إنها بيلاروس، وليست ” بيلاروسيا”. وهذه هي الأسباب!
أغسطس 27, 2020نافالني… الحق الذي يراد به باطل
سبتمبر 5, 2020منذ قيامها عام 1949 سعت جمهورية الصين الشعبية إلى علاقات وثيقة بالدول العربية بدءاً من مصر، التي كانت أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية ببكين عام 1956. ومنذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، اتجه تركيز بكين فقط على علاقاتها الاقتصادية وتوسيع تجارتها مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك تصدير العمالة واستيراد النفط. وتأسست سياسة الصين في المنطقة على مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي ورفض هيمنة القوى العظمى على مقدرات الدول الأصغر، وإن ظل هذا المبدأ مجرد تأكيد نظري خاصةً وأن الصين ظلت دائماً مستفيدة من الحضور الأمريكي القوي في الشرق الأوسط ودورها في الحفاظ على استقراره وتأمين الممرات البحرية لمرور صادراتها من النفط للخارج، وذلك دون الحاجة إلى استثمارات صينية ذات بالٍ في أمن المنطقة. وقد دفع ذلك الرئيس الأمريكي السابق أوباما إلى الإشارة للصين ” كمستفيد مجاني من المنطقة يترك الولايات المتحدة لكي تسوي مشكلاتها دون فعل الكثير للمساعدة”.
وفي الواقع العملي، فإنه مع تولي الرئيس شي جينبينج الرئاسة في عام 2012 لوحظ النشاط السياسي الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، حيث بدأت وفود صينية رفيعة المستوى تتوافد على دول المنطقة بما فيها الرئيس نفسه الذي قام بجولة شملت مصر والسعودية وإيران عام 2016، وهي الجولة التي ألقى خلالها خطابه الشهير في جامعة الدول العربية في القاهرة طرح فيه سياسة الصين العربية المعمول بها الآن.
وبحكم موقعها الجغرافي وخطوط الملاحة البحرية فيها من إفريقيا إلى أوروبا ممثلةً أساساً في قناة السويس، يمثل الشرق الأوسط أهمية حيوية لتنفيذ مبادرة الحزام والطريق وللتجارة الصينية للأسواق المركزية عموماً. وخلال العقد الأخير، استثمرت الصين أكثر من 150 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بخلاف الاستثمارات الصينية في إسرائيل (نحو 13 مليار دولار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة أساساً)، وهو ما يمثل نحو 12% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية الصينية، وهناك تقديرات عديدة تؤكد أن الصين تجاوزت مؤخراً الولايات المتحدة لتصبِح المصدر الأكبر للاستثمارات في المنطقة. كما تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين وبلدان الشرق الأوسط خلال السنوات العشر الماضية 230 مليار دولار عام (2019)، من 20 مليار دولار فقط قبل عشر سنوات، وتغطي الصين نحو نصف احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي من المنطقة. وفضلاً عن ذلك، وأخذاً في الاعتبار النمو الاقتصادي وفي البنية التحتية في المنطقة فإن النمو المتسارع في عدد السكان في المنطقة يمثل سوقاً كبيرة واعدة للمنتجات الصينية. وفي عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بات الشرق الأوسط السوق الرئيسية للسلاح الصيني، ومن بين زبائنه الرئيسيين إيران والعراق.
