بيان المجلس المصرى للشئون الخارجية بمناسبة دخول معاهدة حظر الأسلحة النووية “TPNW” حيز النفاذ
نوفمبر 1, 2020مصر وبايدن رئيسًا … السفير عبد الرؤوف الريدي
نوفمبر 11, 2020
بتاريخ 10 نوفمبر 2020، نظم المجلس ندوة حول” سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات المصرية / الأمريكية.. ما بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة”، والتي جرت في 3 نوفمبر 2020.
وتناولت الندوة المحاور التالية:
-
المحور الأول: سياسة الإدارة الجديدة الشرق أوسطية.
-
المحور الثاني: التحديات التي ستواجه الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط.
-
المحور الثالث: الإدارة الجديدة ومستقبل العلاقات المصرية/الأمريكية.
-
المحور الرابع: واقع ومستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية /الأمريكية.
– حول المحور الأول” سياسة الإدارة الجديدة الشرق أوسطية”، تناول د./ محمد كمال- أستاذ العلوم السياسية برنامج حملة بايدن واهتماماتها وأولوياتها في مجال السياسة الخارجية، ثم منطقة الشرق الأوسط في سياسة الإدارة الجديدة.
حيث أكد أن أولويات إدارة بايدن بالأساس ستكون القضايا الداخلية وعلى رأسها قضية الصحة والتعامل مع ازمة وباء كورونا المستجد وكيفية احتوائه. فرغم وجود بعض الأخبار عن ظهور لقاحات جديدة، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء الأزمة الصحية خاصة وأنها أزمة مزمنة ولا ترتبط فقط بوباء (كوفيد-19)، فضلاً عن أن الإدارة الجديدة سيقع على عاتقها النظر في كيفية التجاوب مع تداعيات أزمة الوباء على الاقتصاد، وماهية الاستراتيجيات الواجبة للتعامل معها.
أما الملف الآخر فيرتبط بملف توحيد الأمة الأمريكية والتعامل مع حالة الاستقطاب الداخلي، خاصةً وأن ترامب حصل خلال الانتخابات الأخيرة على نحو 70 مليون صوت أمريكي، وهو ما يعني وجود قاعدة انتخابية كبيرة له وهو ما يتطلب من الإدارة الجديدة وضع خطط للتعامل معها وإدارة الخطوط الحزبية. هذه القضايا الحوكمية ستتطلب من إدارة بايدن مزيد من الوقت والجهد.
وبالتالي فالسياسة الخارجية لن تكون ذات أولوية في أجندة الإدارة الجديدة، حيث سيغلب عليها الطابع الرمزي دون وجود تحركات حقيقية، ولكن سيتم العودة للاتفاقيات التي انسحبت منها إدارة ترامب كاتفاق تغير المناخ، والعودة لتمويل منظمة الصحة العالمية ، أي العودة للعمل المتعدد الأطراف من خلال المنظمات الدولية، والعودة للتقارب مع الحلفاء الغربيين حيث من المقرر عقد قمة مع الاتحاد الأوروبي في إطار حلف الناتو، إلا أن العودة للقيادة من جديد ستقابل بالعديد من التحديات، فمثلاُ عودة الإدارة الجديدة لاتفاقيات التجارة عبر المحيط الهادئ قد يقابل برفض شعبي في ظل تصاعد الشعبوية ضد ما يعرف بالعولمة، والرفض التام لتحرير التجارة بين الدول .
ولكن يمكن القول إنه وبخلاف النهج الذي تبناه ترامب والقائم على عدم توريط الولايات المتحدة في مغامرات خارجية، إلا أن نهج الرئيس بايدن سيماثل نهج إدارة أوباما بالتدخل ولكن دون ارتكاب حماقات كبرى، وستكون أيضاً هذه هي نصيحة الولايات المتحدة لحلفائها. أما عن علاقاتها بالقوى الكبرى كروسيا والصين فسيستمر النهج المتشدد، والجديد هنا أن عنصر القيم سيكون عنصراً حاكماً في علاقات الولايات المتحدة مع الدول الكبرى والدول النامية، حيث تحدث بايدن كثيراً عن حقوق الإنسان والديمقراطية حيث ستكون قضايا أساسية في السياسة الخارجية تجاه دول الشرق الأوسط وروسيا والصين.
