زيارة المستشار السياسي للسفارة الأمريكية بالقاهرة
أكتوبر 26, 2016حول «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»(JASTA)
نوفمبر 3, 2016نظّم المجلس المصري للشئون الخارجية يوم الاثنين الموافق 31 أكتوبر 2016، ورشة عمل حول “العلاقات المصرية الإسرائيلية… بين الحاضر والمستقبل”، بحضور السفير/ د.منير زهران، رئيس المجلس، والسفير عزت سعد، مدير المجلس، واللواء/ محمد إبراهيم الدويري الخبير بالشؤون الفلسطينية/ الإسرائيلية بمشاركة عدد من الخبراء المختصين في الشأن العربي والإسرائيلي من أعضاء المجلس والأكاديميين.
وقد تضمنت المناقشات المحاور التالية:
-
قراءة في معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.
-
التحديات التي واجهت المعاهدة وكيف تم التعامل معها.
-
معضلة تطبيع العلاقات المصرية – الإسرائيلية.
-
الموقف الراهن في العلاقات الثنائية بين الدولتين.
-
مستقبل العلاقات بين الدولتين.
استهل السفير/ د.منير زهران، ورشة العمل باستعراض محاور الورشة، أعقب ذلك استعراضه لتاريخ العلاقات بين الدولتين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، والمواجهات العربية– الإسرائيلية، واستمرار سقوط الشهداء والجرحى منذ ذلك الحين انتقالاً لعدوان 1956، ومرورًا بعدوان 1967، ثم حرب 1973، واستكمال المحاولات المضنية داخل مجلس الأمن لتنفيذ القرار (242) الصادر في 22 نوفمبر 1967، الذي نص صراحة على عدم احتلال أراضي بالقوة وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية، إلا أن إسرائيل اتخذت الذرائع المختلفة وتبنت النص الإنجليزي الذي نص على(أراضٍ محتلة) كما أكد اللورد “كارادون” المندوب الإنجليزي في مجلس الأمن وليست (الأراضي المحتلة) كما جاء في القرار الفرنسي، والذي تبنته الدول العربية، إلا أن الدلائل تؤكد أن “كارادون” لم يكن وراء الأمر، وان الأمر تبلورليعبر عن الموقف الأمريكي– الإسرائيلي، خاصة وأن مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن كان على صلة كبيرة بإسرائيل.
وأشار في هذا الصدد إلى أن وزير الخارجية المصري “محمد حسن الزيات” حاول في عام 1973 طرح موضوع الشرق الأوسط على طاولة مجلس الأمن قبل نشوب حرب أكتوبر نتيجة قيام إسرائيل بالاعتداء على فصائل المقاومة الفلسطينية، مؤكدًا بوضوح على ضرورة البدء في تنفيذ القرار (242)، ودافع بقوة عن المصالح المصرية والعربية، في حين ظلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية “جولدا مائير” تؤكد أن حدود إسرائيل الطبيعية تمتد حتى الممر المائي لقناة السويس. وفي هذا الصدد أكد سيادته أن قرار الأمم المتحدة رقم (181) لسنة 1947 الذي قسم فلسطين تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين لم يمس الحدود الدولية لمصر.
واختتم سيادته بالإشارة إلى أن توقيع معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية كانت أحد أسباب القطيعة العربية لمصر ولم تعد العلاقات المصرية – العربية إلا في عام 1989 مع اندلاع حرب الخليج الثانية، وعلى الرغم من الاعتراض عليها في حينها إلا أن عدد من الدول العربية بدأت في مباحثات سلام مع إسرائيل، وإبرام اتفاقات وإطلاق عدد من المبادرات أهمها المبادرة العربية في 2002، والتي أكدت على قيام الدول العربية بالاعتراف بدولة إسرائيل وإقامة علاقات معها شريطة عودتها لحدود 1967.
المحور الأول: قراءة في معاهدات السلام المصرية- الإسرائيلية
تحدث في هذه الجلسة اللواء إبراهيم الدويري – حيث أشار إلى مايلي:
-
عدد من الملاحظات الأساسية حول ورشة العمل، تمحورت في أن الهدف من الورشة هو التذكير بالنصوص وليس تقييم المعاهدة، وأهمية الحديث عن كافة مشتملات المعاهدة من خطابات ونصوص ومحاضر متفق عليها، وأن المعاهدة بكل مشتملاتها لم تنص على فرض قيود أو التزامات على مصر ببيع البترول لإسرائيل أو إجبار مصر على تطبيع العلاقات أو قيود خاصة بالتنمية في سيناء، كما لم تتضمن المعاهدة أي بنود أو ملاحق سرية.
-
فيما يتعلق بمشتملات المعاهدة أوضح أن المعاهدة تضمنت إطارين وتسعة خطابات متبادلة بإجمالي 12 وثيقة طرحوا قبل التوقيع على معاهدة السلام، وبالنسبة للإطارين فقد تم التوقيع عليهما في 17 سبتمبر 1978 بعد مفاوضات بدأت في 15 سبتمبر، ويتضمن الإطار الأول (إطار السلام الشامل في الشرق الأوسط) رؤية مصرية للسلام الشامل وقرارات الشرعية الدولية (338) و(242)، أُرفقا ضمن الإطار باعتبارهما أساسًا للمفاوضات وكما يتضمن القرار حديث عن:
-
حكم ذاتي وشامل لسكان الضفة وغزة.
-
مفاوضات خلال خمس سنوات تمثل الفترة الانتقالية لتحديد الوضع النهائي.
-
تحديد إجراءات عودة النازحين واللاجئين مع التأكيد على كون الإطار يصلح كأساس للسلام بين إسرائيل وجيرانها (سوريا ولبنان والأردن).
فيما يتضمن الإطار الثاني “إطار اتفاق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل” وهي المبادئ العامة التي مثلت الأساس لمعاهدة السلام التي وقعت بعد ستة أشهرمن التوقيع على الإطارين السابق ذكرهما.
-
وفيما يتعلق بالخطابات، فقد تم تبادل نحو 9 خطابات بين الرؤساء الثلاث (كارتر والسادات وبيجين) بتاريخ 22 سبتمبر 1978، والتي تمحورت حول ثلاث قضايا رئيسية هي (القدس والسيادة العربية عليها – إخلاء كافة المستوطنات – والموقف المصري من التسوية الشاملة). وأشار الدويري إلى أن من أهم جوانب هذه الخطابات هي ماأكدت عليه من تطابق الموقفين المصري والأمريكي، حيث عبر مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن “آرثر غولدبرغ” عام 1967 أن أمريكا تنظر للقدس باعتبارها جزء من الضفة الغربية،وأنها لاتخضع للسيادة الإسرائيلية وتخضع للمفاوضات الدولية، وفيما يتعلق بمستوطنات سيناء فقد أكدت الخطابات تهديد الرئيس الراحل أنور السادات بأن عدم موافقة إسرائيل على إخلاء المستوطنات في شمال سيناء يلغي إطار التسوية، وهو ما أيده الرئيس الأمريكي “جون كارتر” حينما أكد أن عدم تصديق الكنيست والموافقة على ذلك يلغي كل ما تم.
-
أما الجزء الثالث فقد تضمن مذكرة مصرية لتنفيذ إطار السلام الشامل موجهة من رئيس وزراء مصر في حينها د. مصطفى خليل، إلى وزير الخارجية الأمريكي في 13 أكتوبر 1978 حول ضرورة تحسين الأوضاع في الضفة الغربية وغزة، محددًا 23 إجراء من الواجب اتخاذها من جانب إسرائيل للتنفيذ السليم لأحكام إطار السلام في الشرق الأوسط، أهمها(تجميد إقامة المستوطنات وإزالة بعضها، الإفراج عن الأسرى، عودة أعداد من اللاجئين والنازحين، والرقابة الدولية على الانتخابات الفلسطينية).
-
وخلال تناوله لمعاهدة السلام 26 مارس 1979 أكد الدويري أن ديباجة المعاهدة قد ربطت بين تحقيق السلام المصري– الإسرائيلي والسلام الشامل. وتضمنت تسع مواد نصت على:
-
المادة الأولى، إنهاء حالة الحرب بين الطرفين وانسحاب إسرائيل تمامًا من سيناء.
-
المادة الثانية،الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المُعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب دون المساس بوضع قطاع غزة.
-
المادة الثالثة،احترام الطرفين سيادة وسلامة أراضيهما وإقامة علاقات طبيعية.
-
المادة الرابعة، إقامة ترتيبات أمن متفق عليها في كل من أراضي الدولتين.
-
المادة الخامسة، حق مرور السفن الإسرائيلية في قناة السويس وفقًا لأحكام اتفاقية القسطنطينية عام 1888، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق.
-
المادة السادسة، لاتمس المعاهدة حقوق والتزامات الطرفين وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
-
المادة السابعة، تحل الخلافات بشأن تطبيق المعاهدة عن طريق المفاوضات والتوفيق والتحكيم، وهو مالجأت إليه مصر في قضية طابا حيث كان الفشل حليف أول وسيلتين، فيما نجح التحكيم في إعادة الأرض بعد 7 سنوات من المفاوضات.
-
المادة الثامنة، إنشاء لجنة لتسوية المطالبات المالية المتبادلة.
-
المادة التاسعة، كل البروتوكولات والملاحق والخرائط الملحقة جزء لا يتجزأ من المعاهدة.
-
وأشار إلى أن (المادة الرابعة) لاتزال تثير قدرًا من اللغط، وهي الخاصة بتحديد حجم القوات المصرية والإسرائيلية على الجانبين المصري والإسرائيلي وقوات حفظ السلام في مصر وإسرائيل وتقسيم سيناء إلى قطاعات (أ،ب،ج)– (المنطقة (أ) تمتد لـ 50 كم تضم قوات مشاة ميكانيكا، المنطقة (ب) تمتد لـ100كم تضم 4 كتائب حرس حدود، المنطقة (جـ) تمتد لـ 20 كم تضم قوات شرطة مدنية)– مؤكدًا نجاح مصر في إقناع الجانب الإسرائيلي بوضع 700 فرد كحرس حدود بتسليح كامل. إلا أن الوضع الحالي في سيناء يدل على تجاوز القوات والتسليح الموجود ما نصت عليه المعاهدة والملحق الأول المتعلق ببروتوكول الانسحاب الإسرائيلي والترتيبات الأمنية(يتكون الملحق الأول من (9) مواد أهمهم، المادة الأولى، الخاصة بمراحل الانسحاب، والمادة الثانية، الخاصة بحجم وتمركز القوات المصرية في المناطق (أ،ب،ج) داخل الأراضي الإسرائيلية، وتمركز القوات الإسرائيلية في المنطقة (د) داخل الأراضي الإسرائيلية، والمادة السادسة، الخاصة بدور قوات الأمم المتحدة وتمركزاتها في كلتا الدولتين، كما حدد الملحق الثاني خريطة الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل، والتي تم التأكيد في المعاهدة على اعتبارها الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب).
-
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية وسائر العلاقات بين الطرفين فقد تم التأكيد عليها في الملحق الثالث الخاص بالمعاهدة، وأكد عليها المحضر الموقع عليه من الرؤساء الثلاثة–في نفس اليوم–والمتضمن تفسيرًا مشتركًا وتأكيدًا لما ورد في أربع مواد من المعاهدة (الأولى والرابعة والخامسة والسادسة) والملحقين الأول والثالث من المعاهدة (المتضمن لبعض التفصيلات المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية – شاملة مبيعات تجارية عادية من فائض البترول المصري دون إلزام بذلك، حيث يتم تقديم عطاءات إسرائيلية يتم قبولها أو رفضها من الجانب المصري، وعلاقات حسن الجوار وغيرها من العلاقات الطبيعية بين الدولتين).
-
كما أكد على أن الخطابات المتبادلة بين الرؤساء الثلاثة في 26 مارس 1979 تؤكد على مانصت عليه مواد المعاهدة حيث وجه الرئيس الأمريكي “كارتر”خطابينإلى الرئيس الراحل السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بيجين”أكدا خلالهما التزام واشنطن بالتشاور مع الأطراف في حالة حدوث انتهاك للمعاهدة واتخاذ الإجراءات المناسبة، وفي حال فشل مجلس الأمن في تشكيل قوات حفظ السلام المنصوص عليها في المعاهدة نتيجة لاحتمالات بوجود فيتو روسي، فإن واشنطن ستتخذ كل الخطوات اللازمة لتشكيل قوة بديلة، فيما جاء الخطاب الثالث للتأكيد من جانب الرئيس الأمريكي كارتر للدكتور خليل بأن بيجين قد أعلن اعتزامه اتخاذ كافة الإجراءات لتحسين الأوضاع في الضفة وغزة.
-
وأشار اللواء/ الدويري، إلى أنه تم في نفس التاريخ المذكور 26 مارس 1979 التوقيع على اتفاق تكميلي من الرئيس السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بيجين”، تضمن تحديد جدول زمني للتفاوض من أجل إقامة الحكم الذاتي الكامل خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات يتم خلالها التفاوض لتحديد الوضع النهائي على أن تكون الولايات المتحدة شريكًا كاملاً في المفاوضات، ويلاحظ أن هذا الاتفاق متقارب بشكل كبير مع مانص عليه اتفاق أوسلو1993، وعقب توقيع واشنطن وإسرائيل على مذكرة تفاهم مشتركة في ذات التاريخ لاتخاذ تدابير ضد مصر في حالة انتهاك المعاهدة، وهو مايمثل اعتداءً صارخًا على السيادة المصرية، وقد وجه الدكتور مصطفى خليل خطابًا احتجاجيًا شديدًا لوزير الخارجية الأمريكي أكد فيه عدم اعتراف مصر بشرعية هذه المذكرة وأنها تعتبرها باطلة ولاغية ولا يترتب عليها أي أثر بالنسبة لمصر.
المحور الثاني:التحديات التي واجهت المعاهدة وكيف تم التعامل معها.
تحدث في ذلك الدكتور صبحي عسيلة، رئيس تحرير مجلة مختارات إسرائيلية:
-
سلط الضوء حول عدد من التحديات التي واجهت المعاهدة في عدد من المراحل المختلفة بدءًا من عصر الرئيس السادات وحتى يومنا الحالي، فبعد توقيع المعاهدة، ألقت تلك المعاهدة بتداعياتها على العلاقات العربية– الإسرائيلية عامة، إذ نصت معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية في ديباجتها على أن إطار كامب ديفيد إنما قصد منه أن يكون أساسًا للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فحسب بل أيضًا بين إسرائيل وجيرانها من الدول العربية. وهو ما تحقق إلى حد ما لاحقًا، إذ مهدت معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية الطريق لعقد اتفاقات أخرى مع إسرائيل كاتفاق أوسلو عام 1993، واتفاقية “وادي عربة” مع الأردن في عام 1994، وفتح مكاتب للتمثيل الإسرائيلي في عدد من الدول العربية، لاسيما في دول الخليج، ناهيك عن تبني الدول العربية لفكرة السلام كخيار استراتيجي، وهو الأمر الذي أكد على صدق توقعات الرئيس السادات بأن فكرة الحرب لا يمكن ولا يجب أن تمتد إلى الأبد، كما أنه لا يمكن قصر التعامل مع الصراع العربي– الإسرائيلي على فكرة الصراع المسلح، وهناك حاجة لضرورة إنهاء هذا الصراع واتباع سياسة جديدة تجاه إسرائيل، دون أن يعني ذلك إهمالاً للبعد القومي في تلك السياسة، وهو الأمر الذي أكد عليه في خطابه أمام الكنيست.
-
أشار إلى أن الدافع الأساسي لعملية السلام هو رؤية الرئيس السادات المتمحورة حول أهمية السلام في تحقيق التنمية وفي دفع مصر لتكون شريكًا حقيقيًا في القرن الحادي والعشرين، فمنهج السلام الشامل، إضافة إلى كونه يتفق مع منطق العصر، فإنه يستجيب لمتطلبات التنمية التي تسعى إليها مصر وفي نظرته للدور الذي يجب أن تلعبه مصر في محيطها الإقليمي، واعتقاده بأن الحرب كوسيلة لإنهاء هذا النزاع قد استنفدت أغراضها، وأن أيًا من طرفي الصراع لم يعد قادرًا على فرض إرادته على الآخر بالقوة. فضلاً عن اقتناعه بأن الولايات المتحدة الأمريكية، بالتزاماتها وارتباطاتها مع إسرائيل هي القوة الدولية الوحيدة القادرة على التسوية السياسية وتمتلك 99% من أوراق الحل، والقناعة بأن دور مصر ومكانتها بين العرب يجعل منها القائد الطبيعي لهم، وأنه أينما تتجه مصر فإن الآخرين سوف يتبعونها. وربما كان ذلك أحد الأسباب الأساسية لاعتبار الإسرائيليين أن السادات إضافة إلى كونه لاعبًا أو مفاوضًا ماهرًا فإنه يمتلك مفتاح الحرب والسلام في الشرق الأوسط.كما شدد على أن الرئيس السادات ظل متمسكًا طوال المفاوضات بالسيادة المصرية وتكامل مصر الإقليمي، والحقوق الفلسطينية المشروعة.
-
وأوضح د. عسيلة أن أول التحديات التي واجهتها مصر بعد توقيع المعاهدة تمثلت في انتقادات المعارضة المصرية ومن الدول العربية التي رأت في الاتفاقية استسلامًا من جانب مصر وضربة للتضامن العربي في نضاله من أجل القضية الفلسطينية، بما دفع تلك الدول إلى تكوين ما أطلق عليه جبهة الصمود والتحدي، وإلى عقد قمة عربية في نوفمبر 1978 لتعلن رفضها لاتفاقيتي “كامب ديفيد” وتعلن مقاطعة مصر وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية وتنقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، ومع ذلك استكمل السادات المسار وصولاً إلى توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” 1978، ثم معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية في عام 1979، التي سعى خلالها الطرفان لتحقيق أهدافهما حيث دخلت مصر مسار التسوية مع إسرائيل بهدف صياغة روابط سلام محكمة مع إسرائيل ومحاولة إحراز تقدم نحو تسوية شاملة للصراع العربي– الإسرائيلي، بينما هدفت إسرائيل من سلامها مع مصر إلى فصل علاقتها مع مصر عن طبيعة العلاقات المصرية أو الإسرائيلية مع بقية الدول العربية.
وعلى الرغم من الانتقادات الشرسة التي وُجّهت لمصر حينها ،إلا أن الدول العربية بدأت في اتباع أو تبني فكرة السادات بضرورة التسوية السياسية بعد فترة قصيرة للغاية، حيث أعلنت الدول العربية في “قمة فاس” بالمغرب في 1982، أي بعد ثلاث سنوات من معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية، عن تبني صيغة عربية للتسوية السلمية تستند إلى فكرة الاعتماد على البدائل السياسية للتعامل مع الصراع العربي– الإسرائيلي.
-
أكد د. عسيلة أن التصرفات الإسرائيلية العدوانية تجاه الدول العربية مثلّت تحدٍ آخر واجهته مصر، حيث تسببت تلك التصرفات في إحراج الحكومة المصرية وإضعافها في مواجهة تصاعد المعارضة الداخلية والرافضين لمعاهدة السلام، وخلق حالة من الغضب والاحتقان الشعبي ضد سياسة الحكومة تجاه إسرائيل. فقيام إسرائيل بمهاجمة لبنان مستخدمة أكثر من 25000 ألف جندي في عام 1978، فيما عرف بعملية “الليطاني” لطرد مجموعات الفدائيين الفلسطينيين خاصة منظمة التحرير، ثم قرار الكنيست الإسرائيلي في عام 1980 بجعل القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، ثم قيامها في يونيو 1981 بضرب المفاعل النووي العراقي “أوزيراك” بعد أيام من اجتماع بين “مناحيم بيجين” و”السادات” في شرم الشيخ، بما دفع السادات إلى الإعلان عن خشيته من أن يؤدي هذا الحادث تحديدًا إلى إعادة بناء الحاجز النفسي للمصريين تجاه إسرائيل، معتبرًا أنه اختبار جدي لعملية السلام ومدى رغبة الطرفين في الالتزام بها، كما أبدى تخوفه من أن تؤدي التصرفات الإسرائيلية إلى تقوية مواقف خصوم عملية السلام المصرية– الإسرائيلية.
-
وأضاف بأن كل هذا السلوك الإسرائيلي أثار الإحباط في نفوس المصريين وبدأ الجمهور المصري المؤيد للسلام في الاضمحلال المطرد، ونمت المشاعر الصامتة بعدم الرغبة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، علاوة على المماطلات الإسرائيلية مع مصر التي أدت إلى تأخير الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المصرية، وسلسلة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين، بما كان له تأثير كبيرعلى تطور العلاقات بين البلدين، حيث تصور الإسرائيليون أن العلاقات المصرية– الإسرائيلية ستصبح دافئة وسوف تتطور بوتيرة متسارعة، لتطال كافة المستويات على نحو يجعلها في وضع يشبه العلاقات الطبيعية بين أي دولتين في المجتمع الدولي بينهما علاقات طبيعية، لاسيما وأن المعاهدة قد ألزمت مصر بوقف الدعاية المعادية لإسرائيل والعمل على إبراز العلاقة بينها وبين إسرائيل على أنها علاقات ودية وطبيعية باعتبار أن تلك العلاقات هي مقابل الانسحاب من سيناء، وهي الفكرة التي أسس لها “اسحق نافون” رئيس دولة إسرائيل في بداية الثمانينيات، عندما ذكر “أن مقابل تنازلنا عن تلك الثروات المادية في سيناء، يجب أن يكون ترجمة معاهدة السلام إلى علاقات فعلية”، وشدد على أن الشواهد تدل على أن تطور العلاقات الثنائية لم تسر على نحو ما رغبت إسرائيل، حيث حرصت مصر وفي أكثر من مناسبة على الفصل بين معاهدة السلام وما تقتضيه من علاقات رسمية وبين تطبيع العلاقات في مختلف المجالات الأخرى، وعدم الاستجابة للضغوط الإسرائيلية عليها للقيام بنوع من التطبيع القسري الذى يتجاوز ما تفرضه اتفاقات السلام، وذلك على الرغم من توقيعها على 9 اتفاقيات للتطبيع مع إسرائيل قبل انتهاء مدة الستة أشهر التي حددتها الاتفاقية لبدء العلاقات الرسمية.
-
وتابع د. عسيلة مستطردًا في استكمال التحديات في مرحلة الرئيس السابق مبارك، مؤكدًا أنه كان واضحًا منذ البداية بأنه لا يعتزم إجراء تغيير في السياسة الخارجية التي اتبعها الرئيس السادات فيما يتعلق بإسرائيل وعملية التسوية عمومًا، بل إن موقفه من عملية التسوية جاء متطابقًا إلى حد بعيد مع موقف الرئيس السادات. وأوضح أن السياسة الخارجية المصرية في عهده سارت باتجاهين متوازيين هما، الاحترام الكامل لمعاهدة السلام، واستكمال عملية السلام المصرية– الإسرائيلية من ناحية، والعمل الدؤوب طويل النفس لاستعادة علاقات مصر العربية من ناحية أخرى، وتأكيد رفضها للمفهوم الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية وتصرفاتها تجاه دول الطوق، واتضح هذا الموقف جليًا في الموقف المصري المُعلن من الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، فقد أدانت مصر هذا الغزو وقررت–خاصة بعد مذابح “صبرا وشاتيلا”– سحب سفيرها من تل أبيب واشترطت لعودته انسحاب إسرائيل من لبنان، وقد ظلت مصر على موقفها رغم كل الضغوط الأمريكية والتي حاولت أن تربط العلاقة المصرية– الأمريكية بمستوى العلاقات المصرية–الإسرائيلية. وخلال مرحلة المفاوضات التي انطلقت بعد مؤتمر مدريد للسلام 1991 تعاملت مصر مع تلك المفاوضات بما لا يخل بمعاهدة السلام مع إسرائيل، دون أن يدفعها ذلك للابتعاد عن المشاركة في التعامل مع أو احتواء المشاكل التي نجمت عن تعنت الحكومة الإسرائيلية وسياستها التوسعية.
-
وعلى الصعيد المتعلق بالقضية الفلسطينية أكد د. عسيلة أن مصر ربطت باستمرار بين مسار العلاقات الثنائية وتقدم عملية السلام، فكلما سارت مفاوضات التسوية إلى الأمام، تراجع التوتر في العلاقات المصرية– الإسرائيلية، وبالتالي إغلاق الكثير من الملفات الخلافية، مشيرًا أنه كلما تجمدت مفاوضات التسوية العربية– الإسرائيلية، أدى ذلك إلى عودة التوتر مجددًا إلى العلاقات المصرية– الإسرائيلية، وإعادة فتح ملفات الخلافات من جديد. وقد استمرت هذه الحالة حتى عام 2004، عندما بدأت مصر لاعتبارات عديدة، تفصل علاقاتها مع إسرائيل عن السياق العام لمفاوضات التسوية السياسية، وهنا سارت العلاقات المصرية– الإسرائيلية في اتجاه التطور الإيجابي حتى دخلت مرحلة جديدة أطلق عليها “السلام الساخن”، بعدما ظلت لفترة طويلة أسيرة مقولة السلام البارد، الذي وصف في بعض الأحيان بأنه هش للغاية.
-
وخلُص عسيلة إلى أنه على مدار 30 عامًا واجهت العلاقات الثنائية عددًا من العقبات والتحديات أهمها،أولاً، المحاولات الإسرائيلية المتكررة لاختراق الأمن القومي المصري عبر محاولتها توظيف العديد من الجواسيس وشبكات التجسس على مصر. وثانيًا، المحاولات الإسرائيلية للحد من قدرات مصر العسكرية وممارسة ضغوط عليها في هذا الإطار. وثالثًا،السياسة الإسرائيلية تجاه الدول العربية خاصة فلسطين ولبنان وسوريا، إذ كان لفشل اتفاقيتي “كامب ديفيد” في التعامل أو حل القضية الفلسطينية حلاً مرضيًا يطال كل جوانبها نذيرًا بأن السنوات التالية لتوقيع السلام المصري– الإسرائيلي ستشهد كثيرًا من الركود والإحباط في مسار حل تلك القضية بكل تداعياته على العلاقات المصرية– الإسرائيلية، خاصة وأن منظمة التحرير الفلسطينية قد نظرت إلى اتفاقيتي “كامب ديفيد”، ومعاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية بأنها تشكل كارثة لا سبيل لتحييد آثارها السلبية على القضية الفلسطينية. ورابعًا، السعي الإسرائيلي للحد من الدور الإقليمي لمصر والتأثير عليه ومحاولتها الهيمنة على الشرق الأوسط من خلال طرح فكرة مشروع الشرق أوسطية الذي يقوم على محاولة إعادة هيكلة المنطقة، وإقامة نظام إقليمي جديد بها يكون لها فيه موقع الريادة، وخامسًا، الصورة النمطية السلبية التي تكونت لدى الرأي العام المصري عن إسرائيل باعتبارها دولة عنصرية تعتمد على القوة العسكرية والعدوان على الآخرين، فهي مجتمع صمم بحيث يكون في حالة حرب دائمة. وهي الصورة التي ساهمت السياسات الإسرائيلية في تدعيمها عبر الثلاثين عامًا، بل إن تلك السياسات قد فرضت حالة من التوتر الدائم على العلاقة بين الجانبين. وهو الأمر الذي جعل العلاقات المصرية– الإسرائيلية دائمًا أسيرة لسحابة لا تنقشع من الريبة والشكوك بين الجانبين. وسادسًا، يأتي تحدي عدم الاستقرار في المنطقة (المنطقة شهدت حروبًا وتوترات عديدة مثل حرب العراق وإيران، حرب الخليج الأولى والثانية، انتفاضتين فلسطينيتين، وثلاثة حروب إسرائيلية ضد قطاع غزة وحرب لبنان والثورات العربية وما تمخض عنها من انفلات أمني في سيناء). وأخيرًا استمرار الجدل حول المعاهدة بين الإلغاء والتعديل وحول جدواها (خاصة في ظل الحديث عن المعونة الأمريكية والالتزامات الأمريكية بموجب المعاهدة، وتفجير خط الغاز في أعقاب ثورة يناير، والهجوم على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وعدم تحقق وعود الرفاهية الاقتصادية للمصريين جراء السلام).
-
في أعقاب ثورة يناير 2011 عاد التوتر في العلاقات ولجأ البعض إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية على اعتبار أن تقييد حرية مصر وسيادتها داخل سيناء لصالح إسرائيل، إلا أن محكمة القضاء الإداري قد حكمت برفض تلك الدعوى في 30 أكتوبر 2012، معللة ذلك بأن المعاهدة هي عمل من أعمال السيادة التي يختص بها رئيس الجمهورية، وبالتالي فهي تخرج عن نطاق إشراف القضاء. وقد جاء ذلك الاستدعاء والمطالبة بتعديل أو إلغاء المعاهدة على خلفية عدة أحداث مهمة، منها:
-
الحدث الأول، القبض على الجاسوس الإسرائيلي “إيلان جرابيل”. إذ تم القبض على إيلان تشايم جرابيل في 11 يونيو 2011 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، وكان يتواجد بشكل أساسي في ميدان التحرير إبان الثورة المصرية على اعتبار أنه صحفي غربي يقوم بتغطية أحداث الثورة المصرية. ولم تكن قضية جرابيل الأولى التي تكشفها المخابرات المصرية في الشهور الأولى للثورة، بل كانت الرابعة. ومع ذلك، وخوفًا من تأثير ذلك الحدث على العلاقات مع مصر حاولت إسرائيل في البداية إنكار علاقتها بجرابيل بينما أصرت مصر على أنه جاسوس لها، وأنه كان ضابطًا في الجيش الإسرائيلي وأصيب في حرب لبنان 2006، وتم تجنيده لاحقًا من قبل الموساد. ومع الأدلة التي قدمتها المخابرات المصرية وإصرار مصر على عدم الإفراج عن جرابيل بدأت في التعامل بشكل أكثر جدية مع القضية. وخاض الطرفان مفاوضات لعقد صفقة للإفراج عنه، وهو ما تم بالفعل في 27 أكتوبر 2001، حيث تم الإفراج عن جرابيل مقابل الإفراج عن 25 سجينًا مصريًا لدى إسرائيل من أصل حوالي 81 سجينًا مصريًا لدى إسرائيل.
-
الحدث الثاني، وقع في الثامن عشر من أغسطس 2011، حيث قامت إسرائيل بعملية عسكرية استخدمت فيها الطائرات، قالت أنها كانت بهدف تتبع عناصر أو خلية فلسطينية نفذت عملية داخل إيلات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 9 إسرائيليين، أدت إلى مقتل ضابط وثلاثة جنود مصريين من قوات الأمن المركزي المتواجدة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وإصابة سبعة جنود آخرين توفى أحدهم لاحقًا.
-
الحدث الثالث، هو اقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية في التاسع من سبتمبر 2011، وهو اليوم الذى أطلق عليه مليونية تصحيح المسار. إذ تحرك بعض المتظاهرين في ميدان التحرير حاملين “شواكيش” في إطار الدعوة إلى هدم السور الذي تم بناؤه لحماية السفارة. وبالفعل تم تدمير السور تمامًا دونما تدخل من أجهزة الأمن أو الاحتكاك بينها وبين المتظاهرين، وقد أكد أن الانزعاج الإسرائيلي من الثورة المصرية كان ظاهرًا ومعبرًا عنه بوضوح من قبل القيادات والنخبة الإسرائيلية، فقد كان تقديرهم أن مصر الثورة لن تكون مصر مبارك أو السادات، وأن عدم القدرة على التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في مصر هو في حد ذاته خطر على إسرائيل.
-
الحدث الرابع، تفجير خط الغاز، يعتبر اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل الموقع في يونيو 2005 أحد أهم مظاهر التطبيع الاقتصادي بين مصر وإسرائيل، وتعبيرًا عن دفء العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وفي الواقع، فإن المفاوضات بشأن هذا المشروع قد توقفت مرارًا نتيجة للسياسات الإسرائيلية العدوانية خاصة على الفلسطينيين، وتعثر المفاوضات الفلسطينية– الإسرائيلية والتزام مصر بعدم الدخول في أي مشروعات اقتصادية مع إسرائيل إلا بعد تحقيق تقدم ملموس في مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.
وقد أثار توقيع هذا الاتفاق الكثير من ردود الفعل داخل مصر، حيث بدأت ضغوط شعبية على الحكومة المصرية بسبب تصديرها الغاز إلى إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية وتحصل على الغاز المصري بأسعار تقل عن الأسعار العالمية، وقد وصلت تلك الضغوط إلى درجة تشكيل ما عرف بالحملة الشعبية لمنع تصدير الغاز المصري لإسرائيل، التي دعت في منتصف عام 2008 إلى تنظيم محاكمة شعبية للمسئولين عن بيع الغاز لإسرائيل. ولم يقتصر الرفض الشعبي لتصدير الغاز على أنماط الاحتجاج التقليدية، وإنما اتخذ اتجاهًا قضائيًا عبر اللجوء للمحكمة الإدارية العليا منذ عام 2008 لوقف قرار تصدير الغاز لإسرائيل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المحكمة الإدارية العليا قد حكمت في السابع والعشرين من فبراير عام 2010 بتأييد قرار الحكومة بتصدير الغاز إلى إسرائيل، باعتبار ذلك الأمر عملاً من أعمال سيادة الدولة، مع إلزام الحكومة بوضع آلية مراجعة دورية للكميات والأسعار خلال مدة التعاقد بما يحقق الصالح العالم المصري. ومع اندلاع الثورة المصرية وما تمخض عنها من حالة غير مسبوقة من الانفلات الأمني حيث أصبح خط الغاز الذي ينقل الغاز المصري إلى إسرائيل في مرمى التهديد، فتم تفجيره 15 مرة خلال فترة العام ونصف الأولى من اندلاع الثورة أي بمعدل مرة كل شهر تقريبًا. مما أدى في النهاية إلى وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل في 22 إبريل 2012، وفي الواقع فإن هذا القرار كان يتعارض كليًا مع المعادلة التي حكمت تلك العلاقة لما يزيد عن ثلاثين عامًا. ذلك أن القدرة – ومن قبلها الرغبة التي أبداها الطرفان للحفاظ على العلاقة الرسمية بينهما والتعامل أو احتواء كل ما من شأنه أن يضع تلك العلاقة على حافة الهاوية قد ظلت الملمح الأساسي أو الصيغة الأساسية الحاكمة لتلك العلاقة – ومكنتهما من الابتعاد بالعلاقة الرسمية بعيدًا عن المتغيرات الداخلية لدى كل جانب، بيد أن التعامل اللاحق مع تداعيات هذا القرار قد فرضته مرة أخرى الصيغة التي ظلت حاكمة لمسار العلاقة مسبقًا، ومن ثم ابتعدت العلاقة بينهما عن الهاوية دون أن ينف ذلك بطبيعة الحال التداعيات السلبية للقرار على مستوى العلاقات المصرية– الإسرائيلية، إذ جعلها تصل إلى أدنى مستوياتها، ورفع سقف التوقعات السلبية بشأن مستقبل تلك العلاقات.
-
وفي الختام أكد د. عسيلة أنه على الرغم من التحديات التي واجهتها المعاهدة فلا يزال الموقف الشعبي الرافض للتطبيع هو التحدي الأكبر، خاصة وأنها تواجه بحسم واستياء شديدين وأصبحت تهمة التطبيع تلاحق كل من يحاول التعامل مع الإسرائيليين بأي شكل من الأشكال.
مناقشـــات:
1- أكد السفير/ رخا حسن، عضو المجلس، أن فكرة المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في سيناء قبل توقيع المعاهدة كانت حجرًا أساسيًا في المناقشات والمفاوضات قبل التوقيع على المعاهدة، فضلاً عن وجود تأكيد من الجانب الأمريكي نفسه بعدم مشروعيتها، حيث أكد المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكي لجيمي كارتر– الرئيس الأمريكي في حينها– عن أنه لا يجوز للدولة المستعمرة إقامة مستوطنات على الأراضي التي احتلتها، وهو ذات الأمر الذي أكد عليه المستشار القانوني للخارجية الإسرائيلية عام 1968، حينما أكد بأن المستوطنات المدنية مخالفة بشكل صارم للقانون الدولي الإنساني وذلك وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة 1949، أما المستوطنات العسكرية فمن الممكن إقامتها، وعليه فلابد من إعادة النظر في كيفية استفادة فلسطين من تلك المراجع القانونية المهمة.
2- أشارت المستشارة/ تهاني الجبالي، أن قضية التطبيع كانت النقطة الفاصلة في العلاقات المصرية– الإسرائيلية وكان واضحًا أن الهدف الأساسي من المعاهدة هو تحجيم الدور المصري إزاء قضايا المنطقة، وهو الأمر الذي أقره “بن جوريون” في رؤيته للشرق الأوسط وتقسيم الدول الرئيسية في المنطقة سوريا والعراق ومصر، معتبرًا أن هناك خط صهيوني قد دخل للمنطقة العربية، إلا أن إسرائيل ومنذ ذلك الحين تسعى لكسر الرفض الشعبي والضغط على الحكومات المصرية المتعاقبة من خلال فرض المزيد من الحصار عليها، وكل ذلك بهدف الهيمنة الصهيونية على المنطقة، مما يتطلب استراتيجية رسمية وشعبية متكاملة لمواجهة ذلك.
3- أوضح السفير/ سيد أبو زيد، عضو المجلس، فيما يتعلق بالتطبيع أن المادة الثالثة من المعاهدة قد تناولت التطبيع، وعليه فلابد من إعادة النظر في كيفية تفعيلها عمليًا.
4- فيما يتعلق بمدى الحجية القانونية للمعاهدة فقد أكد السفير/ محمد أنيس سالم،عضو المجلس، أن الحاجة تقتضي النظر في الاتفاقية كإطار ديناميكي لتقنين العلاقات المصرية– الإسرائيلية، خاصة وأن المعاهدة لم تكن إطارًا لأي اتفاقات سلام بالمنطقة، وعليه فلابد من طرح تساؤلات عن مدى الحاجة لتعديل بعض البنود وفقًا للمصلحة المصرية في ظل ماتقوم به إسرائيل من عمليات شراء لغواصات نووية في إطار استراتيجية التسليح القائمة حاليًا، وأثر ذلك على عملية السلام المصرية– الإسرائيلية من ناحية، والسلام في المنطقة العربية بأكملها، وعليه فقد أكد الحاجة الملحة لوضع استراتيجية جديدة حاكمة للعلاقات العربية– الإسرائيلية بدلاً من الاكتفاء بالاستمرار في الحلقة المفرغة القائمة على الاكتفاء بإقناع الشعوب بعدم التطبيع معها، واستمرار إسرائيل في انتهاكاتها وتوسعاتها.
المحور الثالث: معضلة تطبيع العلاقات المصرية- الإسرائيلية:
حول هذا المحور تحدث الدكتور جمال يوسف، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، حيث أشار إلى مايلي بصفة خاصة:
-
من المطلوب التفكير في كيفية المحافظة على أمن مصر القومي في ظل الوضع الحالي للتطبيع، خاصة وأن التطبيع لم يعد يقتصر فقط على المستوى الرسمي والمستوى الشعبي أيضاً، فمثلاً خلال قراءة نصوص المعاهدة ومشتملاتها، نجد أن الملحق الثالث قد اشتمل على ثماني مواد تدور حول العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، الاقتصادية والتجارية، الثقافية، حرية التنقل، النقل والمواصلات، التمتع بحقوق الإنسان، وحق المرور البريء في المياه الإقليمية.
-
وأشار د. يوسف إلى أنه فيما يتعلق بالجزء الأهم من المعاهدة وهو التنفيذ، فقد تم تطبيق بعض البنود من الجانبين وآخر لم يطبق سوى من الجانب الإسرائيلي فقط والخاص بالجانب الثقافي، خاصة وأن الشعب الإسرائيلي ينظر بشكل مختلف لمفهوم التطبيع حيث يراه أحد أهم نتائج عملية السلام التي اعترفت بدولتهم من أكبر دولة عربية بعد أن كانوا يشعرون بالعداء من كافة دول الجوار وعلى رأسها مصر، وهو ماتبين من التدفق الهائل لأعداد السياح الإسرائيليين مع بدء تنفيذ الاتفاقية، وكانت حرية الانتقال أحد أهم أسباب هذا التدفق، فضلاً عن انخفاض تكاليف الرحلات السياحية للمواطن الإسرائيلي مقارنة بأسعار السلع والخدمات في إسرائيل،وهو ما دفع شركات السياحة الإسرائيلية للاستفادة من هذه الميزة في الترويج السياحي في معظم دول العالم، وترتيب برامج سياحية للأجانب تبدأ بإسرائيل ثم جنوب سيناء وعودة مرة أخرى إلى إسرائيل مما حقق لهذه الشركات أرباح خيالية في الوقت الذي لم تحصل فيه مصر على نصيبها العادل من دخل السياحة، نظرًا لأن الشركات الإسرائيلية كانت تأتي بكل متطلبات السائحين من إسرائيل، بما في ذلك المواد الغذائية وزجاجات المياه بحجة عدم الثقة في نوعية المياه المصرية، وترتيب رحلات السفاري في الجبال والوديان كما يفضلها معظم المجموعات السياحية، والإقامة في الخيام مع بدو سيناء.
-
ينظر المواطن المصري إلى التطبيع باعتباره نتيجة نهائية لعملية السلام التي ترتكز على مبدأ الأرض مقابل السلام، وبالتالي فإن استحقاق التطبيع لا يأتي إلا بعد انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي العربية المحتلة وعودة الحقوق الفلسطينية بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وبالتالي فقد قامت كثير من الحملات الشعبية التي تدين التطبيع وتنشر أسماء المطبعين باعتبار أنهم خائنين للقضية الفلسطينية. وقد تراجعت هذه الحملات عن ذي قبل لكنها لم تتوقف عن انتقاد المطبعين.
-
وفيما يتعلق بموقف الحكومة الإسرائيلية من التطبيع أشار إلى أنها تعتبره مدخلاً لبدء علاقات مع دول عربية أخرى، فضلاً عن إعادة العلاقات مع الدول الأفريقية الداعمة للقضية الفلسطينية والتي قطعت علاقاتها مع إسرائيل بعد حرب 67، لكنها عندما أدركت حجم الرفض الشعبي المصري للتطبيع فضلت عدم الضغط علي الحكومة المصرية لتنفيذ كامل بنود الاتفاقية الخاصة بالتطبيع، ليس تنازلاً عنها، ولكن لتهيئة الأجواء للوصول إليها بطرق أخرى، فنراها نجحت في إقامة علاقات مع دول عربية وخليجية لتحقيق أهدافها بأن تعيش في وسط دول تقبلها ولا ترفضها وتعزلها وقد تحقق لها ذلك بدرجة كبيرة، حتى أنها نجحت في أن تتبنى بعض الدول الخليجية قبول عضويتها كدولة مراقب في جامعة الدول العربية بعد أن روجت لفكرة رغبتها في التقدم لعضوية الجامعة.
-
اختتم د. يوسف حديثه بأنه يأمل ألا تتسم العلاقات العربية– الإسرائيلية الحالية بالهرولة مستشهدًا ببعض الدلائل المعبرة عن تغير في العديد من المواقف العربية. وجاءت على النحو التالي:
-
العلاقات القطرية – الإسرائيلية ودور الجزيرة في التطبيع المجاني. (وكانت الجزيرة أول قناة عربية تسمح لمسؤولين إسرائيليين بالترويج لأفكارهم).
-
مشروع إنشاء قناة البحرين–الإسرائيلية ، وهو مشروع إسرائيلي– أردني– فلسطيني، ظلت مصر تقاومه حتى وُقّع عام 2005، ويلاحظ أن القناة مخصصة للنقل التجاري والاقتصادي بين البحرالأحمر والبحر الميت، والذي من المتوقع أن يمتد حتى يصل للبحر المتوسط.
-
العلاقات غير المعلنة بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وبخاصة على المستوى الاقتصادي والتجاري.
-
المسار الآخر “Track 2” الذي تنفذه بعض العناصر السعودية غير الرسمية والذي تحول من السرية إلى العلنية في توقيت القمة العربية الأخيرة في نواكشوط، ويلاحظ أن هذا المسار قد ظل في سرية تامة حتى تم الإعلان مؤخرًا عن زيارة الوفد السعودي الغير رسمي لإسرائيل.
-
ما يثار حول إنشاء أكبر ميناء بري للبضائع في الشرق الأوسط وربطه بميناء حيفا الإسرائيلي، عبر العاصمة عمان، وسيكون الميناء جزءًا من شبكة خطوط شحن برية عملاقة ستربط إسرائيل بالمنطقة، وهو مخصص للحاويات الكبيرة والشحن إلى دول الخليج وتركيا حتى العقبة والبحر الأحمر عبر الأردن، وتشرف شركة أمريكية على تملك الأراضي الخاصة بالمشروع، التي تتم بصورة قانونية وعبر السلطات الأردنية، وقد قامت الشركة بسداد ما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار تعويضًا لأصحاب الأراضي التي ستقام عليها مرافق الميناء البري العملاق والطرق الدولية التي ستربطه بميناء حيفا الإسرائيلي، ويأتي المشروع بعد أيام من إعلان وزارة المواصلات الإسرائيلية أنها دشنت مشروع سكة حديد يربط مدينة “حيفا” بمنطقة “بيسان” على الحدود مع الأردن، وسيربط خط القطار ميناء حيفا بجسر “الشيخ الحسين” الواقع في منطقة الأغوار الشمالية، وسيواصل طريقه إلى الأردن، مرورًا بمدينة “إربد” تحديدًا، وبعدها للعاصمة عمان، ويسمى هذا الخط “سكة حديد الحجاز”.
-
يعد التعاون والمشاريع الأردنية – الصهيونية مكسبًا حقيقيًا لإسرائيل؛ ستُمكّنها من الانفتاح بشكل أكبر على منطقة الشرق الأوسط، وتسويق منتجاتها في الأسواق التركية والخليجية أيضًا، خاصة بعد التطبيع الخليجي – الصهيوني الذي أصبح علنيًا خلال الفترة الماضية، وعودة العلاقات التركية – الإسرائيلية بعد اتفاق المصالحة الذي تم بينهما قبل أشهر، كما أنه سيؤثر سلبًا على قناة السويس، وهو ما ترجوه العديد من دول العالم الطامحة إلى تعميق الأزمة الاقتصادية المصرية، ناهيك عن إعلان سلطات الاحتلال في 28 سبتمبر أنهاتدرس احتمال تشغيل المزيد من العمال الأردنيين في فنادق البحر الميت، بعد أن سُمح لـ1500 منهم بالعمل في مدينة إيلات الساحلية، ويأتي بدء التحضير للميناء الأردني بعد أقل من شهر على الإعلان عن اتفاقية شراء الأردن للغاز الإسرائيلي من حقل “لفيتان البحري”، التي تنص على شراء 45 مليار متر مكعب من الغاز طيلة 15 عامًا بقيمة 10 مليارات دولار، لتُثير حملة احتجاجات شعبية كبيرة عمت أرجاء المملكة عقب توقيع الاتفاق، حيث اتهمت الحملة الشعبية الأردنية الحكومة بالتطبيع مع الإسرائيليين.
وختامًا أشار إلى أن هذا التطور السريع في ملف التطبيع بين العرب وإسرائيل يضع مصر في موقف حرج، ويطرح تساؤلات مهمة حول سبل مواجهة تلك المشروعات العملاقة المهددة للاقتصاد القومي للبلاد، وبخاصة على قناة السويس، وذلك بإنشاء مشروعات منافسة تقطع الطريق أمام هذه المحاولات الإسرائيلية، خاصة وأن مصر لن تتمكن من تحجيم الدول العربية عن إقامة علاقات مع إسرائيل في ظل توجه المنطقة بأكملها لتعزيز هذا التعاون، والذي امتد للقارة السمراء رغم ما تعانيه من إرهاب، وبروز للدول الفاشلة إلا أنها تسعى لإقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل.
مناقشـــات:
1- أكد السفير حسين الكامل،عضو المجلس، أن مصر بحاجة لإعادة النظر في كافة جوانب العلاقات الثنائية التي تربطها بإسرائيل وبخاصة العلاقات الاقتصادية والتجارية وعلى رأسها اتفاقية الكويز.
2- أشارت د. أميرة الشنواني، عضو المجلس، أن الدول التي حاربت بعضها في الحرب العالمية الثانية قد تمكنت من إقامة علاقات طبيعية قائمة على السلام خاصة وأنه لم يعد لها أطماع، أما العرب وإسرائيل فلم يصلوا لتلك المرحلة نظراً لاستمرار الأطماع الإسرائيلية ورغبتها في إقامة دولة إسرائيل الكبرى.
3- أكد د. حسن الحيوان،عضو المجلس، ضرورة الفصل بين مفهومي اليهودية والصهيونية والاستفادة من النموذج التركي العلماني. فعلى الرغم من أن القيادة تنتمي لحزب ذو توجه إسلامي إلا أنها تقيم تطبيعاً كاملاً مع إسرائيل، وعليه فلم التخوف من فكرة التطبيع خاصة وأن استمرار تلك الحالة تعني الافتقاد للثقة في الشعب المصري، وبدلاً من ذلك فعلى مصر العمل على دفع عجلة التقدم الاقتصادي والتجاري حتى تتمكن من المواجهة.
4- عقَب السفير رخا حسن، على ماذكره د. حسن الحيوان حول العلاقات التركية الإسرائيلية بأنها أمر طبيعي خاصة وأنها عضو في حلف الناتو المدافع عن مصالح إسرائيل بشكل أساسي.
5- أكدت المستشارة تهاني الجبالي، أن استراتيجية إسرائيل قائمة على الاصطفاف الديني والعرقي وتحويل إسرائيل لدولة لليهود، وهذا يٌحّتم على مصر السير في مشروعها الاستراتيجي الهادف إلى تعزيز العمل العربي المشترك والوقوف أمام الهيمنة الصهيونية الهادفة لحصار الدول العربية في أشد مراحل ضعفها.
المحور الرابع: الموقف الراهن في العلاقات الثنائية بين الدولتين:
حول هذا المحور تحدثت د. هبة جمال الدين، الأستاذ بمعهد التخطيط القومي، متناولة مايلي:
-
توجد ثلاثة أنماط من العلاقات الدولية وفقًا للسياسة الخارجية هي (التعاون والتنافس والصراع)، والإطار التوصيفي للعلاقات المصرية– الإسرائيلية هو إطار من التعاون الظاهري إلا أنه في العمق هو تنافس لايصل لدرجة الصراع، وأكدت أن هناك العديد من صور التعاون بين الجانبين كتسليم السفير المصري لدى إسرائيل “حازم خيرت” قطعتين أثريتين من الفترة الفرعونية وصلتا إلى إسرائيل بصورة غير مشروعة في مايو من العام الجاري 2016، وأضافت تم تبادل بعض العملاء الجواسيس لصالح إسرائيل ببعض الشباب المصري المحتجز لديها، فضلاً عن اتفاقية “الكويز” الممثلة لأبرز صور التعاون الاقتصادي بين كل من الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، والتي اقتصرت في وقت ما على صناعة المنسوجات إلا أن كل من الولايات المتحدة ومصر، تدرسان توسيع نطاق اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة لتضم صناعات جديدة بخلاف الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة، ويبلغ عدد الشركات العاملة ضمن اتفاقية الكويز نحو 717 شركة وفقًا لإحصائيات عام 2008.
-
مشيرة إلى أن من صور التقارب بين الجانبين مؤخرًا، توجيه الرئيس السيسي لخطاب سلام شامل في المنطقة مباشر إلى الإسرائيليين والقبول الشعبي الإسرائيلي لدعوة السلام التي أطلقها الرئيس السيسي، على الرغم من رفضهم للمبادرة العربية 2002، والفرنسية يونيو 2016، والمتضمنتان لنفس النصوص والمبادئ.
-
فيما يمثل تدريس اللغة العبرية إحدى الخطوات على طريق التطبيع الثقافي مشددة على ضرورة عدم الاكتفاء فقط بذلك، والبدء في تدريس النظام السياسي الإسرائيلي والشأن الإسرائيلي الداخلي في الجامعات المصرية بهدف التعرف عن قرب على الوضع الداخلي للبلاد.
-
وفيما يتعلق بمظاهر التنافس بين الجانبين، فتحدده مظاهر النفعية حينًا، والتهديد والمواقف السياسية من أي تغير سياسي في مصر واختلاف الرؤى فيما يتعلق بعدد من قضايا المنطقة، فضلاً عن العمل على تحجيم الدور المصري عن التدخل في قضايا المنطقة، مشيرة إلى أن هذه المواقف قد دلت عليها مجموعة من الشواهد، جاءت على النحو التالي:
-
على الرغم من التخوف الإسرائيلي من توجهات الإخوان عقب توليهم الحكم، إلا أن هذا الموقف سرعان ماتغير عقب إظهار أجندتهم وتماشي سياستهم مع المصالح الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بعدة ملفات على رأسها الأزمة في سوريا، حيث تم طرد السفير السوري في مصر، والإبقاء على السفير الإسرائيلي، وهو الأمر الذي اعتبرته إسرائيل خطوة شديدة الإيجابية – وعلقت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن مصر بقيادة الإخوان أثبتت أنها فاعلة في مقاومة التدخلات الإيرانية، مؤكدة أن هذا القرار يعد إعلان حرب شعواء على حزب الله والنظام السوري، واعتبرت القرار تطور دراماتيكي استجابة لرغبة الإدارة الأمريكية في دعم المعارضة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد، وأكدت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن هذا الموقف ضد سوريا يعد أحد صور مقاومة التدخلات الإيرانية، وشددت أن إسرائيل ترغب في استمرار الإرهاب بسيناء، خاصة وأن ذلك سيؤدي لإنهاك الجيش المصري وسيدخل مصر في صراع مع حركة حماس نتيجة غلق الأنفاق.
كما حرصت د.هبة على تناول عدد من المواقف الإسرائيلية إزاء عدد من القضايا:
-
معاهدة السلام (تحرص إسرائيل بشدة على التزام مصر باتفاقية السلام، لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي من حيث نوعية التسلح، وعدم خوض حرب إقليمية مع مصر، مشيرة إلى أنها مارست العديد من الضغوط على الساسة الأمريكيين لمنع أية محاولة لقطع المساعدات من أجل الحفاظ على اتفاقية السلام. وعند الحديث عن قطع المعونة الأمريكية بعد ثورة 30 يونيه ثارت العديد من الجهات العسكرية بإسرائيل التي تنادي بخطورة هذا الفعل وتأثيره السلبي على مستقبل العلاقات المصرية– الإسرائيلية، وأخذت تضغط على عدد من القيادات بالإدارة الأمريكية للعدول عن موقفها حتى لا تتحرر مصر من التزامها بالمعاهدة، وتحافظ بذلك إسرائيل على تفوقها النوعي في مجال التسليح).
-
الوضع في سيناء (منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وتصف إسرائيل منطقة سيناء بأنها غير محكومة، وتمثل معبرًا للحركات الإرهابية وساحة لتلك الحركات لقتال إسرائيل، ومنهم من وصف سيناء بأفغانستان جديدة تأوي جماعات إرهابية جهادية تمثل تهديدًا على أمن إسرائيل ككل، كما شغلت شبه جزيرة سيناء حيزًا من مخططات مراكز الفكر الإسرائيلية، وجاء التفكير بها لتصبح جزء من دولة فلسطينية تقام على أراضي سيناء والضفة الشرقية بالأردن وغزة، وهو ماعبّر عنه في مؤتمر “هرتيسيليا”، بمعنى آخر لتتنازل عنها السلطة المصرية لصالح الفلسطينيين لإجهاض القضية الفلسطينية،ومن ثم تحقيق المطامع الإسرائيلية لتستولي على القدس والضفة الغربية من خلال الاعتماد على الحلول الإقليمية المتعددة، والمقايضة على الأراضي كثيفة السكان وتفضيلها للمفاوضات الثنائية بدلاً من المؤتمرات الدولية والمفاوضات متعددة الأطراف).
-
جزيرتي تيران وصنافير اتسم الموقف الإسرائيلي بالترحيب في ظل الالتزام بالمصالح الإسرائيلية، خاصة وأنها خطوة للتقارب مع السعودية، حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، إلا أن الموقف الرسمي تم إرجاءه لحين يتم دراسة كافة الأوراق والمستندات الخاصة بالوضع الجديد من قبل لجنة مشتركة من عدد من الوزارات الإسرائيلية المعنية، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق”موشيه يعلون” أن ملحق اتفاقية السلام مع مصر يجب أن يتم إعادة فتحه ليتم تضمين السعودية، مقابل عودة السيادة السعودية على الجزيرتين، وستدفع السعودية مبلغ 16 مليار دولار لمصر كمعونة، كما ظهرت بعض المطالبات بضرورة حصول إسرائيل على جزء من هذه المنحة السعودية لمصر باعتبارها ذات شأن بالقضية منذ بداية نشأة إسرائيل رسميًا عام 1948.
-
فيما يتعلق بقناة البحرين، فهو مشروع مُوّل من البنك الدولي حيث تم البدء في إنشائه منذ عام 2013، وخصص له نحو 900 مليون دولار لربط البحر الأحمر بالبحر الميت، ويتضمن قناة من شاطئ العقبة باتجاه الشمال، تصل بعد ذلك إلى محطة رفع تضخ المياه بواسطة الأنابيب إلى ارتفاع 126 مترًا فوق سطح البحر، وأكدت أن المشروع يُمّثل تهديدًا للأمن القومي المصري، حيث سيؤدي إلى جذب مزيد من المهاجرين والسكان في منطقة النقب، وسيزيد من قدرات إسرائيل الجيوسياسية، وعلى الرغم من تكرار المسئولين الأردنيين والإسرائيليين القول بأن المشروع مجرد أنبوب وأنه ليس مخصصًا للنقل البحري والجوي، إلا أن ارتباط المشروع بمشروعات أخرى غير معلن عنها، تمثل تهديدًا حقيقيًّا لقناة السويس كطريق دولي مهم لحركة التجارة والنفط العالمي، ولمشروعات الموانئ الكبرى على البحرين المتوسط والأحمر، مثل ميناء العين السخنة وغرب التفريعة، ومطارات سيناء وغرب القناة، كما أن المشروعات السياحية التي سوف تقام حول نقاط بدء وانتهاء فرعي القناة، والتي سوف تتوازى مع إنشاء مناطق حرة أردنية وإسرائيلية، من شأنها تهديد الاقتصاد المصري أيضًا، هذا فضلاً عن التهديدات البيئية، حيث سيتدفق حوالي 2 مليارم3 سنويًّا من مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت وهو ما يُهدّد الملاحة في البحر الميت.
-
وفيما يتعلق بالدور الإسرائيلي في أفريقيا، أشارت إلى أنه يمثل تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي المصري، وخاصة فيما يتعلق بعلاقة مصر مع دول حوض النيل حيث تقوم بتنفيذ عدد من السدود في إثيوبيا كان قد تمَّت دراستها بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي وبمعونة فنية “إسرائيلية”، وهـي:
-
مشروع سد “فنشا” الذي أقيم على أحد روافد النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه لحجز نصف مليار متر مكعب سنويًّا.
-
مشروع “خور الفاشن” الذي يقع أقصى شرق إثيوبيا ويؤثر في المياه التي تصل إلى مصر بمقدار 4.5 مليارات متر مكعب.
-
مشروع “سنيت” على أحد روافد نهر عطبرة.
-
مشروع “الليبرو” على نهر السوباط، مشيرة إلى أن هذا كله بدوره سيعمل على تعزيز العلاقات التعاونية مع دول الحوض، وخاصة مع تزايد أعداد منظمات المجتمع المدني التي تلعب دورًا مهمًا في جذب عناصر أفريقية يتم تدريبها في عدد من المعسكرات الإسرائيلية.
-
وبالنسبة للموقف الإسرائيلي من مياه النيل تسعى إسرائيل إلى الحصول على 8 مليارات مكعب من المياه سنويًا من خلال إقامة مشروع نقل المياه الهادف إلى توسيع ترعة الإسماعيلية حتى يزيد معدل تدفق المياه داخلها إلى 30 متر مكعب في الثانية، ونقل هذه المياه عن طريق سحارة تمر أسفل قناة السويس، ثم تصب المياه على الجانب الآخر من القناة في ترعة مبطنة بالإسمنت لمنع تسرب المياه، وتصل هذه الترعة إلى ساحـل الأراضي المحتلة وتل أبيب، ثم في خط آخر يتجه جنوبًا نحو بئر السبع لغرب صحراء النقـب.
-
وحول الدور الإعلامي، أكدت د.هبة أن إسرائيل تخصص مبالغ لشن حرب إعلامية على مصر حيث خصص الجيش الإسرائيلي عام 2011 ميزانية قدرها 6 ملايين شيكل لإقامة فرع جديد يدعى “الإعلام الجديد” (New Media)يتخصص في الإعلام الإلكتروني، حيث تم تحويل ميزانية من وزارة الدفاع بهدف تجنيد 120 قرصانًا إلكترونيًا أُطلق عليهم اسم “مقاتلو الإعلام الجديد”. وللتدليل على أهمية الفرع الجديد، تطرق الناطق بلسان الجيش إلى دور الإنترنت في الأحداث التي شهدتها تونس ومصربدايات عام 2011.
وفيما يتعلق بالنظرة الإسرائيلية المستقبلية للتعامل مع مصر، فترى إسرائيل أنه يتم من خلال البدائل التالية:
-
الاستعداد لاستخدام القوة إذا تطلب الوضع: استخدام القوة عند الحاجة إليها وذلك من خلال عدة صور كتطبيق مفهوم “الضربة الاستباقية”، وتقوية جيش الدفاع (IDF).
-
استمرار التفوق العسكري القائم بالأساس على التفاوت في التسليح.
-
زيادة القوة العسكرية لإسرائيل على الصعيد الدفاعي: التعامل مع الحدود المصرية كحدود معادية، مما يُرّتب إحداث تغير في انتشار القوات في المجال السيادي لإسرائيل.
-
البحث عن مصدر بديل للغاز المصري.
-
تطبيق مفهوم الحرب السرية: التصعيد الخفي الذي يترك هامش لإنكار الطرفين ويسمح للطرف الثاني بعدم الرد دون الظهور بمظهر الضعيف.
-
على إسرائيل أن توازن في شكل العلاقة بين أمريكا وروسيا، خاصة في ظل التقارب المصري- الروسي.
-
إسرائيل عليها أن تظل الدولة الأقوى: وذلك عبر دعم الفرقة والصراع والعمل على استمرار الأوضاع ملتهبة لاستمرار العزلة الفلسطينية وتهميشها من الأجندة العربية، ( وكذا التقارب التركي – الإسرائيلي والمطالبة بتقسيم سوريا).
واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية الاستمرار في إدراك أن إسرائيل ستظل العدو الكامن لمصر ودول المنطقة، وأن التعامل مع إسرائيل لابد أن يكون من خلال استراتيجية تعتمد على سياسة الردع والحرب النفسية، وأهمية العمل على رفع الوعي الشعبي بالدور الإسرائيلي عن طريق تعميم دراسة الشؤون الإسرائيلية، وعدم الاكتفاء بدراسة اللغة العبرية، فضلاً عن العمل على حماية الأمن الحدودي مع إسرائيل عن طريق البدء في تنفيذ استراتيجية متكاملة لتعمير سيناء وتوطين المصريين بها، هذا فضلاً عن زيادة التعاون ووضع أجندة تنموية لدول حوض النيل لمواجهة الأطماع الإسرائيلية هناك.
مناقشــات:
1- أكد السفير/ رضا شحاتة، عضو المجلس، أن مصر بحاجة لإدارة ناجحة للعلاقات مع إسرائيل والتعامل مع المعطيات الراهنة على الساحة الإقليمية، مؤكدًاأن تلك الإدارة لابد أن تضع في حسبانها الخلفية التاريخية للعلاقات مع إسرائيل، وسيطرة الفكر الصهيوني على أركان الدولة الإسرائيلية الذي طرحه “يلتسن” في أواخر القرن 19، وتبنته الحكومات الإسرائيلية بمختلف توجهاتها، والعمل على وضع خط فاصل أمام الرأي العام بين العواطف وما يحكم تلك العلاقات من مصالح، إلى جانب العمل على إعادة النظر في العلاقات مع دول المشرق العربي، والتي تمثل حجرًا أساسيًا في الوقوف أمام التمدد الصهيوني في المنطقة.
2- تساءل الدكتور/ سيد بهي الدين،عضو المجلس، حول حقيقة وجود رؤية مصرية شاملة للاستفادة من العلاقات المصرية– الإسرائيلية، وكيفية بلورة رؤية استراتيجية شاملة على المديين المتوسط والطويل في ظل الهيمنة الصهيونية، وبخاصة الاقتصادية من خلال إقامة عدد من القنوات البحرية؟.
3- شدد السفير/محمد بدر الدين زايد،عضو المجلس،على أن بعضًا مما قيل يحتاج للمراجعة خاصة فيما يتعلق بمشروع قناة البحرين، فالواقع أن المشروع قد طرحه وفد من البنك الدولي على مصر، والمشروع ليس مخصصاً للنقل البحري أو التجاري، بل هو مشروع أنبوب لنقل المياه بهدف تخفيض نسبة ملوحة البحر الميت وله آثار بيئية، مشيرًا إلى أن إسرائيل استغلت غياب التنسيق العربي وعدم وجود اتفاق واضح بين الخبراء في الدول المعنيةعلى تقسيم المياه والثروات في المنطقة في إقامة العديد من المشروعات.
كما أكد أن الخلاف المصري – الإسرائيلي هو شبيه بالخلاف مع كلاً من تركيا وإيران ولكنه لايعني الحرب التي لاتحقق شيئًا، بل أكد على ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لكيفية التعامل مع إسرائيل وكيفية التطبيع، وماذا ستقدم مصر مقابل السلام، خاصة أن مصر قد فاوضت على استعادة الأرض وليس للسلام، أما الآن فالمفاوضات على السلام، وعليه ولتجنب الأخطاء السابقة، فمن الواجب البحث عن أدوات جديدة لتحقيق نموذج تفاوضي ناجح ومتكامل قائم على التطبيع وإقامة علاقات اقتصادية ناجحة.
4- من جانبه، أكد السفير/ رخا حسن،أن نداء الرئيس السيسي الأخير لاستئناف عملية السلام مبني في الواقع على المبادرة العربية وكافة مرجعيات السلام، وعليه فلابد من الحذر من رد الفعل الإسرائيلي الذي أكد قبوله وترحيبه بالمبادرة وذلك كله بهدف الارتقاء بمستوى العلاقات مع مصر دون المساس بأهدافها. وشدد على ضرورة وضع استراتيجية للتعامل مع الوضع في غزة خاصة بعد غلق الأنفاق والتي أُنشئت في الأساس بهدف فك الحصار الاقتصادي الخانق على القطاع.
5- شدد السفير/ عادل العدوي،عضو المجلس، على ضرورة تغيير المنطق العربي في التعامل مع إسرائيل والتي لا يتكبد خسائرها سوى العرب، مشيرًاإلى أن هذا يحتم على العرب وضع استراتيجية تعاون متكاملة وتسويق للمبادرة العربية للسلام بسبل وآليات جديدة.
6- وفي ذات الشأن، أثنى السفير/أنيس سالم،على ماذكره السفير بدر الدين زايد من ضرورة وضع إطار استراتيجي للتعامل مع إسرائيل وعقد حلقة نقاشية لطرحه، مؤكدًا على وجود فجوة معلوماتية حول إسرائيل تحتاج لإعادة النظر في مستوى الدراسات المصرية حول الشأن الإسرائيلي، محذرًا من استقاء المعلومات من مواقف غير رسمية تطلق على مواقع التوصل الاجتماعي.
المحور الخامس: مستقبل العلاقات بين الدولتين:
حول هذا المحور تحدث االسفير/ إيهاب وهبة، عضو المجلس، واستهل حديثه بالتأكيد على أنه لايمكن الحديث عن العلاقات المصرية– الإسرائيلية دون الأخذ في الاعتبار الصورة الكاملة للمنطقة، موضحًا أن الأمة العربية تمر بأزمة طاحنة أثرّت فيها عوامل إقليمية ودولية، هذا فضلاً عن العوامل الداخلية. مشيرًا إلى أن تلك العوامل أدت للانشغال العربي عن القضية الفلسطينية وسط استمرار تصاعد الأزمات، بالإضافة للانقسامات في الداخل الفلسطيني وعدم وجود توافق حول الرؤى المطروحة لإتمام المصالحة الفلسطينية، هذا الأمر يلقي على عاتق الفرقاء الفلسطينيين مهمة توحيد رؤاهم وجهودهم وإنهاء الانقسام والاستفادة مما تحقق من الاجتماعات المتكررة لإنهائه، ومنها ماتم مؤخرًا في الدوحة في 29 أكتوبر 2016، والحديث عن فتح صفحة جديدة وإجراء انتخابات. وفي هذا الصدد أشار إلى عدة أمور جاءت على النحو التالي:
-
إن الهدف الأول والأخير لإسرائيل هو التوسع في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية حتى تتحول لواقع مفروض ويتم الاعتراف بها، وهو ما وُجد ضمنيًا في التقرير الأخير الصادر عن الرباعية الدولية في أول يوليو الماضي، والذي ساوى ضمنًا بين القاتل والضحية وخصص جزءًا كبيرًا للتحدث عن التحريض الفلسطيني ووصف المقاومة بأنها لم تتعد عن كونها عمليات إرهابية تستهدف المدنيين الإسرائيليين.
-
أشار إلى التطورات الأخيرة في العلاقات العربية – الإسرائيلية وما تم من فتح صفحة جديدة مع الدول العربية بهدف تحقيق التطبيع قبل حل القضية الفلسطينية، أي قلب الأوضاع، كما طالبت إسرائيل الولايات المتحدة بزيادة المساعدات العسكرية لها خاصة مع التوجه الأمريكي الجديد للشرق الأقصى والابتعاد عن المنطقة وسط التمدد الروسي غير المسبوق، وبالفعل فقد صادق الكونجرس مؤخرًا على تخصيص نحو 38 مليار دولار على مدار عشر سنوات زيادة في المساعدات العسكرية لإسرائيل.
-
شدد على أن الوضع الحالي يتطلب الالتفاف العربي حول المبادرة العربية 2002، والتي تعد من أهم المبادرات التي تلبي طموحات الجانبين، فقد تضمنت بنودها التطبيع والاعتراف بدولة إسرائيل مقابل عودة إسرائيل لحدود 1967،مشيرًا إلى التطور الأخير الحاصل باعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” بالمبادرة العربية ولكن مع الإصرار على ضرورة تعديل بنودها قبل الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
مضيفًا بأنه على الرغم من هذا التعنت فلا يمكن القول بأنه لاتوجد مجالات لإحياء عملية السلام أو إحراز تقدم، خاصة في ظل مايدور داخل أروقة البيت الأبيض من تفكير عدد من المسؤولين الأمريكيين في تقدم الولايات المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يتضمن الخطوط العامة للتسوية قبل انتهاء فترة رئاسة أوباما، هذا فضلاً عن المبادرة الفرنسية الأخيرة لإحياء عملية السلام والاجتماع الذي تم في 3 يونيو الماضي، بمشاركة مايزيد على 20 دولة تمهيدًا لعقد مؤتمر دولي موسع للسلام نهاية هذا العام، على الرغم من الرفض الإسرائيلي للمبادرة، خاصة وأنها تنص على ضرورة قيام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بتقديم ضمانات تشجع على الانخراط في عملية السلام، وبالإضافة لذلك فقد وجدت دعوة روسية لعقد اجتماع ثنائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ولكن لم يحدد له موعد حتى الآن.
-
وفي ذات السياق أكد سيادته أنه على الرغم مما تقدم فلاتزال إسرائيل تتمسك بموقفها الرافض لأي مبادرات دولية، وهوالأمر الذي يُلقي على عاتق الدول العربية حشد المجتمع الدولي في المحافل الدولية، وبخاصة في الأمم المتحدة للضغط على إسرائيل للقبول بالمبادرة وإنهاء النزاع، والعمل على الاستفادة من حركات المقاطعة الأوروبية والمعروفة اختصارًا بـ(BDS)، والهادفة لفرض عقوبات على إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض قيود على الحركة الأكاديمية خاصة وأن العديد من المنظمات الحقوقية الأوروبية تشترك بها، فضلاً عن اعتراف نحو 138 دولة بدولة فلسطين وكان آخرها الفاتيكان، بالإضافة للتطورات الإيجابية الأخيرة بعد تصويت 24 دولة في منظمة اليونسكوعلى مشروع قرار عربي يؤكد أن المسجد الأقصى وكامل الحرم الشريف موقع إسلامي مقدس ومخصص لعبادة المسلمين.
-
فيما يخص العلاقات المصرية – الإسرائيلية، شدد على أنها تتأثر بشدة بتصرفات إسرائيل بدءًا من التوسع المستمر في بناء المستوطنات والممارسات العدائية ضد الشعب الفلسطيني والتي تشمل كافة نواحي الحياة بدءًا من هدم المنازل وتشريد مئات الآلاف والتعنت المستمر السابق ذكره تجاه أي مبادرات وعلى رأسها المبادرة العربية، والتي من شأنها أن تعمل على حلحلة عملية السلام،كما نوّه في إطار ذلك لنداء الرئيس السيسي الأخير والذي جاء مباشرًا للشعب الإسرائيلي من أجل خلق مستقبل واعدًا للجميع في المنطقة، مطالبًا كافة العقلاء بالإسراع في دفع عملية السلام، وهو النداء الذي تكرر أيضًا من على منبر الأمم المتحدة، موضحًا أن هذه التصرفات تقف حائلاً أمام الرأي العام المصري سواء من المثقفين أو منظمات المجتمع المدني فضلاً عن عامة الشعب.
-
شدد أيضًا على ضرورة التركيز على التطور المهم في تلك العلاقات، وهو ذلك المتعلق بالتواجد العسكري المصري الكثيف في سيناء والمخالف بطبيعة الحال لما نص عليه الملحق الخاص بالمعاهدة، مما يتطلب ضرورة العمل على الاستفادة مما جاء في المادة الرابعة من المعاهدة بإمكانية إعادة النظر في ترتيبات الأمن في سيناء بناءً على طلب مصر أو إسرائيل وتعديل هذه الترتيبات بموافقة الطرفين، خاصة وأن إسرائيل تعلم تمامًا بأن عدم التصدي لتلك العناصر يمثل تهديدًا لأمن إسرائيل القومي، وهو الأمر الذي دفعها لإقامة جدار فاصل على طول حدودها.
-
وفيما يتعلق بالعلاقات التجارية والاقتصادية أكد على أنها متواضعة للغاية، مشيرًا إلى أن صادرات إسرائيل لمصر عام 2015 لم تزد عن 113 مليون دولار،بينما لم تتعد الصادرات المصرية 54 مليون دولار، فضلاً عن وقف مصر تصديرها للغاز الطبيعي والحكم الصادرمن التحكيم الدولي التجاري، بإلزام الهيئة العامة للبترول، بدفع تعويضات مقدارها مليار و76 مليون دولار لشركة الكهرباء الإسرائيلية. وفيما يتعلق باتفاقية الكويز فهناك دراسات حالية من أجل العمل على توسيع الاتفاقية لتشمل سلعًا أخرى كالبلاستيك والمواد الغذائية بدلاً من قصرها على المنسوجات.
-
وفي الختام أكد على أن إسرائيل تسعى لإقامة علاقات متنوعة مع الدول العربية وإقامة قنوات اتصال وتبادل للزيارات، اعتقاداً منها بإمكانية إقامة علاقات طبيعية دون إحداث أي تقدم لعملية السلام وهذا وهم كبير، مشددًا على ضرورة اتخاذ خطوات فعلية لإنهاء النزاع وإتمام عملية السلام وقبول المبادرة العربية حتى تصل إسرائيل لتطبيع كامل مع الدول العربية، متسائلاً حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس الأمريكي القادم لإقامة سلام دائم، أم ستستمر الولايات المتحدة في السياسة الحالية وفي تقديم دعمها الغير مشروط.
مناقشـــات:
1- أكد د. يسري أبو شادي، عضو المجلس، أنه بعد توقيع مصر على معاهدة حظر الانتشار النووي بين عامي 1978–1979 كانت إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً ولم توقع أو تصدق على المعاهدة، وعليه فمصر كان أمامها خيار عدم التصديق وتعزيز التعاون النووي مع إسرائيل، وهذا الأمر لم يفت أوانه بل من الممكن مراجعة المعاهدة وإضافة ملحق خاص بالتعاون النووي، وأشار إلى أن فلسطين قد وقعت مؤخرًا على المعاهدة، وعليه وجدت مشكلة في تسميتها مما أجبر الوكالة على سحب تقريرها الصادر مؤخرًا حول الدول الموقعة على الاتفاق، نظرًا لإدراج فلسطين واعتبارها من ضمن الدول المنضمة للمعاهدة، بل وصل الأمر لتهرب الوكالة من التفاوض حول توقيع الاتفاق التنفيذي للتفتيش لأن التوقيع عليه يعني الاعتراف الرسمي بأن فلسطين دولة إلا أن الوكالة تجاوزت ذلك وأدخلتها في إطار الملحق الخاص بالدول العربية.
2- بينما جاء تعقيب السفير/ محمد حجازي، عضو المجلس، ليوضح بأن قناة البحرين (الأحمر والميت) عبارة عن مشروع تنموي بيئي لتوليد الكهرباء وهو لا يدخل ضمن ممرات النقل التجاري العالمية وعليه فالقناة لا تنافس قناة السويس وإنما ستساعد اقتصاد الدول الثلاث (الأردن وفلسطين وإسرائيل)، أما مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط فهو مشروع “هارتز” القديم والمنافس الحقيقي لقناة السويس إلا أنه بعد عمليات التنمية والتطوير للمجرى المائي تم صرف النظر عن هذا المشروع، كما شدد السفير حجازي على ضرورة النظر في تطويع وليس تطبيع العلاقات اقتصاديًا وسياسيًا لإجبارها على التعاون وهو ماسيتأتى من خلال وضع أسس إقليمية جديدة للتعاون مع القوى الإقليمية.
3- أوضح السفير/ خالد عثمان، عضو المجلس،أن العلاقة بين مصر وإسرائيل هي علاقة ثلاثية وليست ثنائية حيث يدخل فيها العنصر الأمريكي كلاعب محوري، وفيما يخص فكرة التطبيع فأكد على وجود ازدواجية ما بين مؤيد ومعارض لتلك الفكرة وهذا مفيد مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الاستفادة من كافة فرص التعاون المتاحة.
4- أكدت السفيرة/ سمية سعد،عضو المجلس،على أن الإطار الحاكم للعلاقات بين مصر وإسرائيل هو إطار تنافسي، مؤكدة أن النظرة العربية لإسرائيل قد تغيرت، ففي السابق كانت إقامة علاقة مع إسرائيل خيانة للقومية العربية، أما الآن فالوضع مختلف في ظل ظهور أعداء جدد لمصر والعرب، كما دعت لعدم الخوف من التطبيع مع إسرائيل، وغزو إسرائيل ثقافيًا من خلال التعاون مع عرب إسرائيل.
5- أوضح د. كمال أبو عقيل، أن المساعدة الأمريكية لإسرائيل قد قُدّرت في الفترة من عام 1999 إلى 2015 بأكثر من 300 مليار دولار، يمثل ليس فقط مساعدات نقدية بل إجمالي ما تدفعه الخزانة الأمريكية لإسرائيل، بالإضافة إلى أن معظم اليهود في الولايات المتحدة يخصصون نحو 10% من دخولهم تخصم من الضرائب لمساعدة إسرائيل.
6- أكد السفير/ رخا حسن، أن المنافس الحقيقي لقناة السويس هو الخط البري لشمال سيبيريا المستهدف لنقل البضائع من الشرق الأقصى، مشددًا على أن مايتردد من القلق الإسرائيلي من التراجع الأمريكي أو التمدد الروسي هو أمر مبالغ فيه، خاصة وأنه يوجد تنسيق إسرائيلي– روسي مستمر، فضلاً عن التعهد الأمريكي بتزويد إسرائيل بـ 38 مليار دولار كزيادة في المساعدات المقدمة على مدى 10 سنوات.
7- فيما يتعلق بالمرشحين الأمريكيين أوضحت د. أميرة الشنواني،أن ترامب يرى أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، داعمًا للتوسع الاستيطاني رابطًا الإرهاب بمنظور عقائدي (بالإسلام)، أما كلينتون فهي تتمتع بالحنكة السياسية وتؤيد إسرائيل بشكل قوي فضلاً عن دعمها للإخوان، وعليه لابد للعرب من تعزيز تعاونهم المشترك لمواجهة المخاطر واستئناف العمل في تنفيذ مشروع القوة العربية المشتركة.
8- أشار د. صبحي عسيلة، أن العلاقات العربية– الإسرائيلية تمثل ورقة ضغط مهمة يجب استخدامها لتسوية الصراع العربي– الإسرائيلي خاصة في إطار توجه دول الخليج على رأسها السعودية لتشكيل كيان تركي– إسرائيلي– مصري للوقوف أمام التمدد الإيراني. وحول الحاجز النفسي والشعبي من فكرة التطبيع فأكد على أن الجدار النفسي سيظل قائمًا إلا أنه لابد من معرفة كيفية التعامل مع إسرائيل بما يحقق الأمن القومي المصري.
9- أكدت المستشارة/ تهاني الجبالي، أن العلاقات مع إسرائيل هي عملية تتضمن إدارة صراع بالطرق السلمية، فهو ليس تعامل مع دولة صديقة أو تنافس على إقليم بل أن التنافس ينحسر مابين إسرائيل وإيران حيث تعملان على دحر أي قطب عربي قد يهدد مخططاتهم بالتقسيم، الأمر الذي يُلقي على عاتق مصر وضع استراتيجية لإدارة الصراع كما هو الحال على مدار تاريخها.
10- أكد السفير/ منير زهران، أن الهدف الاستعماري والتوسعي الإسرائيلي يعبر عنه “عَلم الدولة” بشكل واضح، فكل خط في العلم هو دليل على امتداد الدولة من النيل إلى الفرات في حين تعبر نجمة داوود عن الهدف الديني المناشد إلى التوسع والتكاثر في إطار حدود دولتهم، وفيما يخص الاستيطان فقد شدد على ضرورة الاستفادة من الجماعات الموجودة في الداخل الإسرائيلي والمعادية للتمدد الاستيطاني، وعدم الاكتفاء بالاعتماد العربي على الجهود الأمريكية لإنهاء الاستيطان فالواقع أن إسرائيل والولايات المتحدة وجهان لعملة واحدة، بل إن حرب 1973 لم تكن سوى حرب بالوكالة خططت وأمددتها الولايات المتحدة ونفذتها إسرائيل.
الخلاصة والتوصيات:
استعرض اللواء/ محمد إبراهيم الدويري، عدد من الملاحظات المهمة قبل استخلاص النتائج والتوصيات،على النحو التالي:
-
أنه في كل مراحل العلاقة مع إسرائيل لم ولن تغيب عن أذهان مصر القضية الفلسطينية فهي قضية أمن قومي، وليست مصر هي الباحثة عن الدور وإنما الدور هو الباحث عن مصر، وعلى مصر استرجاع امتلاك زمام المبادرة مرة أخرى، خاصة وأن إسرائيل ترتبط بدائرة الأمن القومي المصري بصورة مباشرة.
-
عند الحديث عن مؤتمر “هرتسيليا” فالحديث يدور حول مؤتمر خرج بتوصيات نفذت فعليًا، وعليه فهو يعبر في الواقع عن رؤية استراتيجية لإسرائيل.
-
فيما يتعلق بالأنفاق بدأت مصر حربًا ناجحة ضد الأنفاق حينما أصبحت مهددة للأمن القومي المصري ومنفذًا للعناصر الإرهابية إلى الأراضي المصرية.
النتـــائج:
-
أن معاهدة السلام نجحت في مواجهة التحديات المختلفة التي واجهتها في ظل وجود قناعة مشتركة من كلا الدولتين بأهميتها.
-
أن العلاقات المصرية – الإسرائيلية ظلت أسيرة على المستوى الرسمي ولم ترقى للمستوى الشعبي فلا يزال الحاجز النفسي قائماً.
-
أن الرفض الشعبي للتطبيع أساسه القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية على الأراضي العربية.
-
وجود فرصة جوهرية للضغط على إسرائيل من خلال المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)، التي تظل أفضل رؤية للتعامل ولكن تظل أدوات التواصل عاملاً حاسمًا في القضية.
-
أهمية التركيز على مهددات الأمن القومي المصري خلال التعامل مع إسرائيل في كافة المجالات.
-
أهمية التنسيق مع إسرائيل في ظل تنامي العمليات الإرهابية في سيناء.
-
العلاقات الواقعية مع إسرائيل هي أقل كثيرًا مما ورد في معاهدة السلام.
-
وجود توجه إسرائيلي قوي للنفوذ إلىالدول العربية في ظل وجود تحول لاهتمامات هذه الدول.
-
هناك تحسن واضح في العلاقات المصرية – الإسرائيلية في ظل التطورات على الساحة الإقليمية وعلى رأسها الإرهاب.
-
في كل مراحل العلاقات العربية مع إسرائيل لايجب نسيان أن هدف إسرائيل الاستراتيجي هوالهيمنة على المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وهو ما يدفع العرب إلى ضرورة التساؤل حول كيفية التصدي لذلك.
-
إسرائيل تتابع كل مايحدث في المنطقة عن كثب وبدأت في بلورة سياستها استنادًا إلى ماستؤول إليه الأوضاع في المنطقة خلال المرحلة القادمة.
التوصـــيات:
-
ضرورة الحفاظ على معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية خاصة وأن ذلك يصب في المصلحة الاستراتيجية للدولتين.
-
بحث ودراسة إمكانية تعديل الملحق الأمني الخاص بحجم القوات المصرية في سيناء، وذلك في الوقت المناسب.
-
من المهم وجود رؤية عربية متكاملة للتعامل مع إسرائيل في ضوء التطورات الحالية.
-
ضرورة إجراء دراسة كافية للمشروعات الإسرائيلية المهددة للمشروعات القومية الاقتصادية المصرية.
-
أهمية متابعة ماتقوم به مراكز البحث الإسرائيلية ومايصدر عنها من توصيات.
-
أهمية مراجعة اتفاقية الكويز في ظل المحاولات لتوسيعها وزيادة المكون المصري وتقليل المكون الإسرائيلي البالغ نسبته الحالية 10.5%.
-
ضرورة أن تكون القضية الفلسطينية في دائرة الضوء في المرحلة القادمة باعتبارها القضية المركزية العربية خاصة مع الدول التي تسعى إلى أن تكون لديها علاقات ما مع إسرائيل.