وجها لوجه- القمة الصينية العربية..شراكة استراتيجية شاملة
يناير 12, 2023أيمن محمد عدلي مهدي
يناير 18, 2023
بتاريخ 17 يناير 2023، استضاف المجلس معالى الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق السيد/ أحمد أبو الغيط، حيث عرض للواقع الدولى الراهن والتحديات التى ينطوى عليها، وتأثيراته على العالم العربى، والسبل المتاحة للتغلب عليها. وافتتح اللقاء السيد السفير/ محمد العرابى رئيس المجلس، وشارك فيه العديد من أعضاء المجلس والخبراء والباحثين المهتمين بمتابعة واستقراء المجريات الدولية والإقليمية.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفة خاصة:
-
أشار معالى الأمين إلى أن الوضع الدولى الراهن، ممثلاً تحديدًا فى الحرب الروسية / الأوكرانية، ربما يكون أخطر وضع يشهده العالم على مدى الـ 75 عامًا الماضية. ورغم أنه يقترب من الوضع الكورى فى أوائل خمسينيات القرن الماضى، وكذا الأزمة الكوبية فى مطلع الستينيات، إلا أن تلك الأزمات تمت السيطرة عليها، بفضل رشادة القادة المعنيين وقتها، وذلك على النقيض من الأزمة الجارية التى تتسارع وتيرتها بشكلٍ هائل بين روسيا والغرب، وصولاً إلى الحديث عن عدم استبعاد استخدام أسلحة نووية تكتيكية، بما يهدد الأمن والسلم الدوليين، بل والنظام العالمى برمته.
-
ربما يكون الاتحاد الروسى خُدِع مرتين:
الأولى: قبول جورباتشوف تعهدات شفهية، إبَّان انهيار الاتحاد السوفييتى، بأنه لن يتم توسيع الناتو شرقًا.
الثانية: عندما أعلن بوش الابن فى قمة الحلف فى رومانيا عام 2008، عن نيته ضم بلدين إضافيين هما جورجيا وأوكرانيا. حيث لم يمر وقت طويل حتى اصطدم بوتين عسكريًا بجورجيا، لينكشف وقتها الأداء العسكرى الروسى الهزيل أمام الغرب.
-
فى الأزمة الراهنة، تتمسَّك روسيا بحقها فى الدفاع عن أمنها القومى، وبما حققته من مكتسبات فى أوكرانيا، لغرض المساومة عليها مع الغرب، فيما يتعهَّد الأخير بالمضى قدمًا فى دعم أوكرانيا سياسيًا وعسكريًا لاسترداد ما أُخِذ منها. ورغم تصريح روسيا بإمكانية استخدام أسلحة نووية تكتيكية إذا بلغت الأمور مبلغًا معينًا فى تقدير الكرملين، فإن بعض القوى الغربية تقلل من احتمال اللجوء إلى هذا الخيار، بل وتأثيره، على نحوٍ مستفز، مدّعيةً أن هناك ما يتراوح بين 2000 و 2500 سلاح نووى تكتيكى روسي قد يكون عفا عليها الزمن، بحكم تخزينها. ولا يخفى أن بوتين، بكبريائه، لن يقبل أن تُهزَم بلاده، التى تُعَد إحدى القوى الكبرى، فى حرب تقليدية. ويُخشَى فى هذا السياق أنه إذا حدثت مثل تلك الهزيمة، فمن المؤكد أنها ستقود إلى حرب نووية. وفى هذا الصدد، يُلاحَظ أن روسيا تقوم حاليًا برفع قواتها العسكرية إلى 2 مليون فردًا، بدلاً من نحو مليون و300 ألف فردًا، ومن المحتمل بقوة أن تقوم بعملية عسكرية كبيرة خلال الستة أشهر القادمة. ومن جانبه، يُرجَّح أن يقوم الغرب بشن هجوم مضاد كبير ضد القوات الروسية، فى أقرب فرصة يكون فيها الطقس مواتيًا لذلك. ومن ثمَّ، فلن يشهد المدى القصير، بأى حال، توقفًا للعمليات العسكرية بين الطرفين.
-
من ضمن الأخطار التى يواجهها العالم حاليًا هو الانزلاق تجاه انتهاء النظام الدولى ذى القطب الواحد، ممثلاً فى الولايات المتحدة الأمريكية، والصراع الأمريكى مع القوة الصينية البازغة بقوة، بما يفضى للوقوع فى “فخ ثيوديديس”، وأيضًا لحدوث حرب باردة جديدة لا محالة. وعلى الرغم من أن ما يقلل من سرعة وأخطار مثل تلك الحرب بين أمريكا والصين هو حجم المصالح الاقتصادية والتجارية الهائلة المتداخلة بين بكين والدول الغربية، إلا أنه يُخشَى – فى ذات السياق – الدخول فى حرب حقيقية بين الجانبين؛ إذ يخبرنا التاريخ أنه كانت هناك مظاهر للعولمة فى أوروبا، وعلاقات تجارية كبيرة بين ألمانيا وبريطانيا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك فقد تصادم الطرفان عسكريًا فى تلك الحرب. هذا إلى جانب تعدد التكهنات بشأن ما إذا كان النظام العالمى القادم سيكون ثنائيًا أم متعددًا؛ لا سيَّما وأن الحرب الروسية / الأوكرانية تستهدف أساسًا إنهاء الانزواء الروسى، ما يعنى أن رغبة موسكو فى إثبات نفسها كقطب فى النظام الدولى المنتظر ستكون حاضرة بلا شك، وبقوة، ومن ثمَّ تُضَاف روسيا إلى كلٍ من الولايات المتحدة والصين، كحدٍ أدنى. فضلاً عن ذلك، لا يمكن استبعاد نشوء توترات فيما بين روسيا والصين، ارتباطًا بسيبيريا، لحاجة الصين ذات المليار ونصف تقريبًا فى التمدد للتخفيف من حدة الاكتظاظ السكانى الهائل على أراضيها.
-
بالإضافة إلى ما تقدم، هناك بعض التطورات الضخمة التى من شأنها تعزيز سيناريو المواجهة على الساحة العالمية، من أبرزها ما يلى:
-
إعلان ألمانيا منذ عدة أشهر عن زيادة ميزانية الدفاع الخاصة بها إلى 100 مليار يورو، وهذا يثير تساؤلات بشأن وقع ذلك على حلف الأطلنطى من ناحية، وعلى الاتحاد الأوروبى من ناحية أخرى، خاصة بعد خروج بريطانيا منه، بل وعلى الساحة الدولية من ناحية ثالثة؛ لاسيَّما وأن ألمانيا تمثل قوة مركزية أوروبية اقتصاديًا وعسكريًا وديموجرافيًا، هذا فضلاً عن تقديم وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت استقالتها فى 16 يناير الجارى، ارتباطًا بقدرتها فى أداء مهامها المتمثلة بتعزيز القوات المسلحة فى ظل العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا التى أثارت قلق الأوروبيين، بما فى ذلك تعرض برلين لضغوط لتسليم دبابات قتالية ألمانية الصنع إلى أوكرانيا. الأمر الذى من المتوقع أن يشهد انفراجة لا يُستهَان بها فى التسليح العسكرى الألمانى لأوكرانيا على المدى القريب.
-
طموح الصين إلى مضاعفة قدراتها النووية، وسط تحذيرات أمريكية من سعى بكين إلى امتلاك “قوة نووية عظمى”، إذ يُتوقَّع أن تصل الرؤوس الحربية النووية الصينية، التى تتراوح حاليًا بين 200 و350 رأسًا نوويًا، إلى نحو 1500 رأسًا نوويًا بحلول عام 2030. هذا إلى جانب التطورات الهائلة فى السلاح النووى الذى تملكه كوريا الشمالية وتحدياتها واستفزازاتها المستمرة.
-
الإعلان عن تحالف “AUKUS” بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، وإجراء مناورات مشتركة بين الهند واليابان لأول مرة خلال الشهر الجارى، وكذا قرار اليابان بمساومة واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية وإعلامها بأن ميزانية الدفاع اليابانى ستزيد أضعاف، وأن طوكيو ستقوم بعمل دفاعاتها الخاصة، على نحو ما قامت به كوريا الجنوبية، إذا لم تعيد واشنطن التزامها بتقديم المظلة النووية لليابان.
-
هذا، ومن المتوقع أن أى استخدام محتمل للسلاح النووى لن يكون قاصرًا على طرفين؛ بمعنى أنه إذا كانت هناك مواجهة نووية بين روسيا والغرب، فستكون هناك مواجهة نووية روسية / صينية، أو صينية / غربية؛ لأن منطق الأمور يقول بأنه لن تسمح قوة نووية حينذاك بأن تخضع لسيطرة قوة أخرى لديها مخزون استراتيجى أكبر من الأسلحة النووية. وهو أمر لا ريب يجعل مستقبل البشرية كلها على المحك.