وفيما يتعلق بعملية صنع القرار تجاه منطقة الشرق الأوسط، بحكم كونه سياسي مخضرم ولعب دوراً هاماً حينما كان عضواً في مجلس الشيوخ منذ عام 1973، فإن ذاكرة بايدن السياسية ستلعب دوراً هاماً في تعامله مع قضايا المنطقة. لكن ومع ذلك فإن منطقة الشرق الأوسط لن تحتل أولوية في سياسة الرئيس بايدن حيث سيحاول لعب دور في حل الأزمات في المنطقة ولكن دون تدخل قوي إزاء هذه الأزمات التي سيكون التدخل فيها من منطلق مراعاة حقوق الإنسان. ورغم عدم تبني موضوع صفقة القرن إلا أنه من غير المرجح أن تنتقص من الهدايا التي مُنِحَت لإسرائيل في عهد الإدارة السابقة. وبالنسبة لإيران، سيحاول الرئيس بايدن استعادة بعض المكاسب التي حققتها إدارة أوباما. ورغم وجود بعض السخط لدى الديمقراطيين من بعض السياسات التي تنتهجها الدول العربية ودول المنطقة إزاء ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أنه لن يكون هناك فرض مزيد من العقوبات على دول المنطقة، ومع ذلك فعلى الدول العربية ودول المنطقة جميعها أن تدرك أن صناعة السياسية الأمريكية ستتم عبر عملية مركبة تشترك فيها كل مؤسسات الدولة مع البيت البيض، وهو ما يعني ضرورة التعامل مع كافة مؤسسات الدولة وكذلك مراكز الفكر والإعلام. وعليه، سيتم الاعتماد على المؤسسية. فعكس أسلوب الرئيس ترامب فإن بايدن سيعمد على إحياء دور مؤسسات الدولة (الدفاع والخارجية ومجلس الأمن والمخابرات)، كما ستلعب نائبة الرئيس السيدة/ كامالا هاريس دوراً هاماً في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية. أما بالنسبة للتيار الليبرالي التقدمي فقد لعب دوراً هاماً في وصول الرئيس بايدن للبيت الأبيض وسيتولون مناصب سيادية، في حين سيتم الاستعانة ببقايا إدارة أوباما كمساعدين ومستشارين للإدارة الجديدة وقد يتبنون سياسات تؤدي لحالة من الصخب وإثارة المشاكل نظراً لأن تصرفاتهم ستنطلق من القضية الحاكمة لها وهي حقوق الإنسان.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن الإدارة الأمريكية ستدرس مدى أهمية الدور المصري في تسوية الخلافات في المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية، وستكون هناك صياغة لاستراتيجيات للتعامل مع الوضع السياسي وملف حقوق الإنسان في مصر.
– نوًه السفير/د. محمد أنيس سالم- عضو المجلس، في حديثه عن المحور الثاني” التحديات التي ستواجه الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط”، إلى أن العالم أمام حقبة جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ولكن لن يتم استدعاء قضايا وشخصيات أو حتى طرق قديمة للتعامل مع المشهد الراهن في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً وأن الأوضاع قد تغيرت. وفي هذا الصدد، أوضح السفير سالم أن هناك نوعين من التحديات تواجه الإدارة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط هما:
– ميراث إدارة ترامب، والذي وصفه بالمشوه، في ظل عدم تبني إدارته العقيدة الحاكمة للولايات المتحدة والتي تقوم على مبادئ أيزنهاور وجيمي كارتر وغيرهم، حيث ظلت تلك السياسات حاكمة للولايات المتحدة لسنوات إلى أن جاءت إدارة ترامب وتخلت عنها وحارب المؤسسات الأمريكية مما أسفر عن حال من الانقسام والتمايز والاستقطاب داخل البيت الأمريكي، وأبعد الرئيس ترامب الحكماء من حوله داخل البيت الأبيض وعمد لانتهاج سياسة يحددها صهره جاري كوشنر.
