مؤتمر تبادل رؤساء البلديات لعام 2024 حول تأثير مدينة طريق الحرير البحري
نوفمبر 30, 2024سوريا إلى أين؟
ديسمبر 16, 2024السفير محمد حجازي
يجب على الشرق الأوسط أن يعزز الحوار الإقليمي الشامل، وأن يعمل على تمكين المؤسسات المحلية، وأن يقاوم الجهود الرامية إلى ترسيخ الهيمنة الخارجية لاستعادة سيادته وتحقيق الاستقرار الدائم والازدهار، بقلم محمد حجازي
وعلى الرغم من تحمله قدرًا كبيرًا من الاضطرابات والحروب والتدخل الأجنبي، فقد أظهر الشرق الأوسط قدرة ملحوظة على الصمود.
لقد كانت المنطقة ضحية لمخططات الغرب منذ عصر الاستعمار إلى يومنا هذا، حيث فرضت القوى الاستعمارية وخلفاؤها سياسات ومؤامرات مدمرة أدت إلى تفتيت المنطقة من خلال الحدود الاصطناعية والمشاريع الاستغلالية. وقد استغلت هذه المخططات ضعف البنية التحتية السياسية والأمنية في المنطقة وسيطرة المنافسة بين الأنظمة القومية بعد الاستقلال.
منذ اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 وإعلان بلفور في عام 1917، وترتيبات الأمن الإقليمي المصطنعة مثل حلف بغداد، وأطر أكثر حداثة مثل “الشرق الأوسط الجديد”، وهو مفهوم جيوسياسي اقترحته الولايات المتحدة لإعادة تشكيل المنطقة لصالحها، و”صفقة القرن”، وهي خطة سلام لإسرائيل وفلسطين اقترحتها إدارة ترامب الأولى، كانت المنطقة لفترة طويلة عرضة للتلاعب الغربي. ويشمل ذلك تمويل الإرهاب واستخدامه، فضلاً عن إنشاء ودعم الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وجاء غزو العراق في عام 2003 بعد سنوات من الحرب المدمرة مع إيران.
إن الدور الذي لعبه الغرب في أحداث محورية مثل نكبة عام 1948، والنزوح الفلسطيني الذي حدث أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وتأسيس إسرائيل، وأزمة السويس عام 1956، وحرب عام 1967 التي قوضت مشروع النهضة المصري، ودعمه المستمر لإسرائيل في حروبها ضد الفلسطينيين ولبنان، يوضح نمطًا ثابتًا. لم تكن السياسات الغربية عادلة أو منصفة أبدًا تجاه المنطقة، التي تظل فريسة لهيمنتها وفرض أطر ضارة مصممة لصالح إسرائيل والغرب على حساب الدول المحلية في الشرق الأوسط.
لقد حان الوقت لدول المنطقة لتتولى زمام مصيرها. ويتعين عليها أن تنشئ نظاماً إقليمياً للأمن والسلام والتنمية يرتكز على الحقائق التاريخية والجغرافية للمنطقة. وإذا لم يتم ذلك فإن هذا من شأنه أن يسمح للمؤامرات الغربية، بقيادة إسرائيل، بالاستمرار في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط.
وتسلط دراسة نشرتها مجلة “أسباب” في أغسطس/آب الضوء على الطبيعة المترابطة للأمن في الشرق الأوسط، مشيرة إلى نظرية “المجمع الأمني” التي طرحها الأكاديمي البريطاني باري بوزان.
ووفقاً لهذا الإطار، لا يمكن لأي دولة أن تكون مستقلة عن أمن جيرانها، لأن التفاعلات الإقليمية تؤثر على ديناميكيات الأمن الوطني والعالمي. وتفترض نظرية “المجمع الأمني” أن القوى الإقليمية ذات القدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والأيديولوجية الكبيرة تشكل أجندات الأمن والسياسة في محيطها وتعزز الولاء بين الدول المجاورة.