وعلى خلاف انخراطها الاقتصادي والتجاري الواسع في الشرق الأوسط، يظل الانخراط الصيني أمنياً وعسكرياً في المنطقة هامشياً وإن وسعت مشاركتها في عمليات حفظ السلام في المنطقة وباتت ثاني أكبر مُموِل لهذه العمليات في نطاق الأمم المتحدة بعد الولايات المتحدة. وقد يكون ذلك مجرد بداية حيث حذَر تقرير حديث للكونجرس حول القوة العسكرية الصينية من أن بكين يمكن أن تقوم قريباً باستخدام هذه المساهمات لإنشاء قواعد عسكرية في كل المنطقة. ويتَسق هذا النظر مع العقيدة العسكرية الصينية الأخيرة (2019) والتي تتبنى رؤية صينية واسعة للأمن القومي تشمل الانخراط العسكري في حالات تهديد السلامة الإقليمية بما فيها السيادة البحرية والفضاء واستعادة الوحدة الوطنية وصيانة المصالح الصينية فيما وراء البحار والاحتفاظ بالردع الاستراتيجي والإعداد لضربات نووية مضادة والمشاركة في التعاون الأمني الإقليمي والدولي وتعزيز القدرة على منع الاختراق ومنع الانفصال ومكافحة الإرهاب وضمان الأمن السياسي القومي والاستقرار الاجتماعي وحماية حقوق ومصالح الشعب الصيني.
وكانت الأوضاع الأمنية المتردية في الشرق الأوسط وانهيار بعض دولها مثل ليبيا وسوريا والعراق واليمن بمثابة تحدِي جدِي للصين ولسياساتها الإقليمية، وتهديداً مباشراً للاستثمارات الصينية ولتدفُق الواردات من النفط والمواد الأولية من المنطقة والصادرات من السوق الصينية إليها، ولسلامة المواطنين الصينيين العاملين في دول المنطقة. وعلى خلاف الولايات المتحدة، تفتقد الصين خبرة الحضور العسكري في المنطقة، بما في ذلك تنفيذ عمليات عسكرية معقدة أو امتلاك قواعد عسكرية في المنطقة. ومع ذلك أدت التغييرات التي طرأت على الأوضاع الاقتصادية والأمنية إلى تبني الصين أنماط جديدة من العمل أبرزها المشاركة الصينية النشطة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط وإفريقيا. كما لعبت بكين، منذ عام 2008، دوراً نشطاً في العمليات الدولية ضد القرصنة في القرن الإفريقي والدفاع عن طريق التجارة الدولية ورعاياها في الخارج وعمليات إجلاء من مناطق خطرة في أوقات الحاجة. واستهدفت الإصلاحات العسكرية التي تبنَاها الرئيس الصيني بناء قدرات عسكرية صينية قادرة على العمل بعيداً عن الحدود وتغيير الأولويات الاستراتيجية للبلاد. وفي هذا السياق، أقامت بكين قاعدة عسكرية لها في جيبوتي افتتحتها في أغسطس 2017.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يصعُب القول بأن للصين تأثير يذكر في المنطقة ومشكلاتها، حيث يظل هذا التأثير محصوراً، وإلى حدٍ كبير، في قوتين اثنتين هما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، واللتين تتحمل كل منهما أعباء متفاوتة في قيامهما بدورهما المؤثر في الإقليم. ولايبدو أن الصين مستعدة، على الأقل حتى الآن، للقيام بدورٍ سياسي يتلاءم مع إمكاناتها الاقتصادية والتجارية الهائلة في المنطقة. وترى بكين أنه لايوجد مبرر لاستثمار موارد أو حتى تحمل مخاطر بدلاً من الدورين الأمريكي والروسي في منطقة مثل الشرق الأوسط تتعاظم فيها المخاطر، ناهيك عن حتى مجرد التفكير في الحلول محلهما. وقد تجسد هذا “اللادور” مؤخراً في موقف الصين من أزمة السد الإثيوبي. إذ أنه بالرغم من الاستثمارات الصينية الضخمة في إثيوبيا، والتي تتجاوز أي قوة أخرى كبرى بما فيها الإتحاد الأوروبي، بل وتعاقدها على توريد توربينات السد لأديس أبابا، وفي