– أما فيما يتعلق بالتحدي الثاني فيرتبط بخصائص المشهد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، والذي وصفته العديد من الكتابات الأمريكية بألفاظ جديدة بكونها منطقة تتميز بالتعقيد الشديد وعدم الوضوح وارتفاع معدلات استخدام العنف فيها واستمرار الحروب الفاشلة لفترات طويلة لا تنتهي. كما تطورت اليوم تدخلات للقوى الإقليمية (تركيا وإيران وإسرائيل) تتفوق على العرب مما يعني أن أي تدخلات جديدة في المنطقة من قبل الولايات المتحدة ستتطلب مهادنة هذه الدول وإعطاء مساحات لها للتحرك في العالم العربي.
وأضاف سالم، مثل سابقه، أن الشرق الأوسط لم يعد له أهمية استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، مبرراً ذلك بالاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة في مجال الطاقة بل والانتقال للتصدير، فضلاً عن أن المستورد والمستفيد الأكبر من هذه الطاقة هي النمور الآسيوية وعلى رأسها الصين المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة. وعليه، فالولايات المتحدة ليست بحاجة لإنفاق مواردها من أجل تأمين الطاقة لآسيا، وهو ما أدى لقيام الولايات المتحدة بإعادة التموضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ناهيك عن أن الدعوات الأمريكية لبناء نظام إقليمي لمنطقة الشرق الأوسط قد فشلت.
وعليه فالخصائص المتغيرة للشرق الأوسط ستدفع بايدن لانتهاج سياسات ومراجعات مختلفة عن السياسيات القديمة والتعامل مع الواقع على أنه واقع مغير من وجهة نظر براجماتية، وسيتم إعادة الاعتبار للدبلوماسية الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية.
– في حديثه عن المحور الثالث ” الإدارة الجديدة ومستقبل العلاقات المصرية/الأمريكية”، أكد السفير/ محمد توفيق- عضو المجلس، أن حديثه سيكون من خلال الحديث عن ماذا تريد مصر من الإدارة الأمريكية؟ وماذا يمكن أن تقدم للإدارة الأمريكية؟، منوهاً في البداية للملاحظتين التاليتين:
-
عند حدوث تغير كبير في أي دولة، فإن ذلك يوفر مجموعة من التحديات وأيضاً الفرص، وأساس أي تفكير استراتيجي سيكون من خلال تحييد التحديات والاستفادة من الفرص الجديدة.
-
أن إدارة أوباما في سياستها تجاه مصر كان لها جناحين في كيفية التعامل مع ثورة 25 يناير 2011، الأول: ومن ضمنهم الرئيس المنتخب بايدن، يريد انتقال السلطة في مصر بشكلٍ منظم، أما الجناح الآخر، وهو جناح الشباب الثوريين الذي مال إليه أوباما، فقد نادى بوجوب الانتقال للسلطة لتكون للإخوان، ومن ثم التخلص من عبئهم بانخراطهم في السلطة. وقد عدل أوباما عن موقفه وعادت العلاقات لطبيعتها وكذا المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وحصلت مصر على دعم أمريكي مكًنها من الحصول على قروض تنموية من المؤسسات المالية الدولية.
وعليه، فعند تناول ما يمكن أن تكون عليه سياسة بايدن تجاه مصر لابد من الوضع في الاعتبار أن بايدن منذ البداية لم يكن توجهه دعم الإخوان ولا التوجه الثوري الذي تبنته إدارة أوباما.، وما سيحكم بايدن خلفيته التاريخية التي تقوم على أهمية الدور الاستراتيجي لمصر الذي يحاول البعض التشكيك فيه اليوم.
– أما عن التساؤل عن ماذا تريد مصر من الإدارة الأمريكية الجديدة؟، فيمكن تلخيص ذلك إجمالاً فيما يلي:
* هناك تطورات عديدة حدثت والإجابة على هذا التساؤل سيعيد الأذهان للوراء، حينما كانت تريد مصر من الولايات المتحدة تفهم دورها في الحفاظ على استقرار المنطقة والتعاون مع مصر في مجالات جديدة والحفاظ على الوضع القائم في العلاقات الثنائية وحتى رغم ظهور منغصات لها، كان يتم الحفاظ على الوضع القائم وتجاوز تلك المنغصات، ولوحظ ذلك من استمرار المساعدات الأمريكية لمصر لعقود بنفس المبالغ، دون زيادة بل وبالنقصان، واستمرار المقاومة المصرية لأية تغيرات طرأت على الموقف الأمريكي.
والوضع لم يعد كما كان عليه في السابق، فمصر اليوم تواجه تحديات استراتيجية من الشمال تتعلق بالدور التركي في شرق المتوسط، وتدخلها في ليبيا ووصل الأمر لتهديد استراتيجي لأمن مصر القومي، ومن الجنوب فهناك حالة عدم استقرار في السودان، فضلاً عن قضية سد النهضة والتوتر مع إثيوبيا، وفي الشرق ما تزال القضية الفلسطينية التي تمثل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري تراوح مكانها، ولا زال قطاع غزة يمثل مشكلة كبرى لمصر إلى أن يتم التوصُل لتسوية للقضية الفلسطينية.
* وعليه، وفي ظل هذه التهديدات، ليست مصر بحاجة للحفاظ على الوضع القائم بل إن المطلوب منها يتجاوز ذلك. فهناك حاجة ملحة لتسوية الأزمة الليبية وتحجيم النشاط والدور التركي في المنطقة وصياغة حلول مقبولة لأزمة سد النهضة ولعب الولايات المتحدة دور فعال تجاه القضية الفلسطينية. وهذا كله من منظور استراتيجي إلا أن مصر أيضاً في حاجة لبناء تعاون قوي وفعال اقتصادياً وسياسياً مع الشريك الأمريكي.
– أما فيما يتعلق بما يمكن لمصر تقديمه للولايات المتحدة:
فقد ساعدت مصر سابقا في تقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي في إيجاد إطار دولي ساعد الولايات المتحدة بعدم التدخل في المنطقة بعد غزو العراق، رغم بغض مصر إيفاد قوات عسكرية مصرية خارج حدودها. أما اليوم فيمكن التفكير في تعظيم ما يمكن تقديمه ولعب دور أكثر فاعلية في المنطقة بحيث يكون دوراً مؤثراً من منظور الولايات المتحدة، والتصور لهذا الموضوع يقوم على:
-
استغلال المناخ السياسي الراهن في ظل المنافسة الأمريكية/ الصينية، وتحويل مصر لمنطقة جاذبة للاستثمارات الأمريكية في ظل خروج بعض الشركات الأمريكية من الصين وخلق مجال لهذه الشركات في مصر.
-
الصورة الذهنية لمصر في الغرب والولايات المتحدة تحتاج لجهد مضاعف لتغييرها.
-
لعب دور هام في المجال السياسي، ففي ظل عدم حاجة الإدارة الجديدة لبذل جهد كبير في المنطقة، وعدم إهدار وقت الإدارة الجديدة في مشاكل لا حصر لها- خاصة في ظل عدم نية بايدن للترشح لفترة رئاسية جديدة- فهو يريد الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة دون جهد وكلفة كبيرة، وبالتالي فمصر يمكن أن تستغل ذلك لتقديم افكار جديدة بشكلٍ يتلاءم مع حاجة مصر والولايات المتحدة ، بحيث تساهم تلك الأفكار في حل أزمات المنطقة وتسويتها خاصةً وأن ذلك يلبي حاجة الولايات المتحدة، فليس من مصلحة واشنطن انفجار الأوضاع والأزمات في المنطقة.
