عبدالرحمن صلاح… يكتب هل يستنجد أردوغان بدول «المتوسط» التي يهددها؟
أغسطس 17, 2020إنها بيلاروس، وليست ” بيلاروسيا”. وهذه هي الأسباب!
أغسطس 27, 2020
فى الثالث عشر من شهر اغسطس 2020 فوجئ العالم باعلان ثلاثى صادر عن الرئيس الامريكى ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو ، وولى عهد دولة الامارات ، محوره الرئيسى ، أمنى ،وموجها ضد ايران / وأيضا تنموى ، ومحصورا فى مجالات محددة ، ويتم تنفيذه عبرإتفاق ثنائى يجرى أعداده . بموجب هذا الاتفاق يتم تطبيع العلاقات بين أبو ظبى وتل أبيب ، مع التاكيد فى هذا الاتجاه على قيام فرق من البلدين ـ اسرائيل والامارات ـ بعقد سلسلة من الاجتماعات للتفاوض حول تفاصيل إتفاق ثنائى شامل ، يتم التوقيع عليه بشكل كامل قبل نوفمبر القادم بالعاصمة الامريكية وقبل الانتخالات الامريكية ، متضمنا من بين ما يتضمنه بصدد المجالات المشار اليها الامن ، الاستثمار/ السياحة / التكنولوجيا / الطاقة / الرعاية الصحية / البيئة ……..تبادل التمثيل الدبلوماسى على مستوى السفارات .
وبموجب هذا الاعلان والاتفاق المرتقب أو المنشود، سيكون هو الاتفاق الثالث بين أسرائيل ودول عربية بالمنطقة، والاول مع دولة بالخليج، ويتوقع أن تحذو دول أخرى عربية بالخليج أو خارجة حذو دولة الامارات، وهو أمر أشار الاعلان بصدده ألى ان البلدين سيعملان على تحقيق هذا الهدف .ويتردد أن اكثر الدول المرشحة فى هذا المجال هى عمان والبحرين والسودان ……
وعلى عكس ما هو سائد بين العديد من المراقبين ، فان الاعلان الثلاثى لم يكن مفاجأه وإنما توقيت صدوره وتركيزه على تطبيع العلاقات ثنائيا ، هو الذى يعد مفاجأه ويحمل مغزى عميق ودلالات واضحة .واقع الامر ان اسرائيل كانت ولم تزل تجرى إتصالات مع دول الخليج منذ 20 عاما ولديها ممثلين فى الامارات منذ عام 2014 ، وهناك دولا عربية بالخليج وخاصة قطر لديها اتصالات وتواجد فيما بينهما .
واقع الامرأيضا ، أن هذا التطور يجئ فى إتساق وتواصل مع نتائج زيارة ترامب للسعودية عقب نجاحة فى الانتخابات الامريكية وتوليه سدة الحكم فى إطار برنامج انتخابى يضع أمريكا القوية أولا ومصالحها على قمة الاولويات ، فقد عقد آنذاك ثلاث قمم ( قمة ثنائية مع السعودية / وقمة خليجية / وقمة إسلامية ) خلصت إلى وضع أسرائيل ـ التى زارها عقب هذه القمم مباشرة فى طريق عودته ـ فى قارب واحد مع دول عربية فى مواجهة إيران والمنظمات الإرهابية ، وليؤكد بذلك على أن الامر ليس فقط أمريكا اولا وانما امريكا واسرائيل أولا كانهما وجهان لعملة واحدة .
واقع الامر، تخلص القراءة التحليلية المتأنية للاعلان وما ورد به إلى العديد من النقاط بالغة الاهمية والخطورة معا، فى إرتباط واضح بمصالح إستراتيجية حيوية لكل أطرافه فرضت هذا التطور، لعل أبرزها:
فى المجال الامنى ، يعد تطبيع العلاقات بين الامارات واسرائيل برعاية امريكية وبتوقع إنضمام دول عربية أخرى فى عملية التطبيع ، بمثابة نواه لتحالف ” شرق أوسطى ” دعت إليه الادارة الامريكية منذ فترة ، فى “مواجهة أيران ” كدولة ذات قدرات نووية وصواريخ باليستية وتوجهات إرهابية متطرفة ، وفى مواجهة تواجدها وهيمنتها على دول عربية ، وتهديدها للملاحة فى مضيق هرمز، وقبل ذلك كله العدو الاول لكل من الولايات المتحدة وأسرائيل من جانب ، والعداء الايرانى التاريخى لدولة الامارات منذ أستيلاء ايران وإغتصابها لجزر أبوموسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى وسعيها لنشر المذهب الشيعى من جانب آخر ، علاوة على التدخل فى الشأن الداخلى لدول بالمنطقة فى إطار تحالف قطرى تركى قد ينتهى بتقسيم دول وتفتيتها إلى دويلات على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية تنتفى معها هويتها العربية .
