“المراسلات السرية بين ستالين وتشيرشل وروزفلت”(3-3)
يونيو 3, 2020بيان المجلس حول الاوضاع في ليبيا
يونيو 7, 2020
منذ مارس الماضي، ومع بدء نجاح الصين في السيطرة على وباء كورونا المستجد واحتوائه، بدأت حملة واسعة لتقديم معونات إغاثة ومساعدات لمختلف دول العالم، استخدمت فيها ولأول مرة قواتها المسلحة، في استعراض لقدراتها العسكرية اللوجستية، التي نقلت معدات وفرق طبية خارج الحدود لنحو 20 بلداً على الأقل من مجموع أكثر من 170 دولة وخمس منظمات دولية حصلت على مساعدات صينية من مختلف مناطق العالم، في ظل تغطية اعلامية مكثفة في الداخل والخارج. وفي هذا السياق تداول الكتاب الغربيين، في تحليلاتهم لهذا النشاط الصيني وإدارة بكين لأزمة الوباء، مصطلحات مثل ” دبلوماسية الوباء”، ” دبلوماسية القناع”، ” دبلوماسية الفيروس” وغيرها، في إشارة الي الاستخدام الجيوسياسي لهذه المساعدات لكسب النفوذ والمكانة العالمية، فضلاً عن كونها من أدوات القوة الناعمة في بيئة دولية تتسم بالتنافس والصراع، خاصة فيما بين الولايات المتحدة والصين.
ورغم أن الصين ذات التاريخ الحافل في التعامل مع الأوبئة مما جعل رصيدها في دبلوماسية الصحة العالمية ضخماً، لم تكن وحدها، فقد قدمت دول أخرى كثيرة مساعدات انسانية، بما فيها روسيا والهند والولايات المتحدة وغيرها، إلا أن النشاط الدبلوماسي الصيني حظي بالاهتمام الأكبر بحكم القوة الاقتصادية والتجارية للصين في عالم اليوم، بجانب بعض الاعتبارات التي جعلت النشاط الدبلوماسي الصيني متفرداً، ذلك أنه بالرغم من عدم إعلان الصين صراحة، حتي الأن، عن استراتيجية رسمية منسقة بشأن مساعداتها الانسانية للبلدان النامية ارتباطاً بالوباء، إلا أنها بذلك جهوداً ضخمة في تفعيل آليات دبلوماسية متعددة قدمت مساعداتها من خلالها. وفي هذا السياق تحركت الصين على أساس ثنائي بحت، ودون تنسيق أو مشاركة مع النظام الصحي العالمي المتعدد الأطراف، والذي غاب تماماً بسبب موقف الولايات المتحدة الذي حال دون إصدار آية قرارات ملزمة في إطار مجلس الأمن حول الجائحة والسلم والأمن الدوليين، وهو ما منح الصين ميزة استثنائية متفردة ودون مزاحمة من قوي مانحة أخرى. كذلك قدمت الصين مساعداتها ليس فقط من خلال الحكومة المركزية، بل وأيضاً من القوات المسلحة وحكومات الأقاليم والمجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية والشركات وعلى سبيل المثال تلقت إيطاليا معونات صينية من 20 جهة عامة و خاصة، تليها اسبانيا بـــ 12 جهة وحظيت تركيا بمعونة وحيدة من بنك صيني. وقد تبرع الملياردير الصيني “جاك ما” صاحب “على بابا” بمعونات لــ 150 بلد حول العالم شملت ملايين الأقنعة لعشرات الدول حول العالم، كما قدم مساعدات بقيمة 508 مليون دولار امريكي للولايات المتحدة وحدها، وهو نصيب الأسد لأي بلد تلقت مساعدات صينية. أما هواوي، التي وضعتها وزارة التجارة الأمريكية على القائمة السوداء منذ مايو 2019، فقد غمرت عشرات الدول بمعوناتها، بما فيها بلدان أوروبية عدة وإسرائيل حيث يوجد لهواوى مركز للبحوث والتنمية. ويضاف الي ذلك أن الصين منحت خبرتها الناجحة في التعامل مع الوباء والسيطرة عليه واحتوائه، من خلال تعزيز تواصلها الدبلوماسي مع الدول والمناطق التي تجمعها بالصين شراكات وعلاقات تعاون، في شكل مؤتمرات عبر الفيديو بين مسئولي الصحة ونظرائهم في أوروبا والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة شنغهاي للتعاون وبلدان امريكا اللاتينية …الخ. كما شملت دبلوماسية الأوبئة الصينية اتصالات مكثفة على المستوي الرئاسي والوزاري بقيادات عدد كبير من الدول الصديقة على رأسها مصر وروسيا وايطاليا وصربيا وفرنسا وغيرها، حيث تم التأكيد على التضامن لمواجهة الجائحة والتعاون في التعامل مع آثارها، بما فيها التعاون المشترك لإنتاج اللقاح اللازم للتغلب عليها. بل أن المساعدات الصينية لم تقتصر على البلدان والنظم المستقرة بل شملت مناطق الصراعات والتوتر مثل سوريا والعراق وفنزويلا وأفغانستان والصومال وليبيا وغيرها.
في المقابل قد لا يعرف الكثيرين أن الصين، وقبل أن تقدم مساعداتها للخارج وقت اشتداد الأزمة ومحاولاتها السيطرة عليها، تلقت معونات ومساعدات متنوعة من نحو 80 دولة حول العالم، منها دول فقيرة أو حتي الأكثر فقراً، من بينها مثلاً طاجيكستان وقيرجستان وباكستان وسيرلانكا وبنجلاديش ونيبال وأفغانستان. وكان ملفتاً أن تكون اليابان ومعها كوريا الجنوبية، وهما الدولتين الحليفتين لواشنطن، في مقدمة الدول التي قدمت مساعدات متنوعة للصين وأرسلت المعونات تحت شعارات مؤثرة عكست الارتباط العاطفي فيما بين شعوب القارة الاسيوية رغم التباينات والتجاذبات السياسية فيما بين الحكومات. وقد دفعت هذه المواقف البعض الي القول بأنه من بين الجوانب المشرقة القليلة التي أتي بها هذا الوباء هو الكيفية التي حققت بها اليابان والصين من حدة العداء العميق الجذور بينهما من خلال ” دبلوماسية الأقنعة”.
وعلى حين إتسمت ردود الفعل الغربية على “دبلوماسية الأوبئة” الصينية وكذلك الروسية بالسلبية في مجملها ووصفها بالحملة الدعائية العدوانية التي لن تجعل الصين قوة عالمية وأنها ” لعبة جيوسياسية” تستغل الصين الجائحة بموجبها لتحسين وضعيتها الدولية، إلا أن الكثيرين من كتاب الغرب اعترفوا بأن سوء إدارة الأزمة من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة قد وفر للصين فرصة هائلة للظهور بمظهر القوة العالمية المسئولة والموثوق بها. وقد عززت حملة المساعدات التي قدمتها بكين حقيقة مفادها أن الكثير مما يعتمد عليه العالم في مكافحة فيروس كورونا المستجد يجري تصنيعه في الصين، وهو ما وفر لها آداة قوية لسياستها الخارجية.
وفي الختام، كنت أتمني أن يكون عدد الدول المتلقية للمساعدات الطبية الرمزية المقدمة من مصر أضعاف العدد الذي تداولته وسائل الاعلام (الصين وايطاليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجنوب السودان وكينيا و الكونغو الديمقراطية و زامبيا) للاعتبارات المشار إليها عاليه، خاصة في ضوء مكانة مصر الإقليمية والدولية التي تفرض عليها التزامات بإظهار تضامنها مع الدول الأخرى في هذه الظروف الاستثنائية. أما القول بأنه ما كان ينبغي تقديم مثل هذه المعونات الرمزية للحاجة المحلية إليها، فإنه ينطوي على فهم قاصر وأغراض سياسية مغلوطة أبعد ما تكون عن مصالح مصر العليا ووزنها الاستراتيجي ودورها التاريخي.
نشرت بجريدة المصري اليوم بتاريخ 7 يونيو 2020 و رابط دائم :
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1985475