
زيارة سفير كوريا الجنوبية إلى المجلس
فبراير 19, 2024
ندوة حول “الحرب فى أوكرانيا .. التطورات والآفاق مع دخول عامها الثالث”
فبراير 25, 2024بتاريخ 20 فبراير 2024، عقد المجلس ندوة افتراضية، تحدث فيها البروفيسور/ Ilan Pappe (إسرائيلي مقيم في لندن ومدير مركز السياسات الفلسطينية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة Exeter بالمملكة المتحدة)، تحت شعار “الأسطورة والحقيقة في مسألة فلسطين بين الأمس واليوم”. وقد أدار اللقاء السيد/ محمد قاسم، عضو المجلس، وشارك فيه عددٌ من الخبراء والأكاديميين والباحثين، من بينهم: السادة السفراء/ محمد العرابي رئيس المجلس، عزت سعد مدير المجلس، يوسف زاده، عبد المنعم عمر، ود./ على الغتيت، وآخرون من غير الأعضاء.
وقد تناول اللقاء ما يلي بصفة خاصة:
- أكَّد البروفيسور/ Pappe أن إسرائيل، مدعومة تماماً من واشنطن ولندن وبعض العواصم الأوروبية، تحاول استغلال ما حدث في السابع من أكتوبر2023، لكى تجعل من الصعب تصنيف ردود الأفعال المختلفة على تصرفاتها اللاحقة في سياقٍ معين؛ حيث ذكر الأمين العام للامم المتحدة أنه يدين هجمات حماس على المدنيين الإسرائيليين يوم 7 أكتوبر، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هذه الهجمات لم تأتِ من فراغ. وأكَّد Pappe أن ذلك بالفعل لم يحدث من فراغ، وأنه يجب النظر إلى التطور التاريخي للقضية لمعرفة مَن يجب لومه، وعندها يظهر أن الدافع وراء ذلك هو استمرار الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على مدى أكثر من 75 عامًا، مع انسداد الأفق السياسي لحل هذه القضية الممتدة على نحوٍ جاد، في ظل الدعم الغربي الفجّ لإسرائيل. وبالتالي، يمكن القول بأنه ترسخ لدى حماس الاعتقاد بأن الوسيلة العسكرية هى الوحيدة التي يفهمها الاحتلال، ويعمل وفقها، وأنه لا يمكن – في ظل ذلك – الحديث عن أية مسائل أخرى مثل عودة اللاجئين وحقوق الفلسطينيين والسياج الحدودي… إلخ.
- ارتباطًا بغزة، أشار إلى أن غزة كانت مدينة فلسطينية عادية قبل قيام دولة إسرائيل فى عام 1948، ولكن عمدت الأخيرة إلى إطلاق لفظ “قطاع” عليها، دون إعطاء أى تفسير لذلك، مشيرًا إلى أن إسرائيل قد سعت منذ إنشائها، وخططت بالطبع من قبل ذلك، إلى إحداث فجوة جغرافية بين الأراضي الفلسطينية، التي حرصت بشدة على السعي الدائم للاستيلاء عليها. لذا فإن ممارسات الاستيطان والتطهير العرقي في الأراضي المحتلة، دفعت العديد من الفلسطينيين إلى النزوح القسري؛ إما إلى الضفة الغربية أو إلى القطاع. ومن ثمَّ، تحو ل القطاع تدريجيًا إلى سجن مفتوح، يعج بأكبر كثافة سكانية على وجه الأرض. وكان هذا هو المخطط الذى أراده ديفيد بن جوريون، على خلاف العسكريين الشباب وقتها مثل موشى ديان وغيره، الذين رغبوا فى احتلال غزة عسكريًا. وهناك وثيقة بتاريخ 6 نوفمبر 1948 تشير بالاسم إلى 11 مستوطنة يهودية يجب إنشاؤها فيما يُعرَف اليوم بمنطقة “غلاف غزة”، والتى هاجمتها حماس فى السابع من اكتوبر.