تلعب القوى الإقليمية الرئيسية في الشرق الأوسط مثل مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والأردن والإمارات العربية المتحدة والجزائر والمغرب أدوارًا محورية في تشكيل ديناميكيات المنطقة السياسية والأمنية والاقتصادية. وتعمل هذه القوى معًا على خلق إطار مستدام للأمن والتعاون والتنمية يخدم المصالح الجماعية لشعوب المنطقة.
مصر: ركيزة للاستقرار الإقليمي: كانت مصر تاريخياً، ولا تزال، قوة إقليمية مركزية. فموقعها الاستراتيجي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر عبر قناة السويس، ويربط بين غرب آسيا وشمال أفريقيا. ومع تعداد سكاني يتجاوز 105 ملايين نسمة، تمتلك مصر قوة عاملة ديناميكية وشابة، مما يجعلها سوقاً بالغة الأهمية ولاعباً استراتيجياً على الساحة العالمية.
وتضع السياسة الخارجية المصرية في المقام الأول العلاقات القوية مع الولايات المتحدة والغرب، وهو ما ينعكس في تصنيفها كحليف رئيسي خارج حلف شمال الأطلسي. ويعتمد جيشها على الأسلحة الغربية، وقد تلقى 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية السنوية لأكثر من أربعة عقود. وتضمن هذه الشراكة أيضاً دعماً اقتصادياً كبيراً من المؤسسات الدولية.
ولكن مصر عملت على تنويع علاقاتها الدولية، فعززت علاقاتها مع روسيا، وخاصة في قطاعي الطاقة والقمح، وعمقت شراكتها الاستراتيجية مع الصين، أكبر شريك تجاري لها. ويؤكد انضمام مصر مؤخرا إلى مجموعة دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون على التزامها بالتعددية القطبية.
ورغم هذه التحالفات العالمية، تحافظ مصر على علاقات وثيقة مع دول الخليج، حلفائها الإقليميين الرئيسيين. وتشمل الأولويات المشتركة مواجهة النفوذ الإيراني والتركي والحفاظ على الاستقرار الإقليمي في مواجهة صعود الإسلام السياسي.
وتواجه مصر أيضا تحديات ملحة، مثل تأمين تدفق نهر النيل، وحماية قناة السويس، واستقرار حدودها وسط الأزمات في غزة وليبيا والسودان. وعلى الرغم من التوترات التاريخية، فإن التعاون مع تركيا يوفر فوائد اقتصادية وجيوسياسية متبادلة، وخاصة في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه، يشير التقارب الحذر بين مصر وإيران إلى نهج عملي، يوازن بين المصالح الأمنية الإقليمية وتحالفاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
العربية السعودية: لاعب إقليمي رئيسي: تسعى المملكة العربية السعودية إلى الحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية من خلال تعزيز علاقاتها مع القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة، لمواجهة النفوذ الإيراني. وتشير التقاربات الأخيرة مع إيران، بما في ذلك تبادل السفراء، إلى تحول محتمل نحو رؤية إقليمية تعاونية.
كما تحتل المملكة العربية السعودية مكانة مركزية في أسواق الطاقة العالمية، ولعبت دوراً كبيراً في الجهود الأخيرة الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة. ومن الممكن أن تمهد علاقاتها المتطورة مع القوى الإقليمية مثل مصر وتركيا وإيران الطريق أمام إطار أكثر توحداً في الشرق الأوسط.
تحتل المملكة العربية السعودية مكانة محورية في سوق الطاقة العالمية. وقد استعادت الكثير من أهميتها الجيوسياسية في أعقاب حرب أوكرانيا والتنسيق المتزايد مع روسيا، وهي الدولة التي يسعى الغرب إلى عزلها وكبح صادراتها النفطية. وبالتالي، تظل المملكة العربية السعودية نقطة محورية للقوى الدولية الكبرى. وباستغلال هذا النفوذ العالمي والموارد المالية الكبيرة، يعتقد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن قيادة المملكة في الشؤون الإقليمية العربية لا ينبغي التشكيك فيها.
