ندوة حول العلاقات المصرية الصينية بمناسبة مرور (65)عاماً على قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
مايو 18, 2021تهنئة المجلس لشبكة منظمات المجتمع المدنى الصينية بمناسبة مئوية الحزب الشيوعى الصينى ومرور 65 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين
مايو 26, 2021سفير عزت سعد
مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية
في عهد الرئيس الأمريكي السابق اعتمدت الإدارة خطاً سياسياً أعتبر خروجاً واضحاً وصريحاً عن الموقف الأمريكي التقليدي وعن الاجماع الدولي في العديد من قضايا الملف الفلسطيني، في مقدمتها القدس والمستوطنات، وهو ما أدي الي ردود فعل دولية مختلفة عارضت هذه المقاربة وانتقدتها، حتي في المحافل الدولية كالأمم المتحدة، سعياً الي تكريس المبادئ الدولية المقبولة بشأن الصراع وآفاق تسويته، وعلى رأس هذه المبادئ الالتزام التام بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وبقواعد واحكام القانون الدولي وبالأسس المتفق عليها، وفي المركز منها “حل الدولتين لشعبين”.
وفي أعقاب تغيير الإدارة وعودة الولايات المتحدة الي ما اعتبرته “الإجماع الدولي بشأن الصراع الإسرائيلي / الفلسطيني”، سادت موجة من التفاؤل تعززت بعدم ضم أراضي فلسطينية جديدة الي السيادة الإسرائيلية، ثم استئناف التنسيق الأمني والمدني بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية بعد تجميده على خلفية نوايا الضم. كل ذلك رغم أنه لا توجد شواهد على أن ثمة مبادرة سياسية جديدة قد تطرح في المدي المنظور للدفع بعملية لتسوية الصراع والتوصل الي حل نهائي له.
ومنذ تولي بايدن في 20 يناير الماضي، ورغم بعض التصريحات والبيانات الصادرة عن الإدارة، والتي بدت مشجعة، إلا أن التقييم المهيمن على المستويين الإقليمي والدولي هو أن الإدارة الجديدة لا تضع الملف في سلم أولوياتها، كما لا تبدو أنها معنية باتخاذ أي خطوات عملية بشأنه في المدي المنظور. ويستفاد هذا التقييم من حقيقة أنه لم يصدر عن الإدارة الجديدة آية ردود فعل على عمليات طرد الفلسطينيين من منازلهم وهدمها ومصادرتها وعربدة المتطرفين والعنصريين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية ووصولاً الي ما آلت اليه الأوضاع المتدهورة في القدس الشرقية وقمع الحراك الشعبي السلمي هناك وفي مناطق أخرى وتفشي ثقافة الكراهية والعنف داخل إسرائيل ذاتها فيما بين الإسرائيليين والاخرين من عرب إسرائيل ثم الحرب الجارية حالياً ضد سكان غزة منذ 10 مايو الجاري والتي أودت بحياة أكثر من 200 شخص حتي الان منهم عشرات النساء والأطفال. وكالعادة فشل مجلس الأمن الدولي حتى في اصدار بيان بإيقاف العدوان بسبب الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل والذي يعتبرها في حالة دفاع عن النفس، علماً بأن واشنطن استخدمت الفيتو في مجلس الأمن لصالح إسرائيل 43 مرة.
ولا يبدو أن هذه الإدارة مستعدة لاستثمار موارد وجهود سياسية جدية في هذا المجال خلال الفترة القادمة، حيث تبعث برسائل مفادها انها في حاجة الي بعض الوقت لترتيب البيت من الداخل وتشكيل الطاقم الذي ستوكل اليه مهمة معالجة هذه القضية، في الوقت الذي تتخبط فيه إسرائيل بأزمتها السياسية الداخلية، بعد أن باتت رهينة في أيدي اليمين العنصري المتطرف الذي لا تعنيه عملية السلام أساساً. وعادة ما تشير التقديرات الي أنه ضمن إدارة بايدن ذاتها هناك عدد كبير من المسئولين السياسيين الذين شغلوا مواقع مختلفة في إدارة أوباما وكانوا ضالعين في تناول الملف، وانهم يعرفون تفاصيله جيداً كما يعرفون، أيضاً، جميع الإخفاقات التي مينت بها مبادرات الوساطة المختلفة التي أطلقت خلال تلك الفترة، ابتداء من جورج ميتشل وحتى جون كيري، ولذلك لا يرغبون الأن في تشجيع الرئيس بايدن على خوض مغامرة أخري جديدة. هذا بجانب انشغال الإدارة بمسألة المشروع النووي الإيراني والعودة للاتفاق الخاص بذلك، الذي انسحب منه ترامب في مايو عام 2018، باعتبارها القضية الأكثر الحاحاً، وذلك من خلال اتصالات وحوارات تجريها الإدارة مع إسرائيل بمعزل تام عن القضية الفلسطينية.