من جانبه، تناول رجل الأعمال أ./ محمد قاسم المحور الرابع الخاص بـ “الإدارة الجديدة ومستقبل العلاقات الاقتصادية المصرية / الأمريكية”، مشيراً إلى ما يلي:
-
إن التواجد الاستراتيجي الأمريكي في أرجاء العالم المختلفة يستهدف تحقيق أغراض اقتصادية في المقام الأول، وأن المعضلة الأساسية فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية المصرية / الأمريكية تتمثل في كيفية تحقيق التوازن بين مصالح مصر الاقتصادية والتوجهات السياسية الرئيسية للقوة العظمى، مشيراً إلى انعدام فرصة الرفاهية التي كانت تتمتع بها الحكومة المصرية في خياراتها في السابق.
-
إن ظهور ترامب لم يكن مفاجئاً؛ حيث ينتمي لموجة كبيرة آخذة الآن في الانتشار بصورة كبيرة على مستوى العالم؛ ألا وهي الموجة الشعبوية، وما يميز ترامب أنه الممثل الأبرز لهذه الموجة. بيد أن خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لا تعنى اختفاء تلك الظاهرة، ومن غير المتوقع أن يكون ترامب آخر الشعبويين في الولايات المتحدة، ويتجلى ذلك بوضوح في حصوله على أصوات أكثر من 70 مليون ناخباً، ما يعنى تقريباً نصف أصوات المشاركين في تلك الانتخابات. وإذا كان الرأي العام الأمريكي يؤيد هذه الفجاجة بهذا الزخم، فهذا يعنى عدم التفاؤل بشأن مستقبل الولايات المتحدة، ولا مستقبل العالم كذلك.
-
ومع ذلك، لا يزال هناك أملٌ في تخفيف حدة هذه الموجة الشعبوية، بتوقع حدوث بعض التغييرات على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة، والتي من بينها:
أولاً: عودة الحوار المتحضر في السياسة الخارجية الأمريكية، بدلاً من الأسلوب الفج الذي كان ينتهجه ترامب ووزير خارجيته.
ثانياً: ستكون هناك عودة لإيلاء الاهتمام بكافة جوانب القضايا المطروحة، ولن يتم الاستمرار على النحو الذي كان يعالج به ترامب الأمور، من حيث الانتقال السريع بين الأزمات والقضايا المثارة دون إيجاد حلٍ لها، ومثال ذلك ما حدث مع الصين والمكسيك وكندا وكوريا الشمالية… إلخ.
ثالثاً: إن بايدن يمتلك تصوراً للسياسة الخارجية، ربما لم يرقَ إلى “عقيدة”، ولكن على الأقل سيمثل أبعاد توجه أمريكي ساد في العديد من الإدارات الأمريكية السابقة. ولكن من المتوقع أن يواجه بايدن مشكلة كبيرة في بداية تقلده منصبه، وهي التوفيق ما بين حزبه وبين الجناح القوى جداً للجمهوريين، إذ لا يمكنه تجاهل أكثر من 70 مليون صوتاً حظي ترامب بثقتهم.
رابعاً: من المتوقع أن يقوم بايدن بإعادة بناء التحالفات التي ضربها ترامب، مثل التحالف الأمريكي – الآسيوي والتحالف الأمريكي – الأوروبي، بما في ذلك إعادة الاعتبار للناتو.
-
من جملة ما سيقوم بايدن بإصلاحه هو ما حدث للنظام الاقتصادي العالمي من أضرار تحت إدارة ترامب، والتي كان لها أسوأ الأثر على حركة التجارة العالمية وقواعدها التنظيمية. ومن ذلك منع ترامب تعيين قضاة أمريكيين في الهيئة المعنية بتسوية النزاعات التجارية والاقتصادية الدولية في منظمة التجارة العالمية، ما أدى إلى حدوث نوع من الشلل لتلك المنظمة الهامة.
