ندوة حول “الدور المصري فى إطار الآلية المعنية بالحوكمة فى القارة الأفريقية”
يونيو 5, 2022نهاية التاريخ وفقدان الثقة
يونيو 17, 2022
بتاريخ 14 يونيو 2022، نظَّم المجلس ندوة استضاف فيها معالى وزير الخارجية الأسبق/ محمد العرابى، عضو المجلس، للتحدث حول أهداف وفعاليات ونتائج زيارة وفد المجتمع المدنى المصرى، برئاسته، لجمهورية السودان الشقيقة، فى الفترة من 10 إلى 12 مايو 2022. وافتتح اللقاء السفير د./ منير زهران رئيس المجلس، وشارك فيه السفراء/ عزت سعد مدير المجلس، على الحفنى، رخا حسن، محمد منير، فاروق مبروك، ود./ حازم عطية الله، ود./ جمال الشاعر، ود./ صادق عبد العال، وأ. ليلى موسى، وأ./ أيمن عدلى، وعدد من الباحثين والمهتمين بالشأن السودانى.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
أشار الضيف إلى أن هذه الزيارة هى الثالثة، بعد زيارتين فى عام 2015 و2017 على التوالى، بغية التعرف عن كثب على الأوضاع فى السودان، بما فى ذلك مواقف الأطياف السياسية الموجودة هناك. مضيفاً أن الوفد تكوَّن من عددٍ من الشخصيات السياسية والبرلمانية والأكاديمية والإعلامية، من بينهم د./ جيهان زكى ود./ هادية السعيد، والسفير/ محمد بدر الدين زايد، ود./ سيد فليفل، ود./ نيفين مسعد، ود./ أسماء الحسينى.
-
استعرض السفير/ العرابى جدول أعمال الوفد، ودور السفارة المصرية بالخرطوم فى تنفيذ مهامه، مشيراً إلى أنه كان هناك اتفاق فيما بين أعضاء الوفد على عدم الدخول فى أى جدل مع الكيانات السودانية التى يتمّ اللقاء بها، فيما تم التوافق على عدم الاجتماع بعناصر من الإخوان المسلمين أو الحزب الشيوعى أو حزب البعث، وأن رسالة الوفد الرئيسية تتمثل فى التعبير عن قلق مصر على السودان الشقيق، وأن استقرار الأولى لن يكتمل إلا باستقرار الأخير.
-
فى هذا السياق، التقى أعضاء الوفد بنخبة إعلامية سودانية وبعددٍ من أساتذة جامعة الخرطوم، وعناصر من جبهة الحرية والتغيير، وأعضاء مجلس السيادة الانتقالى بقيادة الجبهة الثورية السودانية، واستقبلهم الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى، كما اجتمع الوفد بعناصر من شباب لجان المقاومة الشعبية. كما عقد الوفد المصرى، فى غضون ذلك، لقاءً مع وفد مشترك من الإدارات الأهلية والطرق الصوفية السودانية، ومع عددٍ من أسر شهداء المواطنين فى أحداث أكتوبر 2021، إلى جانب زيارة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسودان.
-
استخلاصًا من تلك اللقاءات، أشار السفير/ العرابى إلى ما يلى:
-
أن هناك كيانات سودانية متعددة، لكلٍ منها هيئتها التنظيمية المختلفة، ولدى أصحابها توجهات وألقاب ومسميات عديدة. الأمر الذى ينطوى على مزيدٍ من التعقيدات فى المشهد السودانى، لاسيما وأن هذه الكيانات تكيل الاتهامات لبعضها البعض؛ فجبهة التغيير على سبيل المثال تزعم أن رئيس المجلس السيادى عبد الفتاح البرهان ليس له حاضنة شعبية، وأن ما قام به فى أكتوبر 2021 يُعَد انقلابًا، فيما يقول أعضاء المجلس السيادى أن ما حدث كان ضروريًا لحماية المسار الديموقراطى، ومحاولةً لتصحيح الأوضاع بالبلاد. كما تزعم جبهة الحرية والتغيير أن مصر احتضنت عبد الفتاح البرهان وساعدته فى انقلابه، بدعوى أنه قام بزيارة القاهرة إبَّان ما يسمونه انقلاباً، حيث أشار أعضاء الجبهة أنه لا بد من محاسبة الانقلابيين، وأن مصطلح “الخروج الآمن” لا يعنى إفلاتهم من العقاب، مع أهمية التمييز بين المكوِّن العسكرى الذى قام بالانقلاب والجيش السودانى ذاته.
-
رغم اختلاف الكيانات السودانية، إلا أن جميعها استقر على أن زيارة الوفد المصرى جاءت متأخرة للغاية، وأنه كان يُتوقَّع من القاهرة الانخراط فى المشهد السودانى منذ فترة طويلة. بل إن عبد الفتاح البرهان دعا إلى أهمية انضمام مصر للآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيجاد،والمعنية باستكمال الترتيبات اللازمة لتسهيل عملية المباحثات بين الأطراف من أصحاب المصلحة السودانيين، من أجل إيجاد حلول سياسية توافقية مرضية للجميع.
