الرسائل السرية المتبادلة بين ستالين وتشيرشل وروزفلت” (1-3)
يونيو 1, 2020التوتر الحدودي بين السودان وأثيوبيا…المغزى والدلالة بقلم السفير د. صلاح حليمه
يونيو 2, 2020
-
تشيرشل حذر ستالين من هجوم ألمانيا الهتلرية قبل وقوعه بما يزيد عن الشهرين في عام 1941
-
تشيرشل يصل الى القاهرة في إطار ترتيباته للهجوم في شمال افريقيا
-
ستالين يلتقي تشيرشل في موسكو بناء على طلبه بعد زيارة القاهرة
-
حقيقة خلافات ستالين مع تشيرشل وروزفلت حول الجبهة الثانية في غرب أوروبا
-
لماذا رفض ستالين إستبدال ابنه الأسير لدى ألمانيا، بقائد القوات الالمانية في معركة ستالينجراد؟
موسكو – د. سامي عمارة
تناولنا في الحلقة السابقة جانبا من اللغط الدائر حول تجاهل الإدارة الامريكية للدور المحوري الذي قام به الاتحاد السوفييتي السابق في الحرب العالمية الثانية، وفي تحقيق النصر على المانيا النازية . وتوقفنا بالكثير من التفاصيل حول ما تضمنته الرسالة التي بعث بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وقال فيها “ان النصر كان حليفا لامريكا وبريطانيا العظمي، وان الروح الامريكية سوف تنتصرعلى الدوام”، وكأن التاريخ لا يعرف دولة إسمها الاتحاد السوفييتي، وانه لم يكن له اي دور في هذه الحرب، وانه لم يكن صاحب السبق في غرس رايته الحمراء ذات المنجل والمطرقة فوق قبة الرايخستاج في مايو 1945. ولم نكن لنغفل في تلك الحلقة، ما دار بين الزعيمين السوفييتي يوسف ستالين والبريطاني ونستون تشيرشل من جدل إحتدم حول ضرورة فتح الجبهة الثانية في غرب أوروبا، اعتبارا من خريف 1941، والتي لم يلتزم الزعيمان الغربيان روزفلت وتشيرشل بتنفيذه الا في يونيو عام 1944 .
ووتقول الوثائق السوفيتية ان بريطانيا كشفت عن تقاعسها في مواصلة ما سبق والتزمت به حول تقديم الدعم المادي والتقني الى الاتحاد السوفييتي عبر الطريق الشمالي، بعد انصرافها الى فتح الجبهة الجنوبية في منطقة شمال افريقيا، من جانب، وفي ايران تمهيدا لوصول ما تحتاجه الحرب من امدادات نفطية وبشرية من الهند عبر الخليج “الفارسي” حسب الرسائل المتبادلة المشار اليها عاليه، وحتى بحر قزوين عبر السكك الحديدية المزمع بناؤها، من جانب آخر. وفي رده على الرسالة التي بعث بها ستالين الى تشيرشل في 23 يوليو 1942 وانتقد فيها تباطؤ بريطانيا في ارسال الدعم العسكري والتقني الى الاتحاد السوفييتي والمماطلة في فتح الجبهة الثانية،
بعث الزعيم البريطاني تشيرشل الى ستالين برسالة “سرية للغاية” مؤرخة في 31 يوليو 1942 ، يقول فيها :
-
” 1- نبدأ في إتخاذ الاجراءات التمهيدية لإرسال قافلة من السفن الى أرخانجلسك في الاسبوع الاول من سبتمبر المقبل.
-
2- انني أعرب عن رغبتي في تلقي دعوتكم للقاء معكم شخصيا في استراخان ، او في القوقاز او في أي مكان ترونه مناسبا. وانه من الممكن ان نناقش سوية المسائل المتعلقة بالحرب ، في اجواء تتسم بالود ، لاتخاذ القرار المشترك . وسوف يكون من الممكن ابلاغكم بما خلصنا اليه من خطط حول عملياتنا الهجومية في عام 1942 التي اتفقنا حولها مع الرئيس روزفلت. ومن الممكن ايضا ان يصحبني في هذه الزيارة رئيس هيئة الاركان الامبراطورية.
