المراسلات السرية بين ستالين وتشيرشل وروزفلت” ( 2-3 )
يونيو 2, 2020“المراسلات السرية بين ستالين وتشيرشل وروزفلت”(3-3)
يونيو 3, 2020
يخطئ من يعتقد أن حالة التوترالسائدة حاليا بين السودان واثيوبيا هى حالة طارئة ومستحدثة. تلك الحالة التى تصاعدت مؤخرا وجاءت نتاج اشتباكات عسكرية بين قوات من الجيش السودانى من جانب ومليشيات أثيوبية مدعومه من الجيش الاثيوبى فى منطقة الفشقة السودانية ، وأسفرت عن وقوع قتلى وجرحى عسكريين ومدنيين . تقع منطقة الفشقة وهى منطقة حدودية بين السودان وأثيوبيا بطول 168 كيلو متر، شرق السودان و بالتحديد فى ولاية القضارف السودانية . تبلغ مساحة هذه المنطقة حوالى 600 كيلو متر مربع، وتعد من أخصب الاراضى الزراعية بل أخصبها على الاطلاق، وتروى من مياه نهر عطبرة السودانى المتفرع من نهر النيل .
تعد المنطقة أرض سودانية باعتراف من أثيوبيا وطبقا لاتفاق ثنائى موقع بين البلدين عام 1995 ، ويقوم على زراعتها مواطنون سودانيون ، الا أن الفترة الاخيره وعلى مدى ثلاثة أشهر شهدت إعتداءات على المزارعين ـ والرعاة ـ السودانيين من قبل مليشيات أثيوبية بدعم من قوات الجيش الاثيوبى لتمكين وحماية مزارعين أثيوبيين ـ حوالى 2000 مزارع أثيوبى ـ دأبوا على التوغل داخل الاراضى السودانية فى موسم الفيضان وتحديدا فى منطقة الفشقة لزراعة اراضى سودانية فى تلك المنطقة تقدر بحوالى مليون فدان . الأمرالذى قد يدفع إلى التقدير بأطماع أثيوبية فى المنطقة بما عليها من ثروات طبيعية . وقد يعزز هذا التقدير أن القوات الاثيوبية كانت قد دخلت من قبل الى منطقة الفشقة عام 1995 ، وبسطت سيطرتها عليها بحجة ملاحقة منفذى محاولة إغتيال الرئيس مبارك آنذاك .
وعلى الرغم من أن أثيوبيا تعترف بتبعية المنطقة للسودان ، إلا أنها لم تتخذ أية خطوات بصدد عملية ترسيم الحدود بين البلدين بموجب الاتفاق الذى تم بينهما ، وعلى نحو سمحت معه للمزارعين الاثيوبيين بالتواجد الدائم وممارسة نشاطا زراعيا بالمنطقة أى إستيطانها للمنطقة ، مع توفير الحماية لهم . وهو أمر تعزز على خلفية تساهل نظام حكم البشير فى التواجد الاثيوبى فى ظل سعيه نحو تعظيم العلاقات السودانية الاثيوبية فى جميع المجالات بما فى ذلك المجال العسكرى لأهداف سياسية إستراتيجة منها هو ما مرتبط بتداول وإدارة ملفات بيد اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الافريقى برئاسة مبيكى ، ومن أبرزها ملفات جنوب السودان ، الحرب الاهلية فى أطراف السودان ، قضية أبيى التى يتواجد على أرضها 6000 جندى أثيوبى تحت مظلة الامم المتحدة . وفى هذا الصدد تتواتر أنباء عن أن قيادات بارزة بالمؤسسة العسكرية الاثيوبية ذات النفوذ القوى غير راضية عن إتفاق ترسيم الحدود ، وهو الامر الذى قد يفسرويعزز أيضا ما سبق ذكره عن أطماع أثيوبية فى أراضى سودانية ، راضى سودانية أراضى سودا خاصة وأن تلك الانباء إرتبطت بتواجد حشود عسكرية اثيوبية على الحدود بين البلدين .
إن المغزى العميق الواضح الدلالة من موقف اثيوبيا وتوجهاتها ،على ضوء ما تقدم ، أن هناك إنتهاك صارخ من جانب أثيوبيا لسيادة السودان وحرمة أراضيه ، وبما قد يهدد أمنها القومى ووحدة وسلامة أراضيها ، بل وبما قد يعكس أيضا وبوضوح أطماعا أثيوبية فى اراض سودانية تتمتع بثروة طبيعية وحيوانية ، مرتبطة بقضية المياه وبالتحديد مياه نهر النيل المتفرع منه نهر عطبرة مصدر مياه الرى للاراضى الزراعية بالمنطقة .
