التجربة الروسية للحفاظ على التنوع الإثني والثقافي والوئام القومي والديني هي ضمانة لتعزيز الهوية الوطنية المشتركة
مايو 20, 2022نبيل فهمي: لا مجال لدبلوماسية الانعزال والمطلوب أن أسبق أعدائي دائما
مايو 25, 2022بتاريخ 25 مايو 2022، استضاف المجلس السيد وزير الخارجية السابق/ نبيل فهمى، للتحدث حول كتابه الصادر مؤخراً عن دار الشروق، والمعنون بـ “فى قلب الأحداث .. الدبلوماسية المصرية فى الحرب والسلام وسنوات التغيير”. وافتتح اللقاء السفير د./ منير زهران رئيس المجلس، فيما شارك فيه العديد من أعضاء المجلس، ونخبة من وزراء مصر السابقين.
واستعرض الوزير السابق/ فهمى مضمون كتابه، متطرقاً للمحات من حياته الشخصية، وآرائه فى العديد من الأحداث الشائكة التى شهدتها مصر على مدى تاريخها المعاصر، بما فى ذلك ما اشتملت عليه سنوات عمله الرسمية بوزارة الخارجية المصرية من وقائع، مُستعرِضاً فى ذلك علاقات مصر مع الإقليم والقوى الدولية، وقضايا إقليم الشرق الأوسط وأفريقيا والمياه، وغيرها. ومن بين أهم ما أشار إليه الضيف ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
أن حرب 1967 كانت كارثة قومية وعربية، إذ كانت بداية النهاية لفكرة القومية العربية التى سعى عبد الناصر إلى تعزيزها، وأثَّرت على صورة مصر سلباً على المستوى الإقليمى، كما جعلت المجتمع المصرى منقسِماً داخلياً، فيما أخذت ريادة مصر الفكرية فى التقهقر هى الأخرى. وعلى النقيض من تلك الحرب، أسهمت حرب أكتوبر 1973 فى إحراز نصر سياسى لمصر، إلى جانب النصر العسكرى، حيث أعادت رسم التوازن الإقليمى لصالح مصر، وساهمت فى استعادة الأخيرة لوضعها الطبيعى.
-
ساهم توالى الأحداث وتنوعها إلى التأثير سلباً على الوضع العربى إجمالاً. فلقد أسهم غزو العراق للكويت فى بداية تسعينيات القرن الماضى فى القضاء بالكامل على أى وجود لفكرة الأمن الجماعى العربى، ولو على الورق. كما لم يعُد التعريف العام لمنطقة الشرق الأوسط قاصراً على بلدان العالم العربى، بل بات مشتملاً على كلٍ من إسرائيل وإيران وتركيا، إذ حدث اختلال كبير بالمنطقة لصالح تمدد تلك الدول، مقابل تراجع الوضع العربى. وحرىٌ بالذكر فى هذا السياق أن البلدان العربية، بما فى ذلك مصر منذ عام 1952، فى مرحلة انتقالية طويلة.
-
ذكر الضيف أنه يجب التوقف عن استخدام شعار “مصر أولاً”، لأنه لا ريب فى أنها أولاً فى وجدان شعبها ومسئوليها، وأن مصالحها مقدَّمة على أى مصالح دونها، كما يُخشَى من كثرة استعمال ذلك الشعار الإيحاء بالأنانية والانعزالية، وهما صفتان لا تتسقان مع مصالح مصر بالأساس، كما تناقضان تاريخها وأدوارها الجليلة فى الإقليم والعالم. إذ من المطلوب أن تكون مصر دائماً سابقة ومستعدة للأحداث، ومنخرطة فى حركة النظام الدولى بشكلٍ عام، وفى قرارات الحرب والسلام فى منطقتها بشكلٍ خاص، بحكم مركزها الإقليمى، وبالنظر إلى انشغال القوى الكبرى بآلاف القضايا وتشتت جهودها فى جهاتٍ عديدة، فى حين يكون اهتمام القاهرة منصباً بالأساس على إقليمها وقضاياه، ما يفسِح لها المجال للتفكير فى كيفية تعزيز دورها فيه، وإيجاد حلول للمسائل العالقة به.
-
ضرورة تنويع خيارات مصر الخارجية، وتعزيز التوازن فى علاقات البلاد مع القوى الدولية المختلفة، دون الاعتماد على طرفٍ بعينه، ودون إهمال طرفٍ ما، مضيفاً أن ذلك يتطلب منهجية عمل شاملة، تركز على تعزيز وتنمية الإمكانيات الداخلية، بما فى ذلك مجابهة وضع “السكون السياسى” وإيلاء مزيد من الاهتمام للرأى العام بالبلاد، بالتوازى مع توطيد دور مصر الريادى وكفاءة النشاط على الصعيد الخارجى. وارتباطاً بذلك، لا بد من إدراك أن السياسة الخارجية الأمريكية مُناظِرة لسياستها الاقتصادية الداخلية، أى تسير وفق مبادىء الربح والخسارة، ومدى تحقيق علاقاتها مع البلدان الأخرى لأكبر قدر ممكن من المكاسب والمصالح مقابل أدنى حدٍ ممكن من الخسارة. وفى هذا السياق، لا بد أن تكون التعاملات المصرية مع واشنطن خاضعة لنفس المنطق، بما يؤدى إلى تعزيز وتعظيم المكاسب المصرية هى الأخرى، ودون تحكيم أدنى قدر من العواطف. وقد أشار الضيف فى هذا الصدد إلى أن واشنطن تطل من حينٍ لآخر للتعليق على قضايا حقوق الإنسان فى مصر، وتهدد بوقف المساعدات إليها، دون أدنى اهتمام بالأثر الذى يتركه ذلك مستقبلاً فى علاقات الجانبين الثنائية، وذلك على النقيض من مساعداتها المتوالية لإسرائيل، رغم ممارساتها العنصرية فى الأراضى المحتلة، بل وحتى انتقاداتها لبعض القرارات الأمريكية.
