مشاركة د./ عزت سعد فى “China’s New Development and World’s New Opportunities – The First Eyes on China and Ears to the World Forum” وذلك بورقة بعنوان “نتائج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى على الصين والعالم”
نوفمبر 28, 2022فرص وتحديات أمام حكومة العراق الجديدة
نوفمبر 30, 2022
مدير المجلس المصري للشئون الخارجية
فى مقال له بصحيفة نيويورك تايمز فى 30 مايو 2022، كتب الرئيس بايدن أن المساعدة العسكرية الأمريكية لأوكرانيا تهدف إلى وضع قادة البلاد فى «أقوى موقف ممكن على طاولة المفاوضات». ونقل بايدن عن الرئيس الأوكرانى زيلينسكى قوله: «إن الحرب فى نهاية المطاف لن تنتهى إلا من خلال الدبلوماسية». ومع ذلك، وبعد أكثر من تسعة أشهر على بدء الحرب، لم نشهد أى تحرك دبلوماسى، ولم تفعل الأطراف أى شىء لتمكين الدبلوماسية. ومع نجاحات أوكرانيا فى ساحة المعركة، تتمسك واشنطن وحلفاؤها بمقاربة تقوم على وجوب الاستمرار فى تقديم جميع أشكال الدعم لكييف، مع إدارة مخاطر التصعيد والحرص على عدم توسيع الحرب، مما قد يقود فى النهاية روسيا إلى قبول الهزيمة. وتشمل وجهة النظر هذه ضرورة عدم الاكتراث بتهديدات روسيا النووية من خلال التراجع من مواصلة دعم أوكرانيا أو الضغط عليها لبدء عملية تفاوضية. وتلاحظ التحليلات الغربية فى هذا الشأن أن موسكو تلوح بتهديداتها النووية عندما تتراجع قواتها فى ميدان المعركة، كما أنه من منظور بعضهم تمثل هذه التهديدات شكلا متزايدا من أشكال الغضب وشكلا ضمنيا من أشكال المساومة، وأنه مهما بدت سياسة حافة الهاوية صادمة اليوم، فقد تصرفت الولايات المتحدة بشكل مماثل تماما عندما واجهت الهزيمة فى فيتنام، قبل أن تُخرج نفسها من مستنقعها. وحسبما يعتقد هذا التحليل، فإنه من المرجح أن تفعل روسيا ذلك، إذا بدت جميع خياراتها الأخرى أسوأ، وأنه فى كل الأحوال لا تبدو موسكو جادة فى تهديدها، أن إقدامها على استخدام السلاح النووى سوف يضر بشدة بسمعتها ويحرمها من «الموقف المحايد الودي« تجاهها من دول مثل الصين والهند وتركيا.
ومن الواضح، حتى الآن، أن الإدارة الأمريكية عازفة عن تحديد رؤيتها لكيفية وضع نهاية للحرب، مولية تركيزها على فرض عقوبات واسعة النطاق على روسيا وضخ المزيد من الأسلحة الحديثة لكييف. وكثيرا ما يؤكد أركان الإدارة، بمن فيهم وزير الدفاع لويد أوستن، أن هدف الولايات المتحدة هو إضعاف روسيا حتى لا تتمكن فى المستقبل من تكرار ما فعلته فى أوكرانيا، مع التأكيد على سلامتها الإقليمية وضمان سيادتها.
ومن جانبها، لا تزال روسيا واثقة من الخروج من هذه المعركة منتصرة، خاصة فى ضوء الدعم الشعبى للحرب داخل روسيا، ونتائج استطلاعات الرأى التى تظهر ارتفاع شعبية الرئيس بوتين بنسبة لا تقل عن 80%، وهى نسبة ارتفعت مع تواصل الدعم العسكرى الغربى لأوكرانيا، مما جعل أغلبية المواطنين تتماهى مع الخطاب السياسى للقيادة الروسية والالتفاف حولها، خاصة مع تصاعد الخطاب العدائى الغربى ضد روسيا والعقوبات الأشد والأكبر فى تاريخ الدولة، بل أن بعض النخبة ممن عارض الحرب فى البداية بات من أكثر المتحمسين لها دفاعا مع وحدة البلاد وحمايتها من مخاطر التقسيم. ووفقا لتقديرات غربية، تدعم غالبية الروس ما يقوم به النظام، بما فى ذلك الضربات النووية. وفى ذات السياق، يذهب تحليل آخر إلى القول بأن القيادة الروسية تعول على الصمود حتى فصل الشتاء، حيث تتوقع زيادة المعارضة الغربية للحرب مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم. ووفقا لموسكو، يمكن أن يمهد كل ذلك لتجميد الصراع على نحو مستدام أو لتسوية تفاوضية مرضية، بما يسمح لروسيا بادعاء النصر.
• • •
يفسر خبراء انسحاب روسيا الأخير من خيرسون بأنه بمثابة استراتيجية جديدة تهدف إلى وضع حد للقتال المكثف قبل حلول الشتاء، وتجميد الصراع فعليا مع الاحتفاظ بالمكاسب الإقليمية التى تحققت حتى الآن. ويضيف هؤلاء أن ذلك ينطوى على رغبة روسية فى جعل الأهداف السياسية لـ«العملية الخاصة» متماشية مع القدرات العسكرية والاقتصادية الفعلية لروسيا، وذلك فى ظل حقيقة أن الدعم اللوجستى والعملياتى لأوكرانيا يجرى تكثيفه من قبل حلف الناتو بكامل دوله وبتكلفة عشرات المليارات من الدولارات. أما الهدف السياسى الجديد لموسكو فهو ضمان السيطرة على المدن الجنوبية وإجبار أوكرانيا على وقف المرحلة النشطة من الحرب، وتجميد الخطوط الأمامية والدخول فى مباحثات بشروط روسية. وهذا هو السبب فى استهداف موسكو البنية التحتية للطاقة فى أوكرانيا. ومن غير المرجح ــ وفقا للخبراء ــ أن توقف موسكو عملياتها بالكامل بعد تجميد الخطوط الأمامية، لقناعتها بأن أوكرانيا ماضية قدما فى الحرب، قبل أن تحول ظروف الشتاء دون المزيد من تقدم قواتها.
وتؤكد تقديرات غربية أن حربا طويلة الأمد ستكون لها تداعيات سلبية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، وستستمر فى التهام الموارد العسكرية والمالية، وكذلك وقت وطاقة صانعى السياسة الأمريكيين، مما يقلل من قدرة واشنطن على إعطاء الأولوية للتنافس الاستراتيجى طويل الأمد مع الصين. ومن المرجح أيضا أن يؤدى طول أمد الصراع إلى استمرار حالة التوتر العميق فى العلاقات الأمريكية الروسية، مما يقوض التعاون بين البلدين فى القضايا ذات الأهمية العالمية، مثل الحد من التسلح ومنع الانتشار.
كذلك من شأن حرب طويلة الأمد تقويض الاقتصاد العالمى، وهو ما أكدته قمة العشرين فى بيانها الختامى فى 16 نوفمبر الحالى، كما عبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين وحلفائها فى أوروبا عن تضررهم، بجانب الدول النامية، التى تعانى بالفعل انعدام الأمن الغذائى والتداعيات الكارثية لارتفاع أسعار الطاقة والتضخم.
كذلك تؤكد تقديرات غربية أنه كلما طال أمد الحرب، زاد تأثير السياسة الداخلية على مسارها. ويلاحظ هنا أن انتخابات رئاسية ستجرى فى كل من روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة فى عام 2024، حيث سيسعى بوتين إلى ولاية جديدة، بينما لا يزال زيلينسكى يتمتع بشعبية فى أوكرانيا كرئيس فى زمن الحرب، وسيكون حريصا على عدم تقديم أى تنازلات إقليمية بما يضمن له النجاح. ويبقى الرئيس القادم للولايات المتحدة، الذى ترجح التقديرات أن يتعرض لضغوط داخلية متزايدة، أيا كانت هويته السياسية، مما يحمل معه مخاطر تآكل الدعم الأمريكى لأوكرانيا. أما بالنسبة للدول الأوروبية فقد تكون أشهر الشتاء القادم عاملا حاسما فى تحديد مواقفها من الصراع، خاصة مع تفاقم حاجتها إلى الطاقة وفشلها فى تأمين بدائل للغاز والنفط الروسى، حيث يمكن أن يقود ذلك إلى المزيد من ضغط الرأى العام وأحزاب المعارضة لصالح وقف الحرب والبحث عن تسوية تفاوضية.
وبالنسبة للدول غير الغربية، فعلى الرغم من الضغوط الهائلة التى تمارسها الولايات المتحدة وحلفائها لعزل روسيا، فإن عددا كبيرا من دول العالم، بما فيها الصين والهند، تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية صراعا أوروبيا يجب ألا يؤثر عليها. وتدعم الصين روسيا سياسيا وترفض فرض عقوبات عليها كما تدعمها فى الأمم المتحدة. وتتركز مخاوف أغلبية الدول النامية، على الطاقة والغذاء والأسمدة وحتى الأسلحة، ولدى العديد منها القناعة بأن الموقف الغربى ينطوى على ازدواجية صارخة فى المعايير. وصحيح أن هذه الدول تؤكد على السلامة الإقليمية والاستقلال السياسى لجميع الدول وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن هناك العديد من الأزمات الدولية التى لم تعبأ فيها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بمبادئ الميثاق أو بقواعد وأحكام القانون الدولى. وبدلا من انتقاد روسيا، لا تقبل تلك الدول وجهة نظر الغرب حول سبب الحرب أو مدى خطورة الصراع، وتنتقد الولايات المتحدة، كما تجادل بأن ما تفعله روسيا فى أوكرانيا لا يختلف عن ما فعلته الولايات المتحدة فى العراق أو فيتنام وما تفعله إسرائيل فى الأراضى العربية المحتلة بدعم مادى وعسكرى غير محدود من الولايات المتحدة والحلفاء. وفضلا عن ذلك، أثبتت الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا عجزهما عن منع الحرب أو وقفها.
• • •
يعتقد كتاب أمريكيون كثر أن الحرب الروسية فى أوكرانيا هى أكثر من مجرد الحرص على أوكرانيا وسيادتها ضمن حدودها الدولية، حيث يتعلق الأمر أيضا بالقواعد والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية، من المنظور الأمريكى. ويضيف هؤلاء أن ما فعله الرئيس بوتين فى أوكرانيا وضع الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية فى أوروبا وأماكن أخرى فى موقف دفاعى، إلا أنه أعطى واشنطن أيضا فرصة لإعادة صياغة رؤيتها بشأن نظام عالمى يتوافق مع مصالحها، والسعى، فى هذا السياق، إلى توسيع التحالف الديمقراطى، وإعادة تأكيد القيم والمصالح الأساسية للتحالف، وتقديم رؤية لنظام دولى معدّل يسعى إلى استيعاب أكبر عدد ممكن من الدول والشعوب معا فى أشكال جديدة من التعاون، يخدم تلك المصالح.
ومع ذلك لا يهرب هؤلاء من حقيقة أنه كثيرا ما انتهكت الولايات المتحدة النظام الذى أنشأته وتقوده منذ عام 1945، وأن حرب العراق هى مثال مرير وكارثى بشكل خاص على تقويض الولايات المتحدة لهذا النظام. كذلك كثيرا ما استخدمت الولايات المتحدة مكانتها المتميزة لتغيير القواعد المتعددة الأطراف لصالحها والتصرف من جانب واحد لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ضيقة. كذلك يقع هؤلاء الكتاب عادة أسرى لعملية تأطير الصراع أو التنافس فى النظام العالمى الحالى بين الولايات المتحدة ومنافسيها، الصين وروسيا، على أنه صراع بين الديمقراطية والاستبداد، وأن الأولى استبعدت الثانية، أو هكذا يجب أن يكون دون أى مقتضى موضوعى ودون النظر إلى أزمات النظم الديمقراطية فى العديد من البلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 29 نوفمبر 2022 و رابط :