حلقة نقاشية حول “الآثار المحتملة لاتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل على المصالح المصرية”
سبتمبر 17, 2020بيان المجلس بمناسبة “اليوم العالمى للإزالة التامة للأسلحة النووية – 26 سبتمبر”
سبتمبر 26, 2020
سفير / د صلاح حليمه
تتسم العلاقات المصرية السودانية بتعدد الروافد التى تمتد بجذورها فى أعماق التاريخ ، على النحو الذى توصف معه بانها علاقات فريده ومتفرده وتتسم بالخصوصية . تتأسس تلك العلاقات على ثوابت الجغرافيا ووقائع التاريخ والروابط الثقافية والوشائج الاجتماعية فضلا عن رابطة نهر النيل الذى يمثل شريانا تاجيا بين البلدين لأبناء الوادى . تتجسد تلك الروافد فى مقولة شعب واحد فى دولتين كل منهما عمقا إستراتيجيا للآخر . ولعل ما يجعل تلك الروافد كتلة صلبه لا تنال منها الازمات أو المواقف السياسية غير المواتية ما يحظى به الموقع والموضع الاستراتيجى للبلدين فى القارة الافريقية فى إتصال بالمنطقة العربية من أهمية عظمى، حيث يتعاظم الامن المتبادل بينهما فى إتساق مع الامن الاقليمى بمنطقة البحر الاحمر ومنطقة الخليج ، وحيث الآفاق الرحبة للتكامل الاقتصادى لما فيه المصالح المشتركة ،بما يتوافر لديهما من الموارد البشرية والطبيعية الضخمة كما ونوعا فى الاطار الثنائى وفى الاتساق ايضا مع المنطقتين المشار اليهما .
واقع الامر، وعلى الرغم مما تقدم ، فمن طبيعة الامور قد لا يخلو الامر من رواسب تاريخية أو مستحدثة ، واذا كانت الاولى تجاوزها الزمن وتراجع تأثيرها رغم محاولات البعض أيقاظها وتضخيمها ، بل واستغلالها ضد مصالح الشعبين ، إلا أن الثانية بتداعياتها تباشر حاليا آثارا سلبية محدودة ، وهى نتاج حكم الرئيس المخلوع عمر البشير الذى جاء إلى سدة الحكم بانقلاب عام 1989 فى إرتباط بالحركة الاسلامية ( الاقليمية / الدولية ) ، وعبر حزب اسلامى ( جبهة الانقاذ ) ترأسه آنذاك حسن الترابى .وقد إقترن هذا التوجه ـ الذى تجسد فى مرحلة لاحقة فى حزب المؤتمر الوطنى برئاسة البشير _ بنزعة ذاتية تتسم بمنحى استقلالى عن الشقيقة مصر تحت مظنة ان تلك النزعة أمام الشقيقة الكبرى تحقق شعبية للنظام الوليد وتثبت اركانه . وقد تجسد ذلك فى سلسلة من الممارسات والاجراءات المعادية لمصر بدءا بمصادرة الممتلكات المصرية والاستيلاء عليها ، وتحويل فروع الجامعات المصرية فى الخرطوم الى جامعات سودانية ( والتى تم أعادتها مؤخرا فى ظل النظام الجديد ) ، من منطلق الادعاء فى إطار تحرك من جانبه إقليمى ودولى واعلامى بان مصر دولة إحتلال . وفى ظل هذا التوجه اقام علاقات مع التنظيمات الاسلامية فى مصر وخاصة الاخوان والتى وصلت الى حد تدبير السودان ومشاركته فى محاولة اغتيال الرئيس الاسبق مبارك عام 1995 فى اديس ابابا . وقد تولد عن مجمل هذه الممارسات والاجراءات والادعاءات منحى يتسم بالكراهية ضد مصر لدى البعض خاصة من الاجيال الجديدة . لقد كان هذا التوجه الاسلامى المتطرف ومحاولة فرضه بالقوة على جنوب السودان احد الاسباب الرئيسية لانفصال جنوب السودان بدعم غربى قوى ،مما افقد معه خيار الحفاظ على وحدة السودان اية جاذبية لدى ابناء جنوب السودان .
ورثت الثورة السودانية المباركة السلمية الشاملة تركة ثقيلة للغاية ، داخليا ، ما بين وضع سياسى متأزم ، ووضع اقتصادى متدهور ، ووضع إجتماعى متفكك بحروب أهلية فى أطراف السودان ، وخارجيا ، علاقات متوترة مع دول الجوار ، وضع السودان على قائمة الدول الراعية للارهاب ، مع ارتباط بالمحور الثلاثى السئ السمعة دوليا ( تركيا ايران قطر ) بتوجهاته القائمه على التدخل فى الشئون الداخلية للدول ، ودعم الارهاب والتنظيمات المتطرفة ، عقوبات اقتصادية ، ديون خارجية ( 60 مليار دولار ) ، المحكمة الجنائية الدولية لارتكاب البشير جرائم ابادة جماعية ، جرائم إنسانية ، جرائم حرب . لا غرو على ضوء ما تقدم أن يقدم البشير اليوم للمحاكمة لقيامه بانقلاب عام 1989 ، وربما هى سابقة لم تحدث من قبل أن يقدم رئيس دوله للمحاكمة لقيامة بانقلاب مضى عليه ثلاثون عاما كان خلالها فى سدة الحكم .هذا بجانب أنه يحاكم على جرائم أخرى ابرزها جرائم الفساد .