- أشارPappe إلى أن الحركة الصهيونية سعت إلى إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وأن هذا الإنشاء هو فى حقيقته استعمار استيطانى يختلف عن الاستعمار الكلاسيكى المعروف؛ إذ يشتمل الاستعمار الصهيونى على البعدين الجغرافى والديموجرافى؛ وفي حين يشير الأول إلى محاولة السيطرة على الأرض، وهو ما نجحت فيه إسرائيل فى حرب 67، باستحواذها على 100 % من أرض فلسطين التاريخية، مقابل 78 % منذ عام 1948، يشير الثانى إلى العمل على تعزيز هجرة اليهود إلى الأراضى المحتلة بغية تغيير التركيبة الديموجرافية وميزانها فى تلك الأراضى، وعلى نحوٍ يؤكد نية الدولة الصهيونية المبيتة على إبادة الأصليين، لا سيما وأن الاستحواذ الجغرافى المذكور انطوى على وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين يجب التخلص منهم. ولا يخفى أن قوات الاحتلال قد مارست أساليب الطرد والتشريد فى حق هؤلاء الفلسطينيين، بالتوازى مع إنشاء مستوطنات جديدة، وهذا بالمناسبة يتناقض مع ما تتضمَّنه الكتب المدرسية والجامعية، التى تصدرها الحكومة الصهيونية، من أن الفلسطينيين هم الذين يغادرون أراضيهم ومنازلهم طواعية، دون إجبار من السلطات الإسرائيلية.
- فى السياق عاليه، أكد بابيه أن إسرائيل تحاول استغلال ما حدث فى 7 اكتوبر للقضاء على أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين فى غزة. ويتضح ذلك بشدة فى تصرفات قوات الاحتلال فى غزة، حيث الضربات العشوائية والاستخدام الهائل للأسلحة والذخيرة، مع تحريض صريح من عددٍ ليس بقليل من المسئولين الصهاينة بتطهير غزة من الفلسطينيين، ولو تطلب الأمر استخدام السلاح النووى، مع التأكيد على أن النكبة مستمرة. ولا يخلو ذلك بالطبع من الحرص الإسرائيلى على العمل بالتوازى على استغلال هذه الفرصة التاريخية لمحاولة تهجير الفلسطينيين قسرًا إلى خارج القطاع، بعد أن فشلت فى تحقيق ذلك خلال العقود الماضية.
- أن هذه التصرفات والتصريحات الإسرائيلية، تثبت كذلك فرية أسطورة الدولة الديموقراطية التى تروجها إسرائيل لنفسها، بدعمٍ كامل من الحلفاء الغربيين. وإن كان من المعلوم ان إسرائيل قامت بمنح جنسيتها لجزء من الفلسطينيين، وهم عرب 48 بالأساس، وخولتهم حق التصويت والمشاركة فى العمليات الانتخابية الإسرائيلية، فإنه من المعلوم أيضًا أن هذا الجزء محدود، لم يُمنَح لعموم الفلسطينيين، الذين شملهم الاستعمار الصهيونى الجغرافى، كما أن عملية التجنيس تلك تخضع لحساباتٍ دقيقة، بحيث تجعل الغلبة دومًا لليهود فى أية انتخابات إسرائيلية. من جهةٍ أخرى، ومقابل ادعاء إسرائيل بأنها تحتم عليها إنشاء السياج الحديدى على قطاع غزة كنتيجة لهجمات حركة حماس الإرهابية، فإنها فى الواقع مارست العقاب الجماعى إزاء مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين اختاروا الحركة فى انتخابات عام 2007، بعد إحباطهم من القوى العلمانية، وهو أمر لم تتقبله إسرائيل “الديموقراطية”، فى حين احترمته كثيرٌ من القوى والدول الأخرى. ومن ثمَّ، فإن دولة إسرائيل “الديموقراطية” هى محض افتراء، ولا وجود حقيقى لها على الإطلاق.
