التوتر الحدودي بين السودان وأثيوبيا…المغزى والدلالة بقلم السفير د. صلاح حليمه
يونيو 2, 2020السفير عزت سعد يكتب: مصر ودبلوماسية الأوبئة
يونيو 7, 2020
-
ستالين يحتد على روزفلت وتشيرشل ويتهمهما بالمماطلة والتسويف
-
مؤتمر طهران ومحاولة إغتيال الزعماء الثلاثة
-
الجدل بين ستالين وتشيرشل بعد فضح “البرافدا” أخبار “صلح منفرد” بين ألمانيا وبريطانيا
-
لماذا اعترض تشيرشل على إعتراف ستالين بلجنة ديجول لتحرير فرنسا؟
-
مؤتمر يالطا وتقسيم مناطق النفوذ ، وآخر المراسلات حول إعلان استسلام المانيا
موسكو – د. سامي عمارة
إستكمالا لما تناولناه بين طيات الحلقتين السابقتين، ومن واقع سجلات الخارجية الروسية، وأرشيفها وما يتضمنه من وثائق ومطبوعات، نواصل في هذه الحلقة (الثالثة والاخيرة) إستعراض ما تضمنته أضابير المراسلات السرية، من معلومات تبادلها زعماء الاتحاد السوفييتي ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشل، والرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت الذي وافته المنية قبل الاعلان عن سحق القوات الهتلرية النازية وتوقيع صك الاستسلام في مايو 1945، حول مجريات الحرب ودور كل من هذه البلدان في تحقيق النصر وما أعقب ذلك من لقاءات ومؤتمرات ساهمت في تقسيم مناطق النفوذ في العالم، كانت في حد ذاتها خير دليل على عدم صحة “مزاعم وإدعاءات” الرئيس الامريكي، على حد تعبير وزارة الخارجية الروسية الصادر بهذا الشأن.
وكنا توقفنا في الحلقة الثانية، عند الجدل الذي إحتدم حول ما وصفته موسكو بمماطلة الشريكين البريطاني والامريكي في فتح الجبهة الثانية في غرب أوروبا، وتفضيلهما التركيز على أفضلية فتح الجبهة الجنوبية في منطقة شمال افريقيا.
وبهذا الصدد كشف “المارشال ستالين” عن رسالته “الخاصة والسرية” التي بعث بها الى الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت في 11 يونيو 1943 ، وعاد ليبعث بصورة منها الى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشيرشل يقول فيها :
-
“تلقيت في الرابع من يونيو رسالتكم التي تبلغونني فيها بما اتخذتموه والسيد تشيرشل من قرارات حول قضايا الاستراتيجية. اشكركم على البلاغ.
وكما يتضح من رسالتكم، فإن هذه القرارات تقف على طرفي نقيض من القرارات التي اتخذتموها والسيد تشيرشل في مطلع هذا العام حول مواعيد فتح الجبهة الثانية في غرب أوروبا.
ولعلكم تذكرون ما ابلغتموني به في رسالتكم والسيد تشيرشل المؤرخة في 26 يناير من هذا العام حول القرار الذي اتخذتموه بشأن صرف انظار الجزء الاعظم من القوات الالمانية البرية والجوية بعيدا عن الجبهة الروسية، وبما يمكن معه تركيع المانيا في عام 1943.
وكان السيد تشيرشل أبلغني في 12 فبراير بالمواعيد المحددة لعلمية تونس في منطقة البحر الابيض وكذلك على الجبهة الغربية في اوروبا. وقد أشارت تلك الرسالة الى أن بريطانيا العظمى والولايات المتحدة تجريان بنشاط التحضيرات اللازمة لعبور القنال (بحر المانش. س.ع) في أغسطس 1943 ، واذا لم تسمح الظروف الجوية بذلك، فانكم سوف تقومون بهذه العملية وبقوات أكبر في سبتمبر 1943.