واقع الامر أيضا، أنه فى هذا السياق يجئ توقيت التغلغل الأثيوبي فى الأراضي السودانية في تواكب أولا مع الانتخابات الأثيوبية، لتصبح أحد الاوراق السياسية التى قد يتم تداولها بين الاحزاب والقوى السياسية المتصارعة ذات الخلفية القومية والعرقية، وربما الدينية بدرجاتها المختلفة، من حيث الوزن والتأثير.
وثانيا فى تواكب أيضا مع تطورات أزمة سد النهضة وموقف كل طرف من أطرافها، فقضية سد النهضة فى جوهرها هى المياه كعملة ذات وجهين أحدهما حياة ووجود لدولتي المصب وشعبيهما هما مصر والسودان، والآخر تنمية لدولة المنبع وشعبها وهي أثيوبيا، وليس هناك من بديل لتحقيق مصالح وأمن واستقرار الاطراف الثلاث وبالتالي الامن والاستقرار الاقليمى بل والدولى سوى التوصل إلى حل عادل ومتوازن يحفظ لكل طرف حقوقة وتأمين مصالحة فى أطار تعاوني.
إن النهج الاثيوبى فى التعاطى مع دولتى المصب بصدد سد النهضة ينطلق من إستراتيجية تتأسس على مفهوم خاطئ يخالف وينتهك أحكام القانون الدولى ، والاتفاقات الثنائية ذات الصلة ، بل ومواد بإعلان المبادئ بين الدول الثلاث لعام 2015 والتملص من نتائج مسار واشنطن ، وهو مبدأ السيادة المطلقة لأثيوبيا خاصة على نهر النيل بالادعاء بانه نهر داخلى بينما هو نهر دولى بامتياز، غير عابئة بالتدقيق فى معامل الامان ودراسة الاثار البيئية والاجتماعية الناجمة عن بناء السد . وهى أمور فى مجملها تمثل مخاطر جسيمة ومدمرة ومؤكدة على دولتى المصب .
إرتباطا بما تقدم فإن التوغل الاثيوبى فى الاراضى السودانية ، ربما استهدف فى التقدير ، فرض أمرواقع يدعم التواجد الاثيوبى بصفة عامة بمنطقة الفشقة ، حيث ينطلق من كون نهر عطبرة وهو فرع لنهر النيل تدفقت مياهه إلى السودان من أثيوبيا ، وبالتالى ومن واقع رؤية أثيوبيا يمتد حق السياده الاثيوبية علي تلك المياه بامكانية التلويح بالتحكم فى تدفقها ومعدلات هذا التدفق للسودان . من ناحية أخرى وفى نفس الوقت يمكن لأثيوبيا إستخدام هذا التوغل والتواجد الاثيوبى كورقة ضغط على السودان فى محاولة دفعه للتراجع عن موقفه الذى أضحى مؤخرا الاقرب للموقف المصرى بصدد تطورات أزمة سد النهضة ، والذى تجسد مؤخرا فى رفض السودان التوقيع على اتفاق ثنائى بصدد سد النهضة ورفض أى تصرف أحادى فى هذا الصدد متمسكا بنصوص مواد اعلان المبادئ لعام 2015 فى رسالته لمجلس الامن .
تواكب توقيت الممارسات الاثيوبية فى منطقة الفشقة، على النحو المتقدم، فى ظل أوضاع داخلية وأخرى خارجية صعبة تواجهها القيادة السياسية فى السودان ، كانت ولم تزل تستوجب الدعم والمساندة من دول الجوار وفى الاطار العربى الافريقى بالدرجة الاولى ، لتحقيق الامن والاستقرار وشيوع السلام فى أرجاء السودان ،والتعاون فى التصدى لجائحة كورونا المدمرة لحياة البشر وإقتصاديات الدول ، وليس العكس على النحو الذى تمارسه أثيوبيا .
إن ما يجرى حاليا من إتصالات وتحركات على مستويات رفيعة بين قيادات البلدين ، للتهدئة وإحتواء اية عمليات تصعيدية ، تتأسس على التأكيد على سودانية منطقة الفشقة والاسراع فى ترسيم الحدود ، والتعامل مع أى تواجد مدنى لمزارعين أثوييين فى إطار سيادة السودان على أراضيه ، دون أى تواجد عسكرى أثيوبى سواء كان لمليشيات أولقوات مسلحة أثويبية .
فى التقدير ان قضية الفشقة وما تثيره من تداعيات ترتبط بارض سودانية بما عليها من ثروات طبيعية تحت الارض وأخرى زراعية وحيوانية على السطح، وما يتدفق إليها من مياه أنهار، وتواجد أجنبى أثيوبى مدنى وعسكري، يدفع نحو وضعها على مستوى قضايا الامن القومى السودانى فى إرتباط وثيق بالامن القومى المصرى والعربى بل والأفريقي.