كان وما يزال منارا للحكم في أمريكا منذ 240 سنة. وكل ولاية من الولايات الأمريكية تتمتع باستقلالها الداخلي. ذلك لأن الفيدرالية الأمريكية قائمة على أساس تفوق سلطات الولاية على سلطات المجموع المسمى بالولايات المتحدة الأمريكية.
ولنضرب هنا مثلا على تلك الازدواجية في نظام الحكم في أمريكا. المحور الدستوري هنا يقبع في التعديل العاشر الذي يقول: ”كل السلطات التي لا يحيلها الدستور إلى الولايات ولا يحرِّمها على تلك الولايات هي سلطات تؤول للولايات، كل منها على حدة أو لشعب تلك الولايات“.
بناء على ذلك، يسمى هذا التعديل الدستوري بالنص السيادي. إطار هذا النظام كله هو تعادل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويوازي هذا التعادل ما يمكِّن من التداخل. حيث أن الكونغرس يسن القوانين للعرض على رئيس الجمهورية للتوقيع عليها لكي تصبح قوانين سارية الأثر.
هنا نلاحظ أنه إذا لم يوقَّع الرئيس على ما يُعرض عليه من مشروعات القوانين، بعد مرور عشرة أيام من تقديمها، يعتبر امتناعه عن التوقيع ”فيتو الجيب“ أي جيب الرئيس.
في هذه الحالة ينتهي الأمر إلَّا إذا أعاد الكونغرس النظر في ذلك الأمر وأقره مرة أخرى بأغلبية عظمى. في هذه الحالة يصبح مشروع القانون في هذه الحالة قانونا بالرغم من فيتو الرئيس. والأغلبية العظمى تعني ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين والذين يدلون بأصواتهم المؤيدة.
أما السلطة القضائية في هذا النظام الدستوري فهي تعتبر أضعف السلطات. ذلك لأن أعضاء المحكمة الأمريكية العليا وعددهم تسعة يقترحهم الرئيس الأمريكي ولكن لا يعينون إلَّا بعد جلسات استماع أمام مجلس الشيوخ وموافقة غالبية الأصوات في المجلس ومجموعها 100. لكل من الـ 50 ولاية عضوان بصرف النظر عن حجم الولاية وذلك لمساواة السيادة بين مختلف الولايات.
خلال تلك المداولات أمام مجلس الشيوخ يحاول الحزب الذي ينتمي له المرشح القضائي تمرير التعيين.
لذا نجد المحكمة الأمريكية العليا (وأنا أحد أعضاء نقابتها) قد أصبحت مسيَّسة ومائلة إلى اليمين. هذا على الرغم من أن مصداقيتها تعتمد على حيدتها. ولنا في انتخاب القاضي كافاناه أخيرا درسٌ حيٌ في الصراع بين الحزبين. عارضه الشيوخ الديمقراطيون، وأيده الشيوخ الجمهوريون أصحاب الأغلبية في المجلس حاليا.
الآن ننظر إلى التداخل بين السلطات الأمريكية الثلاث من زاوية أخرى. وهي زاوية مقاضاة ترامب بناءً على اتهامات بالتقصير في الأداء.
الأداء هنا يشمل كيفية احترامه للقَسَم الدستوري الذي يحلفه حين توليه الرئاسة. يقول نص القَسَم ”أحلف أن أقوم بأعبائي كرئيس للجمهورية بأمانة وأن أبذل أقصى جهودي في المحافظة على الدستور وحمايته والدفاع عنه“.
تعرَّض ترامب للمقاضاة بناءً على اتهامه بمخالفة ذلك القَسَم. وهو ثالث رئيس أمريكي من بين 45 رئيس منذ إنشاء هذه الدولة وُجهت إليه هذه الاتهامات.
والمحاكمة بشأن تلك الاتهامات تبدأ في مجلس النواب. في هذه الحالة يقوم المجلس بدور النيابة العامة. هذا هو الحال في الوقت الحاضر بعد فوز الحزب الديمقراطي، أي الحزب المعارض لحزب ترامب، بالأغلبية في انتخابات عام 2018. غير أن تلك الاتهامات لا بد أن تُعرض على مجلس الشيوخ للمحاكمة واحتمال الإدانة. وتشاء الأقدار السياسية حاليا أن يكون مجلس الشيوخ من غالبية من الجمهوريين الذين أوقفوا مسيرة الاتهامات قبل أن تُعقد محاكمة لترامب.