وها أنتما ، بالتعاون مع السيد تشيرشل تتخذان في مايو 1943 قرار تأجيل الغزو الانجلو أمريكي في غرب أوروبا حتى ربيع 1944 . وذلك يعني ان فتح الجبهة الثانية الذي تأجل من 1942 الى 1943 ، يتأجل مرة اخرى ، وفي هذه المرة حتى ربيع عام 1944. “
ومضى ستالين ليقول:
-
” ان قراركما يخلق صعوبات استثنائية للاتحاد السوفييتي الذي يخوض الحرب للعام الثاني على التوالي مع القوات الرئيسية لالمانيا وحلفائها بكل ما تتسم به من حدة ، ويقدم الجيش السوفييتي الذي يقاتل العدو الاكثر قوة وخطورة، ليس بالأصالة عن بلاده وحسب ، بل وبالنيابة عن حلفائه، منفردا تقريبا”.
وتوقف ستالين ليشير الى الانطباعات السلبية التي يمكن ان يتركها مثل هذا القرار، حول تأجيل فتح الجبهة الثانية في الاتحاد السوفييتي لدى الشعب والجيش الذي تكبد خسائر كبيرة دون أن يتلقي الدعم الجدي من جانب القوات الانجلو أمريكية. أما عن الحكومة السوفيتية قال ستالين:
-
“إنها لن تقبل بذلك القرار الذي جرى إتخاذه بدون مشاركتها أو حتى مناقشته معها وهو القرار الذي يمكن ان يكون له تبعات عصيبة وتاثير بالغ على سير الحرب لاحقا”.
ومن اللافت ان الزعيم البريطاني تشيرشل حرص على تحرير رده على إحتجاجات ستالين في رسالته المؤرخة في 19 يونية بالكثير من التفاصيل، ومنها ما قاله حول تفهمه لمشاعر خيبة الامل التي أصابت الزعيم السوفييتي من جراء إتخاذ قرار تأجيل فتح الجبهة الثانية. وبرر تشيرشل عدم الاقدام على فتح الجبهة الثانية عبر المانش، في توقيت كانت ألمانيا تملك فيه مثل ذلك العدد من القوات الهائلة داخل الاراضي الفرنسية، بأن القوات البريطانية كان يمكن أن تتكبد خسائر فادحة. وتساءل الزعيم البريطاني عما كان يمكن ان يجنيه الاتحاد السوفييتي من مكاسب في حال منيت القوات البريطانية بمثل هذه الهزيمة. وأضاف ان أفضل مساعدة يمكن ان تجنيها القوات السوفييتية، تتلخص فيما أحرزته القوات البريطانية من إنتصارات في تونس، وعبر الاطلنطي على مسافة عشرة الاف ميل إمتدت فيها ذراع القوات البحرية البريطانية حتى رأس الرجاء الصالح، وحيث إستطاعت بمساعدة القوات البحرية الامريكية سحق القوات البرية والجوية لبلدان المحور. وكشف تشيرشل عن الكثير من جوانب تمركز القوات الالمانية ومعها بلدان المحور في منطقة البحر الابيض المتوسط وفي ايطاليا وجنوب البلقان، فيما أعلن عن توقعاته بان القوات البريطانية والامريكية سوف تستطيع إخراج إيطاليا من معادلة الحرب بعيدا عن تحالفها مع ألمانيا، وفرض السيطرة الكلملة على حوض البحر المتوسط من جبل طارق وحتى بورسعيد في شرق المتوسط.
وخلص تشيرشل في هذه الرسالة الى محاولة تفنيد مبررات ستالين التي ساقها لتفسير سخطه وغضبه من جراء ان الزعيمين البريطاني والامريكي لم يستشيراه أو يناقشاه في مسالة تأجيل افتتاح الجبهة الثانية بقوله:
-
“إنني أتفهم تماما الاسباب التي حالت دون لقائكم معنا ومع الرئيس (روزفلت) في الخرطوم حيث كان من المقرر ان نسافر الى هناك في يناير ، كما انني على يقين من انكم كنتم مصيبين في إتخاذ قرار عدم تخليكم ولو لمدة أسبوع واحد عن قيادة حملتكم الظافرة الهائلة. ومع ذلك فان فائدة وضرورة اللقاء تبدوان بالغتين . ولعلني أكتفي بالقول إننى استطيع وبغض النظر عن درجة المغامرة، السفر إلى أي مكان تتفقان حوله مع الرئيس. ونحن ومستشارونا نعتقد ان “سكابا فلو” القاعدة الحربية البحرية الرئيسية في شمال سكوتلندا تعتبر مكانا أكثر أمنا، والاكثر سرية إذا قبلتم . وهو ما طرحته على الرئيس”.
ولم تقتصر الخلافات بين ستالين وكل من تشيرشل وروزفلت على فتح الجبهة الثانية ، حيث تجاوزتها لتشمل ما طرحه ستالين حول أهمية الاعتراف بجبهة التحرير الفرنسية بزعامة الجنرال دي جول الذي لم يكن تشيرشل يثق فيه فضلا عن زملائه في قيادة هذه اللجنة وكان عددهم سبعة اضافوا اليهم سبعة آخرين. وكان تشيرشل بعث برسالة الي ستالين في 23 يونيو 1943 يقول فيها انه علم بالكثير من القلق ومن خلال مولوتوف (وزير خارجية ستالين) باقتراحه حول الاعتراف باللجنة الوطنية الفرنسية للتحرير، التي تأسست في الجزائر. وقال انه من المستحيل ان تعترف الحومة البريطانية، ومن باب اولي حكومة الولايات المتحدة بهذه اللجنة في القريب العاجل. وكشف عن عدم ثقة الزعيمين تشيرشل وروزفلت في دي جول، وأشار الى خطورة ذلك على سرية العمليات الخاصة بانزال القوات البريطانية والامريكية على شواطئ جزيرة صقلية.
وتواصلت الرسائل، حتى الاتفاق حول لقاء وزراء خارجية البلدان الثلاثة في موسكو لبحث جدول الاعمال الذي كان من الممكن أن يجتمع حوله لاحقا الزعماء الثلاثة. وفي رسالته التي بعث بها الى ستالين في 10 سبتمبر 1943 اقترح تشيرشل قمة ثلاثية تجمعه وستالين وروزفلت في قبرص او الخرطوم في الفترة من 15 نوفمبر وحتى 15 ديسمبر، تاركا للزعيم السوفييتي حق الاختيار. وقال انه على استعداد للقاء في طهران اذا كان ذلك مناسبا لستالين، وهو اللقاء الذي قال ان علي نتائجه سوف يتوقف التوصل الى أفضل نهاية للحرب. ولم يمض من الوقت الكثير حتى سارع روزفلت وتشيرشل الى إبلاغ ستالين في رسالتيهما التي تسلمها في 10 سبتمبر 1943، باستسلام إيطاليا دون قيد أو شرط ، بعد نجاح القوات الامريكية والبريطانية بقيادة الجنرال ايزنهاور في الوصول الى الشواطئ الايطالية على مقربة من نابولي.
وعلى ضوء النتائج التي توصل إليها وزراء خارجية البلدان الثلاثة في إجتماعهم الذي عقد في موسكو في أكتوبر1943، تقرر لقاء القمة التي جمعت ستالين وتشيرشل وروزفلت في مقر السفارة السوفيتية في طهران خلال الفترة 28 نوفمبر – 1 ديسمبر 1943.
وكان الزعيمان ستالين وتشيرشل إستبقا مؤتمر طهران بعدد من الرسائل إستهلها تشيرشل برسالته “السرية والخاصة” في 12 نوفمبر 1943 أعرب فيها عن شكره لستالين على “الهدية” التي تلقاها منه وحسن استقباله لوزير خارجيته أنطوني إيدن في موسكو خلال لقاء وزراء خارجية البلدان الثلاثة في 19-30 اكتوبر 1943 . وقال تشيرشل ان رئيسي اركان القوات البريطانية والامريكية يجب أن يلتقيا في القاهرة في 22 نوفمبر لمناقشة مجريات العمليات العسكرية ، وما سوف يعقبها من حرب ضد اليابان. وبهذا الصدد اشار تشيرشل الى المؤتمر المرتقب لرؤساء اركان القوات المسلحة للبلدان الثلاثة والذي أعرب عن أمله في إنعقاده في 25 أو 26 نوفمبر. وكشف عن نجاحه في اقناع الرئيس الامريكي روزفلت للمشاركة في مؤتمر طهران الذي سوف يضم زعماء البلدان الثلاثة. وفي رده على هذه الرسالة ورسالة مماثلة للرئيس الامريكي ، كشف تشيرشل في “رسالته السرية، الخاصة” عن اعتذاره عن ايفاد وزير خارجيته مولوتوف الى القاهرة رغم انه كان وعد الرئيس الامريكي بذلك. وقال انه سوف يكون موجودا في طهران مصحوبا بعدد من العسكريين في رحلته الى هناك. ورد تشيرشل على هذه الرسالة باخرى مماثله في 15 نوفمبر، اعرب فيها عن موافقته على اقتراحات ستالين، فيما توجه بالتهنئة إليه بمناسبة “عمليات الهجوم الباهرة المتتالية التي تحرزها القوات السوفيتية”.
