ندوة حول “رؤية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للأجندة الجديدة للسلام”
مارس 19, 2023احتفاء المجلس بذكرى مئوية الدكتور/ أحمد عصمت عبد المجيد وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق
مارس 22, 2023بتاريخ 21 مارس 2021، عقد المجلس، بالتعاون مع مؤسسة كيميت بطرس غالى للسلام والمعرفة، ندوة بعنوان “الصين فى عالم متغير”، وذلك بالنادى الدبلوماسى المصرى، حيث شارك فيها السفير د./ عزت سعد مدير المجلس، وعددٌ من الدبلوماسيين والخبراء والباحثين. وفيما يلى نص كلمة السفير/ سعد فى الجلسة الأولى للندوة، حول “الصين فى عالم متغير”:
إذا كان شعار ندوتنا اليوم هو “الصين في عالم متغير”، فإنه ربما يكون من الأصوب، والأكثر ملاءمة للأوضاع الدولية على مدي العقدين الماضيين، أن نقول “كيف غيرت الصين العالم”. إن صعود الصين، في واقع الأمر، واستمرار هذا الصعود، والمخاوف الأمريكية من أن تأخذ الصين مكانتها كقوة أولي في العالم هو جوهر التحولات في آسيا والعالم كله، الذي يتشكل –على نحو متزايد – من خلال التنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث يسعي كل طرف إلى تعظيم مصالحة وحشد الحلفاء والشركاء، خاصة من قبل الولايات المتحدة، لتعزيز القوة والنفوذ في مواجهة قوة ونفوذ الطرف الأخر، وهو ما يعني المزيد من التنافس والاستقطاب. ومن ثم تسعي الدول إلى الحفاظ على نوع من التوازن، قدر الإمكان، تجاه هاتين القوتين العظميين. ويستلزم ذلك قدرة على المناورة وتوظيف الأوراق والأدوات الضرورية التي من شأنها خلق مصالح مشتركة مع كل منهما، بما يحصّنها من الضغوط المحتملة المتوقع أن يمارسها أي منهما.
والحقيقة أن المخاوف الأمريكية من صعود الصين قديمة، وتفسر الزيارة التاريخية للرئيس نيكسون، والتطبيع التاريخي للعلاقات الدبلوماسية مع الصين في أوج الحرب الباردة، هذا القلق.
ومن الطبيعي اليوم، بعد أن باتت القوة الاقتصادية الثانية والتجارية الأولي عالمياً، أن تسعي الصين إلى وضعية ونفوذ دوليين يتفقان مع هذا الوزن الاقتصادي والتجاري الهائل.
وللتنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين بعدين: بعد إقليمي وآخر عالمي. ويشمل التنافس الإقليمي زيادة كل دولة قدراتها على التدخل وخياراتها العسكرية في منطقة شرق آسيا وخارجها. وينجلي الصراع بين البلدين في بعده الإقليمي بشكل خاص في غرب المحيط الهادئ والممرات البحرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي هذا السياق، هناك اعتقاد واسع في الولايات المتحدة بأن الصين تعتزم إنشاء “منطقة نفوذ بحرية” حصرية في بحر الصين الجنوبي. ومن هنا جاء الإعلان عن الشراكة الأمنية الثلاثية (أستراليا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة AUKUS، التي أعلنت في 15 سبتمبر 2021).
أما التنافس في بعده العالمي، فيرجع إلى اقتناع الإدارات الأمريكية، منذ أوباما وحتى الأن، بأن أي مكاسب في نفوذ الصين، لابد وأن تأتي على حساب الولايات المتحدة. ومن هنا جاءت نظرة واشنطن للمبادرات الصينية، ممثلة أساساً في إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومبادرة الحزام والطريق، على أنها انعكاس لطموحات بكين العالمية، وتعبير عن أن مصالحها الوطنية هي في كل ركن من أركان العالم، وأن الانفتاح والتوسع الاستراتيجي الصيني يمتد إلى ما هو أبعد عن الدفاع عن المصالح الصينية الرئيسية. ويشار في ذلك إلى أن أهداف الرئيس شي جينبنج مرتبطة بعقلية دبلوماسية شديدة الحساسة لأي شيء تعتبره الصين هجوماً على كبريائها الوطني، وأن هذا الموقف الدبلوماسي، الذي يطلق عليه “الذئب المحارب”، يجعل المسئولين الصينيين في حالة تأهب واستنفار لأي إهانة أو انتقادات للصين.
أما ساحات التنافس، والذي انقلب إلى صراع فهو في كل مكان تقريباً بدءاً من منطقة آسيا والمحيط الهادئ وحتى إفريقيا ليس هذا فقط ولكن أيضاً في الأمم المتحدة حيث تسعي الصين إلى وضع دبلوماسيتها في قيادة الأمم المتحدة.
ووفقاً لتقديرات غربية كثيرة، بدأ العالم الثنائي القطب بالفعل، غير أن بناء الكتلة لا يجري إلا من جانب واحد فقط هو الولايات المتحدة، حيث تظل شبكة التحالف الأمريكية دائماً دعامة أساسية لسياستها الخارجية. ومع اشتداد المنافسة مع الصين، ينظر إلى شبكة التحالفات هذه على أنها ميزة رئيسية للولايات المتحدة. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، تجنبت الصين التحالفات الرسمية، استناداً إلى نظرتها الواضحة للعلاقات الدولية ورغبتها العملية في تجنب مخاطر التورط. وقد بدأت الصين سلسلة من الآليات المتعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والآليات التي تقودها رابطة أمم جنوب شرق آسيا والتي تستبعد الولايات المتحدة (آسيان + الصين وآسيان + 3 (الصين واليابان وكوريا الجنوبية).
ومن الناحية الرسمية، لا يوجد لدي الصين سوي حليف رسمي واحد هو كوريا الشمالية، التي تربطها بالصين معاهدة دفاع مشترك، لكن الصين عشرات الشراكات الرسمية حول العالم. وعلى قمة الهرم يشار عادة إلى روسيا وباكستان وإيران، ويلي ذلك عدة دول في جنوب شرق آسيا (ميانمار وكمبوديا وفيتنام وتايلاند ولاوس) ثم تأتي دول أبعد من ذلك مثل مصر والبرازيل. كذلك استثمرت الصين في بناء آليات متعددة الأطراف أو منصات للتعاون الإقليمي مثل منتدى التعاون الصيني الإفريقي ومنتدى التعاون الصيني / العربي والصيني مع دول أمريكا الوسطي والكاريبي. وبالتوازي مع منصات التعاون هذه، اتخذت الصين بعض المبادرات العالمية التي عززت كثيراً من نفوذها حول العالم خاصة في مجال الحوكمة الاقتصادية وهما: مبادرة الحزام والطريق (140 دولة عضو اليوم) والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، الذي يضم 105 دولة اليوم، وفشلت إدارة أوباما في منع حلفاء أمريكا من الانضمام اليه، بما فيها إسرائيل وألمانيا والمملكة المتحدة وكندا والهند وغيرها. أضف إلى ذلك تفريعة من الحزام والطريق هي طريق الحرير الرقمي (DSR) الذي بات مصدر قلق كبير للولايات المتحدة لاعتبارات أمنية وأخيراً بنك التنمية الجديد الذي وان كان بنكاً لدول بريكس أنه مفتوح العضوية لغير الأعضاء، ويضم مصر أيضاً. كل هذه المؤسسات والمنصات الجديدة سمحت للصين بفتح أسواق جديدة كنافذ لقدراتها الصناعية، وبناء شبكات الطرق والسكك الحديدية للحد من اعتمادها على الممرات البحرية المعرضة للخطر وتوسيع نفوذها الاقتصادي ودعم مكانتها في المنافسة العالمية بقوة. في الوقت ذاته وفرت هذه المبادرات، التي بادرت الصين بإنشائها، للدول النامية خيارات لا يستهان بها في مجالات تمويل مشاريع البنية التحتية وتمويل التنمية بصفة عامة وأفكار ومفاهيم جديدة لمساعدات التنمية لم تتيحها مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد والبنك الدوليين) المعروفة بمشروطية قروضها ووصفاتها المدمرة أحياناً.
ومما يزعج الأمريكيين حقاً هو أن القادة الصينيين، خاصة منذ صعود شي جينبينج عام 2012 عندما تولي رئاسة اللجنة العسكرية المركزية والأمانة العامة للحزب (ثم رئيساً في مارس 2013)، هو استدعاء القادة الصينيين لتاريخ بلادهم وتأكيد تصميمهم على استعادة مكانة الدولة بعد ما يسمي بـــ “قرن الإذلال (1839 – 1949).
وتعتقد وجهة النظر المهيمنة في الصين أن التنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة معها سيكون حاداً وطويل الأمد. وتدرك القيادة الصينية أن الولايات المتحدة، كأقوى دولة في العالم، ستقاتل مستخدمة مواردها للحفاظ على مكانتها وامتيازاتها وحلفائها وشركائها إن أمكن، لمنع الصين من المزيد من الصعود.
وعادة ما ينتقد الخطاب الصيني الرواية الأمريكية عن تنافس القوي العظمي، وينظر اليها على أنها تعكس عقلية الحرب الباردة التي ستكون محصلتها صفراً. ودائماً ما تنفي الحكومة الصينية السعي إلى الهيمنة أو إنشاء مناطق نفوذ في إقليمها أو خارجه، ويتم تفسير التاريخ الصيني هنا على أنه دليل على عقيلة البلاد السلمية وغير العدوانية وغير التوسعية. وفي هذا السياق يتم الربط دائماً بين مشروعية الحزب الشيوعي وظهور الصين كقوة عالمية رائدة، وان الحفاظ على حكم الحزب وتعزيز نفوذه مسألة لا تقبل التفاوض.
ويقدر بعض الكتاب الأمريكيين – بحق – أن اتهام الصين بمحاولة صنع نظام للعالم من خلال إعادة هيكلة نظام اشتراكي عالمي مركزه بكين، هي وجهة نظر تقلل من شأن حقيقة افتقاد الصين إلى “أيديولوجية متماسكة ذات جاذبية دولية”، ناهيك عن أن الصين ذاتها لا تروج لهذه الأيديولوجية في الخارج، بغض النظر عن مدي جاذبيتها. وقد تروج القيادة الصينية، أو تدافع عن، نموذجها للتنمية والذي قد ينطوي على تشكيك ضمني في الديمقراطية الليبرالية، بوصفها المثل الأعلى للسياسة الغربية، وقد يكون نموذج الحكم في الصين جذاباً للدول التي يصّمها الغرب بـــ “الاستبدادية”، إلا أن كل ذلك لا ينال من حقيقة نجاح النموذج الاقتصادي الصيني، الذي هو بالفعل جاذب للعديد من الدول بغض النظر عن نظمها السياسية. وصحيح أن الصين تصدر تكنولوجيا المراقبة – وهي ليست الوحيدة على آية حال – وتمارس الضغط على المنتقدين للنظام، إلا أن ذلك لا يصل إلى حد الادعاء بأن الصين تناكف الدول الديمقراطية في الخارج أو تتبني استراتيجية لتقويضها.
في السياق عاليه هناك بعض الخبراء الأمريكيين المتخصصين الذين يقدرون أنه بالرغم من حقيقة أن القيادة الصينية أصبحت أكثر حزماً، إلا أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تستخلص من ذلك إمكانية إقدام بكين على شن استفزاز عسكري أو تبني سياسات مناهضة لرأسمالية السوق الحرة والانغلاق على نفسها. وبدلاً من ذلك ينصح هؤلاء الولايات المتحدة بوجوب أن تتوقع من بكين الاستمرار في الحكم بطريقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها، بحكم أنها تواجه تحديات كبيرة تفرض على القيادة الصينية التطلع إلى الاستقرار واستمرار الاحتفاظ بهدف “التنمية الاقتصادية” باعتبارها “الأولوية القصوى” للصين في تقرير المؤتمر العشرين للحزب. وتذهب بعض التقديرات في هذا السياق إلى أن شعور الرئيس الصيني بأن بلاده تواجه تحديات كبيرة قد يشجعه على خفض التوترات الثنائية مع الولايات المتحدة.
ودعوني اقتبس – في هذا السياق – ما ذكره وزير الخارجية الصيني السابق وانج يي (كبير الدبلوماسية الأن)، في كلمته أمام جمعية آسيا في نيويورك في 22 سبتمبر الماضي، ناقلاً عن الرئيس شي جينبنج قوله: “إن الحدث الأكثر أهمية في العلاقات الدولية على مدي الخمسين عاماً الماضية كان استئناف وتطوير العلاقات الصينية / الأمريكية، التي أفادت البلدين والعالم بأسره. إن الحدث الأكثر أهمية في العلاقات الدولية للسنوات الخمسين القادمة، سيكون في قيام الصين والولايات المتحدة بإيجاد الطريق الصحيح للتوافق في العصر الجديد”. أخيراً يعتقد بعض المحللين الأمريكيين أن التنافس الأمريكي الصيني بأبعاده المختلفة، لا سيما الاقتصادي، قد يقود إلى “نظام عالمي جيواقتصادي جديد” تلعب فيه مسألة التوزيع النسبي للمكاسب، والمخاوف من العواقب الأمنية للاعتماد الاقتصادي المتبادل، دوراً أكثر أهمية بكثير في تحديد سياسة الحوكمة مما كانت عليه في العقود الأخيرة.
ومن الممكن، مع الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الولايات المتحدة والصين، أن يشهد العالم تراجع للعولمة وظهور كتل اقتصادية أو فضاءات اقتصادية مغلقة. بل أن هذا الصراع العالمي الأمريكي / الصيني، قد يؤدي إلى ظهور نظامين مقيدين مرتبطين، أحدهما تقوده الولايات المتحدة والأخر تقوده الصين. ومن شأن هذا النوع من الاستقطاب أن يطرح معضلات لحلفاء الولايات المتحدة، الذين يؤيدون نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب (مثل مصر والهند وغيرهما).
وذهب بعض الكتاب الأمريكيين إلى القول بأن التنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة مع الصين قادر على التطور لكي يكون بمثابة “المبدأ الحاكم للسياسات الاقتصادية والخارجية والأمنية الأمريكية”، كما أن هناك اقتناع واسع بأن واشنطن تنظر بشكل متزايد إلى جميع علاقاتها الدولية من خلال “منظور الصين “China prism”، بما في ذلك علاقاتها بأوروبا. ويمكن توقع أن تزيد إدارة بايدن من ضغوطها على حلفاء الولايات المتحدة لاتخاذ موقف في الصراع الصيني / الأمريكي المكثف، والانضمام إلى الولايات المتحدة في تحقيق التوازن ضد الصين من خلال تقييد وصول الصين إلى التكنولوجيات المتقدمة ومراقبة الاستثمارات الأجنبية الصينية.