-
بالنسبة للعلاقات التجارية المصرية – الأمريكية، تحتل الصادرات المصرية للولايات المتحدة المرتبة التاسعة والخمسين في قائمة الاستيراد الأمريكية بنحو 3.3 مليار دولار، نصفها تقريباً منسوجات. من جهة أخرى، تستورد مصر منتجات أمريكية بنحو 5.5 مليار دولار، معظمها الطائرات والقمح.
-
وما يحكم العلاقات التجارية المصرية – الأمريكية اتفاق إطاري موقع عام 1994، والمسمى “اتفاق الشراكة من أجل النمو الاقتصادي والتنمية”، والذي أنشأ ثلاث لجان، هي: اللجنة المشتركة للتنمية الاقتصادية؛ المجلس المشترك للعلوم والتكنولوجيا؛ المجلس الرئاسي للبيئة. ولا بد من الإشارة إلى أنه لم تقع اجتماعات دورية للجان الثلاث، بل كانت تتم على فترات متباعدة، ما أفقدها فاعليتها وتأثيرها على تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين. في سياق متصل، كان هناك اقتراح أمريكي في عام 1999 بإبرام اتفاقية إطارية للتجارة والاستثمار “Trade and Investment Framework Agreement” مع مصر، ولكن الأخيرة لم تأخذ الاقتراح على محمل الجد. ما أفضى إلى تراجع أهمية العلاقات الاقتصادية مع مصر بالنسبة للجانب الأمريكي بشكلٍ سلبي للغاية، على مدار السنوات اللاحقة. من جهة أخرى، برزت فرصة للتشاور على إبرام اتفاقية تجارة حرة بين البلدين في عام 2005، لكن باء هذا المشروع بالفشل كذلك. وفى عام 2009، قدمت القاهرة أربع مبادرات لتنشيط علاقاتها التجارية والاقتصادية مع واشنطن؛ أحدها في حقوق الملكية الفكرية، والثاني في مجال تسهيل التجارة، والثالث في مجال التوزيع والخدمات اللوجيستي، والرابع في مجال المنافسة وحماية المستهلك.
-
أن المجال الآخر للعلاقات التجارية الحالية، والذي له أهمية كبيرة وجانب سياسي واضح، يتمثل في بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة (QUIZ)، الذي تم توقيعه سنة 2004 بين كلٍ من مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، ودخل حيز النفاذ سنة 2006. وبموجبه، تستفيد مصر من العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في إطار اتفاق تجارة حرة، عبر تصدير المنتج المصري إلى الولايات المتحدة بإعفاء جمركي كامل مقابل استخدام مكون إسرائيلي. وشهدت الفترة من 2006 إلى 2011 نمواً في صادرات المنسوجات المصرية إلى الولايات المتحدة بمعدل سنوي 22%، لكن مع اندلاع أحداث 25 يناير وحالة عدم الاستقرار آنذاك ظل المعدل ثابتاً ثم انخفض. كما أن السياسات المالية والنقدية التي تم اتخاذها في مصر خلال تلك الفترة أدت إلى تآكل القدرة التنافسية للمنتج المصري، ما أفضى إلى استمرار انخفاض الصادرات المصرية، إلى أن استعادت قوتها تدريجياً بحلول نهاية عام 2016. وفيما يتعلق بالاستثمارات الأمريكية في مصر، فهي متواضعة إلى حدٍ كبير، حيث تُقدَّر بنحو 1,6 مليار دولار، نصفها تقريباً يتم في مجال البترول من قِبَل شركة (أباتشي) الأمريكية. كما تستثمر في البورصة المصرية في بعض السندات بنحو 2,3 مليار دولار.
