المؤتمر السنوى للمجلس لعام 2021 حول “التنافس الاستراتيجى الأمريكى / الصينى وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط”
ديسمبر 28, 2021لقاء السيد/ صلاح أبو شريف الأحوازى رئيس المجلس الوطنى لقوى الثورة الأحوازية
يناير 9, 2022
عزت سعد
مدير المجلس
في 3 يناير الجاري صدر عن القوى النووية الخمس، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية – روسيا – الصين – إنجلترا – فرنسا)، بيانٌ مشترك، اعتبرت فيه “أن تجنب حرب فيما بين الدول الحائزة على أسلحة نووية وخفض المخاطر الاستراتيجية” هي مسئولية هذه الدول في المقام الأول، وأن “الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا ينبغي أبداً أن تحدث”. ومع ذلك يؤكد البيان “أن الأسلحة النووية هي لأغراض دفاعية، ولردع العدوان ومنع الحرب”. ويعبر البيان عن قناعة تلك الدول بـ “وجوب منع انتشار المزيد من هذه الأسلحة”.
ويعكس البيان – الذي لا يعدو كونه بياناً سياسياً لا قيمة له من الناحية القانونية – النفاق والتناقض الواضح فى موقف الدول الخمس، عندما يشير إلى تأكيدها “أهمية معالجة التهديدات النووية وضرورة احترامها لتعهداتها بموجب الاتفاقيات ذات الصلة الثنائية والمتعددة الأطراف وامتثالها لها بعدم الانتشار ونزع السلاح وضبط التسلح”. فيما نصَّ البيان ختاماً على قوله: “نؤكد رغبتنا فى العمل مع جميع الدول لتهيئة بيئة أمنية أكثر ملائمة لإحراز تقدم فى نزع السلاح بهدف نهائى، هو عالم خالٍ من الأسلحة النووية، مع أمن غير منقوص للجميع… نحن مُصمِّمون على مواصلة الحوار البنَّاء مع الاحترام المتبادل والاعتراف بالمصالح والاهتمامات الأمنية لبعضنا البعض”.
ولأن أحكام معاهدة منع الانتشار النووي التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1968، والتي استهدفت تحقيق هدف نزع السلاح النووي- بجانب منع الانتشار النووي والاستخدامات السلمية للطاقة النووية – قد أقامت تمييزاً صارخاً بين الدول الأطراف بالسماح لتلك الدول الخمس بالاستمرار في الاحتفاظ بترساناتها النووية، بينما حظرت امتلاك أو حيازة السلاح النووي على الدول الأخرى الأطراف، فلم ينس البيان التأكيد على التزام تلك الدول بتعهداتها بموجب المعاهدة، وتحديداً المادة (6) منها التي تنص على “تعهد كل طرف من أطراف المعاهدة بمواصلة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في تاريخ مبكر، ونزع السلاح النووي، وعلى معاهدة حول نزع السلاح العام والشامل تحت رقابة دولية صارمة وفعالة”. وللأسف، وبعد مضي أكثر من نصف قرن على إبرام المعاهدة، لم يتحقق هذا الهدف، ليس فقط بسبب الصياغة المضللة لهذه المادة، بل وأيضاً لدخول هذه الدول في سباق تسلح نووي لم – ولن – يتوقف أبداً، خاصة مع التنافس الاستراتيجي فيما بين هذه القوى، والذي تدخل فيه القدرات النووية العسكرية كواحد من أبعاده الأساسية.
وفي هذا السياق، ووفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2020، يوجد حالياً حوالي 14.500 سلاح نووي في العالم لدي القوي النووية التسع (الدول الخمس ومعها كل من إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية)، بما في ذلك الأسلحة المخزنة، أو التي تنتظر التفكيك. وتمتلك الولايات المتحدة وروسيا نسبة 92% من هذه الأسلحة، ويكاد سباق التسلح النووي يكون محصوراً في هاتين الدولتين، مع تقارير عديدة تفيد بنمو الأسلحة النووية من جانب الصين وتطويرها أنظمة إيصال نووية ذات قدرات مزدوجة. وقد رفضت الصين مراراً الانضمام إلى محادثات ثلاثية مع الولايات المتحدة وروسيا أو محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة، للحد من التسلح، حيث تؤكد واشنطن على أن الصين منخرطة في برنامج سري وتدميري لبناء قواتها النووية. ومن جانبها أبدت موسكو دعمها لبكين، رافضة إجبار الأخيرة على تغيير موقفها والانضمام إلى المحادثات.
ويقدر الخبراء أن هذه الأعداد من الأسلحة النووية كافية جداً لقتل سكان المدن الرئيسية في كل من الولايات المتحدة وروسيا، وأن أي تبادل جاد للضربات النووية لأهداف عسكرية برية، وخاصة منصات إطلاق الصواريخ العابرة للقارات، وقواعد الصواريخ، والمرافق النووية، سوف يكون لها تأثير هائل على قطاعات كبيرة من السكان حول العالم. وتقوم هذه الدول حالياً بتطوير الجيل القادم من الأسلحة عالية الدقة والتي تشمل صواريخ عابرة للقارات تعمل بالطاقة النووية، وأنظمة تسلح نووية وتقليدية أسرع من الصوت، ومركبات بدون طيار، جوية وبحرية، يمكن تشغيلها باستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن العمليات الأخرى الجارية: التوسع السريع في تكنولوجيا الحرب السيبرانية وتحديث أنظمة الدفاع الصاروخي التي تكتسب قدرات هجومية، وأسلحة الفضاء الذي يوشك أن يكون ساحة المعركة التالية بين القوى العظمى النووية.
