زيارة وفد المجلس إلي بودابست / المجر خلال الفترة من 26 إلى 29 سبتمبر 2023
سبتمبر 26, 2023مشاركة د. يسري أبوشادي فى أعمال المنتدى الدولي لمركز بريماكوف (سانت بطرسبرج – روسيا، 28-29 سبتمبر 2023)
سبتمبر 29, 2023
ليس من قبيل المبالغة التأكيد على أن الخطاب السياسي للرئيس شي جينبينج يتمحور بصفة أساسية حول موضوع التنمية، وكيفية تهيئة البيئة الداخلية والدولية لتحقيق تنمية شاملة مستدامة، تستفيد منها جميع الدول لا سيما الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
والمتأمل لكافة المبادرات التي أطلقتها جمهورية الصين الشعبية منذ تولى الرئيس شي جينبينج المسئولية، سيجد أنها مصممة أساساً لخدمة عمليات التنمية، بما في ذلك خفض الفقر وتحسين حياة المواطنين ورفع مستويات أعمارهم مع تمتعهم بصحة أفضل، وتوفير مساكن مناسبة لهم، وتمويل عمليات التنمية بصفة عامة. ويدخل في هذه المبادرات المبادرة الخاصة بإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومبادرة الحزام والطريق بكل مكوناتها ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي وغيرها.
والحال على ما تقدم، من الطبيعي أن تبرز جمهورية الصين الشعبية في المقدمة من حيث التنمية الشاملة، حيث نجحت في مضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من عشر مرات، مع التأكيد على أن الزيادة في الدخل لم تكن لصالح الأثرياء فقط. ويرجع نجاح نموذج التنمية، الذي تمثله الصين، إلى التزام النخبة السياسية بإرساء السلام والاستقرار بالدولة، وتمهيد الطريق على المدى الطويل لإنجاز وتحقيق التنمية المنشودة. وفي هذا السياق، كثيراً ما يؤكد الرئيس شي جينبينج على تجنب أسباب الصراعات وعدم الاستقرار والتنافس الدولي، وهي كلها عوامل تؤثر سلباً في عمليات صنع القرارات السياسية والاقتصادية الضرورية لعملية التنمية. وتؤكد التجربة الصينية الرائدة في مجال النمو والتنمية على حقيقة أن التغيير الاقتصادي والتنموي يتم في إطار السياقات الداخلية لكل دولة، وأنه في الواقع لا توجد وصفة محددة واحدة واضحة للنجاح، بحيث يمكن نقلها وتطبيقها في بلدان أخرى.
كذلك تثبت التجربة الصينية في تحقيق التنمية الدور المحدود للمساعدات الدولية في هذا الشأن، ذلك أنه حتى مع الاعتراف بأهمية المساعدات الخارجية، إلا أن هذا الدور يظل دوراً محدوداً، حيث أثبتت التجربة الصينية محورية دور النخبة في نجاح صفقة التنمية في المقام الأول على أساس عوامل داخلية. ومن المؤكد أن الحق في التنمية هو جوهر حقوق الإنسان بفئاتها المختلفة. ومن المنطقي القول بأن التخلف – الذي هو عكس النمو والتقدم – هو قيد خطير على التمتع بحقوق الإنسان بصفة عامة.
ومما لا شك فيه أن كتاب الرئيس شي جينبينج حول “احترام حقوق الإنسان وضمانها”، ومن واقع تجربة الصين الرائدة في مجال النمو والتنمية، سيكون إضافة هائلة في مجال فهم الحق في التنمية، كحق من حقوق الإنسان.
وكما نعلم، ينتمي الحق في التنمية، كحق من حقوق الإنسان، إلى ما يسمي بالجيل الثالث في تصنيف هذه الحقوق من حيث: حقوق مدنية وسياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية ثم حقوق الشعوب، والتي تشمل حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها وحقها في السيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، وكلا الحقين من الحقوق التقليدية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك بجانب حقوق أخري للشعوب يطلق عليها وصف “الحقوق التكافلية”، وهي الحق في التنمية والحق في السلام والأمن والحق في بيئة نظيفة. ويعتمد تصنيف حقوق الإنسان على النحو السابق على نظرة مستقبلية لهذه الحقوق وأولويات حمايتها.
والواقع أنه على مدي العقود الخمسة الأخيرة شكل الحق في التنمية جزءاً من المناقشة الدولية حول حقوق الإنسان، إلا أنه لم يدخل حتى الأن في مجال التطبيق الفعلي، حيث أظهرت الدول الغربية مقاومة لا يستهان بها للاعتراف بهذا الحق كأحد حقوق الإنسان.
ويجد الحق في التنمية أصوله في أعمال أجهزة الأمم المتحدة، التي أولت أهمية كبري لمسألة التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومنذ دورتها الثالثة والثلاثين، اهتمت لجنة الأمم المتحدة الحقوق الإنسان، والتي حل محلها مجلس حقوق الإنسان، بالحق في التنمية، وأجرت بشأنه دراسات متعددة، من أبرزها تلك الخاصة بالإبعاد الدولية للحق في التنمية بوصفه حقاً من حقوق الإنسان.
وكما يعكس الفكر السياسي للرئيس شي جينبينج، تؤكد دراسات الأمم المتحدة، الصلة الوثيقة بين حقوق الإنسان بصفة عامة وواجب ومسئولية كافة أعضاء المجتمع الدولي في خلق الظروف الضرورية للتمتع الكامل بهذه الحقوق. كذلك توضح تلك الدراسات صعوبة الفصل بين الأبعاد ” الداخلية ” والأبعاد الدولية للتنمية. وبالمثل يجب التعامل مع قضايا حقوق الإنسان كوحدة واحدة، بعيداً عن الرؤية الغربية القائمة على أولوية الحقوق المدنية والسياسية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتؤمن الصين – مثلها مثل الأغلبية الساحقة من الدول النامية – أنه من الضروري إيجاد توازن معقول ما بين مصالح الجماعة ومصالح الفرد، والمشاركة الكاملة في اتخاذ قرارات من شأنها السماح بتحقيق هذا التوازن. ولا شك في أن المستفيدين من الحق في التنمية يمكن أن يكونوا دولاً أو شعوباً أو أقليات أو أفراد، كما أن الالتزامات الناجمة عنه يمكن أن تدخل في عداد الالتزامات التي يتحملها المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والدول والمجتمعات والأفراد.
وترتبط الأبعاد الدولية للحق في التنمية بأربعة مفاهيم خاصة هي: حقوق الإنسان الأخرى، الحق في السلام، مقتضيات إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد والحاجات الإنسانية الأساسية. وقد ثبت أن نزع السلاح ووقف سباق التسلح، هو أحد الشروط الأساسية لإقرار الحق في السلام والحق في التنمية.
كذلك هناك علاقة وثيقة بين الحق في التنمية ومقتضيات نظام اقتصادي دولي جديد، على نحو ما أوضحه القرار رقم 130/ 32 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي أكد على أن إقرار نظام اقتصادي عالمي جديد يعد عنصراً رئيسياً للتعزيز الفعال لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وتؤكد مقررات الأمم المتحدة على ضرورة كفالة الحق في التنمية داخل الدول تدريجياً، كما أن إقرار نظام اقتصادي عالمي جديد لا ينبغي أن يكون غاية في ذاته، بل وسيلة لضمان مزيد من العدالة والتمتع الأمثل بحقوق الإنسان للشعوب والأفراد.
وهكذا، توجت المناقشات الخاصة بالحق في التنمية في إطار المنظمة العالمية بإقرار الإعلان الخاص بالحق في التنمية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 ديسمبر عام 1986 (القرار رقم 128/41) للجمعية العامة بأغلبية كبيرة من الدول.
وتجدر الإشارة إلى أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 141/48، المنشئ للمفوض السامي لحقوق الإنسان، نص صراحة على أن تشمل ولايته ” تعزيز وحماية أعمال الحق في التنمية وتعزيز دعمه من الأجهزة المعنية في نظام الأمم المتحدة”. ولقد تم التأكيد على الحق في التنمية باستمرار من قبل كل من الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، اللذين يطلبان من الأمين العام ومن المفوض السامي لحقوق الإنسان تقريراً سنوياً حول مدي التقدم في مسألة تنفيذ الحق في التنمية، بما في ذلك أنشطة تستهدف تعزيز الشراكة العالمية للتنمية بين الدول الأعضاء ووكالات ومؤسسات التنمية والتمويل والتجارة الدولية.
والواقع أن القيمة المضافة للحق في التنمية تتمثل في أن هذا الحق يقدم إطاراً شاملاً ومقاربة للسياسات والبرامج لكل المعنيين، على المستويات العالمية والإقليمية ودون الإقليمية والوطنية، تقوم على أن هذا الحق يدمج جوانب حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في بوتقة واحدة، كما يتطلب مشاركة فعالة من الجميع، ويلقي مسئوليات وطنية ودولية على عاتق الدولة، بما في ذلك تهيئة بيئة قادرة على التنمية وظروفاً مواتية للتمتع بحقوق الإنسان كافة، كما يتطلب سياسة تنموية شاملة مركزها الإنسان وعمليات تنمية بالمشاركة وعدالة اجتماعية ومساواة، وتعزيز العلاقات الودية بين الدول والتضامن الدولي والتعاون والمساعدة المتبادلة في المجالات ذات الاهتمام بالنسبة للدول النامية، بما في ذلك نقل التكنولوجيا.
والخلاصة هي أن كل هذه المبادئ والمفاهيم تشكل جوهر الفكر السياسي للرئيس شي جينبينج، الذي كثيراً ما يؤكد على وحدة حقوق الإنسان وعلى الحق في التنمية بوصفة الإطار الرئيسي لهذه الحقوق والضمانة التي لا غني عنها للتمتع بها.