زيارة السفير/ عزت سعد لروسيا الاتحادية (15 – 21 مايو 2023)
مايو 17, 2023الجلسة التحضيرية الأولى لعقد مؤتمر بمناسبة الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر المجيدة 1973
مايو 24, 2023
بتاريخ 23 مايو 2023، استضاف المجلس فعالية بعنوان “هل نشهد بزوغ نظام دولى جديد؟”، تحدث فيها السفير/ محمد البدرى مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية. وأدار اللقاء السيد السفير د./ محمد أنيس سالم مقرر اللجنة الدائمة للأمم المتحدة بالمجلس، فيما شارك فيه عددٌ من أعضاء المجلس والأكاديميين والباحثين، من بينهم السادة السفراء/ عزت سعد مدير المجلس، منير زهران، فاروق مبروك، محمد العشماوى، ماجد رفعت، وفاء بسيم، أحمد زين، على الحفنى، ود./ صادق عبد العال، وأ./ محمد قاسم.
وقد شهد اللقاء ما يلى بصفة خاصة:
-
ألقى السفير/ البدرى إطلالة عامة على مراحل صعود وسقوط الإمبراطوريات والقوى الكبرى على مرّ التاريخ، وارتباط ذلك بشكل النظام العالمى ونوع القطبية الكائنة فيه، بدءًا بالإمبراطورية التى أقامها الإسكندر الأكبر، والتى شكَّلت أول نظام وحيد القطبية على الساحة العالمية، وانتهاءًا بالقطبية الأحادية الأمريكية فور انهيار الاتحاد السوفييتى وتفككه أواخر القرن الماضى، وهو الانهيار الذى تمَّ من دون حرب، فى ظاهرة غير مسبوقة والأولى من نوعها. هذا فيما كانت هناك مقدّمات للهيمنة الأمريكية، من بينها تعزيز وجود الأسطول البحرى الأمريكى فى العديد من المسطحات المائية العالمية، وهو ما كانت تقوم به بريطانيا من قبل، عملاً بنظرية “ألفريد ماهان”، وكذا إثبات القدرة على المجابهة العسكرية فى مسرحين مختلفين، وذلك إلى جانب هيمنة الدولار الأمريكى على التعاملات الدولية، مقارنةً بغيره من العملات الدولية.
-
أشار الضيف إلى أن النظام العالمى بعد الحرب العالمية الثانية أخذ يشهد تدريجيًا نوعًا معقدًا من التشابك والتداخل بين الفاعلين الدوليين، وهو ما لعبت فيه الثورات التكنولوجية والعولمة دورًا كبيرًا. الأمر الذى أدى إلى ظهور أعلى مستوى من الاعتمادية المتبادلة فى تاريخ البشرية والعلاقات الدولية، وذلك إلى جانب هيراركية النظام الدولى، واستشراء الاستثمارات والشركات المتعددة الجنسيات العابرة للحدود والهادفة للربح فى مختلف بلدان العالم. يُضَاف إلى ذلك استمرار سباق التسلح التقليدى، بل والنووى، على الساحة الدولية.
-
فى حال المقارنة بين القوى الدولية الرئيسية على الساحة الدولية، وعمَّا إذا كان بمقدورها مناهضة الهيمنة الأمريكية الحالية، يتجلَّى الآتى:
-
أن الاتحاد الأوروبى يعتمد فى أمنه بشكل كامل على واشنطن، ولا يزال مفتقدًا لسياسة استراتيجية موحَّدة، مع وجود خلل فى العمل الجماعى الخارجى.
-
بالنسبة لروسيا، فهى قوة دولية، لكن جذورها ومكوِّناتها وقدراتها لا تسمح لها بلعب دور القطب الدولى المنفرد، ولعلَّ عدم حسمها الحرب التى بدأتها فى أوكرانيا منذ فبراير 2022 وحتى الآن يحمل دلالاتٍ كثيرة فى هذا السياق، ومن ثم لا تستطيع بمفردها تغيير النظام الدولى ذى الهيمنة الأمريكية. والحرب ذاتها هى محاولة لاستنزاف قوة روسيا، ولن تغير فى توازنات القوى الدولية، بدليل أنها جارية وسط تركيز واشنطن على منطقة الـ “Indo-Pacific”.
-
البريكس، هو لا شك تجمع دولى له ثِقَله اقتصاديًا، ولكنه ليس قوة متجانسة، ومفتت داخليًا، نتيجة الخلافات بين بعض بلدانه، مثل تلك الحدودية بين الهند والصين. كما أن البريكس لا يهدد القطبية الدولية، بل إنه يستفيد بقوة من حالة الاعتماد المتبادل الموجودة على الصعيد العالمى.
-
الصين، لا خلاف على انها أضحت قوة اقتصادية هائلة، والثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة، وتنمو بوتيرة متسارعة للغاية، كما أن مشروعاتها الطموحة مثل الحزام والطريق تعطيها ثِقَلاً دوليًا متزايدًا، والتى وصلت من خلالها إلى حلفاء واشنطن أنفسهم، كما فى أستراليا وبعض بلدان أوروبا، وهو ما تناهضه الولايات المتحدة بجهودٍ دؤوبة. ويُظهِر سلوك الصين اعتمادها على نظرية “الاعتماد المتبادل”، والتى تقوم بموجبها بالاعتماد على الاقتصاد كقاطرة للتوغل فى الساحة الدولية، بالتضافر مع تبنِّى سياسة “صفر أعداء”. وفى هذا الصدد، باتت منطقة الـ “Indo-Pacific” محل الثِقَل الرئيسى والاهتمام الأمريكى، ارتباطًا بالتوترات الصينية / الأمريكية، فيما يُشَاع أن هناك أكثر من 40 قاعدة عسكرية أمريكية موجَّهة للصين. ومع ذلك، فلا يمكن إهمال حالة الاعتمادية الشديدة بين كلا البلدين، والتى تجعل من الصعب نشوب مواجهة عسكرية بينهما لخسائرها الفادحة على الطرفين، كما أن الصين ذاتها لا تريد حربًا، ومتيقّنة بأن التفوق العسكرى هو للولايات المتحدة، وأن السلاح النووى الذى بحوزتها هو للردع لا أكثر، حيث ينطوى استخدامه على مخاطر لا تُحمَد عقباها.
-
هذا، وفى ظل التكهنات التى يتردد صداها حول بزوغ نظام دولى جديد متعدد القطبية، وبناءً على تحليلاتٍ معمقة للعديد من الإحصاءات ذات الصلة، من قبيل نسبة الإنفاق العسكرى، والمساهمة فى إجمالى الناتج العالمى، وإجمالى الصادرات، والاستثمارات الأجنبية، أشار السفير/ البدرى إلى أن تحليل القطبية الراهنة يشير إلى كلٍ من: الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو وألمانيا. مضيفًا، بشأن ما إذا كانت هناك حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين، أنه سيتم اللجوء بدلاً من ذلك إلى سياسة احتواء جديدة تتبنَّاها واشنطن إزاء بكين؛ نظرًا لحجم الاعتماد المتبادل بين البلدين، وقد ظهرت بالفعل ملامح هذه السياسة، من خلال ما أطلق عليه البعض “Blinkennan Policy”، والتى جمعت بين اسمَى وزير الخارجية الأمريكى الحالى “Blinken” واسم واضع نظرية الاحتواء عام 1947 “George Kennan”. إلى جانب ذلك، فإنه لن تحدث حربٌ بين الجانبين بسبب تايوان؛ لأنها ستكون مكلّفة جدًا، كما أنها لو قامت ستكون على أرضٍ صينية، والفوز حليف مَن يملك مسرح العمليات. كما أن الصين عمومًا أذكى من أن تقوم بتضييع رصيدها من القوة التى شيدتها على مدى السنوات الماضية فى حربٍ لا تعرف إن بدأتها كيف ستنهيها، على غرار الحال الراهنة فى العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا.
-
استخلص السفير/ البدرى عرضه بالقول بأن العالم بصدد نظام دولى جديد غير مسبوق الديناميكية، ومعروف التوجه، لكنه مجهول النتائج.
-
تمخَّضت النقاشات التى انطوت عليها الندوة عن ما يلى:
-
أن التغيرات الدولية مرهونة فى جزءٍ كبير منها إلى الديناميكيات داخل القوى الدولية، فالعامل الداخلى فى المعسكر الغربى على سبيل المثال يُظهِر إلى حدٍ كبير مدى سخط الناخبين على حكوماتهم وتصاعد التوجهات الشعبوية والأزمات الاقتصادية المتنامية لديه، وهذا لا شك يزعزع من قدرتها على الصمود والعمل المشترك إزاء القوى المناهضة.
-
أن قدرة الولايات المتحدة على توظيف حلفائها لاحتواء الصين صعبة جدًا، خاصة فى ظل استمرار فكرة الاعتماد المتبادل، والتى تُظهِر وجود علاقات قوية بين الصين ودول مجموعة الآسيان، بما فى ذلك إندونيسيا على سبيل المثال، ما يجعل هذه المجموعة عصيَّة على الإخضاع الأمريكى.
-
أن نظام الأمن الدولى الراهن، ارتباطًا بتوجه الاهتمام الأمريكى إلى منطقة الـ “Indo-Pacific” قد شهد – ولا يزال – اختلالات كبيرة، قد يكون بعضها فى صالح مصر والمنطقة العربية، وبعضها الآخر غير ذلك. فمن فوائده تخفيف العبء إلى حدٍ ما عن المنطقة، ولكنه سيؤثر بشكلٍ لا يُستهان به على حركة الملاحة فى قناة السويس المصرية، وكذا تزايد الضغوط من الجانبين على دعم أحدهما مقابل الآخر. ومع ذلك، فإن قيمة مصر بالنسبة للصين ستخفف من عبء ذلك، وسط اهتمام بكين بتعزيز استثماراتها فى منطقة قناة السويس، وأهميتها فى الخط العام لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
-
بالنسبة لمسألة دور الفاعلين من غير الدول فى النظام الدولى، حيث تمَّت الإشارة إلى أن هؤلاء الفاعلين مستفيدين ومعتمدين كليًا على الدول الكبرى التى تموِّلهم، وبالتالى فدورها مرهون بمدى دعم وقوة هذه الدول، والعكس صحيح.
-
فيما يتعلق بتأثير النعرات القومية على قوة الدول، تمَّت الإشارة إلى أن مسألة “القومية” هى أقوى سلاح يُعتمَد عليه فى إقامة أى دولة، وتكون فى أحيانٍ كثيرة أقوى من عامل “الدين”، والنموذجان العربى والأوروبى يضربان النموذج فى ذلك. وقد تكون لدى روسيا مشكلة فى القوميات، إلا أن مشكلتها الأكبر فى أزمتها الديموجرافية الصعبة، وتركز نحو 142 مليون روسيَّا فى جزء صغير من أراضى الدولة الشاسعة، وعلى كلٍ نجحت روسيا فى السيطرة على شعبها عبر إيجاد عدو خارجى يمكن بشيطنته توحيد الشعبى الروسى ضده. بالمثل، استطاعت الصين بناء نظام قوى ومسيطر بقوة على شعبه كذلك. فى المقابل، شهدت الولايات المتحدة، وللمرة الأولى فى تاريخها، عملية اقتحام للكونجرس فى عام 2021، وظهورًا قويًا للتيار الشعبوى منذ ظهور ترامب.
-
بالنسبة لمسألة العملات الدولية، ومدى إمكانية تقويض هيمنة الدولار دوليًا واستبداله بعملات أخرى، فلا شك أن هناك طلبًا كبيرًا على اليوان الصينى فى الوقت الحالى مقابل الدولار، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون مؤقتًا، لأن الفائدة على الدولار حاليًا أعلى من اليوان، كما أن هناك ثلاث عملات دولية كبرى ليس من مصلحتها أن يتعاظم اليوان، وهى الدولار والجنيه الإسترلينى واليورو. وبالتالى، فإن مسألة الإحلال تلك أمامها سنوات طويلة لكى تحدث.