-
3- انني سوف أسافر جوا وعلى الفور الى القاهرة. ولعلكم يمكن ان تتصوروا ببساطة مدى المهام الجدية التي تنتظرنا هناك. كما انه من الممكن ومن هناك واذا أردتم ذلك، تحديد الموعد المقترح للقائنا . أما عن الموعد الذي يناسبني فإنه من الممكن ان يكون خلال الفترة من 10وحتى 13 أغسطس ، إذا كان هذا الوقت مناسبا لكم.
-
4- مجلس الحرب يوافق على مقترحاتي.
31 يوليو 1942″ و. تش. “
ولم يمض من الزمن الكثير حتى عاد تشيرشل وفي بادرة تبدو أشبه بمحاولة الترضية، وتعويض ما اعتبره ستالين نوعا من التقصير اشار اليه في رسالته الاخيرة المؤرخة في 23 يوليو 1942، ليبعث برسالة أخرى حملت خاتم “خاص وسري” إلى ستالين في نفس تاريخ الرسالة السابقة في 31 يوليو 1942، يقول فيها باستعداده “لإرسال قافلة من 40 سفينة في الاسبوع الاول من سبتمبر “.
غير أنه عاد ليعرب صراحة عن مخاوفه تجاه ما قد يصدر من أخطار عن السفن الحربية الالمانية في بحر بارينتسيفو، وهو الأمر الذي كشف عن مناقشته مع إيفان مايسكي السفير السوفييتي في لندن.
وردا على هاتين الرسالتين بعث ستالين الى تشيرشل في 31 يوليو برسالة حملت أيضا خاتم “سري للغاية” قال فيها :
“تلقيت رسالتيكم بتاريخ 31 يوليو، وباسم الحكومة السوفيتية أدعوكم الى الاتحاد السوفييتي للقاء مع أعضاء الحكومة. . واكون شاكرا لكم لو استطعتم الوصول الى الاتحاد السوفييتي للنظر سوية في القضايا العاجلة للحرب ضد هتلر الذي صارت بلداننا انجلترا والولايات المتحدة الامركية والاتحاد السوفييتي تتعرض للاخطار من جانبه بقوة أكبر.
واعتقد ان موسكو يمكن ان تكون الموقع الاكثر مناسبة للقائنا، نظرا لانني وقيادات هيئة الاركان وأعضاء الحكومة لا يمكن ان نغادرها في اللحظة الراهنة من النضال ضد الالمان.
وقد يكون من المفيد أيضا وجود رئيس الهيئة الامبراطورية للاركان . ولعله يكون من المناسب ان نترك لكم تحديد الموعد الذي ترونه مناسبا لكم للحضور، وعلى ضوء ما تقررونه من توقيت تكونون فيه قد انتهيتم من شئونكم في القاهرة.”
ومضى ستالين في رسالته ليوجه الشكر الى تشيرشل على موافقته بشأن إرسال قافلة محملة بالعتاد العسكري الى الاتحاد السوفييتي في مطلع سبتمبر من نفس العام ، مؤكدا استعداده لتوفير القوات الجوية لحماية هذه القافلة.
وفيما عاد الزعيمان الى تبادل الرسائل التي تناولت مدى تكبد البريطانيين الخسائر في البحر والجو، وما قامت به القوات البريطانية من هجمات طال بعضها المدن الالمانية، في مطلع أغسطس 1942، توصل ستالين وتشيرشل الى عقد مؤتمر موسكو في 12 اغسطس بعد وصول الزعيم البريطاني من القاهرة عبر طهران التي كان ممثلو الجانبين عقدوا فيها اجتماعاتهم لتنسيق الجهود على الصعيد العسكري. وكان ستالين بعث الى تشيرشل بمذكرة يوجز فيها ما توصلا اليه في موسكو من نتائج في مباحثاتهما التي دارت في 12 اغسطس 1942.
وكشف الزعيم السوفييتي في مذكرته التي عاد وبعث بها الى رئيس الوزراء البريطاني في 13 أغسطس، عن صعوبة ما سبق وتطرقا اليه في الكثير من رسائلهما السابقة حول فتح الجبهة الثانية التي طالما أعلن ستالين عن ضرورتها للتخفيف من وطأة الهجمات الالمانية ضد القوات السوفيتية على الجبهة الشرقية منذ خريف عام 1941.
