الاميرتان والخروج من عباءة الاستعمار
مارس 20, 2021فى ذكرى الاحتفال بمرور 60 عاماً على قيام حركة عدم الانحياز: د.عزت سعد: مصر حاولت الحفاظ على بقاء واستمرارية الحركة تحديات الحركة تتطلب تكثيف الجهود لإعادة بناء وتعزيز قدراتها
مارس 30, 2021أما الوادى فهو بطبيعة الحال وادى النيل شريان الحياة لسكانه شمالا وجنوبا أما الصرخة فهى للكاتب الكبير أحمد الجمال فى مقاله الهام المنشور بـ«المصرى اليوم» فى العاشر من هذا الشهر (مارس) بعنوان «السودان ومصر… كيف» والذى ينبه إلى أنه فى الوقت الذى يشهد ما يقوم به قادة البلدين من تأسيس لمرحلة جديدة بينهما، بحيث لا تكون هذه المرحلة مثل صخرة سيزيف أى لا تكون مجرد حلقة فى مسلسل الصعود ثم الهبوط… بل أن تكون تأسيسا متينا يصمد فى وجه الزمن ويكون جديرا بما توصف به هذه العلاقات كعلاقات أزلية بين أهل الوادى، ثم يستطرد الكاتب الكبير إلى القول إنه قد آن الأوان لخلق وعى ثقافى شامل بالسودان، أرضا وشعبا وتاريخا ودورا فى كافة مدارس وجامعات المحروسة وأن يقوم الإعلام بكافة فروعه بدوره الذى يتناسب مع هذه المرحلة الجديدة.
جاءت هذه الدعوة أو الصرخة لتثلج صدرى ولا أريد أن أتحدث عن مقالات كتبتها ومبادرات طرحتها فى المجلس المصرى للشؤون الخارجية، وأننى عندما تلقيت دعوة كريمة من لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب برئاسة الأستاذ كريم درويش منذ عامين أو ثلاثة فيما يواجه مصر من تحديات السياسة الخارجية واستطردت إلى الحديث عن السودان فقلت «السودان أمامنا أينما ولينا وجهنا… هو حاضر عندما نتحدث عن الأمن المائى وعن الأمن الغذائى وعن الأمن بمعناه العام، وأنه لا يوجد بلد أهم لمصر من السودان»… وكم سعدت لما رأيت من ترحيب بما قلت بين أعضاء اللجنة الكرام.
.. ليس من شك أن قضية سد النهضة وهى فى قلب الاهتمام بين البلدين والتنسيق الجارى بينهما فى المرحلة الحاسمة التى تمر بها الآن يثبت من جديد الحاجة التى تجعل علاقات مصر بالسودان علاقات أزلية وحياتية وجيواستراتيجية لكلا البلدين بما يصبح معه أحد أهم ثوابت الأمن القومى المصرى والسودانى وتأتى قضية سد النهضة اليوم لتؤكد وتشهد على هذه الثوابت.
وإن كان علينا أن ننظر للماضى فنحن ننظر إليه لأخذ العبرة منه.
ليس من شك أن هناك إرث الأعوام الثلاثين التى قضاها نظام البشير ترابى فى الحكم وكان هذا النظام يعمل بدأب على فسخ تلك العلاقة الأزلية إلى الحد الذى نعرفه عندما تبنى عملية محاولة اغتيال الرئيس مبارك وهو فى طريقه من مطار أديس أبابا لحضور القمة الإفريقية، ويفرض مجلس الأمن لذلك العقوبات على السودان، لتكون مصر هى التى تعمل على تخفيف وإلغاء هذه العقوبات لأنها تمس حياة الشعب السودانى الشقيق.
فى فترة الثلاثين عاما منذ عودتى من واشنطن كنت ألتقى مع مجموعة من المثقفين السودانيين ضمت الأديب الكبير الطيب صالح والسفير المثقف صلاح أحمد سفير السودان بواشنطن والأستاذ محمود عثمان رجل الأعمال وصاحب دار نشر هامة بالسودان… كانت لقاءاتنا تنعقد طوال شهرين أو ثلاثة أشهر كل عام، وكان أخى وصديقى الكاتب الكبير محمود سالم صاحب ألغاز «المغامرون الخمسة» عراب هذه اللقاءات مستضيفنا بمنزله الجميل «بيت الكرم» بقرية الصحفيين، وكان من الذين يحضرون هذه اللقاءات من مصر الأستاذ رجاء النقاش والأستاذ عبد المنعم سليم والدكتور محمد أبو الغار والأستاذ رجائى عطية والأستاذ عبد الرحيم الرفاعى، كما كان يحضر أحيانا الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى.
وكانت اللقاءات تدور فى شؤون الثقافة والأدب والسياسة، إلا أنها كانت أيضا بمثابة سيمنار ممتد بالنسبة لى عن السودان وأحواله والتى مازلت أفتقدها منذ رحيل أقطابها خاصة الكاتب السودانى العظيم الطيب صالح، وكم كان يقول لى بنبرة يشوبها الأسف والأسى «يا أخى عبد الرءوف إنكم غائبون تماما عن الساحة الثقافية فى السودان… بعد أن كنتم ملء السمع والبصر» وكم كان ذلك يحز فى نفسى… وبالطبع لم أتوان عن إثارة هذا الموضوع مع بعض المسؤولين الذين أعرفهم. وبعدما أنشأنا المجلس المصرى للشؤون الخارجية عام 1999 عملت وزملائى على أن يكون السودان شأنا حاضرا بصورة دائمة على جدول أعمالنا ونظمنا زيارة للسودان… واستقبلنا هناك أجمل استقبال… وكان حوارا جميلا بيننا… هذا فى الوقت الذى جعلنا فيه من المجلس منبرا فكريا حول الشأن السودانى المصرى… وأذكر على سبيل المثال محاضرات وحوارات المرحوم السيد الصادق المهدى بالمجلس.
ثم جاءت ثورة الحرية والتغيير بالسودان منذ عامين وأطاحت بحكم البشير وتحرك ائتلاف الحرية والتغيير الذى قاد الثورة، ولقد استغل آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، هذه الفترة فقدم نفسه كوسيط بين الأطراف السودانية فى المفاوضات التى تجرى هناك للمساعدة فى التوصل إلى توافق بين قيادات الحرية والتغيير وبين قيادات الجيش.
أؤيد بقوة دعوة الكاتب الكبير أحمد الجمال… وأدعو إلى إقامة حوار بين المفكرين والمهتمين بالشأن السودانى بصفة عامة حول دعوة الأستاذ الكبير، وأؤيد بصفة خاصة ما ذكره بالنسبة لدور الفن المصرى والسودانى وهل ننسى قصائد الشعراء السودانيين الجميلة التى شدت بها كوكب الشرق مثل الشاعر الهادى آدم.
الأسباب والاعتبارات التى تدعم وتؤيد الاهتمام بتكوين وعى ثقافى وشعبى بالسودان قد تكون بديهية ولا تحتاج إلى بيان.
الطريق إلى استعادة الوجود الثقافى المصرى فى السودان سيكون طريقا طويلا ولكن هناك الجذور القائمة ومؤسسات مثل جامعة الخرطوم. أختم بالقول بأننى أرجو أن يكون فى وعينا وفى وعى الشعب السودانى أن الأمن القومى فى مصر والسودان هو شىء واحد وعلينا أن نعمل سويا لترسيخ هذا المفهوم وهو أمر له أولويته القصوى وعلينا أن نبدأ به على كل المستويات السياسية والدبلوماسية والأكاديمية ورجال الأعمال والاستثمار والثقافة والفنون وإحياء التراث وليتنا نعيد للمدارس دراسة تاريخ السودان كما كتبها المؤرخ الوطنى العظيم عبد الرحمن الرافعى.
أنتمى إلى هذا الجيل الذى نشأ على حب السودان وتظل فى ذاكرتى مشاهد لا تنسى، ولعل أهم مشهد فى ذهنى هو الاستقبال الأسطورى للشعب السودانى للرئيس عبد الناصر بعد بضعة أسابيع من حرب يونيو الكارثية 67. ما إن خرجنا من المطار حتى رأيت الشارع وقد اتشح باللون الأبيض الجميل الشاهق وهو الذى يتميز به زى الشعب السودانى وقد خرج منذ الصباح الباكر فى انتظار وصول الرئيس بالجلاليب والعمائم الجميلة البيضاء… يومها فقط اختفت ابتسامة الرئيس الحزينة وعادت إليه ابتسامته التى يعرفه بها الناس.
أشكر الأستاذ أحمد الجمال على مقاله الهام وأرجو أن يدشن لنقلة نوعية فى الاهتمام بالعلاقات الأزلية بين شعبى وادى النيل.
نشر المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 24 مارس 2021 و رابط:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2295239