إلَّا أن وصمة الاتهامات التي ألصقها مجلس النواب بترامب تعتبر وصمة تاريخية، ما زال ترامب يشكو منها حتى الآن. ولذا يلجأ إلى التخفيف من وقعها عليه واصفا إياها بالخرافة. وهو بهذا يحاول ألَّا تكون تلك الوصمة حائلا ضد إعادة انتخابه رئيسا للمرة الثانية في شهر نوفمبر المقبل. ومن المتوقع ألَّا يحالفه النجاح في هذا المضمار.
ولهذا التوقُّع مؤشرات عدة: أولها، اتهامه بالتقصير.
وثانيها، محاباة ترامب لروسيا ولرئيسها بوتين وهي محاباة لها عاملان: تحيز ترامب لكل رئيس قوي في العالم؛ ورغبته في إقامة أبراج تحمل اسمه في موسكو.
وثالثها، قبول ترامب لهدايا مالية ونوعية له ولابنته إيفانكا زوجة جاريد كوشنر اليهودي، ربيب نتنياهو. هذا الأمر يتعارض مع الدستور الأمريكي الذي يمنع قبول الرئيس ومن ينتمي إليه لهدايا من الدول الأجنبية، خوفا من التأثير على واضع القرار الأمريكي.
ورابعها، إساءة ترامب ممارسة حقه في العفو عن مَن صدرت ضدهم أحكام قضائية حتى ولو كانوا داخل السجون.
وخامسها، رفض ترامب تقديم المساعدات الفيدرالية لأكبر ولايتين عددا (نيويورك وكاليفورنيا) اللتين يتمتع الديمقراطيون فيهما بأغلبية الأصوات.
وسادسها، رفض ترامب مراعاة التقليد الرئاسي الأمريكي المتعلق بإعلان ضرائبه للجمهور. ترتب على هذا أن أشيع بأن ترامب لا يدفع أية ضرائب مستحقة منه أو من أسرته أو من شركاته واستثماراته داخل أمريكا وخارجها.
وسابعها، تبجح ترامب مرارا وتكرارا بأنه ”أفضل رئيس لأمريكا منذ عهد جورج واشنطن“. ومن الأمور الأكثر احتقانا في تصريحات ترامب معاداته للرئيس السابق أوباما. هذا أمر لم يتعود الأمريكيون عليه في العلاقة بين الرؤساء خلال 240 سنة. يرجع هذا إلى ماضي أسرة ترامب في معاداتها للملونين. ويسجل التاريخ أن والد ترامب حُكم عليه بالسجن ودخل الزنزانة لكونه عضوا في جمعية ”كلو كلاكس كلان“ المناوئة للسود الذين يُكوِّنون 15 في المائة من مجموع تعداد الأمريكيين البالغ الآن 340 مليون نسمة.
نضيف إلى كل ذلك اعتماد ترامب على قاعدة شعبية لا تزيد عن 40 في المائة من الناخبين الذين يؤيدون عنصريته ومعاداته للمهاجرين ومناوءته لكندا في الشمال والمكسيك في الجنوب.
ولا يستطيع أي مرشح للرئاسة أو للتجديد الفوز بالمنصب إلَّا إذا زادت تلك النسبة عن 50 في المائة.
ومن الشائعات التي تحاصر ترامب أنه رئيس لا يقرأ، وإن قرأ فهو ينسى، وإن نسيّ اختلق كلاما لا يقره من يكتبون له. لذا نرى أن تصريحات ترامب لا يعتمد عليها الشعب الأمريكي إذ تعتريها التناقضات وتتخللها لغة خاصة لترامب وحده إذ يردد: ”سمعت هذا من كثير من الناس“. أو ”عليكم بعدم تصديق ما ترونه في التلفزيون فهو من صنع أعدائي في الميديا والديمقراطيين“.
وهنا نتساءل كيف أنتج العوار الدستوري ترامب؟ حينما يعطي الناخب الأمريكي صوته للمرشح الرئاسي لا يسجل هذا الصوت مباشرة للمرشح. ولكن يوجه الصوت إلى هيئة تسمى ”المجمع الانتخابي“ (Electoral College). هذه هيئة غريبة لا يُعرف عنها الكثير إذ تتكون من أعيان وعُمد وممولين ونقابيين وخليط من شخصيات في كل ولاية على حدة. ولكل ولاية أمريكية عدد معين من هؤلاء الأشخاص الذين إن بلغ مجموعهم 270 أو أكثر لصالح أي مرشح رئاسي يكون الفوز من نصيب ذلك المرشح.