ورغم الممارسات الإسرائيلية الاجرامية في الاراضي المحتلة من يناير الماضي، وحتى الأن، والتي قادت الي تفجر الموقف كما نتابعه الأن، وبدلاً من أن يدفع ذلك إدارة بايدن الي تكثيف تدخلها قبل تفجر الموقف، سار بايدن على خطي أسلافه، حيث آثر تجنب الوقوع مرة أخرى في أزمة حادة في العلاقات مع إسرائيل، مثلما حدث بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو.
وللأسف الشديد لا يبشر سجل بايدن، عندما كان نائباً للرئيس الأسبق أوباما (2009 – 2016) بأي خير. فبعد فشل محادثات السلام خلال فترة ولايته الاولي، أولت إدارة أوباما اهتمامها الأكبر لمعارضة أي عمل فلسطيني على الساحة الدولية عندما كان الهدف الرئيسي من مثل هذا العمل هو تعزيز حل الدولتين ومعايير السلام المعترف بها دولياً. كما قام أوباما بممارسة ضغوط على الرئيس عباس لتأجيل التصويت في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان للمصادقة على تقرير المنظمة العالمية لتقصي الحقائق الذي يوثق جرائم الحرب والجرائم المحتملة ضد الإنسانية التي ارتكبتها إسرائيل وحماس خلال القصف الإسرائيلي لغزة (2008 / 2009). وفي عام 2011، وفي الوقت الذي ألقت فيه بثقلها لدعم ثورات الربيع العربي، عارضت إدارة أوباما محاولة فلسطين الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والتي كان من شأنها تعزيز الموقف التفاوضي الفلسطيني وإنقاذ رؤية حل الدولتين التي كانت بمثابة سياسة رسمية أمريكية.
ومع تعيينه وزيراً للخارجية في فترة ولاية أوباما الثانية، عمل جون كيري مباشرة مع الاسرائيليين على وضع معايير لاستئناف المحادثات دون أي تشاور مع الفلسطينيين. وبعد تسعة أشهر من المفاوضات التي لم تسترشد بمرجعيات متفق عليها، أنهت إدارة أوباما محاولتها لصنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني مع إعلان كيري عن دعم الولايات المتحدة لسلام بمضامين جديدة أبرزها الشرط الخاص بضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، مع ما يرتبه ذلك من آثار كارثية على عودة اللاجئين. ورغم العداء الصريح الذي تابعه العالم كله بين إدارة أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي وخطاب الأخير أمام الكونجرس، ارتباطاً بالمفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران، وقع أوباما مذكرة تفاهم مدتها عشر سنوات بقيمة 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، هي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة.
ومع كل الانتقادات الامريكية لبناء المستوطنات الجديدة باعتبارها “غير شرعية”، لم تستطع الولايات المتحدة سوي أن تمتنع عن التصويت على قرار لمجلس الأمن أواخر 2016 يؤكد مجدداً عدم شرعية النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
أما الكونجرس، فلأغلبيته موقف مخزي وغير أخلاقي من القضية، سواء كانوا أعضاء جمهوريين او ديمقراطيين. فنشاط إسرائيل المحموم لبناء المستوطنات لم يكن في أي وقت محل تعليق من الكونجرس. وظل تركيز هذا الأخير على منع المصالحة بين فتح وحماس من خلال حجب الدعم الاقتصادي لأي حكومة وحدة وطنية وأقر الكونجرس العديد من القوانين التي تعاقب منظمة التحرير الفلسطينية على التدابير التي اتخذتها الأمم المتحدة، بما في ذلك الحصول على العضوية الكاملة، و “أي اجراء” تم اتخاذه في المحكمة الجنائية الدولية. وعلى غرار القوانين السابقة التي تقيد منظمة التحرير الفلسطينية، قدم الكونجرس تنازلاً رئاسياً يقضي بأن يشهد وزير الخارجية بأن منظمة التحرير الفلسطينية أعادت المشاركة في “محادثات جادة” مع إسرائيل. وهكذا، أصبحت شرعية المنظمة في الولايات المتحدة متوقفة على استمرارها في عملية سلام فاشلة.
والخلاصة هي أن تاريخ الانخراط الأمريكي في التعامل مع الملف الفلسطيني / الإسرائيلي اتسم بالانحياز الكامل لإسرائيل وعدم وجود أي إرادة سياسية للتخفيف من المواقف التفاوضية غير المتكافئة بين المحتل وقوة الاحتلال. ولقد رفضت الولايات المتحدة دائماً الاعتراف بالحقوق التاريخية للفلسطينيين والأساس القانوني لمطالبهم، مطالبة – بدلاً من ذلك – بأن تخضع المعايير المتعلقة بمسائل مثل الحدود واللاجئين والقدس لمفاوضات ثنائية، وبالتالي استخدام إسرائيل لحق النقض. وعندما تحدثت الولايات المتحدة عن مسألة معايير السلام، كان ذلك لدعم المواقف الإسرائيلية والدعوة الي المزيد من التنازلات الفلسطينية.
وتسئل الولايات المتحدة عن فشل كافة الجهود المتعددة الأطراف، ابتداء بالممثل الخاص للتوسط بين إسرائيل والدول العربية، عملاً بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) والذي لم تستغرق جهوده سوي عام واحد، ومجموعة الرباعية الدولية التي أنشئت عام 2002 بمبادرة من الأمين العام للأمم المتحدة بهدف دعم المفاوضات الثنائية والعمل كوسيط، إلا أن واشنطن تولت دور قيادة وتوجيه المجموعة لخدمة أجندتها السياسية الخاصة التي عكست المصالح الإسرائيلية في المقام الأول، حيث لم تهتم الرباعية كمجموعة بقضايا الوضع النهائي، وإنما بإدارة الشئون الداخلية الفلسطينية مثل مطالبة الجانب الفلسطيني بإنهاء العنف وإقامة الحكم الرشيد …الخ.
ولقد أدي التأثير الكبير للولايات المتحدة على قرارات الرباعية الدولية الي التضحية بمعايير الأمم المتحدة، وتجنب ممارسة أي ضغط على إسرائيل أو تحفيز امتثالها لخارطة الطريق والقانون الدولي. وكانت النتيجة هي قيام الرباعية بإغلاق المساحة التي كان يمكن للفلسطينيين العمل فيها داخلياً ودولياً.
والحال على ما تقدم، وطالما لا يستشعر صانع القرار الأمريكي بأن مصالحه في الشرق الأوسط بمنأى عن التهديد فسيظل على انحيازه الأعمى لدولة الاحتلال. لقد أظهرت الحرب غير المتكافئة الجارية في غزة، وما سبقتها من احتياجات في القدس الشرقية ضد الاحتلال وممارساته الباطشة أن الشعب الفلسطيني ما يزال مصمماً على استرداد كامل حقوقه، كذلك أظهرت الحرب أن هناك قوي عديدة حول العالم تساند الحق الفلسطيني وبقوة، وأن القضية الفلسطينية ما تزال في صدارة الأجندة الدولية. ويبقي أن نفكر فقط في كيفية الاستفادة من هذا الزخم والتفاعل مع كل القوى التي أظهرت تضامنها وتعاطفها مع هذا الحق، ومنها قوى لا يستهان بها في الولايات المتحدة ذاتها وفى أوروبا، وأن ندرك أن ما يجري في فلسطين يمثل خطراً داهماً على أمن واستقرار كل الدول العربية، وأنه لم يعد مقبولا استمرار الامر الواقع فيما يتعلق بالاحتلال الاسرائيل لفلسطين.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 21 مايو 2021 و رابط:
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=21052021&id=2ec74615-9ba9-479d-a1a3-82c99c16f881