وفي 23 نوفمبر 1943 أرسل تشيرشل رسالة ” خاصة، وسرية للغاية ” أخرى الى ستالين يقول فيها انه علم بانه يريد ان تقيم البعثة السوفيتية في مقر سفارة الاتحاد السوفييتي . وأضاف ان الرئيس الامريكي يفضل “على ما يبدو”، الاقامة في مقر البعثة البريطانية التي تقع على مقربة، ومن ثم يمكن تأمين الحراسة حول مقر البعثتين المتجاورتين” . وقد رد ستالين على هذه الرسالة في 25 نوفمبر بأخرى ايضا “سرية للغاية وخاصة” ، قال فيها انه سيكون على استعداد للقائه في 28 نوفمبر في طهران عقب وصوله من القاهرة.
وتقول الوثائق ان هذا المؤتمر كان مدعوا الى تقرير قضايا الحرب والسلام ومنها فتح الجبهة الثانية في غرب أوروبا في مايو 1944 ، وهو التاريخ الذي تأجل حتى السادس من يونيو في نفس العام وشهد انزال قوات الحلفاء على شاطئ نورماندي، وتحديد موعد العمليات العسكرية ضد اليابان والتي جرت في سبتمبر 1945، ووضع استراتيجية ما بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية. وكانت الخلافات قد إحتدمت في هذا المؤتمر حول موعد وموقع فتح الجبهة الثانية، فضلا عن مصير ألمانيا، وإن تبدت مؤشرات تقول بموافقة الزعيمين روزفلت وتشيرشل على مناطق النفوذ السوفيتية في كل من بولندا ورومانيا ومنطقة شرق أوروبا.
على أن الاكثر إثارة فيما يتعلق بطهران، تداولته الالسنة في إطار ما تردد حول نجاح المخابرات السوفيتية في درء عملية ارهابية كانت دبرتها المانيا الهتلرية ، بهدف اغتيال الزعماء الثلاثة في العاصمة الإيرانية. وتقول المصادر الروسية على موقع قناة “روسيا اليوم” :
-
“ان المخابرات السوفيتية تولت مهمة ضمان سلامة انعقاد مؤتمر طهران وحماية زعماء التحالف المعادي لهتلر. كما افلح رجال الاستخبارات من مجموعة جيفورك فارتانيان في إحباط محاولة اغتيال ونستون تشيرشل رئيس الوزراء البريطاني “.
ونعود الى المراسلات المتبادلة بين الزعماء الثلاثة ومنها ما إحتدم من جدل حول ما نشرته صحيفة “البرافدا” (الجريدة الرسمية، ولسان حال الحزب الشيوعي السوفييتي)، عن مراسلها في القاهرة حول لقاءات سرية بين روبنتروب وزير خارجية ألمانيا ومسئولين بريطانيين، تمهيدا لعقد صلح منفرد بعد إستيضاح شروط عقد هذا الاتفاق المنفرد، الى جانب ما تعلق بفتح الجبهة الثانية وعملية الانزال التي قامت بها قوات الحلفاء علي شواطئ نورماندى في السادس من يونيو 1944.
وفي تعليقها حول هذه الحقبة التاريخية اشارت المصادر الغربية ومنها الموقع الالكتروني لـ”بي بي سي” البريطانية الى ان:
-
“يوسف ستالين كان على يقين من ضرورة تقسيم ألمانيا لضمان عدم تحولها لاحقا ألى مصدر تهديد مستقبلي على بلاده، وللحصول على تعويضات ضخمة، من مال وآليات وحتى رجال، للمساعدة في إحياء أمته المحطمة. كان ستالين يدرك تماماً أنه يحتاج لموافقة القوى الغربية لتحقيق ذلك. وهذا ما أدركه ونستون تشرشل. والتقى الاثنان في موسكو، في أكتوبر عام 1944، وناقشا فكرة تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ بين الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية، من منظور ما أدركه الزعيم البريطاني تشيرشل حول أن ملايين الجنود السوفييت الذين طردوا ألمانيا من وسط وشرق أوروبا يفوق عددهم الجنود الغربيين الحلفاء في الغرب، ما يعني أن بريطانيا لن تستطيع ان تفعل شيئا، إذا أراد ستالين الإبقاء على قواته هناك”.