وقال ستالين في هذه المذكرة :
” لقد توصلت ونتيجة تبادل الاراء في موسكو الذي جرى في 12 اغسطس، إلى ان رئيس وزراء بريطانيا السيد تشيرشل يرى استحالة فتح الجبهة الثانية في اوروبا في 1942 . ومن المعروف ان فتح الجبهة الثانية في اوروبا في عام 1942 كان مسألة متفق حولها وجرى النص عليها في البيان الانجليزي السوفييتي المشترك الصادر عن زيارة مولوتوف للندن في 12 يونيو من ذلك العام.
ومن المعروف ايضا ان فتح الجبهة الثانية في اوروبا كان يستهدف صرف انظار القوات الالمانية عن الجبهة الشرقية ، وتحولها الى الغرب”.
ومضى ستالين ليقول :
“إن القيادة العسكرية السوفيتية كانت وضعت خطط عملياتها في صيف وخريف ذلك العام على أساس فتح الجبهة الثانية في اوروبا في عام 1942. وقال إنه من السهل ان يكون من المفهوم اليوم ان رفض حكومة بريطانيا العظمي فتح الجبهة الثانية في عام 1942 يلحق الاضرار المعنوية بالاوساط الاجتماعية السوفيتية التي طالما توقعت فتح هذه الجبهة، كما يتسبب في تعقيد أوضاع الجيش الاحمر على الجبهة وينال من مخططات القيادة السوفيتية”.
وفيما كانت تحظى مسألة فتح الجبهة الثانية بالإهتمام الاكبر لدى ستالين، كشفت الرسالة التي رد بها تشيرشل في 14 أغسطس ، على رسالة ستالين بهذا الصدد عن تمسك بريطانيا والولايات المتحدة بوجهة نظر مغايرة تقول بأفضلية إفتتاح الجبهة الثانية من جهة المحيط الاطلنطى على إعتبار ان ذلك يمكن ان يفيد الاتحاد السوفييتي أكثر من الناحية العسكرية. وقال تشيرشل ان حكومتي البلدين قد اعدتا العدة للقيام بالعملية التي حملت اسم “فاكيل”* (الشعلة)، فيما أكد ان البلدين لم يحنثا باي وعد في هذا الصدد، فيما طلب من ستالين ان يعود الى البند الخامس من المذكرة التي سلمها الى وزير الخارجية السوفيتية مولوتوف خلال زيارته للندن في 10 يوليو 1942، وقال فيها “ان بريطانيا لا تستطيع لهذا السبب أن تعطي أية وعود حول هذا الشأن”
(*تقول الادبيات العسكرية ان العملية “فاكيل” كانت رمزاً لعملية الانزال البريطاني الامريكي على الساحل الشمالي الغربي لافريقيا والتي قامت بها قوات البلدين في نوفمبر 1942).
ويتواصل تبادل الرسائل “السرية” والسرية للغاية”، وكذلك “الخاصة” بين الزعماء ستالين وتشيرشل وروزفلت، والتي تناولت تطورات العمليات العسكرية والخسائر التي تكبدتها قوات الحلفاء في معاركها مع قوات بلدان المحور التي ضمت ألمانيا وإيطاليا وبلدان شرق وغرب أوروبا، وهي المراسلات التي قادتنا إلى إحدى أهم مفاجآت المراسلات المتبادلة بين الزعيمين ستالين وتشيرشل.
ويقول ونستون تشيرشل في رسالته التي بعث بها الزعيم السوفييتي يوسف ستالين في 30 سبتمبر 1942 تحت خاتم “سري للغاية، و”خاص”:
” من نفس المصدر الذي لجأت إليه لتحذيركم من الهجوم المرتقب ضد روسيا منذ عام ونصف العام ، تلقيت المعلومات التالية:
إنني أعتقد ان هذا المصدر يحظى بمصداقية مطلقة . وليكن ذلك ، لو تفضلتم، امرا خاصا بكم.
