لقاء السيد السفير/ هشام سيف مساعد وزير الخارجية للشئون الأمريكية
مارس 4, 2021الامن القومى المصرى السودانى وتحديات اللجوء للقوة
مارس 5, 2021
سفير عزت سعد
مدير المجلس
في ملاحظاته أمام مؤتمر ميونخ حول سياسات الأمن في 19 فبراير الجاري، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، بدا الرئيس الأمريكي الجديد معولاً، وبشدة، على حلفائه الأوروبيين وشراكته معهم لمواجهة التحديات المرتبطة بأجندته الخارجية، مشيراً في ذلك الي: “أن الأزمات الجديدة تتطلب اهتمامنا، ولا يمكننا أن نركز فقط على المنافسة بين البلدان التي تهدد بتقسيم العالم، أو على التحديات العالمية التي تهدد بإغراقنا جميعاً إذا فشلنا في التعاون. يجب أن نفعل الامرين معا، بالعمل جنباً الي جنب مع حلفائنا وشركائنا”، وبعد أن أكد بايدن التزام بلاده بالمادة 5 من معاهدة حلف شمال الاطلنطي باعتبار الهجوم على دولة عضو هجوم على الجميع، وترحيبه “بالاستثمار المتنامي لأوروبا في القدرات العسكرية التي تمكّن دفاعنا المشترك”، وقراره وقف انسحاب القوات الامريكية من المانيا والاشادة بتعاون الشركاء الاوروبيين لمواجهة داعش، أشار بايدن الي أن مواجهة التحديات واستعادة الولايات المتحدة “لمركزنا القيادي الموثوق به، يجب أن يكون من موقع قوة، وهذا يعني إعادة بناء أسسنا الاقتصادية على نحو أفضل واستعادة مكانتنا في المؤسسات الدولية، ورفع قيمنا في الداخل، والتحدث للدفاع عنها في جميع انحاء العالم، وتحديث قدراتنا العسكرية مع القيادة بالدبلوماسية في الوقت ذاته، وإعادة تنشيط شبكة التحالفات والشراكات الامريكية التي جعلت العالم أكثر أماناً لجميع الناس”.
وقد ذكر بايدن، راجياً مستمعيه بأن يسامحوه لصراحته، “نحن في خضم نقاش أساسي حول مستقبل العالم واتجاهه. نحن أمام منعطف فاصل بين أولئك الذين يقولون إنه بالنظر الي كل التحديات التي نواجهها – من الثورة الصناعية الرابعة الي وباء عالمي – فإن الاستبداد هو أفضل طريق للمضي قدماً، كما يقولون، وأولئك الذين يفهمون أن الديمقراطية ضرورية لمواجهة تلك التحديات”. وفي هذا السياق، أكد بايدن أن الديمقراطية ستسود “ويجب أن تسود”. وكانت كلمات بايدن هذه مدخلاً لشن انتقاداته، التي باتت روتينية منذ أوباما ومروراً بترامب، ضد الصين مخاطباً مستمعيه بأنه “يجب أن نستعد معا لمنافسة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين”، وأنه يتوقع “أن تكون هذه المنافسة شديدة”. وأسهب بايدن في الحديث عن ما يتوقعه من تعاون من حلفائه الأوروبيين لمواجهة الصين في مجالات منها الاستثمارات والشراكات التاريخية التي سيتطلبها ذلك وحماية الابتكار والملكية الفكرية ومواجهة الانتهاكات الاقتصادية والاكراه من قبل الصين مما يقوض أسس النظام الاقتصادي الدولي، وصياغة قواعد تحكم التكنولوجيا ومعايير السلوك في الفضاء الالكتروني والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والدفاع عن القيم الديمقراطية. ولم يفت بايدن مهاجمة روسيا – بوتين، متهماً إياه بالسعي “لإضعاف المشروع الأوروبي وحلفنا – حلف شمال الأطلسي وتقويض وحدته، لأنه من الاسهل على الكريملين أن يتنمر ويهدد دولاً منفردة أكثر من التفاوض مع مجتمع قوي ومتحد بشكل وثيق عبر الأطلسي”.
والحال كذلك، أعتبر بايدن ان الدفاع عن سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية لايزال مصدر قلق حيوي لأوروبا والولايات المتحدة: ولهذا السبب، “أصبح التصدي للتهور الروسي واختراق شبكات الحاسوب، في الولايات المتحدة وعبر أوروبا والعالم، أمراً بالغ الأهمية لحماية أمننا الجماعي”. واعتبر بايدن أن التحديات مع روسيا” قد تكون مختلفة عن التحديات مع الصين، ولكنها حقيقية بنفس القدر”.
