الاتفاق الثلاثي (أمريكا وإسرائيل والامارات)
أغسطس 20, 2020الصين وأمن الشرق الأوسط… بقلم السفير عزت سعد
أغسطس 31, 2020
د. سامي عمارة
قفزت بيلاروس – وليس بيلاروسيا-الى صدارة المشهد السياسي الأوروبي، نتيجة عودة الكثير من الدوائر الغربية الى سابق مخططات “الثورات الملونة” واهدافها المناوئة لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، في توقيت تقف فيه عند منعطف طريق يكتنف الغموض كثيرا من جوانبه، ومنها ما يتعلق بترجمة اسمها، الى “روسيا البيضاء”، تارة، و”بيلاروسيا” تارة أخرى. ولعل ما يرتبط بالاسمين من ايحاءات واشتقاقات تاريخية تظهر الى جوارها أسماء مثل “روسيا الحمراء”، و”روسيا السمراء” وما يتعلق بذلك من أحداث يمتد تاريخها الى ما قبل الميلاد، يزيد من حدة “المأساة” التي تتعلق بإصرار الصحافة العربية على “الخطأ”، والتمادي في تمسكها بالاسم الخطأ في الزمان الخطأ، رغم تحذيرات واعتراضات أصحاب الشأن المباشر. ولم تقتصر قائمة “النوائب” على الاسم وحسب، حيث تعدتها الى النيل من تاريخ الدولة ورموزها الوطنية، ومنها ما يتعلق بعلم الدولة، ووحدة أراضيها. ونتوقف في البداية لنشير الى ان العلم بألوانه “الأبيض ثم الأحمر ثم الأبيض” الذي ترفعه جماهير المعارضة في مظاهراتها التي تجوب شوارع العاصمة مينسك وكبريات المدن البلاروسية، هو علم “جمهورية بيلاروسيا الشعبية” قبل انضمامها الى الاتحاد السوفييتي السابق، وجرى تغييره بعد تغيير اسم الجمهورية من “بيلاروسيا” الى “بيلاروس”. ولذا كان من الطبيعي ان تحمل الجماهير في مظاهراتها المناصرة للرئيس لوكاشينكو، العلم الرسمي للدولة بألوانه الأحمر والاخضر والنقوش الفولكلورية على خلفية بيضاء، والذي جرى التصديق عليه في 7 يونيو 1995، وهو العلم
الذي أقرته السلطات البيلاروسية بعد انضمامها الى الاتحاد السوفييتي السابق مع بعض التغييرات الطفيفة.
أما عن اسم الدولة
فقد تقلب كثيرا بين “أحضان التاريخ” وحتى أقر السوفييت الاعلي (البرلمان) في نهاية المطاف تغييره من “جمهورية بيلاروسيا السوفيتية الاشتراكية” الذي كان عنوانا للدولة بعد انضمامها الى الاتحاد السوفييتي السابق، الى “بيلاروس” بموجب قراره رقم 1085الصادر في 19 سبتمبر 1991، وهو الاسم الذي نص عليه في وقت لاحق دستور البلاد الذي بدأ العمل به اعتبارا من عام1994 وفي هذا الصدد بعثت سلطات “جمهورية بيلاروسيا السوفيتية الاشتراكية” برسالة الي الامم المتحدة تطلب فيها “تغيير اسمها بموجب قرار السوفييت الاعلي رقم 1085 الصادر في 19 سبتمبر 1991، الى الاسم الجديد” جمهورية بيلاروس”، واختصاره “بيلاروس”، على ضوء التداعيات التي سبقت انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. ومن منظور التشريعات البيلاروسية وفي مقدمتها دستور البلاد، تحمل سفارات هذه الدولة في البلدان العربية لافتة “جمهورية بيلاروس”، وفي البلدان الأجنبية “”Republic of Belarus.
وبهذا الصدد ذكر السفير إيهاب نصر سفير جمهورية مصر العربية في روسيا الاتحادية، وفي بيلاروس كسفير غير مقيم، ان الاسم الذي يتداولونه في المكاتبات الرسمية بين مصر وبيلاروس، هو “جمهورية بيلاروس”.
وبغض النظر عن الأسماء والتسميات وما يتعلق بفوضى تعريبها، فإن قواعد نظرية الترجمة، تقتضي نقل الأسماء وليس ترجمتها، انطلاقا من قاعدة تقول “ان الأسماء تنقل كما تُكتب، او كما تُنطق،او بموجب خليط من الامرين معا، عدا الاستثناءات النادرة”، فإن لاسم” بيلاروس” أيضا سجلاً يتسم في جزء منه، بالكثير من الطرائف التاريخية التي تعود الى تاريخ وجغرافية المنطقة، اعتبارا من القرن الثالث الميلادي تاريخ نشأة القبائل السلافية القديمة (والتي تسميها الادبيات العربية بالصقالبة) في منطقة آسيا الصغرى، وظهور روسيا على خريطة جنوب ووسط وشرق القارة الأوروبية مع بدايات القرن السادس الميلادي. ويعرف التاريخ 15 من القبائل السلافية الشرقية التي كانت أساسا لظهور القومية الروسية القديمة، واستوطنت اعتبارا من القرن التاسع وحتى القرن الثالث عشر، المناطق التي نسميها اليوم شرق أوروبا، وتفرقت إثر انشقاق الكنيسة المسيحية الى أرثوذكسية وكاثوليكية. وفيما اختارت الدولة الروسية القديمة الارثوذكسية، توقف خيار البولنديين والتشيك والسلوفاك وأبناء سلوفينيا وكرواتيا عند الكاثوليكية، ما ساهم في تأصيل العداء التاريخي بين “المنطقتين”. وقد تناول هذه القضايا بالكثير من التفاسير والتأصيل، المؤرخ الروسي الشهير ليف جوميليف في كتابه “من روس الى روسيا” الذي يؤكد عنوانه مدى الاختلاف بين الاسمين. وبهذه المناسبة أكد المؤرخ الروسي الكبير الصعوبة البالغة لتناول تاريخ العلاقة بين روسيا القديمة وروسيا المعاصرة. ومن هنا احتدم الجدل حول ما وصفه جوميليف بـ “دافع العاطفة” وغريزة “الحفاظ على الذات” التي كانت وراء ظهور “روسيا القديمة” في القرن الأول الميلادي، وبداية حركتها من جنوب السويد (حركة القوط) الى مصب نهر فيسلا وجبال الكاربات (بولندا) حيث عاش أسلاف القبائل السلافية، وذلك ما يكون تفسيرا لظهور “كييف الروسية القديمة”. وفي كتاب جوميليف الكثير من التفاصيل المهمة، والاسانيد التاريخية التي تؤصل نشأة وظهور الروس على خريطة المنطقة.
وعودة الى “بيلاروس”، وبعيدا عن الإغراق في هذا الجدل العلمي “غير العقيم”، نكتفي بالإشارة الى ما صاحب ذلك مما يمكن تسميته بالطرائف التاريخية التي ننسب اليها انفراط عقد القومية الكبرى، وما تلا ذلك من ظهور” بيلاروس” او “بيلاروسيا” التي يترجمها العاربة الى “روسيا البيضاء”، في وقت مواكب مواكبا لظهور “تشيرفونو روس” أى “روسيا الحمراء”، و”تشيرنو روس” أي “روسيا السمراء”.
وفي هذا الصدد تتباين التفسيرات حول اسم “بيلاروس” والتي يعود بعضها الى تفضيل سكانها للون الأبيض واختياره لونا رئيسيا للأزياء القومية وكل ملابس أبناء بيلاروس، بما تتحلي به من نقوش ورسوم فولكلورية، منها ما يتزين به العلم الجديد للدولة، فيما يعزو آخرون هذا الاسم الى غلبة اللون الأبيض على بشرة سكانها، على النقيض من ” تشيرنو روس” (روسيا السمراء) التي انتشر سكانها في الجنوب قريبا من أراضي ليتوانيا وتشيكيا التي كانت هدفا لحركة القبائل المجرية والغجرية ذات البشرة التي تميل الى اللون “القمحي”، النازحة من منطقة ما وراء الأورال. وفي هذا الصدد لم نجد ما يؤكد الخطأ الشائع الذي يقع فيه الكثيرون حين ينسبون أصل الاسم الى لون الثلوج البيضاء التي تغطى أراضي المنطقة، والا كانت روسيا بأراضيها التي تمتد لتشمل ما يقرب من 1/8 ( ثُمْن) مساحة الكرة الأرضية بما فيها سيبيريا، هي الأَوْلي بمثل هذه التسمية. أما “تشيرفونو روس” (روسيا الحمراء) فهي التي تمتد أراضيها لتشمل ما يدخل اليوم ضمن أراضي روسيا الاتحادية في شمال شرقي القارة الأوروبية، بما في ذلك شمال أوكرانيا الحالية وغرب بولندا. وتلك حكايات لا نستطيع الجزم بصحتها أو دحضها، ونتركها لعلماء التاريخ والأنثروبولوجيا بمختلف اقسامه التطبيقية منها والاجتماعية والحضارية والطبيعية. ويبقي ان نشير الى ان “بيلاروس” دولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة وعضو مستقل على قدم المساواة مع بقية الأعضاء جنبا، الى جنب مع روسيا الاتحادية التي ورثت مقعد الاتحاد السوفييتي السابق، وأوكرانيا. وكان الوفد السوفييتي نجح في انتزاع مقعدين آخرين لكل من بيلاروس وأوكرانيا، تقديرا لتضحيات الجمهوريتين في الحرب العالمية الثانية، ولا سيما بيلاروس التي فقدت آنذاك قرابة ثلث سكانها وأكثر من نصف مواردها الاقتصادية.