- أشارPappe إلى اعتقاده بأن ما يحدث في الأراضى المحتلة حاليًا هو بداية نهاية المشروع الاستيطانى الصهيونى الذي يمثله النظام الحاكم في إسرائيل حاليًا، وليس نهاية دولة إسرائيل، لأن الدولة مستمرة، ولكن النظم هي التي تتغير غالبًا، ومثال ذلك ما حدث في جنوب أفريقيا من قبلُ، وذلك على الرغم من وجود تجربة تاريخية انهارت فيها دولة الفصل العنصري، ممثلة في جنوب إفريقيا. ويمكن القول أن أسباب ذلك لا تعود فقط إلى مبادئ وأصول المشروع الصهيوني الذي يحاول النظام القائم فرضه بالقوة، ولكن أيضًا إلى اعتبار اليهودية قومية، وليست ديانة فحسب، بشكلٍ لا يمكن معه الاعتراف بقومية أخرى داخل دولة واحدة، أيًا كان اسمها. وبالتالي، فإن نظرة اليهود إلى الفلسطينيين هي باعتبارهم عدوًا لدودًا لدولتهم، ومن ثمَّ لا بد من التخلص منهم بأي طريقة، ما يعنى بالتالي استحالة إقامة مثل هذه الدولة الواحدة التي تجمع المجتمَعَيْن معًا. هذا بالإضافة إلى السبب المتمثل في التباينات الداخلية الهائلة في المجتمع الإسرائيلي ذاته، سياسيًا واقتصاديًا، بل ودينيًا، وكذا الرأي العام العالمي الضخم الضاغط على النظام الإسرائيلي الحالي، بما فيه من جاليات يهودية مؤثرة. على أن هذا الانهيار قد يحدث في غضون عامَيْن إلى ثلاثة أعوام، ولن يكون هادئًا بالمرة، وهو أمرٌ يثير القلق الشديد بشأن ما يمكن أن يحدث.
- في السياق عاليه، أشار Pappe إلى ضرورة الاستعداد العربي وتنسيق الجهود، على نحو استراتيجى وليس تكتيكى، كما يفعل الغرب، للنظر في كيفية محاولة ملء الفراغ المحتمل القادم، مؤكدًا في ذات السياق على ضرورة قيام الفصائل الفلسطينية بإنجاز المصالحة فى أقرب وقت ممكن، للقيام بدورها المرجو منها. هذا مع الإشارة إلى أن قيام دولة فلسطينية محرَّرة ومنزوعة السلاح سوف يضمن بناء مجتمع سوي لا يميّز بين أفراده على أساس الثقافة أو الدين أو العِرق. وستسعى هذه الدولة الجديدة، قدر الإمكان، إلى تصحيح سوءات الماضي، من حيث عدم المساواة الاقتصادية، وسرقة الممتلكات، وإنكار الحقوق، والتي يمارسها النظام الصهيوني القائم يوميًا.
- النقاش:
- ردًا على تساؤلات حول تصوره عن “اليوم التالى” فى غزة، وما إذا كانت التطورات الحالية تسير نحو وقف إطلاق النار أم الإبادة العرقية، وأيضًا ما إذا كانت إسرائيل ستلتزم بمعايير المنطقة وطبيعة الوجود فيها، أشار Pappe إلى أن الحديث عن “اليوم التالى” يجانب الصواب، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وأنه يجب التركيز بدلاً من ذلك على مساعي وقف إطلاق النار، وإغاثة الفلسطينيين، خاصة وأنه من المفترض أن غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، فإن المؤشرات حول اليوم التالي “القريب”، من وجهة النظر الإسرائيلية، يشوبها التباينات والغموض، بالنظر إلى تباينات القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية حول العمليات العسكرية في غزة، وكيفية وتوقيت شنها ووقفها، هذا مع الاعتقاد بأن حرص نتنياهو على مدّ وجوده في السلطة أحد الأسباب المهمة لطول أمد العدوان حتى الآن. من جهة أخرى، فإن احتمال وجود الأحزاب المتطرفة في الكنيست الإسرائيلي حتى بعد سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية، سيؤدي إلى تنامي الحرص الإسرائيلي على هزيمة حماس عسكريًا، وإعادة المستوطنين اليهود إلى غلاف غزة، ومواصلة محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى البلدان المجاورة أو غيرها. في مقابل ذلك، فربما تأتي حكومة براجماتية يقودها بيني غانتس، والذي يمتاز بشخصية متحفظة وتوافقية، ويحظى باحترام واسع في الأوساط المحلية. وبينما ستحرص اسرائيل على هزيمة حماس عسكريًا، فإنها ستقوم بذلك سياسيًا أيضًا، عبر الإيعاز إلى السلطة الفلسطينية بإدارة القطاع، مع ضمان وجود مساحة آمنة داخل القطاع، وعلى الحدود مع إسرائيل ومستوطناتها، لأغراض عملياتية. هذا مع عدم اتخاذ خطوات حقيقية تجاه تسوية القضية، والسماح بدلاً من ذلك للمستوطنين في الضفة بزيادة توسعهم فيها؛ أي الحفاظ على سياسة “الوضع الراهن”، على نحوٍ يضمن أيضًا استمرار دعم واشنطن لإسرائيل. وبالتالي، فإنه سيكون من الخطأ الاعتماد على التغيرات السياسية الداخلية في إسرائيل، والاعتقاد بأنها ستؤدي إلى تسوية حقيقة للقضية ولإرساء السلام.
- وحول ما إذا كان الحرب التي أعلنتها إسرائيل في القطاع تقصد حركة حماس أم ساكنيه من الفلسطينيين، أجاب Pappe بأن إسرائيل تتخذ حماس كذريعة للتعامل مع القطاع، وفق مخططاتها الخاصة، والتي من أهمها تدمير القطاع وجعله غير قابل للحياة، وتهجير الفلسطينيين قسرًا منه.
- وردًا على تساؤل خاص بمدى نجاعة قرار مصر الحاسم بعدم فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين لدخول سيناء؛ حرصًا على أمنها القومي، أشار Pappe إلى أن مصر في وضعٍ صعب بالتأكيد؛ نظرًا لكون القضية محورية بالنسبة لها، وبذلت الكثير من الجهود على مدى العقود لتسويتها والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، فضلاً عن كونها قضية أمن قومي حيوية بالنسبة لمصر. كما أنها إذا لم تفتح المعبر، في حال قيام الجيش الإسرائيلي بعملية في رفح، ربما ينظر البعض إليها على أنها متواطئة في الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال. من جهة أخرى، وفى حال قيامها بفتح المعبر، فإنها ستكون مشاركة في تصفية القضية، وفى التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع. ومن ثَّم، دعا Pappe إلى ضرورة توخى الحذر، مع بذل ما يتطلبه الأمر من جهود لتسوية هذه القضية الممتدة.
- من جهةٍ أخرى، وحول ما إذا كان تصرف واشنطن الداعم بقوة لإسرائيل، عسكريًا وسياسيًا، من شأنه أن يسهم فى تقويض مصداقية المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن، أجاب Pappe بأنه يجب التأكيد أولاً على مدى قوة اللوبى الصهيوني فى الولايات المتحدة، الذي يمتد عمره لنحو 100 سنة تقريبًا، وبالتالى فإن أغلب المسئولين الحكوميين والأعضاء بالكونجرس الامريكى المتعاطفين مع الفلسطينيين ينأون بأنفسهم عن الضغط على اللوبى الصهيونى، كما أن المؤسسات الكبرى بالبلاد، مثل وزارات الخارجية والدفاع والمالية، داعمة لإسرائيل بقوة، وتحرص على ضمان ذلك الدعم واستمراره. ولعل ذلك أيضًا يمثل أحد الأسباب المحتملة لانهيار المشروع الصهيونى، بمعنى أن خروج مئات الآلاف من الشباب الامريكيين فى مظاهرات لدعم الفلسطينيين، من المحتمل أن يؤدى إلى تغيير مستقبلى فى السياسات الأمريكية لاحقًا، حين يتولى مثل أولئك الشباب مناصب قيادية بالبلاد. أما الآن، فمن غير المحتمل أن تتخذ واشنطن أى إجراء ملموس قد يجعلها فى صدام مع إسرائيل.
- وردًا على ما إذا كانت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) من الممكن أن تؤتى أكلها فى ظل العدوان الإسرائيلى الحالى على القطاع، أجاب Pappe بأنها قد تساعد جزئيًا، ولكن ليس على النحو المتصوَّر، خاصة وأنه إذا تمت مقاطعة إسرائيل (Boycott) وسحب الاستثمارات منها (Divestment)، فإن هذين الإجرائين لن يكونا مؤثرين كفاية بدون الضلع الثالث، وهو العقوبات (Sanctions)، وهو أمرٌ لم تواجهه إسرائيل حتى الآن.
- ختامًا، عرض Pappe لوجهة نظره الداعمة لدولة واحدة، بدلاً من دولتين، كحل للقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنه من الصعوبة بمكان تحقيق حل الدولتين، خاصة فى ظل الحقائق الجغرافية والديموجرافية الجديدة فى الأراضى المحتلة، وذلك بالإضافة إلى قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح على الأغلب، ما يزيد الإحساس المستمر بالشعور بالظلم والقهر وعدم الأمن، فيما سيواصل الاحتلال توسعاته الاستيطانية، مستخدمًا قوته العسكرية الغاشمة.