
ندوة حول “جذور الصراع الأوكرانى ودور الغرب فى إذكائه”
مارس 7, 2023
الحرب في أوكرانيا.. والاستقرار في الشرق الأوسط
مارس 16, 2023بتاريخ 15 مارس 2023، عقد المجلس ندوة مشتركة مع المعهد البيلاروسي للبحوث الاستراتيجية (BISR)، وبحضور السيد السفير/ Sergei Terentiev سفير دولة بيلاروسيا لدى القاهرة، بمقر المجلس؛ لمناقشة مقال وزير الخارجية البيلاروسى الراحل/ Vladimir V. Makei، المعنوَن “Liberal International order: Can it be saved in Today’s Non–Hegemonic World?، والذى نُشر بدورية Russia in Global Affairs، عدد يناير – مارس 2023. وقد شارك فى اللقاء من جانب المجلس كلٌ من السفير/ عزت سعد مدير المجلس، والسفير/ محمد توفيق، والسفير/ علاء الحديدى، ود./ منى خليل.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
تناول الكاتب مسألة النظام الليبرالي الدولي من المنظور الغربي، وفرص استمراره فى ظل التحديات الجمَّة التى تواجهها الساحة الدولية حاليًا، والتى من بينها، وأهمها، صعود قوى دولية كبرى، تنافس الولايات المتحدة على الهيمنة والنفوذ الدوليين. وقد ربط الكاتب اهتمام الغرب بهذا الموضوع بشكل رئيسى بصعود الصين تحديدًا، وهو الصعود الذي “لا مفر منه” على حد قوله، وذلك مقابل تراجع الولايات المتحدة بشكل متزايد. ومن ثمَّ، يُنظر إلى الصين من قِبَل البلدان الغربية على أنها تهديد طويل الأجل للنظام الليبرالي وقيمه، ناهيك عن مصالح الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى التهديد الصيني، أضاف الكاتب أن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والهجرة الجماعية من الشرق الأوسط إلى أوروبا، والشعبوية المتزايدة والقومية اليمنية في بعض دول أوروبا الغربية، كل ذلك وضع مستقبل النظام الليبرالي الدولي موضع الشك.
-
أشار المتحدثون إلى أن النظام العالمى الحالى بُنِى عقب الحرب العالمية الثانية على قواعد غربية بامتياز، بما ينطوى عليه ذلك من ازدواجية فى المعايير، وعلى نحوٍ أظهر مركزية العنصر الأيديولوجى فى الصراع بين القوى الدولية وخطاباتها؛ خاصة من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها، وادّعاءاتهم بالسعى إلى تحقيق العالمية والرغبة فى تعزيز المصالح المشتركة بين مختلف البلدان، ولا ريب فى أن لذلك دوره فى التغيرات الحاصلة فى بنية النظام الدولى الراهن، حيث يوجد عنصران أساسيان لعدم الاستقرار فى هذا النظام، هما: القوة الصاعدة التى تهدد القوة القائمة، ومنظور القوة القائمة لتلك القوة الصاعدة، وهو ما أدى – ولا يزال – إلى حدوث صراع كبير ومتنامٍ بين العالم الغربى والصين على نحو ما سلفت الإشارة إليه، وكان له تأثيراته كذلك على الساحة الدولية كافة، بما فيها كلٍ من مصر وبيلاروسيا.
-
أضاف المتحدثون أن هناك العديد من التحديات والتحولات الأخرى المرتبطة بتغيرات المناخ والبيئة والتطور التكنولوجى الهائل والهجرات الكبرى، والتى أضحت تفرض نفسها بقوة كجزء من التغيرات العالمية التى لا يخفى تأثيرها فى الصراع الراهن بين القوى الدولية. كما أُشِير إلى أن العالم يشهد حاليًا نوعًا من تراجع العولمة الاقتصادية بالأساس، وذلك فى قطاعات معينة، وليس بالضرورة جميعها، كما يشهد فى المقابل صعودًا لفكرة “الأقلمة الاقتصادية” نتيجة التهديدات التى أسفرت عنها مسألة تعطل سلاسل الإمداد جرَّاء أزمات مثل Covid-19 والحرب فى أوكرانيا. وعلى كلٍ، فإن الوسائل الأنجع للتعامل مع تلك القضايا تكمن في تمتع الدول، لاسيَّما الصغرى والمتوسطة، بالمرونة الكافية واستعدادها لكى تكون قادرة على معالجتها فى الوقت المناسب وبالكفاءة المطلوبة.
-
تناول المشاركون أيضًا مسألة التغيرات التى طرأت على القوة النسبية للكثير من الدول مقارنة بالخمسين عامًا الماضية، مثل الهند والبرازيل ومصر وتركيا وإيران، والتى تعطيها الفرصة للعب دور أكثر فاعلية بجانب القوى الرئيسية التى جذبت اهتمام المراقبين لسنوات، مثل الولايات المتحدة وحلفائها وروسيا والصين. مضيفين أن ذلك الدور تساهم فى تعزيزه التناقضات الكثيرة والمؤثرة داخل العالم الغربى حاليًا. إذ إن الغرب، بقيادة واشنطن، يحاول أن يستمر فى الحفاظ على وضعية المهيمن، ولكن يبرز الواقع أنه غير قادر على ذلك، لاسيما فى ظل الشكوك التى تثيرها بعض القوى داخل الناتو وأوروبا، والعلاقات بين القوى الغربية وبعضها البعض، هذا إلى جانب وجود قوى متمردة مثل الصين وروسيا، وانقسام غربى حول جدوى التعاون مع القوة الصينية الاقتصادية المتنامية والمؤثرة كذلك، والذى أظهرته زيارات الرئيس الفرنسى ماكرون والمستشار الألمانى شولتز إلى الصين مؤخرًا. هذا بالإضافة إلى ما أظهرته الحرب الأوكرانية من أن الكثير من الدول غير راضية عن خطابات وسياسات الولايات المتحدة، وأن واشنطن قد خسرت الكثير من الأصوات التى كسبت تأييدها فى السابق، بل وشهدت اختلافًا فى مواقف دول حليفة لها، أبرزها الهند، التى امتنعت عن إدانة الغزو الروسى لأوكرانيا، فيما قامت باستيراد النفط والغاز الروسيين، فى تحدٍ للعقوبات الغربية على روسيا. وإجمالاً، يُتوقَّع أن تشهد الساحة الدولية على مدى العقود الثلاثة المقبلة عالمًا متعدد الأقطاب، نتيجة التطورات التى تلحق بالدول الصغرى والمتوسطة، وذلك بالتزامن مع دعوات إصلاح منظمة الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن على نحوٍ عادل ومنصف ومتوازن.
-
أكَّد المشاركون ما انتهى إليه الوزير الراحل من أن العالم يتسم بالتنوع الشديد، وأن النظام الدولى يجب أن يعكس هذا التنوع، وأنه ليس من حق فاعل دولى توهم امتلاكه وحده للقيم السامية، ومحاولة فرضها على غيره. وفي هذا السياق، ثمَّنوا ما اقترحه الراحل فى مقاله من أن تقوم الأمم المتحدة بصياغة ميثاقًا للتنوع العالمي في القرن الحادي والعشرين، بحيث تكون جميع الدول الأعضاء قادرة على وضع بعض المبادئ الأساسية لإدارة العلاقات الدولية بطريقة غير مهيمنة وتحترم العالم المتنوع، قيميًا وتراثيًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.