بايدن وحلفائه الأوروبيين … محددات التعاون
مارس 5, 2021حلقة نقاشية حول “السياسة الخارجية الأمريكية فى ظل الإدارة الجديدة .. ومقاربتها المنتظرة لمنطقة الشرق الأوسط .. وتصوراتها للعلاقات مع مصر”
مارس 9, 2021
سفير / د صلاح حليمه
يواجه الامن القومى المصرى السودانى تحديات جسام ، تتمثل ، أولا ، فى تعثر مفاوضات سد النهضة على نحو أضحت معه تراوح مكانها ، فى وقت تلوح فيه بالافق مخاطر أضرارجسيمة تهدد الحياة والوجود بدولتى المصب من جراء الموقف الاثيوبى القائم على تصرفات أحادية تفرض أمرا واقعا.ويشكل هذا الموقف بتداعياته إنتهاكا واضحا وصريحا للمواثيق والقوانين الدولية والاتفاقات الثنائية والثلاثية ذات الصله. وتتمثل ، ثانيا ، فى تصاعد حالة التوتر بين السودان وأثيوبيا إلى حد الصدام المسلح على منطقة الفشقة الحدودية بين البلدين ، فى إنتهاك واضح وصريح أيضا من جانب أثيوبيا للمواثيق والقوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة . وحيث أن الامن القومى المصرى ، والامن القومى السودانى وجهان لعملة واحدة وان كلا البلدين عمق إستراتيجى للاخر ، إستوجب الأمر تضافر جهودهما وتوحيد مواقفهما فى مواجهة هذه التحديات ،سواء على مسار اللجوء الى كافة وسائل وطرق فض المنازعات بالطرق السلمية ، أو اللجوء عند المقتضى إلى إستخدام القوة ـ بمفهومها الواسع ـ أو التلويح بها فى إطار المواثيق والقوانين الدولية .
فى ظل تنامى حدة أزمة سد النهضة ، وتصاعد حالة التوتر بين السودان وأثيوبيا بصدد النزاع الحدودى تشهد العلاقات المصرية السودانية فى الفترة الاخيرة ، إتجاها قويا نحو التعاظم والتنامى فى جميع المجالات ، وبالتوافق والتطابق فى المواقف بصدد هذه التحديات مدعوما بالقوة بأشكالها المختلفة لكليهما . يجئ هذا الاتجاه وذلك التوافق والتطابق على خلفية تلاقى التوجهات السياسية لكلا البلدين عقب الثورة السودانية ، بالتفعيل الجدى لاتفاقات سابقة وأخرى مستحدثة بين البلدين محورها علاقات إستراتيجية من بينها اتفاقات أمنية وعسكرية ، إستوجبتها تزاوج المصالح ، والامن المتبادل ، وتعدد روافد هذه العلاقات من أبرزها رابطة مياه النيل . وتتويجا لذلك الاتجاه يمكن رصد مجموعة من التحركات السياسية والامنية على مستويات رفيعة ، ربطا بالامن القومى المصرى ، ونظيره السودانى فى إطار الامن الاقليمى ، فى محيطيهما العربى والافريقى .
لقد جاءت زيارة وزيرة خارجية السودان للقاهرة مؤخرا، وهى الاولى فى تحركها الخارجى عقب توليها هذا المنصب فى الحكومة السودانية الجديدة ولقائها الهام مع الرئيس عبد الفتاح السيسى ، والسيد وزير الخارجية ، ومعالى الامين العام للجامعة العربية لتؤكد على خصوصية الزيارة واهميتها فى هذا التوقيت ، خاصة بما أسفرت عنه من نتائج مثمرة فى الاطارين ، الثنائى والمتعدد . لقد تم الاتفاق على التفعيل الجدى على أرض الواقع للآليات الوارده بكافة الاتفاقات السابقة والمستحدثة والتى تشمل جميع المستويات وتتناول جميع المجالات فى إطار من التنسيق والتشاور ووحدة المواقف والرؤى بصدد التحديات الجسام التى تواجه كلاهما أو أى منهما ، وخاصة ما يتعلق بأمنهما القومى المائى كدولتى مصب ، وبدعم السودان فى المحافظة على وحدة أراضيه وسلامته الاقليمية ضد أية مطامع إستعمارية من دولة الجوار الاثيوبية . من المؤكد سوف تتعزز تلك النتائج بالزيارة المرتقبة للرئيس السيسى للسودان والمنتظر إتمامها خلال أيام لتشكل نقلة نوعية فى العلاقات بين البلدين فى جميع المجالات بصفة عامة وفى المجالين الامنى / العسكرى والاقتصادى بصفة خاصة ، ليعقبها زيارة رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك للقاهرة ، طبقا لما تم اعلانه فى هذ ا الشأن .
وفى نفس الاطار جاءت زيارة بالامس القريب لرئيس اركان القوات المسلحة المصرية للسودان الفريق محمد فريد ومباحثاته مع كبار المسئولين والقيادات العسكرية ، وما أسفرت عنه من نتائج ايجابية فى المجالين الامنى والعسكرى من أبرزها توقيع اتفاق للتعاون فى المجال الامنى / العسكرى بين البلدين تعزز بموجيها الرصيد التراكمى للعلاقات بينهما فى هذا المجال . وقد سبق الزيارة منذ بضعة أشهر مناورات جوية مشتركة ” نسور النيل ” بمنطقة مروى المتواجد بها أكبر وأحدث السدود السودانية ( سد مروى )، وهو أمر له مغزاه العميق الواضح الدلالة . والثانى ، تنامى توجه من جانب السودان مقترنا برؤية مشتركة مع جنوب السودان وبقبول ودعم من جانب أعضاء فى المجتمع الدولى نحو إنهاء تواجد قوات أثيوبية قوامها 5000 عنصر تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة فى منطقة أبيى المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان . وعلى الرغم من أن هذا التواجد تحت مظلة الامم المتحدة ، إلا أنه يثير هواجس ومخاوف لدى الشعب السودانى وقياداته فى ظل النزاع الحدودى بين البلدين .
واقع الامر لم تزل أزمة سد النهضة تراوح مكانها وتدور المفاوضات بشأنها فى حلقة مفرغة ،وأن هناك مخطط أثيوبى يزاوج بين أهداف تنموية واخرى سياسية . فى هذا الاطار ترفض أثيوبيا الوساطه كأحد آليات فض النزاع بالطرق السلمية ، رغم ورودها بالمادة العاشرة من اعلان المبادئ لعام 2015 كأحد تلك الآليات .ويعد الرفض الاثيوبى للوساطة خروجا عن الاحترام الدولى للقوانين الدولية والاتفاقات الدولية ذات الصلة وخاصة اعلان المبادئ .
تستوجب المحافظة على الحقوق المشروعة لدولتى المصب وتجنب بل ووأد الاخطار الجسيمه التى قد تحيق بهما ، ضرورة احترام اثيوبيا لقواعد القانون الدولى العام والقانون الدولى للمجارى المائية والقانون الدولى الانسانى والمواثيق الدولية والاتفاقات الدولية ذات الصلة والالتزام بهم .وهو ما يستتبع بالتالى دفع اثيوبيا لتغيير موقفها جذريا “طــوعـــا “عبر مسار تفاوضى جاد او” جبــــرا ” على ذات المسار عبر اللجوء الى حق الدفاع الشرعى عن النفس الوارد فى إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من منطلق أن الموقف الاثيوبى يشكل اخطارا جسيمه على دولتى المصب من اغتيال للحياة والوجود بهما وايضا من تهديد صارخ للامن والسلم الاقليميين والدوليين .
واذا كان ملف الازمة يتأرجح ما بين الافرقة أى فى اطار الاتحاد الافريقى أو التدويل أى فى اطار الامم المتحدة ، مع عجز رعاية الاتحاد الافريقى عن تحقيق أى أنجاز ملموس ، فقد أضحى الأخذ بالمقترح السودانى المؤيد من مصر بقوة والمتمثل فى تدويل الملف بدور لوساطة رباعية ـ الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبى والاتحاد الافريقى والولايات المتحدة ـ مطلبا ملحا وعاجلا .
إن النهج الاثيوبى فى التعامل مع أزمة سد النهضة تأخذ به فى التعامل أيضا مع التوتر الحدودى مع السودان حيث لا تعترف بالاتفاقات المبرمه فى هذا الصدد وخاصة اتفاقيتى 1902 ، 1903 ، وبذات الحجج الواهية ، لتكشف بذلك عن اطماعها الاستيطانية فى اراضى سودانية ، الامر الذى دفع السودان بالتحرك وعن حق أمنيا وعسكريا للمحافظة على وحدة أراضيه وسلامته الاقليمية بدعم مصرى / عريى فى إطارالعلاقات الثنائية والمواثيق الدولية والاتفاقات الدولية ذات الصلة .
وهكذا فان تواصل الموقف الاثيوبى على النحو المتقدم سواء بصدد أزمة سد النهضة أو النزاع الحدودى ، يستوجب عند المقتضى اللجوء الى القوة بمفهومها الواسع أو التلويح باسخدامها لدرء المخاطر ووأد التحديات، فى إطار من الشرعية الدولية ربطا بميثاق الامم المتحدة فى مادته السابعة التى تنص على حق الدفاع الشرعى عن النفس ،بتقدير أن موقف أثيوبيا بمثابة عدوان يهدد الحياة والوجود بما يتحتم معه أجهاضة بالقوة حال تعذر تحقيق ذلك بالوسائل السلمية .