ومن هنا يستمد أهميته مؤتمر يالطا الذي جمع الزعماء الثلاثة ستالين وتشيرشل وروزفلت في 4-11فبراير 1945 في توقيت مواكب لترنح القوات الالمانية تحت الضربات السوفيتية في شرق اوروبا والتي استطاعت مع حلول شهر ابريل 1945، تطويق برلين ودخولها لتغرس راية النصر السوفيتية ذات المنجل والمطرقة فوق قبة الرايخستاج في قلب عاصمة ألمانيا الهتلرية ، قبل ان تصل اليها قوات الحلفاء التي كانت تعثرت في وقت سابق عند الحدود الغربية لالمانيا الهتلرية.
وفي يالطا وفي قصر ليفاديا المنتجع الصيفي لآخر قياصرة روسيا الامبراطورية نيكولاي الثاني، اجتمع الزعماء الثلاثة حيث توصلوا وحسب ما نشرته المصادر الغربية وفي مقدمتها “بي بي سي” البريطانية، الى اتفاق حول تقسيم مناطق النفوذ في القارة الاوروبية.
وبهذا الصدد قالت “بي بي سي”:
-
“ان الغلبة كانت في أوروبا الشرقية للاتحاد السوفييتي الذي كسر جيوش ألمانيا، بعد أربع سنوات من الحرب الطاحنة. ولكن بينما كان الاتحاد السوفييتي يعيش نشوة الانتصار العسكري، كانت البلاد تعاني من دمار شديد؛ إذ قتل ثلاثة أرباع مجمل الجنود الألمان الذين سقطوا في المعارك على الجبهة الشرقية”.
وأضافت :
-
“ان التقديرات أشارت إلى أن واحداً من بين كل سبعة مواطنين سوفييت لقي حتفه جراء الحرب ووصل مجموع من لقوا حتفهم من السوفييت إلى 27 مليون شخص، ثلثاهم من المدنيين ويعتقد بعض الأكاديميين أن الرقم أكبر من ذلك بكثير.ودمرت الحرب مدن البلاد وأغنى أراضيها، كما أدت الحرب إلى محو الصناعات والمزارع والمنازل وحتى طرق برمتها.
أما عن الاهداف الحقيقية للزعماء الثلاثة فقد أشارت إليها “بي بي سي”:
-
“كان جوزيف ستالين مصمماً على النهوض ببلاده بعد الحرب. وقد جاء إلى يالطا بحثاً عن منطقة نفوذ في أوروبا الشرقية لتمثل منطقة عازلة لحماية الاتحاد السوفيتي.
كما أراد تقسيم ألمانيا لضمان عدم تشكيلها مصدر تهديد مستقبلي على بلاده، وللحصول على تعويضات ضخمة، من مال وآليات وحتى رجال، للمساعدة في إحياء أمته المحطمة. كان ستالين يدرك تماماً أنه يحتاج لموافقة القوى الغربية لتحقيق ذلك.
وفهم ونستون تشرشل أهداف ستالين. والتقى الاثنان في موسكو، في أكتوبر عام 1944، وناقشا فكرة تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ بين الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية.
وأدرك تشرشل، أيضاً، أن ملايين الجنود السوفييت الذين طردوا ألمانيا من وسط وشرق أوروبا يفوق عددهم الجنود الغربيين الحلفاء في الغرب، ولم يكن ثمة شيء يمكن أن تفعله بريطانيا إذا أراد ستالين الإبقاء على قواته هناك.”
و”بعد أسبوع من المحادثات، أعلن الزعماء الكبار الثلاثة قراراتهم للعالم. فبعد استسلامها غير المشروط، تم الاتفاق على تقسيم ألمانيا وبرلين إلى أربع مناطق سيطرة، واحدة لكل دولة من الدول المشاركة في يالطا، والرابعة حظيت بها فرنسا.إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن إلزام ألمانيا بدفع أقصى قدر ممكن من التعويضات، وشُكِّلت لجنة في موسكو لتحديد المبلغ المستحق عليها.
ونختتم هذه الحلقات بالرسائل التي احتدم فيها النقاش بين الزعماء السوفييتي ستالين والبريطاني تشيرشل والامريكي ترومان الذي خلف روزفلت الذي وافته المنية إثر إصابته بأزمة قلبية في ابريل 1945، حول الموعد المقترح لإعلان استسلام المانيا النازية.
وكان السيد تشيرشل بعث في 5 مايو، برسالة “شخصية وخاصة” الى المارشال ستالين يقول فيها :
-
“1- ابلغني الرئيس ترومان انه بعث اليكم برسالة يرجو فيها التنسيق بيننا في تحديد يوم واحد مشترك، لإعلان نبأ الإنتصار في اوروبا.
2- واعتقد بالنسبة لي ان الوقت الامثل للبيان المشترك حول إعلان يوم النصر هو منتصف النهار، وان اعلان البيان لن يستغرق اكثر من ثلاث-اربع دقائق، مع الاخذ في الاعتبار التوقيت الصيفي في بريطانيا اي بعد ساعة من توقيتكم، وما يعني ان اعلان الرئيس ترومان سيكون في واشنطن الساعة السادسة صباحا ، وهو ما لن يكون مناسبا لشعب الولايات المتحدة. ولذا أقترح الموافقة على الرأي الامريكي، بما يعني تحديد الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت الصيفي في بريطانيا اي الرابعة بعد الظهر بتوقيتكم , وذلك سوف يسمح بان يعلن الرئيس ترومان بيانه في التاسعة صباحا بتوقيت واشنطن .
3- أرجو ابلاغ الرئيس وابلاغي في اسرع وقت ممكن عما اذا كنتم توافقون على ذلك.”
وذلك ما وافق عليه ستالين في السادس من مايو ، وأبلغ رئيس الوزراء البريطاني تشيرشل بهذه الموافقة.
لكن رئيس الوزراء البريطاني عاد ليبعث برسالته الى المارشال ستالين يقول فيها ان الجنرال ايزنهاور يقول بصعوبة الابقاء على خبر إستسلام المانيا طي الكتمان، ولذا فهو يقترح تغيير توقيت الاعلان الى اليوم 7 مايو في تمام الساعة السادسة بتوقيت بريطانيا اي السابعة بتوقيت موسكو والثانية عشرة ظهرا بتوقيت واشنطن.
ولم يمض من الوقت الكثير حتى عاد تشيرشل ليبعث الى المارشال ستالين “برسالته السرية للغاية والخاصة” يقول فيها انه تلقي رسالة ستالين وكذلك خطاب الجنرال انطونوف الي الجنرال ايزنهاور الذي يقترح فيه تاجيل الاعلان عن استسلام المانيا حتى التاسع من مايو 1945، وهو ما قال تشيرشل في رسالته انه لا يناسبه لان البرلمان سوف يطالبه بالمعلومات حول ما جرى توقيعه بالامس في ريمس (وهو البروتوكول التمهيدى لإعلان إستسلام المانيا) .
وكان ممثلو القيادة الالمانية قاموا بتوقيع الصك النهائي لاستسلام المانيا في برلين في الثامن مايو، فيما قام الرئيس ترومان باعلان ذلك في التاسعة صباحا بتوقيت واشنطن وهو ما قال تشيرشل انه يتوقع من المارشال ستالين ان يفعل ذلك حسب الاتفاق في الثامن من مايو.
ومع ذلك فلم يتراجع المارشال ستالين في إعلانه عن بيان النصر في التاسع من مايو لأسباب ثمة من يقول إنها تتعلق بتاجيل الاعلان حتى الانتهاء تماما من إخماد جيوب المقاومة في شرق برلين والتي كانت رفضت الاعتراف باستسلام قياداتها، وهو ما سجله في احتفالاته الكبري في الميدان الاحمر حيث استعرض بعض من قوات النصر، مستعرضا ما راح يقذف به العديد من أبطال هذا النصر برايات الرايخ والقوات الالمانية تحت اقدام وجنود القوات السوفيتية على مقربة من جدران الكرملين.
نشرت في جريدة الاهرام بتاريخ 3 يونيو 2020
-
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهات نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رؤية المجلس المصري للشئون الخارجية