-
إن التسويات السياسية السلمية للمشهد السودانى الراهن صعبة جداً؛ إذ إن دولة فيها جيشان (الجيش التقليدى وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو – حمدتى)، بالإضافة إلى ستة جماعات مسلحة، بما فى ذلك الوضع المتأزم جداً فى إقليم دارفور، والذى يرى أحد زعماء الإقليم – وهو موسى هلال – فى نفسه أن يستحق قيادة السودان، كل ذلك يؤيد استحالة أن تسير الدولة السودانية مستقبلاً بدون المكوِّن العسكرى، مع مفارقة أن الواقع على الأرض لا يقبل بوجود هذا المكوِّن.
-
من جهةٍ أخرى، لا بد من مراعاة أن أى مستقبل للسودان سيتضمَّن حتماً حضوراً لتيار الإسلام السياسى فيه، مع الإشارة إلى أن الإخوان المسلمين فى السودان مختلفين تمامًا عن الإخوان فى مصر، وأنه لم يتم تصنيفهم كإرهابيين كما هو الحال فى مصر.
-
هناك ثلاث دول لها نفوذ واضح فى مستقبل السودان فى الوقت الحالى؛ هى السعودية ذات الحضور الكبير فى السودان، والإمارات الموجودة به بقوة أيضاً، وروسيا التى تقدم دعماً واسعاً لقائد قوات الدعم السريع (حمدتى)، والذى تم استضافته، من قِبَل روسيا لمدة عشرة أيام إبّان شنِّ العملية العسكرية الخاصة فى أوكرانيا، ناهيك عن وجود قوات “فاجنر” الروسية كذلك بالسودان، وسيطرتها على مناجم الذهب واليورانيوم هناك.
-
ذكر الوزير الأسبق أن موقف مصر من المشهد السودانى حكيم للغاية، بمعنى أنها تلتزم بعدم التدخل فى المشهد السودانى عبر اقتراح المبادرات أو فرض الرأى… إلخ، لاسيما وأن السودانيين لديهم حساسية شديدة لأي محاولات خارجية تنطوى على فرض الإرادة عليهم، ويواجهونها بعنف.
-
خلص السفير/ العرابى إلى القول بأنه يتعيَّن على القاهرة أن تتبنَّى منظوراً جديداً للولوج إلى الساحة السودانية، بشكلٍ يمكِّن من الاقتراب من المجتمع السودانى ويحافظ على التواصل المستمر معه، بعيداً عن الأسلوب التقليدى الذى يدور حول شعار وحدة وادى النيل والمصالح، والذى أضحى مستهلَكًا، وفقًا له. ولعلَّ من بين ما يمكن أن يشمله ذلك المنظور الجديد ما يلى:
-
التأكيد على أهمية عدم الدخول فى أى نوع من الجدل أو محاولة دحض الآراء مع أىٍ من المكوِّنات السودانية.
-
تقديم مشروعات تنموية متنوعة فى مجالات الكهرباء والصحة والتعليم والفنون والثقافة، وهى جميعها تساعد على تعزيز القوة الناعمة المصرية هناك بشكلٍ أو بآخر.
-
ترتيب زيارات وورش عمل تبادلية بين أساتذة الجامعات المصريين والسودانيين، لاسيما فى جامعة الخرطوم، حيث بات أساتذتها يمثلون قوة أساسية معتبرة فى البلاد، ولها تأثير سياسى قوى.
-
ضرورة استعادة الاهتمام الإعلامى المصرى بالسودان وملامحها، وذلك على شاكلة برنامج “ركن السودان” الذى كان يُذَاع سابقاً على القنوات المصرية، إلى جانب إرسال شخصيات إعلامية مصرية مؤثرة ومعروفة هناك.
-
بناءً على المسحة الصوفية وتأثيرها الوجدانى القوى فى السودان، فهناك أهمية أخذ ذلك الجانب فى الاعتبار مستقبلاً، بمعنى تضمين أى وفود مصرية مستقبلية للسودان شخصيات صوفية مصرية، لما لذلك من إحداث تقارب عميق وإحياء للأخوة بين المصريين والسودانيين المتدينين بطبعهم.
هذا، وقد أثار المشاركون عدة استفسارات بشأن جدوى وجود آلية مؤسسية مصرية لمتابعة المشهد السودانى والتفاعل معه، وكذا عمَّا إذا كان من الممكن الآن مراجعة الموقف المصرى الذى ينظر إليه كثيرٌ من السودانيين على أنه يساند المكوِّن العسكرى قلبًا وقالبًا. وفى هذا الصدد، السفير/ العرابى إلى أن فكرة تعيين مبعوث سياسى للسودان طُرِحَت بالفعل، ولكن تم التراجع عنها بحكم حساسية السودانيين المذكورة سلفاً، مشيراً إلى أن زيارة الوفد للسودان تمت بمبادرة من الأجهزة الأمنية المصرية. مضيفاً أن عملية مراجعة الموقف المصرى تعنى إعادة بلورة ذلك الموقف، وفق جميع جوانب المشهد السودانى، وهو ما يمكن الشروع فيه بدءًا من التوصيات العامة المذكورة أعلاه.