من ناحية أخرى فانه حال تواصل عمليات التطبيع بين أسرائيل ودول عربية وخاصة الخليجية ، فمن المرجح عندئذ أمكانية ضم اسرائيل كعضو فى الكيان الامنى التنموى المقترح إنشاؤه للدول المتشاطئه على البحر الاحمر فى اطار المبادرة التى سبق ان طرحها الملك سلمان وشملت فقط دولا عربية وافريقية متشاطئة على الساحلين الشرقى العربى / والغربى الافريقى / مستبعدة أسرائيل .
ولعل ما يعزز هذا التحليل ، ما ورد بالاعلان من انضمام الولايات المتحدة الى الامارات واسرائيل لاطلاق ” أجندة إستراتيجية للشرق الاوسط ” لتوسيع التعاون الامنى والدبلوماسى والتجارى ، مع التأكيد على تعزيز الاستقرار والتنسيق الامنى وزيادة التكامل الاقتصادى .بل ويتردد أن الادارة الامريكة فى الاطار الامنى بصدد الاتفاق على بيع طائرات F 35لدولة الامارات بعد اتفاق التطبيع .
من ناحية ثالثة ، فان هذا التطور يمكن إستثماره إن لم يكن يصب بالفعل فى إتجاه تعزيز الامن القومى العربى فى مناطق الصراع الساخنة والقضايا المرتبطة بالامن القومى المصرى / العربى ومنه الامن المائى لكل من مصر والسودان فى مواجهة الموقف الاثيوبى .
أما فيما يتعلق بشمولية الاتفاق المرتقب على التعاون فى عدد من المجالات الحيوية ، فهو أمر فى التقدير سيكون التطبيع فيه دافئا ، على عكس ما يتصور البعض أنه سيكون باردا ، ولا يتعدى الاوراق التى يتم التوقيع عليها ، إذ أن الهواجس الامنية فى مواجهة أيران وأنشطة المنظمات الارهابية والاوضاع الامنية فى مضيق هرمز ومنطقة البحر الاحمر ستفرض تعاونا أمنيا استراتيجيا سيدفع نحو تعزيز وتنامى التعاون فى المجالات محل الاتفاق .
لقد إتسم الاعلان بعدم التوازن عند تناوله للقضية الفلسطينة فى إطار عملية التطبيع وهو الامر الذى يتعين تداركه فى مشروع الاتفاق المنشود بين الجانبين والجارى اعداده ، لقد جاء ذكر القضية فى إطار خطة السلام الامريكية وتجنب الحديث عن المبادرة العربية وحل الدولتين ، كما جاء الحديث بالتالى عن تعليق SUSPEND ضم اراضى فلسطينية وليس الاراضى الفلسطينية ، وهو ما يعنى أن التعليق يقتصرعلى تلك التى وردت فى خطة نتنياهو ، بل والأكثر من ذلك أن مفهوم التعليق يحمل فى طياته إمكانية الرجوع عنه ، خاصة وأن نتنياهو أكد على انه لن يتخلى عن ضم المستوطنات واراضى مستقبلا . ويبدو أن الصيغة التى وردت بالبيان كانت الحد الاقصى الذى وافق عليه نتنياهو، إذ جاء التعليق بناءا على طلب من ترامب ودعم من الامارات حيث استجاب نتنياهو بتعليق الضم مقابل أكرر مقابل تركيز الجهود لتوطيد علاقات مع دول عربية واسلامية .
لا شك ان هذا التطورفى هذا التوقيت ، يصب فى مصلحة ترامب حيث يحتدم التنافس بينه وبين جون بايدن على منصب الرئيس ، ويعتبر ترامب أن مثل هذا الاتفاق يعد نجاحا يدعم موقفه باصوات اللوبى اليهودى الصهيونى وقطاعات أخرى مناوئه لايران وللمنظمات الارهابية ، ولكونه خطوة نحو اقامة تحالف شرق أوسطى تحت رعاية أمريكية
أما بالنسبة لاسرائيل فهو نجاح متميز باختراق تطبيع العلاقات مع دول الخليج ، دون مقابل يذكر تتحمله اسرائيل ، بل بمكاسب اضافية تتمثل فى حذو دول عربية أخرى حذو الامارات . لقد تم تغييب مبدأ الارض مقابل السلام ، وفرض محله لمقتضيات المصالح الاستراتيجية السلام مقابل السلام .
سفير / د صلاح حليمه