وخلص بايدن الي نتيجة مفادها أنه لا يؤلب الغرب ضد الشرق وأنه لا يريد نزاعاً مع أحد وإنما مستقبلاً تستطيع فيه جميع الدول أن تقرر بحرية مسارها دون تهديد بالعنف أو الاكراه، وأنه “لا يمكننا، ولا يجب، أن نعود الي المواجهة والتكتلات الجامدة للحرب الباردة. ولا يجب أن تؤدي المنافسة الي وقف التعاون بشأن القضايا التي تؤثر علينا جميعاً”، مشيراً في ذلك الي وباء كوفيد-19”.
والحقيقة أنه بعيداً عن تأكيدات بايدن، سواء أمام مؤتمر ميونخ أو في 4 فبراير في خطابه الأول حول السياسة الخارجية، من أن التحالفات القوية هي المفتاح لردع “الطموحات المتزايدة للصين لمنافسة الولايات المتحدة”، فضلاً عن كونها اعترافاً ضمنياً بعجز واشنطن عن مواجهة الصين أو روسيا وحدها بجانب اعترافه الضمني أيضاً بالإرث الداخلي الثقيل الذي خلفه له سلفه وبتباين مواقف الأوروبيين إزاء بكين وموسكو، والي أن تبلور الإدارة الجديدة مقاربتها تجاه بكين، ثمة تطورين رئيسيين سيجعلان من الصعوبة بمكان تماشي الأوروبيين مع حليفهم الأمريكي كما كان الحال في السابق، أو على الأقل الي المدي الذي يطمح اليه الرئيس الجديد في تنافسه المنتظر مع الصين:
أما التطور الأول فيتعلق بسياسات ترامب تجاه أوروبا، والتي لا يمكن محوها ببساطة، حيث يعد أول رئيس في تاريخ الشراكة عبر الاطلنطي الذي نظر الي الاتحاد الأوروبي على أنه تهديد، وأنه استفاد من الضمانات الأمنية الامريكية بالمجان كما انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران بالإرادة المنفردة، وهو الاتفاق الذي نظر اليه في الاتحاد الأوروبي على أنه انجاز دبلوماسي، وهدد بشن حرب تجارية وأيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياه بأنه “انتصار عظيم” وقوض تعددية الأطراف التي هي جوهر سياسة الاتحاد الأوروبي. ولم يكتف ترامب بذلك، بل أشعل الانقسام فيما بين أعضاء الاتحاد، وحظي بشعبية متزايدة في أوساط اليمين المتطرف، مما ساهم في إضعاف قدرة أوروبا على الوحدة.
والمعضلة هنا تتمثل في أن ممارسات إدارة ترامب خلال السنوات الأربع الماضية، وعدم وجود آية ضمانات بإمكانية عودة ترامب آخر لحكم الولايات المتحدة خاصة في ضوء القاعدة الشعبية التي صوتت للرئيس السابق ورفض أغلبية الجمهوريين إدانته في الكونجرس بعد تحريضه على اقتحام مبني الكابيتول، قد أدت الي تآكل مصداقية الولايات المتحدة لدي الحلفاء والشركاء على نحو ما أكده كتاب أمريكيين كثر يتحدثون عن “عالم ما بعد أمريكا”.
وقبيل تنصيب بايدن رسمياً بأسابيع، جاء التطور الثاني والمرتبط بالأول بشدة ممثلاً في أبرام الاتحاد الأوروبي مع الصين اتفاقاً شاملاً للاستثمار في 30 ديسمبر الماضي بعد سبع سنوات من المفاوضات ودون أي تشاور مع واشنطن. وقد وصف الاتفاق – الذي لعبت الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي دوراً حاسماً في إنجازه – بأنه الفوز الأكثر طموحاً الذي حققته بكين مع أي طرف أخر على الاطلاق. وفضلاً عن ذلك، ومنذ عام 2018 – العام الذي شن فيه ترامب حربه التجارية ضد الصين – انخرطت بروكسل وبكين في حوار مؤسسي بشأن آفاق إصلاح منظمة التجارة العالمية، كما طرحت المفوضية الأوروبية ورقة في مارس 2019 تحت عنوان “الاتحاد الأوروبي والصين – رؤية استراتيجية” اعترف فيها الاتحاد الأوروبي صراحة بأن الصين تعد “منافساً استراتيجياً” وأيضاً “منافساً اقتصادياً”، مع تأكيد أهميتها “كشريك تعاون”. وبحسب خبراء أوروبيين جاءت الورقة نتيجة لإدراك أوروبي متزايد بالحاجة الي التعامل بشكل أفضل مع تحديات النموذج الاقتصادي الذي تقوده الصين، وضرورة إعادة التوازن في العلاقات معها من خلال المشاركة – على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف – عبر تعزيز أدوات الاتحاد المستقلة والاستفادة من آليات الانفاذ.
والمعني هنا أن الصين نجحت خلال العقدين الماضيين في خلق حالة من الاعتماد الاقتصادي والتجاري المتبادل مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما القوي الرئيسية فيه، من خلال تعزيز شراكاتها معه عبر سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية المتعددة الأطراف الي الحد الذي يصعب معه على شركاء الصين التماشي مع ما قد تمارسه الولايات المتحدة من ضغوط على هؤلاء الشركاء سواء كانوا حلفاء لها أو شركاء، في رحلة منافستها مع الصين.
وبطبيعة الحال هناك الكثير من الملفات التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعب فيها أدواراً نشطة تخدم مصالحه ومصالح حليفته الولايات المتحدة مثل ملفات الصحة العامة والبيئة والتجارة الدولية بجانب ملفات تهمنا نحن هنا في العالم العربي والشرق الأوسط أبرزها – بجانب الملف النووي الذي تتقارب فيه مواقف الأوروبيين والحزب الديمقراطي – الدور التركي في شرق المتوسط والشرق الأوسط، في ضوء نشاط أنقرة الخارجي والعسكري في جوارها الاوسع في كل من سوريا وليبيا والعراق وجنوب القوقاز، بجانب منظومة الدفاع الصاروخي الروسية S-400 والتي تمثل تحدياً كبيراً للأنظمة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي. كما سيشمل حوار بروكسل وواشنطن الدور الروسي في أوروبا وفي المنطقة، في ظل تعاظم هذا الدور بإنشاء قواعد عسكرية دائمة ينظر اليها على أنها تهديد للمصالح الغربية في المنطقة.
وقد رحب الاتحاد الأوروبي بفكرة بايدن عقد قمة عالمية من أجل الديمقراطية في عام 2021، وهو توجه يتماشي مع فكرة اقترحتها المملكة المتحدة في مايو 2020 لإنشاء تجمع جديد لعشر ديمقراطيات رائدة: مجموعة السبع وكل من كوريا الجنوبية والهند وإسرائيل – “لإنشاء موردين بديلين لمعدات الجيل الخامس والتقنيات الأخرى لتجنب الاعتماد على الصين”.
وتوحي التصريحات الاخيرة للقادة الأوروبيين بأنهم لا يتوقعون عودة العلاقات عبر الأطلسي الي ما كانت عليه من قبل، فلا يزال العديد من القضايا المعلقة مثل الانفاق الدفاعي والضرائب الرقمية التي تُطالب دول الاتحاد الأوروبي فرضها على الشركات الامريكية، والقضايا التجارية وغيرها، نقاط خلاف رئيسية يأمل الاتحاد الأوروبي في التوصل الي حلول لها من خلال الحوار. وفي هذا السياق يعتقد الخبراء الأوروبيين أن التنسيق الأفضل فيما بين دول الاتحاد بشأن الملف الصيني قد يساعد في اقناع واشنطن بأن إجبار الشركاء على الاختيار الثنائي بينها وبين بكين لا يؤتي ثماره دائماً، وأنه ينبغي أن تعكس العلاقات عبر الاطلنطي تحول ميزان القوي بعيداً عن الغرب، وأن التعاون بين واشنطن وبروكسل، أياً كان مستواه، لابد وأن يكون شاملاً ومنفتحاً على المشاركة والشراكة مع كل الدول حول العالم.
أخيراً تجدر الإشارة الي أنه قبل أسابيع من مغادرة ترامب البيت الأبيض، أشارت ورقة أعدها مخططو السياسات بمكتب وزير الخارجية الأمريكي السابق بعنوان “عناصر التحدي الصيني”، الي أوروبا والمملكة المتحدة كساحة مهمة للمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، وأن هذه الأخيرة “تمارس قوتها الاقتصادية لتقسيم أوروبا والمملكة المتحدة وسحبها بعيداً عن الولايات المتحدة وجذبهما نحو بكين”. ويعني ذلك أن الورقة الامريكية تصور الأوروبيين على أنهم عالقين في خضم شد وجذب بين بكين وواشنطن، بدلاً من أن يكون العمل مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين من الأولويات الاستراتيجية لواشنطن من أجل التوصل، قدر الإمكان، الي استجابة لسلوك الصين، وذلك بدلاً من النظر الي الدول الأوروبية كساحة لصراع ثنائي القطب. وعلى العكس من ذلك، يؤكد العديد من الخبراء في أوروبا أن الأوروبيين لا يريدون أن يجدوا أنفسهم في وضع يطلب منهم فيه الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 5 مارس 2021 و رابط: