زيارة وفد إعلامى أفريقى للمجلس
مايو 15, 2022لقاء وفد من هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (UNTSO)
مايو 16, 2022بتاريخ 15 مايو 2022، نظَّم المجلس ندوة حول “التطورات في أفغانستان عقب عودة طالبان للحكم، والتوجهات الإقليمية والدولية إزائها، والعلاقات مع مصر”، حيث تحدث فيها السفير/ أحمد إسماعيل، والسفير/ أحمد فاضل يقوب، وأ.د./ أمحمد فايز فرحات. وافتتح الندوة السفير د./ منير زهران، وشارك فيها السفراء/ عزت سعد مدير المجلس، هشام الزميتى، أحمد الغمراوى، وعدد من الباحثين المهتمين بالشأن الأفغانى.
وقد أشار اللقاء إلى ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بالشكل غير المنظم والسريع في أغسطس 2021، قد مثَّل نقطة تحول مهمة في تاريخ أفغانستان الحديث والمنطقة، حيث تزامن مع تقدم حركة طالبان السريع، والانهيار غير المتوقع للقوات الأمنية الأفغانية، لتتصدر طالبان المشهد بعد هروب الرئيس أشرف غاني، وبعد مرور 20 عامًا على إزاحتها بالقوة عام 2001 عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي قام بها تنظيم القاعدة الذي آوته حكومة طالبان.
-
استعرض المشاركون فى هذا السياق الاتفاق الذى وقعته الولايات المتحدة مع حركة طالبان في الدوحة بتاريخ 29 فبراير 2020 وكذلك البيان المشترك الذي صدر بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية في نفس الشهر. حيث أشار السفير/ أحمد إسماعيل إلى أن الاتفاق الأمريكى مع الحركة يُعَد حدثاً تاريخياً فى حد ذاته، باعتبارها المرة الأولى التى توقع فيها قوة كبرى اتفاق سلام مع حركة مسلحة أجنبية فى دولة أخرى، دون انخراط من حكومة تلك الدولة. وهذا يمثل اعترافاً أمريكياً ضمنياً بالإمارة الإسلامية التى استولت عليها طالبان، وبدء اعتبارها السلطة الشرعية التى يتعيَّن التواصل معها فى أفغانستان، والتى استطاعت الاستيلاء على كافة الأقاليم الأفغانية، عكس فترة حكمها الأول بين عامَى 1996 و 2001. ومع ذلك، لم تلتزم طالبان من جانبها بالوقف الكامل لإطلاق النار كما حث عليه الاتفاق، حيث استمرت فى مقاتلة قوات الرئيس غنى، فيما لم تهاجم القوات الدولية. وعلى كلٍ كانت محصلة سيطرة طالبان أن تم إجلاء نحو 120 ألف أفغانيَّا حتى انتهاء شهر أغسطس الذى انسحبت فيه القوات الأمريكية من البلاد.
-
حرىٌ بالذكر أن عدة قوى إقليمية مجاورة لأفغانستان قد استقبلت بعض عناصر طالبان، فيما حرصت الأخيرة على عدم استفزاز تلك الدول، ومحاولة طمأنتها لتوطيد أقدامها فى البلاد وإقامة علاقات طبيعية معها. وفى هذا السياق، يمكن القول بأن دول الجوار تشترك فى مواقفها تجاه طالبان فيما يلى: تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية فى أفغانستان، وإعادة النازحين إليها؛ تحقيق المشروعات التى تأخر تنفيذها منذ الغزو السوفييتى؛ مكافحة الإرهاب؛ ومكافحة زراعة المخدرات. ولقد حرصت تلك الدول على الإبقاء على تمثيلها الدبلوماسى فى أفغانستان، والتعامل مع الحركة كسلطة واقعية دون الاعتراف بها رسمياً، وذلك إلى جانب دول أخرى مثل الصين وقطر، فيما أعادت دول مثل الإمارات والسعودية وإندونيسيا والاتحاد الأوروبى تمثيلها على مستوى القائم بالأعمال، جرَّاء ما استشعرته من مهادنة من قِبَل طالبان. وتجدر الإشارة إلى أن مصالح ورغبات دول الجوار تختلف عن تلك الخاصة بالولايات المتحدة والغرب تجاه طالبان؛ فعلى النقيض من الأولويات التى تهتم بها دول الجوار كما سلف، فإن الغرب يصر على قضايا حقوق الإنسان وعدم ملاحقة المسئولين السابقين، وأن تكون حكومة البلاد شاملة وجامعة لكل طوائفها.
-
تركيزاً على دور باكستان فى المشهد الأفغانى، أشار السفير/ أحمد فاضل إلى أن إسلام آباد تعد اللاعب الأساسى فى الشئون الأفغانية على مدى أكثر من 50 عاماً، ورغم أنها كانت الدولة الرئيسية التي ساعدت طالبان في السيطرة العسكرية في مواجهة فصائل المجاهدين الأفغان الآخرين، بما مكنها من الاستمرار في الحكم في الفترة الأولى، إلا أنها لم تقُم بالاعتراف بها رسمياً خلال سيطرتها الحالية على مقاليد الأمور فى أفغانستان، وإن كان ذلك لم يمنعها حتى من حمل لواء الدفاع عن طالبان إعلامياً ودبلوماسياً. ومع ذلك، ظهرت عدة تهديدات من شأنها التأثير على علاقة الجانبين، لعل أهمها مسألة الجدار الحدودى بين البلدين وقضية البشتون المنوطة بها. إذ ينتمى عناصر طالبان بالأساس إلى قبيلة البشتون، وكذا أعضاء الحكومة القائمة جميعاً، دون تمثيل لأى جماعات قبلية أخرى. ولقد فوجِئت الحكومة الباكستانية بمحاولة مجموعات من طالبان بهدم السور الذى أقامته إسلام آباد بطول 2435 كم مع أفغانستان، بل وصدور تصريحات من طالبان تقول بأنه لا أهمية لذلك السور، وأن الحدود بين البلدين قضية غير محسومة، خاصة وأنها تقسم أمة البشتون إلى مجموعتين فى أفغانستان وباكستان، بما يعيد الجدال والنزاع حول محاولة إقامة دولة البشتونستان مرة أخرى، لتفتعل تلك المسألة التوترات فيما بين البلدين. هذا بالإضافة إلى وجود عناصر طالبان باكستان فى الأراضى الأفغانية، وقيام وزارة الداخلية الباكستانية بإصدار بيان فى 16 أبريل 2022 تتهم فيه حركة طالبان بإيواء عناصر إرهابية، وذلك على خلفية وقوع حادث إرهابى فى الأراضى الباكستانية، اتُهِمت طالبان باكستان بأنها المنفِّذة له.
-
بالنسبة لكلٍ من إيران وباقى بلدان آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان، فيمكن القول بأن علاقة طالبان بإيران قد تغيرت إيجابياً عن العهد السابق، باعتبار أن طالبان أصبحت أكثر انفتاحاً حالياً. بالمثل، فإن علاقة طالبان بأوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان تسير على نحوٍ جيد، على الأقل فى المرحلة الحالية. وحرىٌ بالذكر هنا أن أفغانستان تعتمد على 70 % من الكهرباء من هذه الدول، بل وتظل الاخيرة تمدها بالكهرباء رغم تعثر الأولى عن سداد فواتير الاستيراد ذات الصلة.
-
من جهةٍ أخرى، ركَّز د./ محمد فايز فرحات على تفاعلات أفغانستان طالبان مع الدول غير الجوار المباشر، مثل الصين والهند والولايات المتحدة، مشيراً بداية إلى أن هناك محدداً مهماً ظهر فى فترة الرئيس السابق أشرف غاني، وهو أن نمط إدارة علاقات أفغانستان مع دول الجوار يتسم أساساً بمحاولة ضمان نوع من التوازن الأفغانى بين هذه الدول جميعاً، وذلك عبر استخدام مصالح تلك الدول لتحويل أفغانستان لأرضية مشتركة تتلاقى فيها تلك المصالح، وتجنباً لئلا تكون هناك قوة واحدة قادرة على الاستئثار بأفغانستان. وقد أبرم غاني فى سبيل ذلك عدة اتفاقيات لتنفيذ مشروعات الاستثمار ونقل الطاقة عبر الممر الأفغانى، من بينها مشروع “تابي لنقل الغاز من تركمنستان للهند (ديسمبر 2015)” على سبيل المثال، وذلك رغم عدم تنفيذها لاعتباراتٍ تمويلية وأمنية، كما انضم إلى مشروع الحزام والطريق، ومحور “الشمال / الجنوب” وغيرهما. ويُعتقَد أن هذا المنحى لا يزال قائماً لدى حكومة طالبان.
-
فيما يتعلق بالصين، فقد انفتحت على حركة طالبان حتى قبل مجيئها إلى السلطة، بل واستضافت رموزها أكثر من مرة. إذ تحاول الصين الآن الاستفادة من أفغانستان وربطها بمشروع الحزام والطريق بكل نوافذه، وكذا فى مشروعات الألياف البصرية التى تقيمها فى المنطقة، هذا بالإضافة إلى محاولة الصين النفاذ إلى قطاع التعدين الأفغانى، وكذا رغبتها فى الاستعانة بطالبان فى مكافحة تنظيم باكستان الشرقية المُصنَّف إرهابياً لديها. بل وتسعى الصين، فى سياقٍ اكبر، إلى تحويل أفغانستان إلى نقطة ارتكازٍ لها فى المنطقة، لاسيما فى ظل التوترات الحالية على الساحة الدولية والخلاف المتزايد بين واشنطن وبكين، والذى يمكن لبكين من خلالها تحقيق ميزة ضد الخصم الأمريكى. ومع ذلك، فإن هناك عدة تحديات للنفاذ الصينى فى أفغانستان، من بينها عدم الوصول بعد إلى تسوية بشأن نموذج التنظيمات الدينية، وضمان عدم تأثير ذلك على التنظيمات الدينية داخل الصين، هذا فضلاً عن التحديات الأمنية التى قد تواجهها فى أفغانستان ذاتها.
-
بالنسبة للولايات المتحدة، لا يزال هناك خلل غير مفهوم فيما يتعلق باتفاق عام 2020، بالنظر إلى أنه تمَّ بين واشنطن وتنظيم لم يزل قائماً على قائمة الإرهاب إلى الآن، بل يوحِى الاتفاق بأنه أُبرِم مع دولة وليس تنظيم. وعلى كلٍ، وارتباطاً بما سبق، فقد تلجأ الولايات المتحدة لمراجعة موقفها إزاء طالبان وأفغانستان عموماً، ارتباطاً بروسيا والصين، ودور أفغانستان المهم أمنياً، وممرها الجغرافى فى آسيا.
-
ارتباطاً بالهند، فقد نجحت من قبل فى تقديم مشروعات عسكرية لتدريب الجيش الأفغانى، وكذا استثمارات هندية فى عهد أشرف غاني والعهود السابقة عليه. ومع ذلك، إذا كانت أولوية طالبان هى الاستعانة بالصين، فهذا يعنى عدم إيلاء مميزات كبيرة للهند فى أفغانستان، وهى المميزات التى تضاءلت بالفعل، فى ظل عدم تشاور واشنطن حتى مع الهند حال خروجها من أفغانستان فى أغسطس 2021.
-
على ضوء ما سبق، وارتباطاً بدول آسيا الوسطى، فإن المراهنة لا زالت قائمة على استعمال أفغانستان معبراً للطاقة فى المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا الرهان متوقف على اعتراف القوى الدولية بذلك المنحى، وهو الاعتراف الذى يتوقف بدوره على أمرين: الأول: هل تُقدِم الصين على الاعتراف بطالبان كجزء من دعم نفوذها فى أفغانستان، وكآلية مبكرة لتعزيز موقفها مع طالبان ضد الولايات المتحدة؟ والثانى: هل تستطيع واشنطن، ارتباطاً بصراعها الأكبر مع الصين وروسيا، إبرام اتفاق تاريخى مع طالبان ضد البلدين؟ مع مراعاة أن الأمر الأخير عسير للغاية.
-
هذا، وبشأن العلاقات المصرية / الأفغانية، فيُشَار إلى أنها لم تشهد أى توترات أو أزمات دبلوماسية، منذ أن بدأت رسميًا منذ أكثر من 90 عاماً، فى 30 مايو 1928. وهناك اتفاق صداقة وقّعه ملك أفغانستان “أمان الله خان” مع ملك مصر “فؤاد الأول”، بل كان هناك تواصل دائم بين شعبَى البلدَين منذ أيام الفاطميين، بما فى ذلك زيارة الشيخ جمال الدين الأفغانى لمصر ودوره الضخم فى المجال الثقافى والدعوى. وحرىٌ بالذكر أن الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر نجح فى وقف فتيل حرب أهلية أفغانية فى عام 1955 بالعاصمة كابول، بعد انتهاء قمة “باندونج” آنذاك. يُضَاف ذلك إلى مشاعر الود الأفغانية للأزهر الشريف بمصر، والمنح التى تقدمها الأخيرة للطلاب الأفغان، ويُشَار هنا إلى أن اثنين من الرؤساء الذين تولوا الحكم فى أفغانستان من خريجى الأزهر الشريف، وهناك أكثر من 28 وزير فى كل الحكومات الأفغانية تخرجوا من الأزهر تلك المؤسسة العريقة.
-
فى سياقٍ متصل، تم توقيع آلية للتشاور السياسى بين البلدين فى عام 2010، فضلاً عن التعاون الأمنى والاستخباراتى على أعلى مستوى بين الجانبين، فيما كان هناك تواصل دائم بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الأفغانى أشرف غانى، بالتوزاى مع ما تقوم به الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية من تقديم دورات تدريبية لأبناء أفغانستان فى المجالات التى يحتاجها الجانب الأفغانى. ومع ذلك، لم تزل العلاقات الاقتصادية الثنائية محدودة إجمالاً.
-
هذا، ولا يخفى أن مصر ارتبطت بالتطورات فى أفغانستان منذ الغزو السوفيتى فى نهاية سبعينات وثمانينيات القرن الماضى وقدَّمت الدعم السياسى، وسمحت بسفر آلاف الشباب فى هذا الوقت للانخراط فى مكافحة الغزو السوفيتى، ثم عانت أمنيًا من تنظيمات العائدين من أفغانستان، ومن بروز تنظيم القاعدة كمهدد أمنى لمصر وللمنطقة وللعالم، والذى على رأسه إلى الآن أيمن الظواهرى، كما خرج من عباءته كذلك تنظيم داعش. وفى هذا السياق، أوصى المشاركون بتبنِّى الحد الأدنى من سياسات التقارب مع طالبان، دون القطيعة معها، باعتبارها السلطة الواقعية الراهنة فى أفغانستان، مع مواصلة مراقبة الوضع الأفغانى، تلافيًا لأية تداعيات سلبية غير مرغوب بها من قِبَل الدولة المصرية.