-
أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة في حاجة إلى عوامل دفع قوية لتعزيزها وتنميتها. ويجب أن تكون نقطة الانطلاق من الجانب المصري، نظراً لمكانة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عظمى. وهناك أمثلة عديدة لدول حققت علاقات اقتصادية متميزة مع الولايات المتحدة، من خلال العمل على تعزيز وضعها الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال والاهتمام بالصحة والتعليم والإصرار على النجاح، من بينها فيتنام التي كانت في حرب مع الولايات المتحدة، وكانت تخضع في وقتٍ من الأوقات لضعف الضريبة على صادرتها كنوع من العقوبة في أعقاب حرب فيتنام. ولكنها استطاعت مع الوقت والانفتاح الخروج من أزمتها، بل وتُقدَّر صادرات فيتنام للولايات المتحدة اليوم بـ 69 مليار دولار.
المناقشات:
السفير/ رخا حسن:
أشار إلى أن مسألة التصويت في الانتخابات الأمريكية لا تعنى بالضرورة اتخاذ موقف عدائي تجاه مرشح ما، فهي عملية اختيار لا غير. ومن هذا المنطلق، لا يعنى تصويت أكثر من 70 مليون ناخباً لصالح ترامب اتخاذ هؤلاء موقفاً عدائياً تجاه الرئيس الفائز جو بايدن، أو الإبقاء على ذكرى ترامب. من جهة أخرى، فإنه من المرجح عودة عنصر القيم في السياسة الخارجية الأمريكية، من قبيل التأكيد على التمسك بقيم الديموقراطية والحريات العامة والحريات السياسية وحقوق الإنسان… إلخ، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية استخدام ذلك كوسيلة للمساومة والضغط في العلاقات الدولية الأمريكية.
كما أنه من المتوقع العودة الأمريكية إلى الاتفاق النووي الإيراني، إذا أعلنت إيران نيتها للعودة إلى الالتزام الصارم ببنوده، الأمر الذي يخفف بالتالي من التوتر في منطقة الخليج الحيوية لتجارة الطاقة الدولية. ويؤيد هذا التوقع ما أعلنه بايدن في خطاباته من أنه سيتوقف عن دعم العمليات العسكرية السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران، إذ قد تستخدم ورقة عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني، ضمن أشياء أخرى، لإثناء إيران عن دعمها للحوثيين في المقابل.
وفيما يتعلق بالعلاقات المصرية – الأمريكية، أشار السفير/ رخا إلى ضرورة استمرار مصر في تبنى المشروعات الكبرى، التي تدفع إلى جذب الاستثمارات الخارجية، بما في ذلك الاستثمارات الأمريكية، التي يتركز معظمها الآن في مجال البترول. وفيما يُتوقع بخصوص العلاقات السياسية بين مصر والولايات المتحدة، أشار إلى أنها ستظل كما هي، ولكن مع زيادة الضغوط والتحديات خلال المرحلة القادمة.
السفير د./ محمد بدر الدين زايد:
أكَّد أن مسألة الاستقطاب في التصويت، والتي أظهرتها عملية الانتخابات الأمريكية بين مرشحي بايدن وترامب، ليست دائمة، فـ “الترامبية – Trumpism” ظاهرة مؤقتة، ولا يمكن الادعاء بأنها ستؤثر على الصورة النهائية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية أو على مستقبلها.
من جهة أخرى، أشار إلى شكوكه بخصوص مسألة التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، إذ إنها تفتقد إلى الأدلة لإثبات ذلك، كما أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو في الأزمة السورية، وإن كان تدخلها العسكري محدوداً هناك، فضلاً عن أنها لا زالت تلعب دوراً بعيداً في الأزمة الليبية، وليس من صالحها استمرار أي من الأزمتين. وأشار السفير/ زايد إلى أنه لا بد من إمعان النظر في مستقبل العلاقات الأمريكية – السعودية، لاسيما وأن بايدن أبدى استيائه من تصرفات ولى العهد السعودي محمد بن سلمان، وأعلن أنه سيوقف تمويل بلاده للعمليات العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن. فهذا التغير في السياسة الأمريكية تجاه المملكة السعودية قد يسفر عن تغير مماثل في موازين القوى في المنطقة، ما يضع المزيد من التحديات والضغوط أمام الحكومة المصرية.