إذًا كل من يحصل على ذلك المجموع يُصبح الرئيس المنتخب، ولو فاز منافسه بالأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين.
هذا ما حدث بالضبط في انتخابات الرئاسة عام 2016. فازت المرشحة المنافسة لترامب وهي هيلاري كلينتون بما يزيد على ثلاثة ملايين صوت مما حصل عليه ترامب. ولكن ترامب فاز بالبيت الأبيض لا لإنه حصل على أغلبية أصوات الناخبين، ولكن لحصوله على 270 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي. ولكل ولاية عدد معين من تلك الأصوات بحسب تعداد سكانها.
الغريب هنا أن تعداد كل ولاية يتغير كما يدل عليه الإحصاء العام الذي يسجل كل 10 سنوات. أمريكا دولة يسير شعبها على عجل. السيارة والشبكة الهائلة للطرق الرئيسية التي أنشأها الرئيس أيزينهاور تساعد على التنقلات المستمرة، الأمر الذي يغير من تعداد كل ولاية. يمكن القول هنا إن السيارة والأتوبيس عاملان أساسيان في تغيير أمريكا باستمرار، إذ هما أهم أدوات التغيُّر في تركيبة الحكم في أمريكا.
نخلص من هذا إلى القول بأن العوار الأول في الدستور الأمريكي، وهو المجمع الانتخابي، يعتبر انقلابا على الديمقراطية بمعناها التقليدي (أي حكم الأغلبية). في أمريكا لفظ ”الأغلبية“ لا يشير إلى أغلبية الناخبين. ولكنه يشير إلى أغلبية أصوات المجمع الانتخابي. من هنا نجد أنه ليس لكلمة الديمقراطية في أمريكا معنى متفق عليه عالميا في القواميس الدولية.
والعوار الدستوري الثاني هو أن المال أصبح له أضخم صوت في الانتخابات الأمريكية. هذا ما قررته المحكمة الأمريكية العليا في قضية شهيرة تُعرف بقضية ”المواطنون المتحدون“ (Citizens United). هذه قضية نعتبرها كقانونيين أمريكيين قضية صدر فيها حكم خاطئ. قضي ذلك الحكم لأي مرشح في أية انتخابات، بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية، الحق في قبول أي مبلغ مالي داعم لحملته الانتخابية. فيما مضى كان ذلك المبلغ محددا بحد أقصاه 700 2 دولار من أي مانح. انتهى ذلك التحديد بحكم ”المواطنون المتحدون“ الذي ألغى السقف المالي.
كان للمحكمة الأمريكية العليا تبرير غريب لذلك الحكم وهو: أن التعديل الدستوري الأول يمنع الكونغرس من إصدار أي تشريع يُقيد حرية التعبير. أي أن المحكمة رأت أن للمال صوتا صادرا عن صاحبه وما ينطق به، إذ أن أمريكا تعتبر أن المال لا ينطق عن الهوى. بحسب ذلك الحكم المال له صوت لا يمكن تكميمه. زاد هذا الحكم من هيمنة المال على مبدأ الديمقراطية العددية في أمريكا. وتزايد عدد اللوبيات التي تنتشر في واشنطن الآن، تدعمها البلايين من الدولارات التي أصبح لها ”حرية التعبير“.
والعوار الثالث طرأ في السنوات الأخيرة على هيكلة المحكمة الأمريكية العليا. تأرجحت المحكمة الآن إلى اليمين بصعود خمسة قضاة محافظين مقابل أربعة قضاة من الليبراليين. ولذا أصبح كل حكم تقريبا صادر عن تلك المحكمة المسيَّسة يتميز بخمسة أصوات مقابل أربعة. نتيجة لذلك هبطت مصداقية المحكمة بل واحترام القانون ذاته.
في هذه التأرجحات القضائية والسياسية يطل علينا عامل عنصري أساسه الخوف من تناقص الأغلبية البيضاء في أمريكا، إذ من المتوقع أن تنخفض نسبة هذه الأغلبية إلى 45 في المائة بحلول عام 2030.
دفع كل هذا الرئيس ترامب والحزب الجمهوري الذي استولى عليه إلى اعتناق النداء ”أمريكا أولا“. وهذه مقولة حق أريد بها باطل. لأنها لا تعني حب الوطن بل اعتناق العداء للملونين. ولذا اعتنق الحزب الجمهوري سياسات تحديد الهجرة واتهام المهاجرين من أمريكا اللاتينية بأنهم مغتصِبون ومهرِبون للمخدرات ومشجِعون للإجرام. بل إن وزير العدل السابق، جيف سيشينز، هدد علنا بأن أي لاجئ يصل إلى الحدود الجنوبية سيُلقى القبض عليه، ويوضع في الزنزانة، ويُرحل كل أفراد أسرته إلى سجون مختلفة في كل أنحاء أمريكا. ثم أضافوا إلى ذلك تقييد الهجرة من سبع دول إسلامية.
ونظرا لأن كل سياسة في أمريكا تحتاج إلى عنوان برَّاق، ازدادت شعبية شعار ”أمريكا أولا“. ومن غرائب الأمور أن ترامب يوجه السباب للمسلمين في داخل أمريكا وخارجها باستمرار، متناسيا أن الكثير من أمواله يأتي من المنطقة الخليجية. وهنا تعاني سياسة ترامب من تناقض حينما يستثني السعودية من تلك السياسة الضبابية. هذا راجع إلى أمله في شراء السعودية أسلحة أمريكية ببلايين الدولارات.
نضيف إلى ما سبق أن التعديل الثاني للدستور الأمريكي الذي يعتبر عوارا يُعطي الحق لكل أمريكي باقتناء السلاح. كان لهذا التعديل سبب واضح قبل إنشاء الجيش الأمريكي عندما كانت الولايات الأمريكية تعتمد على المليشيات.
هل يمكن تعديل الدستور الأمريكي؟ نعم!! لكن التعديل يتطلب موافقة ما لا يقل عن ثلثي المجالس النيابية في كل واحدة من الـ 50 ولاية. وهذا أمر يعتبر في حكم المستحيل، خاصة في جو الانقسامات الداخلية التي تشيع في أمريكا اليوم بسبب سياسات ”فرِّق تسد“ التي يمارسها ترامب.
من كل ما تقدم يتضح لنا أن النظام الدستوري في أمريكا يخلق هياكل متضاربة، أصبحت الآن واضحة للعيان وخاصة في حالات الكوارث القومية مثل انتشار وباء كورونا. وبالرغم من أن للرئيس الأمريكي الحق في إعلان هذا الوباء تهديدا للأمن القومي، إلَّا أنه ما زال يرفض أن يعلن هذا لأنه يخشى أن يبدو رئيسا ضعيفا أمام الشعب، خاصة وأنه يحاول جاهدا العمل على إعادة انتخابه في عام 2020. هو يرفض إعلان قانون الدفاع القومي الذي يأمر كل شركة صناعية كبيرة في أمريكا إنتاج ما يقي الجمهور من العدوى بجرثومة كورونا. ذلك لأنه يخاف أن يبدو ضعيفا أمام تلك الجرثومة المضرة بالصحة. حتى لو أدى هذا الرفض إلى تعريض الأمة كلها لخطر الوباء المتفشي.
إن لم يتحقق لترامب في نوفمبر 2020، فترة حكم ثانية، فسوف يفقد حصانته القانونية كرئيس للجمهورية. ومن المؤكد في هذه الحالة أن المحكمة الفيدرالية في مانهاتن ستقاضيه لارتكابه أعمالا تعتبر جرائم. وأنا أعلم هذا من أصدقائي القضاة العاملين بتلك المحكمة ذات التأثير القوي في مسار السياسة الأمريكية.
لقد تخصص ترامب في فن بذاءة اللسان وتعمُّد النسيان وتفاهة البيان. اعتمد في حكمه على الترعيب والترهيب من عودة الديمقراطيين إلى الحكم عن طريق دمغهم بوصمة الاشتراكية في دولة رأسمالية. وادعى أن عدم إعادة انتخابه سيؤدي إلى كساد اقتصادي رهيب، وذلك جريا على عادته في استخدام الإرهاب كسلاح دمار شامل.
ولا يزال ترامب يتباكى حتى الآن على الوصمة التي دمغه التاريخ الحديث بها كثالث رئيس أمريكي من بين 45 رئيس وجهت إليهم تهم التقصير في الأداء (Impeachment). هذا على الرغم من أن هذه التهمة بالتقصير في الأداء لم يحاكم ترامب عليها أمام مجلس الشيوخ كما يقضي الدستور. والسبب هو أن مجلس الشيوخ غالبيته الآن من الحزب الجمهوري ويرأسه صديق لترامب اسمه السيناتور ميتش ماكونيل من ولاية جنوبية اسمها كنتاكي.