وإذا كانت مصر سعت بجهد دؤوب طوال العقد الاخير من حكم البشير أن تدفع بالعلاقات بين البلدين ، نحو الافضل وإحتواء اية مواقف أو توجهات غير مواتية ، إلى حد توصل الجانبين إلى توقيع اتفاق استراتيجى بينهما فى اكتوبر عام 2016 ، تم بموجبه إنشاء آليات على جميع المستويات شاملا جميع المجالات ، إلا أن نظام البشير بتوجهاته المشار اليها ظل يراوغ ليراوح مكانه من حيث العداء لمصر ، وجعل الاتفاق حبرا على ورق.
لقد جسدت مصر موقفها تجاه ثورة الشعب السودانى فى ” دعم مصر لخيارات الشعب السودانى ” ، وتوافقت توجهات النظام الجديد فى السودان وسياساته الاقليمية والدولية مع نظيرتها المصرية ، وخاصة فى الاطار العربى ، حيث تم الابتعاد عن المحور الثلاثى المهدد لامن واستقرار دول المنطقة ، والساعى الى تفتيت وتقسيم دول ألى دويلات على أسس عرقية او دينية أو مذهبية . وتبنت مصر مواقف وسياسات داعمه للسودان فى قضاياه الوطنية المشار اليها ، سواء ما كان منها على المستوى الداخلى أو الخارجى ، ومن أبرزها قضايا رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ، اسقاط الديون ، رفع العقوبات بل وإضطلعت بدور إيجابى وبناء فى عملية السلام بين السلطة الانتقالية والحركات الثورية السودانية . كما بادرت باقامة جسر جوى بين البلدين لدعم السودان فى مواجهة كارثة الفيضان والسيول التى اجتاحت البلاد مؤخرا وتسببت فى خسائر مادية وبشرية جسيمه ، وهى فى التقدير بمثابة رسالة عاجلة وخطيره إلى أثيوبيا والقائمين على مفاوضات سد النهضة حول مدى حجم الضرر والخسائر المادية والبشرية ـ وقد تعد نوعا من الاباده الجماعية للانسان والنبات والحيوان ، التى قد تصيب السودان ومصر حال إنهيار سد النهضة ربطا بمعامل الامان محل هواجس ومخاوف شديدة لدولتى المصب, كما تفرض التطورات التى شهدها السودان على مدى عدة أشهر، وبالامس القريب من اعمال تدخل فى اطار الانشطة الارهابية بما يهدد الامن والاستقرار بالسودان وربطا بدول الجوار ، تعاونا فى المجال الامنى بين البلدين ، فكلاهما يواجه عدوا مشتركا وهو التنظيمات الاخوانية او الاسلامية المتطرفه المدعومه من المحور الثلاثى ، تلك التنظيمات ـ وأبرزها بقايا حزب المؤتمر الوطنى ـ التى يتراجع تواجدها فى مفاصل الدولة بالسودان بما تتلقاه من ضربات .
ومن الناحية العملية ، لعل تفعيل الحريات الاربع على النحو المنشود ( العمل / الاقامة / التنقل / الملكية ) فى ظل ما تم انشاؤه وتحديثه فى البنية التحتية بين البلدين من طرق برية ونهرية وبحرية وربط كهربائى وسكك حديدية تدفع نحو تنشيط العلاقات التجارية والاستثمارية ، خاصة وأن بالخرطوم منطقة صناعية مصرية ، يمكن أن تكون مصدرا لصناعات عديدة من بينها صناعات غذائية ضخمة باستثمارات مصرية ، تستمد موادها الاولية من الانتاج الزراعى السودانى بما لدى السودان من مساحات كبيره لاراضى زراعية خصبة يمكن ن تتوافر لها أيدى عامله مصرية ذات خبرة كبيره فى هذا المجال ، ربطا بمشروعات ضخمة لتحقيق الامن الغذائى العربى الافريقى .
كما يمكن أن تساهم مصرعلى المستوى الحكومى وعلى مستوى المنظمات الاهلية فى اعادة البناء والاعمار لما دمرته الحرب بولايات الاطراف وأيضا فى مجالى الصحة والتعليم ، ببناء قرى نموذجية وعيادات طبية ومدارس ،وايفاد قوافل طبية للنازحين واللاجئين ، وعلى مستوى السودان الاسهام فى علاج بعض الامراض المزمنه .
مجمل القول أن آفاق العلاقات المصرية السودانية رحبه للغاية متعددة الروافد ، يتعين تعظيمها وتناميها حاليا ، فى ظل مناخ سياسى موات تماما لما فيه المصالح الاستراتيجية المشتركة ، وقد يكون فى إحياء أتفاق التعاون الاستراتيجى الموقع بين البلدين فى عام 2016 أو تحديثه بما قد يتسق والتطورات الجديدة التى يشهدها السودان وتشهدها المنطقة بشموليته لجميع المجالات ، وبآلياته على جميع المستويات ما يدفع نحو تطوير العلاقات وتعميقها بين دولتى الشعب الواحد ، خاصة فى المجالين الامنى والتنموى ثنائيا وفى اطار منطقة البحر الاحمر فى امتداد لمنطقة الخليج .