السفير/ حسين حسونة:
أشار إلى ضرورة فتح قنوات اتصال بالقوى الأمريكية الداخلية التي ساعدت بايدن على الفوز بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذلك لترجيح الاستعانة بهم في تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة. ومن هؤلاء نحو 3 مليون من العرب الأمريكيين الذين قاموا بدور كبير في حملات بايدن الانتخابية في كلٍ من ولايتي بنسلفانيا ومتشجن على نحوٍ خاص، وكذا اليهود الأمريكيين الذين صوَّت نحو 70 % منهم لصالح بايدن وليس ترامب، على عكس ما كان متوقعاً. ومن ثَمَّ، يجب الانفتاح على هذين الفصيلين وغيرهم، مع ضرورة ضمان شمولية التحرك في جميع الاتجاهات والمجالات.
تعقيب السفير/ عبد الرؤف الريدى:
أشار إلى أهمية البعد الاقتصادي في العلاقات المصرية – الأمريكية، لاسيما وأن الجانب الأمريكي يمثل قوة اقتصادية عظمى مؤثرة لا يستهان بها. وهذا بلا شك يفيد مصر كثيراً في حالة الحاجة للدعم الأمريكي في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما، فضلاً عن دور ذلك في تعزيز خطوات الإصلاح الاقتصادي المصري، عبر تعظيم الاستثمارات الأمريكية ومجالاتها وعوائدها.
من جهة أخرى، أشار إلى أن الأوضاع الداخلية في مصر وثيقة الصلة بسياستها الخارجية؛ إذ لا بد من العمل على تقوية بنية البلاد من الداخل لكي تستطيع ممارسة دور فاعل على المستويين الإقليمي والدولي. وفى هذا الصدد، تعرَّض لموضوع ضرورة تطوير البنية التكنولوجية والمعرفية في مصر لمواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين، لاسيما في ظل التقدم التي تحققه بعض القوى الإقليمية في المنطقة، مثل إسرائيل والإمارات على نحوٍ خاص.
هذا، وفيما يتعلق بتصورات الإدارة الأمريكية الجديدة، أكَّد السفير/ الريدى أن بايدن سيعيد إلى السياسة الخارجية الأمريكية القيم الليبرالية واحترام القانون التي افتقدها العالم في إدارة ترامب. ولكن سيكون عليه في ذات الوقت تحدياً كبيراً يتمثل في محاولة احتوائه أنصار ترامب الذين صوتوا لصالحه في العملية الانتخابية، والذين يُقدَّر عددهم بأكثر من 70 مليون صوتاً، والذين أوضح تصويتهم مدى تغلغل الأفكار الشعبوية والانعزالية التي أصبحت تنتشر في كثير من دول العالم اليوم.
من جهة أخرى، أشار سيادته إلى أن الأولوية للسياسة الخارجية المصرية في الوقت الحالي تذهب نحو قضيتين أساسيتين: وهما السد الإثيوبي وليبيا. وهذا يطرح ضرورة الاهتمام بالقارة الأفريقية، وما يتعلق بها في المشهد الأمريكي؛ إذ يفرض ذلك ضرورة التواصل مع الأمريكيين الأفارقة، لتجنب اتخاذ مواقف مناوئة للمصالح المصرية في أفريقيا، لاسيما بشأن موضوع السد، والذي تلعب فيه إثيوبيا دوراً تحريضياً فجاً عبر ادعاءاتٍ مغرضة. كما يقتضي ذلك ضرورة التواصل المصري مع الإدارة الأمريكية لتعزيز دور الأخيرة إيجاباً لحل الأزمة الليبية.
هذا، ولا بد من التواصل مع كافة مكونات عملية صنع القرار الأمريكي، وعدم الاكتفاء بأركان الإدارة الجديدة، وإنما أيضاً دوائر الكونجرس ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها الأمريكيين العرب واليهود الذين دعموا بايدن في الانتخابات. وأضاف أنه باستطاعة المجلس المصري للشئون الخارجية الاضطلاع بدور رئيسي في هذا الشأن.