إن حجر الزاوية في أولويات السياسة الخارجية السعودية يتمثل في تعزيز الحصانة ضد التهديدات الإيرانية المتنوعة على الرغم من التطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات الثنائية. ولهذا السبب، تواصل المملكة العربية السعودية النظر إلى شراكتها مع الولايات المتحدة باعتبارها أمراً لا غنى عنه، وتسعى بإصرار إلى إبرام اتفاقية أمنية استراتيجية مع واشنطن.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تهدف أولويات المملكة العربية السعودية، وخاصة تلك المنصوص عليها في رؤيتها 2030، إلى تقليل الاعتماد على عائدات النفط من خلال تنويع الاقتصاد ليشمل الطاقة المتجددة والسياحة والخدمات اللوجستية والذكاء الاصطناعي. وتتطلب هذه الرؤية الطموحة وضع المملكة العربية السعودية كمركز أعمال رئيسي في الشرق الأوسط مع توسيع شراكاتها الدولية، كما يتجلى في عضويتها في مجموعة البريكس والتواصل مع المناطق الغنية بالاستثمار مثل آسيا الوسطى من خلال منظمة شنغهاي للتعاون وأفريقيا من خلال القمة السعودية الأفريقية في عام 2023.
من السابق لأوانه أن نصور تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية على أنه نهاية التنافس بينهما. فبدلاً من الإشارة إلى تحول في تصور الرياض لـ “التهديد الإيراني”، يمثل الاتفاق تعديلاً استراتيجياً يركز على خفض التصعيد وإدارة المنافسة من خلال وسائل غير عسكرية. ويتماشى هذا مع جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتخفيف التوترات الإقليمية وإعطاء الأولوية للاستثمار والتنمية الاقتصادية.
تركيا: الطموحات الإقليمية: تسعى تركيا إلى استعادة نفوذها التاريخي في الشرق الأوسط، مع التحولات الملحوظة في علاقاتها مع الدول العربية في السنوات الأخيرة. وتهدف أنقرة إلى إقامة شراكات استراتيجية مع دول الخليج وتعزيز دورها في الشؤون الإقليمية.
ورغم أن التوترات، وخاصة مع مصر بسبب دعم تركيا للإسلام السياسي وتدخلها في الشؤون الداخلية، شكلت تحديات، فقد تم تخفيف هذه القضايا إلى حد كبير اليوم. ومن الممكن أن يمهد هذا التقارب الطريق لتعزيز التعاون في مجال الأمن المشترك والأطر الجماعية.
إن السياسة الخارجية التركية تعطي الأولوية لتعزيز مكانتها كقوة متوسطة عالمية صاعدة، وتوسيع نفوذها في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وأفريقيا. وعلى الرغم من الحفاظ على عضويتها في حلف شمال الأطلسي، تسعى تركيا إلى تحقيق قدر أعظم من الاستقلال عن النفوذ الغربي دون تبني موقف عدواني. ونتيجة لهذا، تواصل أنقرة علاقات العمل البراجماتية مع روسيا بسبب الضرورات الجيوسياسية والاقتصادية، حتى مع دعمها الكامل لأوكرانيا.
إيران: الحسابات الاستراتيجية: وسط التدقيق الغربي المتزايد بشأن برنامجها النووي والتوترات مع إسرائيل، تستغل إيران إرثها التاريخي الغني ومواردها الاقتصادية وموقعها الجيوستراتيجي للتغلب على التحديات الهائلة.
وعلى الرغم من مواجهة معضلات جيوسياسية، مثل الحدود الشاسعة وغياب حليف استراتيجي بين القوى الكبرى، فإن إيران تعوض عن ذلك من خلال تطوير استراتيجيات دفاعية متقدمة، بما في ذلك شبكات بالوكالة والاكتفاء الذاتي في القدرات العسكرية غير المتكافئة مثل تكنولوجيا الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وعلى الصعيد الداخلي، تعطي طهران الأولوية للحفاظ على تماسك سكانها المتنوعين عرقياً وطائفياً، وهو ما يلعب دوراً حاسماً في تشكيل سياستها الخارجية، وخاصة تجاه جيرانها مثل باكستان وأفغانستان والعراق وأذربيجان وتركيا. وعلاوة على ذلك، كثفت إيران سياستها “التوجه شرقاً”، فعززت علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع روسيا والصين في حين سعت إلى المشاركة المحدودة مع الهند وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وتؤكد عضويتها في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس على توجهها شرقاً.
لقد تبنت إيران مؤخرا نهجا أكثر تصالحية لطمأنة جيرانها في الخليج، فقلصت الوجود الأميركي في المنطقة ومواجهة التطور المحتمل لتحالف خليجي إسرائيلي. ويعكس استعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين قريبا هذا التعديل الاستراتيجي. ومع ذلك، تظل المواجهات مع إسرائيل مصدرا مستمرا للتوتر، وتتفاقم بسبب الأنشطة الإقليمية للحرس الثوري الإيراني، والتي عززت العداء وزادت المخاوف بين الدول المجاورة.
الطريق إلى الأمام: يتعين على الشرق الأوسط أن يتجاوز الأجندات المفروضة من الخارج إلى إرساء إطار محلي للأمن والسلام والتنمية. ومن شأن مثل هذا النظام أن يستغل المساهمات التاريخية والثقافية التي قدمتها المنطقة للإنسانية في حين يتصدى للتحديات المعاصرة.
ولكن تظل هناك أسئلة أساسية مطروحة. فكيف يمكن للاعبين الإقليميين الرئيسيين بقيادة مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران أن يتعاونوا مع قوى شمال أفريقيا مثل الجزائر والمغرب وتونس، فضلاً عن المراكز التاريخية في بغداد ودمشق وعمان، لمقاومة الأجندات الخارجية المثيرة للانقسام؟ وهل تستطيع المنطقة أن تتوصل إلى رؤية مشتركة لمستقبلها، تعطي الأولوية للأمن الجماعي والتنمية الاقتصادية على الأطر المفروضة من الخارج؟
إن الطريق إلى الأمام في الشرق الأوسط يكمن في تعزيز الحوار الإقليمي الشامل، وتمكين المؤسسات المحلية، والأهم من ذلك، مقاومة الجهود الرامية إلى ترسيخ الهيمنة الخارجية. ومن خلال القيام بذلك، يمكن للشرق الأوسط استعادة سيادته ورسم مسار نحو الاستقرار الدائم والازدهار، وتمكين شعوبه وضمان مستقبل أكثر إشراقا.
إن الشرق الأوسط يقف الآن عند مفترق طرق، ويواجه تحديات وفرصاً لإعادة تشكيل آليات الأمن والتعاون. وتشير الديناميكيات السعودية الإيرانية والمصرية التركية المتطورة إلى وعي متزايد بين القوى الإقليمية بالحاجة إلى أطر محلية تعطي الأولوية للسيادة والاستقرار والاحترام المتبادل. وتشكل تجربة اتفاقيات هلسنكي الأوروبية في عام 1975 نموذجاً محتملاً لهيكل الأمن والتعاون في الشرق الأوسط.
في نهاية المطاف، ينبغي أن يتحدد مستقبل المنطقة من قِبَل الجهات الفاعلة الرئيسية فيها ــ مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران ــ وليس القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل. ويؤكد تاريخ المنطقة وتطلعات شعوبها على الحاجة الملحة إلى صياغة إطار موحد يرفض التدخل الخارجي ويعالج التهديدات المشتركة. ومن خلال العمل الجماعي فقط يمكن للشرق الأوسط أن يتجاوز عقوداً من التشرذم والصراع، ويضمن الأمن والاستقرار والازدهار لدوله وشعوبه.
الكاتب مساعد وزير الخارجية الأسبق.
* ظهرت نسخة من هذه المقالة مطبوعة في طبعة 5 ديسمبر 2024 من جريدة الأهرام الأسبوعية
رابط مختصر: