اجتماع المجلس بفريق عمل الأمم المتحدة بشأن السودان
سبتمبر 14, 2023مشاركة د. يسري أبو شادي فى أعمال المؤتمر العام السابع والستين للوكالة الدولية للطاقة الذرية
سبتمبر 25, 2023
بتاريخ 25 سبتمبر 2023، عقد المجلس ندوة افتراضية مشتركة مع المعهد البيلاروسي للبحوث الاستراتيجية (BISR)، وبحضور السيد السفير/ Sergei Terentiev سفير دولة بيلاروسيا لدى القاهرة، بمقر المجلس؛ لمناقشة قضية “الأمن الغذائى العالمى فى البيئة الجيوسياسية الحالية”، والعقوبات الدولية المرتبطة بها. وقد شارك فى اللقاء من جانب المجلس كلٌ من السفير/ عزت سعد مدير المجلس، والسفير/ على الحفنى، ود./ صادق عبد العال. ومن الجانب البيلاروسى كلٌ من د./ Olga Makarov مديرة المعهد، والسيد/ Kirill Petrovsky مستشار سفارة بيلاروسيا لدى إيطاليا، وعضو البعثة الدائمة لبلده فى منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة (FAO)، وذلك بالإضافة إلى السيد السفير د./ إبراهيم دُخيرى الأمين العام للمنظمة العربية للتنمية الزراعية، التابعة لجامعة الدول العربية.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
استهل السفير البيلاروسي الحديث بالإشارة إلى المشاكل التي واجهتها بيلاروسيا في السنوات الأخيرة، فى ظل العقوبات والتدابير التقييدية المفروضة عليها من قِبَل الدول الغربية، وتأثير ذلك على حالة الأمن الغذائي على المستوى العالمي. إذ أشار إلى أن بلاده صدرت أسمدة البوتاسيوم والآلات الزراعية والمواد الغذائية إلى أكثر من 100 دولة، فيما كانت ثاني أكبر منتج للبوتاسيوم في العالم، وكانت حصتها في التجارة العالمية لأسمدته تبلغ نحو 20%. ولكن في عام 2021، نتيجة للقرار السياسي الذي اتخذه عدد من الدول الغربية، وبشكل غير مبرر، أُجبِرت بيلاروسيا على الخروج من سوق أسمدة البوتاسيوم العالمية، فيما انخفضت حصة المنتجات البيلاروسية في الإنتاج والصادرات العالمية إلى 10% في النصف الأول من عام 2022، ما ادى إلى زيادة كبيرة في أسعار الأسمدة في عام 2022، ومن ثمّ ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية.
-
ويُشار فى هذا الصدد إلى أن صادرات بيلاروسيا من أسمدة البوتاسيوم انخفضت إلى أكثر من النصف بسبب القيود المفروضة على استخدام أراضي الاتحاد الأوروبي لعبورها. وعلى وجه الخصوص، حظرت ليتوانيا استخدام شبكة السكك الحديدية الخاصة بها لنقل البوتاسيوم البيلاروسي إلى ميناء كلايبيدا، الذي يتعامل عادة مع حوالي 90٪ من الصادرات البيلاروسية. بالإضافة إلى ذلك، تمنع ليتوانيا عبور الجرارات والآلات الزراعية البيلاروسية، رغم أنها ليست سلعًا خاضعة للعقوبات. ومن ثمَّ، تنتهك ليتوانيا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والاتفاقيات الثنائية بشأن حرية العبور، وتسيء استخدام وضع العبور الخاص بها، واصفة إياه بأنه “تهديد للأمن القومي”.
-
أشار السفير إلى أن حصة بيلاروسيا في أسواق أسمدة البوتاسيوم الأفريقية انخفضت من 42% إلى 3% في عام 2022. وفي عام 2021 (قبل العقوبات) زودت بيلاروسيا حوالي 630 ألف طن من البوتاسيوم إلى 30 دولة في القارة الأفريقية، وفي 2022 زودت حوالي 30 ألف طن إلى 6 دول. تم تزويد دول مثل زامبيا وزيمبابوي والكاميرون وكينيا وريونيون وتنزانيا حصريًا بالأسمدة البيلاروسية. وقام عدد من البلدان، بما في ذلك الجابون، وكوت ديفوار، ومدغشقر، وملاوي، والسنغال، وسيراليون، بتلبية 50% من احتياجاتها من الأسمدة من البوتاسيوم البيلاروسي. ووفقا للحسابات المستندة إلى بيانات منظمة الأغذية والزراعة، فإن الاختفاء شبه الكامل لبيلاروسيا من قائمة موردي البوتاسيوم في عام 2022 أدى إلى انخفاض محاصيل الحبوب في أفريقيا بنسبة 16%، فيما يتوقع أن تُصاب الإمدادات إلى أفريقيا بالشلل التام خلال العام الجارى بسبب الإجراءات الغربية. وبسبب هذه المشكلة الرئيسية المتعلقة بالأسمدة، أصبح الإنتاج الغذائي العالمي غير قادر بالفعل على تلبية الطلب المتزايد. وتظهر الإحصاءات التي قدمتها وكالات الأمم المتحدة أن حالة الجوع في العالم ما زالت تتفاقم. ما يمكن معه اعتبار العقوبات والقيود التي تؤثر على حصول السكان على الاحتياجات الأساسية والضرورية (الغذاء والأسمدة والأدوية وغيرها) غير أخلاقية.
-
دحض السفير ما يذهب إليه الخصوم الغربيون من أن أسعار أسمدة البوتاسيوم تظهر اتجاهًا هبوطيًا، وفقًا لتوقعات البنك الدولي بانخفاض السعر العالمي لأسمدة البوتاسيوم في عام 2023 إلى متوسط 475 دولارًا للطن، وفي عام 2024 إلى 425 دولارًا، مشيرًا إلى أن أسعار أسمدة البوتاس في عامي 2023 و2024 ستكون بالتأكيد أعلى مما كانت عليه في عام 2021، وأنه على الرغم من الانخفاض الطفيف في الأسعار العالمية، فإن توفر البوتاس للمزارعين، وخاصة في البلدان الأفريقية، لا يزال منخفضا، كما أنه لا يمكن تعويض عجز البوتاسيوم في السوق الدولية على المدى القصير؛ فمن الصعب زيادة حجم الإنتاج الحالي للمنتجين الحاليين بسرعة، ويتطلب دخول لاعبين جدد تكاليف مالية كبيرة ووقتًا، فيما يستغرق بناء منجم جديد ما لا يقل عن 5-7 سنوات، كما أن زيادة الطاقة الإنتاجية لأسمدة البوتاس أمر ممكن، في أحسن الأحوال، في كندا وليس قبل عام 2025. وعلى الرغم من أن كندا لا تزال أكبر منتج لأسمدة البوتاسيوم في العالم، فلن تتمكن – ولا أي دولة أخرى – من تعويض كمية البوتاسيوم البيلاروسية في عامي 2023 و2024.
-
وفي سياق أزمة الحبوب الحالية، والتي تشعر بها البلدان الأفريقية بشكل حاد، يعرب الجانب البيلاروسي عن استعداده لتوفير أراضيه لعبور الحبوب إلى موانئ بحر البلطيق. إننا ننطلق من حقيقة أن مصالح ضمان الأمن الغذائي العالمي ستصبح أولوية لجميع اللاعبين العالميين. أود أن أؤكد أنه على الرغم من ضغوط العقوبات غير المسبوقة التي واجهتها بيلاروسيا بعد عام 2020، إلا أن بلادنا تظل موردًا مستقرًا للغذاء. وهكذا تمكنا في عام 2022 من زيادة حجم إنتاجنا الغذائي. وبلغ إجمالي صادرات المنتجات الغذائية الزراعية من بيلاروسيا العام الماضي 8.3 مليار دولار. وتظل بلادنا واحدة من أكبر مصدري منتجات الألبان ولحوم الدواجن وزيت بذور اللفت والعديد من السلع الأخرى، بما في ذلك الأسمدة والآلات الزراعية. وفي الوقت نفسه، فإن صادراتنا محدودة للغاية جغرافيًا: نظرًا للقيود المختلفة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، يتم إرسال أكثر من 90 بالمائة من صادراتنا الغذائية إلى الصين وروسيا، ولكن ليس إلى أفريقيا.
-
دعا السفير إلى أهمية تعزيز التعاون الدولي الواسع النطاق واتخاذ خطوات عملية من أجل تحسين الإنتاجية الزراعية، وخاصة في البلدان المحتاجة. واستشهد فى هذا الصدد بالتعاون بين بيلاروسيا وزيمبابوي كمثال إيجابي هام؛ حيث في ظل ضغط العقوبات، تم تنفيذ مرحلتين من برنامج مشترك لميكنة المزارع في زيمبابوي منذ عام 2020، باستخدام حوالي 2000 جرار بيلاروسي وحصادات. وبحلول عام 2022، تمكنت حكومة زيمبابوي من الحصول على محصول قياسي من الحبوب (375 ألف طن من القمح لأول مرة منذ 50 عاما)، وهو ما غطى بالكامل الاحتياجات المحلية للبلاد. ويخطط الجانب الزيمبابوي لتصدير القمح إلى دول أخرى في المنطقة.
-
فى السياق عاليه، ثمَّن السفير تجربة التعاون الإيجابية في مجال الزراعة بين بيلاروسيا ومصر، بالنظر إلى الاتفاقيات التي توصل إليها رئيسا البلدين خلال المفاوضات في 2017 – 2019، حيث تم إنشاء خطوط التجميع لإنتاج الجرارات البيلاروسية ومحركات الديزل والآلات الزراعية في مؤسسات وزارة الإنتاج الحربي المصرية، فيما يجري استكشاف خيارات تنظيم تجميع الصوامع في مصر، وكذا النظر في إمكانيات توريد البذور النباتية من بيلاروسيا، وذلك بالتوازى مع تنفيذ التعاون الثنائي في مجال تحسين التربة والموارد المائية. كما يتم حاليًا دراسة إمكانية تطبيق أحدث التطورات البيلاروسية في مجال الزراعة في مصر من قبل المؤسسات البحثية الرائدة في كلا البلدين؛ الأكاديمية الوطنية للعلوم في بيلاروسيا، والمركز القومي للبحوث في مصر، وكذا الأمر ارتباطًا بمجالات علوم التربة وتربية الحيوانات وعلم الوراثة والغذاء والتغذية الوظيفية والكيمياء العضوية الحيوية والمستحضرات الصيدلانية.
-
بالإضافة إلى ما سبق، وعلى الصعيد العربي، اقترحت بيلاروسيا توسيع التعاون مع الدول العربية من خلال المشاركة في برامج ومبادرات المنظمة العربية للتنمية الزراعية، والتى من بينها مبادرة دعم الطوارئ الزراعية السودانية التي تبنتها الجامعة العربية لضمان الأمن الغذائي المحلي والإقليمي، حيث يدرس الجانب البيلاروسي إمكانية توريد البذور واللقاحات والأدوية للماشية والأسمدة والمبيدات والآلات الزراعية إلى السودان، وذلك إلى جانب التعاون الجارى بالفعل مع السودان في مجال زراعة البطاطس. هذا فضلاً عن إمكانية تعزيز التعاون البيلاروسى مع الدول العربية في مجال زيادة الإنتاجية الزراعية وكفاءة التعامل مع الموارد والمياه وتحديث أنظمة الري، والغابات، بما في ذلك تدريب الطلاب والمتخصصين العرب بالتعاون مع المعهد العربي للغابات التابع لجامعة الدول العربية.
-
من جانبه، أشار د./ إبراهيم دخيرى إلى أن الأمن الغذائى للمنطقة العربية تأثر بشدة من جرَّاء الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن كلاً من روسيا وأوكرانيا ما مصدرين أساسيين لكثيرٍ من الواردات الغذائية لبلدان المنطقة، مثل الزيوت والقمح وغيرها، ناهيك عن الأسمدة التى يؤثر فقدانها بالسلب على حجم الإنتاجية الزراعية، ومن ثمَّ زيادة الأسعار، هذا فضلاً عن أثر ذلك على صعيد الاستثمارات فى هذا المجال، لأنها ستتأثر بشدة نتيجة العقوبات الغربية المفروضة، ما يفرز بالتالى حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى فى المنطقة. وأضاف، فى هذا السياق، أنه من المتوقع حلول مجاعة عامة إذا سارت الأمور على ما هى عليه، بحلول عام 2030، وهو العام الذى من المفترض أن يتم فيه تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن ثمَّ، دعا إلى ضرورة تحييد مجالات الغذاء بعيدًا عن أية خلافات سياسية، لأن حق الغذاء هو أحد حقوق الإنسان الأساسية التى يجب عدم المساس بها.
-
فى سياقٍ متصل، أكَّد د./ صادق عبد العال أن مسألة الغذاء لا بد أن تكون قيمة إنسانية عالمية، وليست مسألة سياسية. مضيفًا أن من شأن التداعيات السلبية للحرب وضع ما يزيد عن 1.7 مليار شخصًا تحت وطأة الفقر والعوز والجوع، معظمهم من الأطفال، وهذا سيؤثر بلا شك على أوضاعهم الصحية والتعليمية، ويحول دون تحقيق أى نوع من التنمية. ومن ثمَّ، هناك حاجة ملحَّة للتحرك لتحقيق وضمان المنافع العامة العالمية، وتحقيق الأمن والسلم والاستقرار.
-
من جهةٍ أخرى، أشار باحثو المعهد البيلاروسى للدراسات الاستراتيجية إلى أن تزايد تحديات نظام الأمن الغذائي يشكل استجابة منطقية للاضطرابات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية. ويمكن حصر أسباب ذلك على وجه التحديد فى كلٍ من وباء Covid-19 والعقوبات الغربية، والتى تسببت في نوع من التفاعل السلبى المتسلسل، شملت تعطل سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض الدخل، وزيادة عدم المساواة الاجتماعية، وتقييد الحق في الوصول إلى الغذاء. هذا فيما تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها هياكل الأمم المتحدة، إلا أنه لم يتم التوصل إلى حلول مناسبة.
-
أضاف الباحثون أنه بحلول عام 2022، خلقت العوامل الجيوسياسية واقعًا جديدًا، حيث بدأت الصراعات الدولية تؤثر سلباً على الأمن الغذائي العالمي، فيما صرفت الأزمة الأوكرانية صناع القرار والخبراء عن معالجة المشاكل الأخرى وفهم أسبابها. كما أن المحللين الأمريكيين يرون أن المهمة ذات الأولوية حاليًا ليست حساب العواقب الاقتصادية المترتبة على النقص الحاد في الغذاء، بل السيناريوهات المحتملة لما يسمى “الاستخدام الروسي للموارد الغذائية الخاضعة للرقابة لأغراض جيوسياسية”. ولا ريب أن هذه الجهود الفكرية لا تهدف إلى حل مشاكل الأمن الغذائي العالمي، بل في المقام الأول إلى زعزعة استقرار العلاقات بين روسيا والصين، فضلاً عن إعاقة خطط بيلاروسيا وروسيا لتنويع سلاسل الإمدادات الغذائية وتوريد أسمدة البوتاسيوم إلى الأسواق العالمية.
-
والحاصل أن العالم اليوم أصبح على شفا أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى، يمكن أن تؤدي إلى موجات إضافية من الهجرة، وأيضًا زعزعة استقرار العديد من المناطق، مما يجرها إلى حالة من الفوضى ودوامة من الاضطرابات الجيوسياسية. هذا مع الأخذ فى الاعتبار أن القيود الغربية المفروضة على منتجي الأسمدة في بيلاروسيا وروسيا تعيق توريد منتجات البوتاسيوم إلى الأسواق العالمية، وهو ما يزيد من فرص ظهور عواقب اجتماعية وسياسية غير متوقعة لدى الدول المتضررة. وإلى جانب الخريطة السياسية للعالم، ظهرت خريطة العقوبات للعالم – إيران وفنزويلا وميانمار وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وبيلاروسيا وروسيا، وربما الصين قريبًا. وتسهم آلاف العقوبات المفروضة على هذه الدول فى جعلها خارج الحوار العالمي. ونتيجة لذلك، فإن ما يقرب من ثلث العالم يخضع للعقوبات، وهي في الواقع تدابير تقييدية أحادية.
-
على صعيد التعامل مع هذه التحديات، أشار الباحثون إلى أنه قد يشكل إلغاء الجغرافيا السياسية وفصلها عن قضايا الأمن الغذائي العالمية والإقليمية خطوة في الاتجاه الصحيح. هذا مع التركيز على بناء الثقة، وتحسين الروابط الإقليمية، وإصلاح البنية التحتية للتجارة والنقل، والتركيز على قضايا الأمن الغذائي في وثائق السياسات ذات الصلة، وخاصة في مجال الأمن الوطني، وذلك على غرار ما يحدث في مصر وبيلاروسيا. يُضَاف إلى ذلك إزالة القيود الأحادية الجانب المفروضة على كافة البلدان، وخاصة في مجال إنتاج الغذاء، والتكنولوجيا، والأسمدة، بما يؤدى إلى تجديد نظام الأمن الغذائي العالمي.
-
ومن جانبه، أكَّد السفير/ سعد أن العالم قد شهد في السنوات الأخيرة – وما يزال – العديد من الازمات، بدءآ بجائحة كورونا ومرورا بالتغيرات المناخية العالمية ثم الازمة الروسية الأوكرانية، التى دخلت شهرها الثامن عشر. تلك الازمات التي أثرت علي امدادات الغذاء والطاقة ومستلزمات الإنتاج الزراعي وخاصة الاعلاف والاسمدة. كما أدت الي الارتفاع الشديد في الأسعار العالمية لهذه المنتجات .وأضاف أنه وفقًا لتقديرات المؤسسات المعنية، تستحوذ روسيا وأوكرانيا علي حوالي 30% من صادرات القمح في العالم والذي يبلغ إنتاجه حوالي 800 مليون طن سنويا، يتم استهلاك حوالي 600 مليون طن منه في أماكن الإنتاج، ويدخل التجارة العالمية منه حوالي 200 مليون طن. كما تستحوذ روسيا وأوكرانيا علي 17% من صادرات الذرة في العالم . وتعد أوكرانيا المصدر الرئيسي لزيت عباد الشمس. كما أن كلاً من روسيا واوكرانيا المصدرين الأساسيين للاسمدة النيتروجينية والفوسفاتية. ولقد قامت بعض الدول الأخرى في اعقاب الحرب الروسية الأوكرانية بوقف تصدير منتجاتها من السلع الغذائية، كما فعلت اندونيسيا بوقف تصدير زيت النخيل، والذي يمثل حوالي 70% من واردات مصر من الزيوت النباتية . كما قامت الهند بوقف تصدير القمح . وقد أدي كل ذلك الي التاثير علي امدادات الغذاء ومستلزمات الإنتاج الزراعي والارتفاع الشديد في الأسعار العالمية لهذه المنتجات . حيث ارتفع، علي سبيل المثال، سعر القمح من 250 دولارا للطن الي ما يزيد عن 500 دولارا للطن بعد الازمة. كما كانت مصر معتمدة، في واردتها من القمح بصفة أساسية، علي روسيا وأوكرانيا حيث يبلغ الانتاج الكلي من القمح في مصر حوالي 10 مليون طن سنويا وتستورد نفس الكمية سنويا، يأتي نحو 60% منها من روسيا، 25% منها من أوكرانيا.
-
فى سياقٍ متصل، تناول السفير/ سعد على التدابير الداخلية التى اتخذتها مصر للتعامل مع تداعيات الأزمة فى أوكرانيا على الأمن الغذائى فى مصر. حيث أشار إلى أن مصر قد اتخذت العديد من السياسات والإجراءات والتدابير فى هذا الشأن، مؤكدًا على عاملين رئيسيين: الأول: أن القيادة السياسية تولي قطاع الزراعة عناية ورعاية خاصة، والحث على الاستثمار فيه، باعتباره احد الركائز الأساسية في الاقتصاد المصري، حيث يساهم القطاع بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي ، وحوالي 17% من اجمالي الصادرات السلعية ، وحوالي 25% من اجمالي القوي العاملة . كما أنه القطاع المسئول عن توفير الغذاء للسكان، وكذلك توفير المواد الخام الزراعية اللازمة للصناعة الوطنية وخاصة صناعة الغزل والنسيج والصناعات الغذائية . وقد تضمنت السياسات والإجراءات والتدبير التي اتخذتها مصر في مجال تحقيق الامن الغذائي تنفيذ مشروعات للتوسع الافقي واستصلاح واستزراع أراضي جديدة وإقامة مجتمعات عمرانية زراعية وصناعية وخدمية متكاملة وزيادة الرقعة المأهولة. أما العامل الثانى: فيتعلق بحقيقة محدودية المياه في مصر، حيث يبلغ اجمالي المعروض منها سنويا حوالي 60 مليار متر مكعب فقط (55.5مليار متر مكعب حصة مصر من مياه النيل، وحوالي 4.5 مليار متر مكعب من مياه جوفية وامطار)، في حين أن اجمالي الطلب عليها سنويا يبلغ حوالي 80 مليار متر مكعب، أي ان هناك عجز سنوي حوالي 20 مليار متر مكعب، تعمل الدولة علي تغطيته من خلال تنفيذ مشروعات لتدوير وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد المعالجة رغم تكلفتها الباهظة.
-
كذلك قامت الدولة بتنويع مصادر ومناشئ الاستيراد، وفتح مناشئ جديدة حتي تتجنب مخاطر الاعتماد علي عدد محدود من مصادر الاستيراد. وحرصت الدولة علي ضمان وجود مخزون استراتيجي من السلع الغذائية الاستراتيجية سواء من الإنتاج المحلي او الاستيراد يكفي لاستهلاك المواطنين من 4-6 شهور .وقد ساعد المشروع القومي للصوامع علي زيادة السعات التخزينية حيث زادت السعة التخزينية من حوالي 1.4 مليون طن في عام 2011 الي حوالي5.5 مليون طن عام 2022. وادي ذلك الي القضاء علي الفقد في التخزين نتيجة لتخزين القمح في الشون الترابية بحوالي مليون طن سنويا. ومن الجدير بالذكر أيضا ان وزارتي الخارجية والتعاون الدولي قامتا بتوفير عدد من المنح والقروض الميسرة من شركاء التنمية لوزارتي الزراعة واستصلاح الأراضي والتموين والتجارة الداخلية للمساعدة في مواجهة آثار الازمات العالمية علي الامن الغذائي في مصر . وقد أدت كل هذه السياسات والإجراءات والتدابير لمواجهة الازمات العالمية الى التخفيف النسبى لآثار الأزمة علي الامن الغذائي في مصر.
-
وعلى الصعيدين الإقليمى والدولى، عبرت مصر عن موقفها فى هذا الشأن، على أكثر من صعيد، سواء فى الأطر العربية أو الأفريقية، أو فى إطار المؤتمرات الدولية التى تناولت قضية الأمن الغذائى العالمى. وعلى سبيل المثال، أكَّد الرئيس السيسى فى كلمته أمام قمة أفريقيا روسيا الثانية، التى عقدت فى 27 / 28 يوليو 2023، الحاجة إلى مواجهة التحديات المتعلقة بالأمن الغذائى العالمى، بما فى ذلك ارتفاع أسعار الأغذية والأسمدة، فضلاً عن تعطل سلاسل التوريد الدولية، مما يؤثر تأثيرًا غير متناسب على القارة الأفريقية. ودعا الرئيس المصرى، فى هذا السياق، إلى “أهمية إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد أفريقيا على تجاوز هذه الأزمة، مع البحث عن آليات تمويل مبتكرة، تدعم النظم الزراعية والغذائية فى أفريقيا. وأعرب الرئيس عن تطلع مصر “لحل توافقى بشأن اتفاقية تصدير الحبوب، يأخذ فى الاعتبار مطالب كافة الأطراف ومصالحهم، ويضع حدًا للارتفاع المستمر فى أسعار الحبوب”. والحقيقة أن بيان سان بطرسبرج الصادر عن القمة أكد بصورة واضحة “بالغ قلق المشاركين إزاء التحديات المرتبطة بالأمن الغذائى العالمى”.
-
وفي أعمال القمة الـ 18 لمجموعة العشرين، التى عقدت يومى 9 و10 سبتمبر 2023 في نيودلهي، والتى دُعيت إليها مصر، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي ضرورة وضع حلول مستدامة للمشكلات الهيكلية التي تواجه الدول النامية وأهمها الديون، واستعداد مصر لاستضافة مركز عالمي لتخزين وتداول الحبوب، والتطلع لإسهام قمة مجموعة العشرين في التصدي للتحديات الاقتصادية التى تواجهها الدول. في سياقٍ متصل، تناول حوار الرئيس السيسى مع شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، على هامش القمة الأفريقية / الأوروبية المصغرة التي انعقدت بنيودلهي، بعد انضمام الاتحاد الإفريقي لعضوية مجموعة العشرين، التباحث حول أزمة الأمن الغذائي العالمي، من بين قضايا أخرى، مؤكدًا ضرورة مواجهتها وتوفير الدعم اللازم للبلدان النامية للتغلب عليها، مشيرًا إلى أن احتواء تحديات أزمة الغذاء المتنامية بشكل خاص في القارة الأفريقية، يستدعي وضع رؤية مشتركة لتعزيز حوكمة منظومة الأمن الغذائي العالمي، تتأسس على محورية النظام متعدد الأطراف، واتساق جهود مؤسسات التمويل الدولية والأطراف الفاعلة في الاستجابة السريعة والفعالة لمعطيات الأزمة، بما يشمل جذورها وأبعادها المتعددة.
-
كذلك أكَّد الرئيس السيسى أن أحد أهم أولويات الرئاسة المصرية للنيباد هي تفعيل البرنامج الإفريقي الشامل للتنمية الزراعية بما يدعم الأمن الغذائي في إفريقيا، وذلك في ضوء الحاجة الملحة لدعم قطاع الزراعة والتنمية الريفية من أجل تحقيق الأمن الغذائي لشعوب القارة. وفى هذا الصدد، يشير إعلان قمة مجموعة العشرين إلى أنه لا بد من تعزيز التعاون الدولى لتخفيف “المعاناة الإنسانية والآثار السلبية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا فيما يتعلق بأمن الغذاء والطاقة العالميين”.
-
فى سياقٍ متصل، عُقِدَت قمة مجموعة “77 + الصين” يومَى 15 و16 سبتمبر 2023، في العاصمة الكوبية هافانا، تحت شعار “تحديات التنمية الحالية: دور العلم والتكنولوجيا والابتكار”، حيث دعا البيان إلى “الوحدة” لمواجهة الدول الغنية، مشيرًا بصورة خاصة إلى تبعات الوباء وبؤر التوتر الجيوساسي والتضخم وتراجع التنوع الحيوي والأزمات المالية، “بدون أن تظهر بوضوح إلى اليوم خارطة طريق تسمح بالتصدي لهذه المشكلات العالمية”. ومن جانبه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تركيزه “على إعادة أجندة 2030 إلى مسارها”، وذلك في إشارة إلى قائمة أهداف وضعتها الأمم المتحدة للقضاء على الفقر والجوع ووضع حد لتغيّر المناخ إلى جانب أمور أخرى. وفى كلمته أمام قمة مجموعة “77 + الصين”، أشار ممثل مصر إلى التزام بلاده بالشراكة مع الدول الأعضاء؛ لإيجاد حلول مُبتكرة لمواجهة القضايا العالمية، ومنها ضمان أمن الغذاء والرعاية الصحية، وريادة عمليات الإنتاج الجديدة وتعزيز البيئات المُستدامة.
-
والخلاصة هى أن الدول النامية التى تعانى أزمات الأمن الغذائى، بما فى ذلك ارتفاع أسعار الأغذية والأسمدة، هى دول ذات سيادة وإرادة مستقلة، ويتعين أن تبقى بمنأى عن مساعى الاستقطاب فى الصراعات القائمة، وأن احتياجات هذه الدول، لاسيما الأفريقية منها، يجب أن تؤخذ فى الاعتبار، فيما يتعلق بالتداعيات شديدة الوطأة على اقتصاداتها، جرَّاء الصراعات والتحديات القائمة، وبالتحديد فى محاور الأمن الغذائى، وسلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة. ومن هنا، من الضرورى إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد هذه الدول على تجاوز هذه الأزمة، بما فى ذلك البحث عن آليات تمويل تدعم النظم الزراعية والغذائية فى هذه الدول.