-
ارتباطًا بما تقدَّم، وفى سياقٍ متصل، وبالنسبة للعلاقات المصرية / الروسية، فلا بد من الأخذ فى الاعتبار أن الروس يساورهم الشك إزاء مصر، رغم احترامهم لها؛ إذ يعتقدون أن القاهرة لا تلجأ إلى موسكو إلا فى حال توترت العلاقات مع واشنطن. وأخذاً فى الاعتبار حقيقة تحول الاهتمام الدولى تدريجياً إلى الساحة الآسيوية، فمن الضرورى السعى إلى تعزيز العلاقات المصرية مع القوى الآسيوية المختلفة، بما فى ذلك روسيا والصين والهند واليابان وغيرها.
-
من جهةٍ أخرى، وارتباطاً بكلٍ من تركيا وإيران، دعا الضيف إلى أهمية فتح مصر لحوار مع البلدين، ذلك أن المسار الدبلوماسى له اليد العليا فى تسوية المسائل الخلافية بشكلٍ أفضل مقارنةً بالصدام. مشيراً إلى أن كلاً من تركيا وإيران أضحتا جزءاً أساسياً لا يمكن إغفاله فى النظام الإقليمى، وأنه من الأجدى تبنِّى مصر لسياسة العصا والجزرة مع كلتيهما، وذلك فى سياق الصورة العامة للسياسة الخارجية المصرية النشطة، المنبثقة من قوة الدولة وانفتاحها فى آنٍ واحد. مضيفاً أنه لا بد من ضمان صلاحية خطوة الانفتاح المصرية على إيران تحديداً، حيث لا يجب أن تكون خاطئة.
-
فيما يتعلق بالصراع العربى / الإسرائيلى، والذى استأثر بجزءٍ كبير من الكتاب حسبما أشار الضيف، ذكر الأخير أن إسرائيل لا تريد مطلقاً إقامة دولة فلسطينية، وتستهدف دوماً تقسيم الصف العربى، والتفاوض مع كل دولة عربية على حدة، عِوضاً عن التفاوض الجماعى. وفى هذا السياق، يُشار إلى أن الأطراف العربية قد وقعت فى عدة أخطاء فى مسار كلٍ منها إزاء إسرائيل وحليفتها الكبرى، من بينها على سبيل المثال خطأ سوريا فى عدم المشاركة فى مؤتمر جنيف للسلام فى الشرق الأوسط عقب حرب أكتوبر فى عام 1973، ما وسَّع الهوة بين سوريا ومصر تجاه إسرائيل. هذا بالإضافة إلى قبول العديد من البلدان العربية التفاوض على “أسس” مُقدَّمة من إسرائيل والولايات المتحدة، حتى ولو كان ذلك فى إطار الأمم المتحدة. كما أن العرب مخطئون فى عدم الترويج اللازم لمبادرة السلام العربية المطروحة فى عام 2002، والتى رفضتها إسرائيل، والتى كان من شأنها أن تُسهِم فى قيام دولة فلسطينية وحدوث تطبيع عربى كامل مع إسرائيل، مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضى العربية المحتلة.
-
بالنسبة لعلاقات مصر الأفريقية، ذكر الضيف أنها لا بد أن تمثل أولوية دائمة لدى صناع السياسة الخارجية المصرية، مشيراً إلى أن أول زيارة قام بها إثر توليه وزارة الخارجية فى عهد الرئيس عدلى منصور كانت إلى العاصمة السودانية الخرطوم، وأنه من الضرورى تعزيز التواصل مع بلدان القارة، وتناول فرص إقامة مشروعات تنموية مشتركة فاعلة فى تلك البلدان، دون الاقتصار على الذاكرة التاريخية للجهود المصرية ودعمها لتلك البلدان أمام الاستعمار، أخذاً فى الاعتبار توالى الأجيال واختلاف منظورها للأحداث والتطورات العالمية الراهنة، والتى تختلف بشكلٍ جذرى فى كثيرٍ من جوانبها عن السابق.
-
فى هذا الصدد، أكَّد الضيف على أن الحل المنوط بقضية مياه النيل وسد النهضة لن يكون سريعاً، ولا بد أن يكون شاملاً، بحيث يتناول الجوانب الأمنية والاقتصادية والتقنية والمادية من قِبل الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، مع الأخذ فى الاعتبار أن مصالح كلٍ من هذه الدول مختلفة، دون تعارض بين بعضها البعض؛ إذ تحتاج الأولى مزيداً من المياه أو الحفاظ على الأقل على حصتها القادمة من إثيوبيا، بينما ترغب السودان فى تنظيم تدفقات المياه إليها؛ أما إثيوبيا فترغب فى تحقيق تنمية داخلية واسعة. ولا ريب فى أن الإدارة الجيدة لهذا الملف توفر حلاً جيداً له، مع التأكيد على أنه من الصعب التوصل لحل دون الاشتمال على حزم اقتصادية كافية، كما أنه من الصعب الوصول إلى ذلك الحل فى الوقت الراهن نتيجة التوترات القائمة.
-
هذا، وقد أجاب السفير/ فهمى على تساؤلات واستفسارات الحضور، والتى تعلّقت ببعض القضايا التى تناولها فى كتابه، بما فيها بعض جوانب حياته الشخصية.