البداية:
-
” 1- لقد قام الالمان بتعيين أدميرال عهدوا إليه بالاشراف على العملية البحرية العسكرية في بحر قزوين . وقد اختاروا ماخاتش كالا ( محج قلعةـ وفي قول آخر مدينة مخاتش- عاصمة داغستان الروسية على شواطئ بحر قزوين) التي سوف يتخذونها كقاعدتهم البحرية الرئيسية. وسوف يرسلون اليها حوالي 20 سفينة بما فيها الغواصات الايطالية وزوارق الطوربيد والكاسحات الايطالية التي سوف ينقلونها الى هناك عبر السكك الحديدية من ماريوبل “الاوكرانية) الى بحر قزوين بمجرد بدء عمل هذا الخط . ونظرا لتجمد مياه بحر ازوف ، سوف يشحنون الغواصات قبل الانتهاء من بناء خط السكك الحديدية.
“نقطة النهاية”
-
2- بدون شك . انكم على استعداد لهجوم من هذا النوع . أعتقد انه سيكون لما أبلغتكم به أهمية خاصة، ما سوف ندعم به قواتكم الجوية علي مسرحي العمليات في منطقتي بحر قزوين والقوقاز بـ20 سربا من المقاتلات الامريكية والبريطانية. انني لم اكف منذ لقائنا عن العمل في هذا الاتجاه، وأعرب عن أملي في ان أتلقي من الرئيس موافقة نهائية بما يمكن معه ان اقترح عليكم امرا مشتركا.
-
3- أما فيما يخص المقاتلات من طراز “كوبرا 154 “، والتي جرى رفعها من P Q 19 ( وهو الرمز الكودي لقافلة السفن المحملة بالعتاد العسكري والمخصصة لارسالها الى الاتحاد السوفييتي) فقد سمحت شخصيا بناء على طلب الجنرال مارشال القائد العام الامريكي. وهي مقاتلات امريكية كانت مخصصة لنا ، وقررت ارسالها اليكم . وكانت هذه المقاتلات وبناء على اصرار الامريكان مخصصة لعملية “فاكيل” في شمال فريقيا . وقد وعد الجنرال مارشال بتعويضها بطائرات أخرى تصل عبر طريق الاسكا. وسوف ابلغكم برقيا حول ما سوف يكون في غضون الايام العشرة المقبلة. “.
وتقول مصادر الخارجية السوفيتية في مجلدات المراسلات المتبادلة بين ستالين مع الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء البريطاني ابان سنوات الحرب العالمية الثانية 1941-1945 . ص 453. دار نشر “الادبيات السياية” موسكو. 1976:
“ان ما يقصده تشيرشل هنا هو الرسالة التالية التي بعث بها الى ي.ف.ستالين عبر مفوضية الشعب للشئون الخارجية بتاريخ 19 ابريل 1941 مرفقة بخطاب السفير الانجليزي في الاتحاد السوفييتي كريبس الى نائب مفوض الشعب للشئون الخارجية ا.يا. فيشينسكي، وقال فيها:
“لقد تلقيت من مصادر موثوق فيها، معلومات مؤكدة ان الالمان وبعد ان تيقنوا من ان يوغوسلافيا صارت في شباكهم ، اي بعد 20 مارس، بدأوا في الدفع الى جنوب بولندا بثلاث من فرقهم الخمس الموجودة في رومانيا. وحين علموا بثورة الصرب قاموا بوقف هذه التحركات. ولعل فخامتكم يمكنكم بسهولة تقدير معنى هذه الوقائع”.
وهنا نصل الى العلامة الفارقة في تاريخ الحرب العالمية الثانية على مسرح عمليات الجبهة الشرقية في ستالينجراد.
وكان الزعيم السوفييتي يوسف ستالين تطرق الى الكتابة عنها لاطلاع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشل حول مجرياتها ، مستهلا رسائله في الثالث من اكتوبر 1942 بإيجاز مدى ما وصلت اليه الاوضاع هناك من صعوبات إعتباراً من مطلع سبتمبر من نفس العام.
وفيما كشف عن مدى تفوق القوات الالمانية في العتاد والمعدات ولا سيما القوات الجوية بما يبلغ الضعف.
نشرت في جريدة الاهرام بتاريخ 2 يونيو 2020
-
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهات نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رؤية المجلس المصري للشئون الخارجية