وبطبيعة الحال، فإننا لسنا في عالم مثالي، فبجانب التصرف بقدر كبير من اللامسئولية حيث ساهم بعض هذه الدول الخمس في إمداد دول أخرى بقدرات نووية للاستخدام العسكري – لأسباب جيواستراتيجية قصيرة النظر – مثل إسرائيل والهند، ما تزال تتخذ هذه الدول نفسها مواقف متخاذلة تجاه الانتشار النووي الذي يشكل خطراً داهماً على البشرية جمعاء. وعلى سبيل المثال ما تزال مسألة إعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية تراوح مكانها، رغم تعهد الدول الخمس بذلك في إطار صفقة للمد اللانهائي للمعاهدة عام 1995. كما نذكر التصريحات غير المسئولة للرئيس الأمريكى السابق ترامب عندما وعد بتزويد اليابان وكوريا الجنوبية بالأسلحة النووية بعد انسحاب القوات الأمريكية المتمركزة هناك.
ولم تعد الدول الخمس – خاصة الولايات المتحدة وروسيا في سياق التنافس المحتدم بينهما – تستحي من التباهي، من حين لآخر، بالإعلان عن أحدث ما وصلت إليه ترساناتها النووية من أنظمة نووية استراتيجية جديدة. وفي لغة موروثة من الحرب الباردة، ومن باب التضليل، تستخدم موسكو وواشنطن مصطلح “غير الاستراتيجية” لوصف الأسلحة النووية التي لا يبلغ مداها أراضي الطرف الأخر من مواقع انتشارها، حيث تخرج مثل هذه الأسلحة عن نطاق معاهدات الحد من التسلح التي تحكم فقط الأسلحة “الاستراتيجية”، والتى كان تمديد العمل بإحداها فى فبراير الماضى لخمس سنوات (معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى) مثار جدل واسع وتحذيرات متبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وبالرغم من نداءات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك إعلان الأمين العام للمنظمة – أمام مؤتمر نزع السلاح في جنيف في فبراير 2018 – عن مبادرة جديدة للأمم المتحدة لنزع السلاح النووي والإعراب عن قلقه من حيازة الدول النووية الأف الرؤوس النووية، وتجاوز إنفاقها علي هذا السلاح أكثر من 1.5 تريليون دولار، دخلت هذه الدول في سباق محموم لتطوير وتحديث الأسلحة النووية ومواءمتها بما يسمح باستخدامها في العمليات العسكرية التقليدية ومواجهة مصادر التهديد المستجدة كالحرب السيبرانية والفضاء، وهو ما يعد انتشاراً رأسياً للأسلحة النووية، وانتهاكاً لنص وروح معاهدة منع الانتشار النووي.
وأمام هذا الخلل الفادح، والذي يوفر بيئة مواتية للمزيد من الانتشار النووي، دخل العديد من الدول غير الجائزة على الأسلحة النووية في مفاوضات منذ فترة من أجل التوصل إلى معاهدة للحظر الشامل الأسلحة النووية. وقد توجت هذه الجهود باعتماد معاهدة في هذا الشأن في 7 يوليو عام 2017 صوتت لصالحها 122 دولة، وقاطعتها الدول صاحبة البيان السالف الإشارة اليه وحلفائها. وقد رحبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذه المعاهدة بقرارها 70/73 الذي اعتمد في ديسمبر 2018 كوثيقة ملزمة قانوناً. ودخلت المعاهدة حيز النفاذ اعتباراً من 22 يناير 2021 بعد تصديق 57 دولة عليها حتى الأن، والتي تشكل بارقة أمل ينبغي البناء عليها، خاصة وأنها تكتسب زخماً يوماً بعد يوم. وتخلق المعاهدة مساراً للدول النووية التي قد ترغب في الانضمام اليها – رغم استبعاد ذلك – لإزالة الأسلحة والمخزونات والبرامج لديها، وفقاً لخطط ستقدمها للموافقة عليها. وتكمن أهمية المعاهدة في أنها تنزع الشرعية عن الأسلحة النووية، كما أنها دليل واضح على أن أغلبية دول العالم لم تعد تقبل الأسلحة النووية وتعتبرها غير مشروعة، مما يشكل الأساس لقاعدة جديدة للسلوك الدولي.
ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أنه في اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة المعاهدة، أصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بياناً مشتركاً معارضاً لها، مؤكداً صراحة استمرار الدول الثلاث في اعتمادها على الأسلحة النووية كآلية ردع مستقبلاً.
يجيء البيان بعيد الإعلان عن تأجيل انعقاد مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى من يناير الجاري إلى أغسطس القادم، والذي كان مقرراً عقده أصلاً في عام 2020، كما يجيء في وقتٍ تمر فيه مفاوضات فيينا بين الدول الخمس وإيران بغية استعادة الاتفاق النووي مع الأخيرة، بمرحلةٍ دقيقة، تأمل فيها هذه الدول – متوهِّمةً – تخفيف معاندة المُفاوِض الإيرانى، وطمأنته لتقديم تنازلات حاسمة في المفاوضات الجارية، ولكن ما لم تدركه هذه الدول أن إيران قد استوعبت الدرس قبل عقود، عندما فشلت محاولات إدارة كارتر في تغيير النظام هناك، ما حدا بطهران إلى تنمية قدراتها النووية لتكون صمام أمان وحماية لنظامها.
وهكذا لا يجب أخذ البيان المشترك الأخير على محمل الجد؛ فلا يعدو كونه “خدعة” أو في أفضل الأحوال “مزحة”.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 7 يناير 2022 و رابط ؛