الوقت ذاته تمتعها بعلاقات متميِزة بالقاهرة، إلا أن بكين آثرت الصمت على مدى عقدٍ كامل رغم قيام القاهرة بحثِها على القيام بدورها في النزاع مراراً وتكراراً. وعندما عرضت القاهرة الأزمة على مجلس الأمن الدولي في يونيو الماضي تبنَت الصين مقاربة سلبية تعتمد على مصلحة ذاتية ضيِقة بما لايتفق ومسؤوليات دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، حيث أشار ممثلها إلى أن المجلس ليس المحفل المناسب لمناقشة هذه الأزمة. وبطبيعة الحال، وبحكم كونها دولة منبع، يُمكن تفهُم تبنِي الصين هذا الموقف، إلا أنها وبحكم انخراطها في المنطقة ومع الدولتين طرفي النزاع كان يجب أن تتفهم أنه لم يكن أمام مصر سوى اللجوء إلى مجلس الأمن بعد نحو عقدٍ من المماطلة والتعنُت وسوء النوايا من الجانب الإثيوبي. وكان بوسع الصين بحكم هذا الانخراط وعلى هذا المدى الزمني الطويل فعل شيء أو القيام بدورٍ ما، هي بالقطع مؤهلةً له، يقنعنا بأن هذا العملاق الاقتصادي يستطيع فعلاً النهوض ببعض مسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، خاصةً وأن الأمر يتعلق بتهديد لأمن واستقرار إقليم للصين مصالح ضخمة فيه.
وهكذا فإن انخراط كلٍ من واشنطن وموسكو في المنطقة يخدم مصالح الصين التي تكتفي بالتركيز الأساسي وإدخار قدراتها لمنطقة جوارها المباشر وفنائها الخلفي هي شرق آسيا الأكثر أهمية لها من الناحية الاستراتيجية. وفي هذا السياق، تتبادل الصين الأدوار مع روسيا التي تتولى القيادة في الشرق الأوسط ووراءها الصين، بينما تتولى الأخيرة القيادة في شرق آسيا مؤيدةً من روسيا.
وتظل سياسة الصين الشرق أوسطية في المستقبل لغزاً كبيراً خاصةً على الصعيد الأمني والعسكري، حيث يستبعد البعض أن تنخرط في مشكلات المنطقة المعقدة وحروبها الأهلية أو التوجهات الخاصة بانتشار أسلحة الدمار الشامل. وقد عبَر المسئولون الأمريكيون مؤخراً عن القلق على المصالح الأمريكية في المنطقة بسبب ما أثير حول اتفاق اقتصادي أمني منتظر توقيعه بين الصين وإيران، كشفت عنه طهران مؤخراً، يُؤمِن للصين صادرات نفطية من طهران لخمسةٍ وعشرين عاماً. ويرى بعض المراقبين أن الصين تريد بالفعل توسيع وتعميق علاقاتها بالشرق الأوسط، ولكن من غير المرجح أن يشمل ذلك حضوراً عسكرياً أكبر. إذ يظل تركيزها على الاتفاقات الدبلوماسية والاقتصادية لضمان النَفاذ إلى النفط أكثر من استخدام القوة العسكرية.
والخلاصة هي أننا نأمل أن تقود السياسة الخارجية الواثقة للرئيس شي جينبينج في منطقة شرق آسيا وتعاظم قوة الصين العسكرية وتنامي قدرتها على حماية مصالحها في الخارج وتعاظم مصالحها الاقتصادية والتجارية مع بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا إلى انخراط الصين سياسياً وأمنياً في شئون المنطقة، جنباً إلى جنب مع انخراطها النشط والمتواصل في المشروعات الكبرى في المنطقة في مجالات البنية التحتية، بما فيها مشروعات النقل والبناء والطاقة وغيرها.
فالهدف هو توفير بيئة آمنة ومستقرة تتيح للدول التنمية والتعاون المشترك على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وهي مبادئ أكدتها الصين بقوة في مبادرتها المعروفة بـ”الحزام والطريق” ورفعتها شعاراً في مقاربتها لقضايا دولية لاتحصى.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 31 أغسطس 2020، ورابط دائم :
https://www.shorouknews.com/columns/print.aspx