-
فيما يتعلق بالوضع الإقليمى، فإنه خطيرٌ للغاية، لاسيَّما وأن للحرب الروسية / الأوكرانية وتطوراتها تداعيات مباشرة على المنطقة بحكم الجوار الجغرافى. وقد يسوء الأمر فى حال اندلاع مواجهة نووية بين روسيا والغرب. فضلاً عن ذلك، هناك أزمة غذاء ضخمة فى المنطقة، كغيرها من مناطق العالم، والتى يُتوقع أن تزداد حدتها خلال عامَى 2023 و2024، نتيجة أزمة مماثلة فى الأسمدة الزراعية، بحكم أن أوكرانيا تمده بحصة كبيرة منها، كما أن تعطل المحطات الكهربائية فيها يعطِّل بدوره فرص إنتاج تلك الأسمدة. بالإضافة إلى ذلك، وفى ظل الأوضاع المتدهورة للغاية فى كثيرٍ من البلدان العربية، مثل العراق واليمن وسوريا وفلسطين ولبنان والصومال وليبيا، فإن هناك حضورًا بارزًا لكلٍ من إيران وتركيا، كدولتين مسلمتين غير عربيتين، فيما تشهده الساحة الدولية حاليًا، خاصة فيما يتعلق بالمسيرات والتقنيات ذات الصلة، من كلا البلدين، لدعم طرفى المواجهة فى أوكرانيا. وهذا مسألة جديرة بالاهتمام إقليميًا ودوليًا.
-
بالنسبة لموقف الجامعة العربية من مجريات الأمور، فإنها حاولت التوسط لحل الأزمة الروسية / الأوكرانية، وقد اتخذ المجلس الوزارى للجامعة فى 9 مارس 2022 قرارًا بإنشاء مجموعة اتصال عربية لهذا الغرض، وقد اجتمع وفد وزراء خارجية المجموعة مع وزيرى خارجية روسيا وأوكرانيا، فى أوائل أبريل 2022، خلال زيارة لموسكو والعاصمة البولندية وارسو. ولكن لم يُكتَب لتلك الوساطة النجاح، كغيرها من الوساطات المتعددة التى عرضها بعض الفاعلين الدوليين الآخرين.
-
هذا، ومن بين التحديات التى تواجهها الجامعة على الصعيد الإقليمى هو تباين طبيعة النزاعات التى تشهدها المنطقة اليوم عمَّا كانت عليه فى السابق؛ إذ تتغلب الآن نوعية النزاعات الداخلية فى بلدان المنطقة، على النزاعات فيما بينها. وهذا يحد بصورة مباشرة من ممارسة الجامعة لدور فاعل فى حلها؛ خاصة وأن الجامعة وأمينها العام لا يحق لهما التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأعضاء بموجب ميثاق الجامعة. ومع ذلك، فإنه يُؤمَل أن تستعيد الجامعة دورها المؤثر، وكذا ازدياد الوعى بهذا الدور، على خلفية زيادة نسبة مساهمات الدول الأعضاء فى ميزانية الجامعة فى عام 2022 من 50 % إلى 70 % من الميزانية المقرَّرة، بغية مواجهة عدد من التحديات المُلحَّة التى تواجه بلدان المنطقة، والتى ساهمت الأزمة الروسية / الأوكرانية فى تعزيزها.
-
وبشأن الفرص المتاحة للدول العربية لاستثمار التنافس الروسى / الغربى الجارى لصالحها، فيمكن القول أنه رغم وجود عدد من المؤشرات التى تبرز التعاطف العربى مع روسيا فى دعواها، فإن التوجه العربى فى اللحظة الراهنة سيميل نحو البناء مع العالم الغربى، وذلك لسببٍ بسيط متمثل فى ثروة الغاز والنفط العربية، والحاجة الغربية الملحَّة لها حاليًا، للتغلب على قطع إمدادات موارد الطاقة الروسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التحذير الغربى الدائم والمستمر من إيران ودورها التخريبى فى المنطقة العربية، سيلعب دورًا فى هذا الصدد أيضًا.
-
هذا، وفيما يتعلق بما تريده الصين من العالم العربى، والفرص العربية المتاحة للتعاون معها، على خلفية انعقاد القمة العربية / الصينية الأولى فى الرياض فى ديسمبر 2022، ولقاء الأمين العام بوزير الخارجية الصينى فى منتصف يناير الجارى – فقد أوضح الأمين العام أن الصين باتت ثانى أكبر اقتصاد عالمى، بناتج إجمالى يزيد عن 15 تريليون دولار، وفرصها فى الصعود فى ازدياد، ولديها نموذج اقتصادى متفرِّد، وأطلقت العديد من المبادرات الضخمة والمؤثرة على مدى السنوات القلائل الماضية، من أبرزها الحزام والطريق، كما أنها تقدم مساعدات للدول الأخرى بتريليونات الدولارات، وهذه جميعًا محفزات للبلدان العربية لتعزيز التعاون معها. ومن جهة أخرى، فإنها على إدراكٍ تام بما يحيكه الغرب لها، وتعى أن هناك صدامًا قادمًا معه، ومن ثمَّ تعمل على تعزيز قطاعاتها الدفاعية وتحصين جزرها، إلى جانب حرصها على تحييد هؤلاء الذين يمكن أن يستميلهم الجانب الغربى.
-
بالإضافة إلى ما سبق، فقد تفاعل المشاركون مع معالى الأمين العام الذى أجاب عن استفساراتهم باللازم.