وترامب وماكونيل يلتقيان في نقطة أساسية ألا وهي محاولات يائسة لإقصاء الحزب الديمقراطي عن الوصول إلى البيت الأبيض في العام القادم. هما ينظران إلى الحزب الديمقراطي الذي يقوده الآن جوزيف بايدين وكأنه حزب اشتراكي يهدد الرأسمالية الأمريكية ويفتح الحدود للهجرة ويتعاون مع حلفاء أوروبيين وآسيويين ويعادي كلا من روسيا والصين.
وروسيا تؤيد هذه الفوضى التي يمثلها ترامب لأنه يوالي بوتين الذي يجهد في تحقير أي نظام ديمقراطي. من أجل هذا يعمل ترامب على رفع الجزاءات ضد روسيا التي وقَّعها الكونغرس على روسيا بعد انتهاكها لسيادة أوكرانيا.
ومن الواضح أن ترامب يرى في مجلس النواب الأمريكي عدوا له وحائلا بينه وبين استثماراته في روسيا والحصول من الأغنياء الروس الجدد على بلايين من الدولارات لمصلحته ومصلحة أسرته وشركاته. هو يرى العالم كله من خلف منظار واحد – المال.
أما الصين فإن ترامب ينظر إليها كمعبر كبير إلى إثراء المزارعين الأمريكيين المتهافتين على تصدير الصويا إلى الصين واكتساب بلايين الدولارات. ويرجع اعتماده على تأييد ما يسمى في المنطقة الوسطى من أمريكا بـ ”الحزام الزراعي“ إلى تقهقر شعبيته في المدن الأمريكية الكبرى. أصبح ترامب يرى في الفلاح الذي يلبس الجينز الأزرق صورة الصديق ويرى في من يلبس البدلة في المدينة صورة المناوئ.
من الغريب هنا أن أمريكا حاليا مدينة للصين ببلايين البلايين من الدولارات. ولذا نتساءل: هل ترغب الصين في شل الاقتصاد الأمريكي بالمطالبة بتسديد هذه الديون فورا؟ كلا!! هذا أمر مستطاع لها. ولكنها تخشى إحداث كساد اقتصادي عالمي يهدد تفوقها التجاري حاليا.
توضح هونغ كونغ هذا التناحر بين النظام الرأسمالي في هونغ كونغ والنظام الشيوعي في الصين الكبيرة. ولكن تشي، الرئيس الصيني، يرى في هونغ كونغ وهي جزء من الأراضي الصينية نافذة استراتيجية هدفها تعبئة الرأسمالية الخارجية لصالح التوسع التجاري والمالي والاستثماري للصين. وبهذا يحاول تشي إغراء تايوان وهي مقاطعة صينية منشقة على بكينغ حاليا على قبول العودة إلى بكينغ مع السماح لها بمزاولة الرأسمالية الغربية. وفي الوقت ذاته، يتهاون تشي في ما يحدث في هونغ كونغ، لأنه يحاول بذلك إغراء تايوان على العودة إلى سيادة الصين. كل هذا يمثل المثلث الاستراتيجي المكون من الصين وهونغ كونغ وتايوان الذي تعلق بكينغ عليه أهمية كبرى.
ومن المتوقع أن يصبح الاقتصاد الصيني في غضون عامين أكبر اقتصاد عالمي، وأن يتراجع الاقتصاد الأمريكي إلى الدرجة الثانية في الترتيب. خاصة وأن الشركات الأمريكية ليست عليها أية قيود قانونية أمريكية تمنعها من نقل مصانعها من أمريكا إلى دول العالم النامي مثل بنغلاديش وتايلند والفلبين. الهدف هنا هو استغلال الأيدي العاملة في الخارج بأقل النفقات مع زيادة أرباح المستثمرين الأمريكيين.
لقد أصبحت الأسواق التجارية ميادين التناحر العالمي، إذ هي الآن تلعب دور الثكنات الحقيقية التي جعلت الحروب المدمرة أمرا بغيضا يهدد شوق بلايين البشر إلى لقمة العيش وشربة الماء ونقاء الهواء.
هل لكل هذه التطورات علاقة بالدستور الأمريكي؟ نعم!! العوار في ذلك الدستور ينتج أمثال ترامب غير القادرين على إدراك أهمية الترابطات بين الحكم في أمريكا ودورها على المسرح العالمي.
[1] الآراء المعبر عنها في هذا المقال تخص الكاتب ولا تعبر، بأي حال، عن موقف المجلس المصري للشئون الخارجية