عشاء عمل وتوقيع مذكرة تفاهم مع وفد جمعية الصداقة الصينية (CAF)
مايو 14, 2017لقاء أعضاء المجلس مع وفد الفريق الاستشاري للسياسة الخارجية بوزارة الخارجية الصينية
مايو 18, 2017
بتاريخ 14 مايو 2017، عُقد بمقر المجلس المصري للشئون الخارجية ندوة حول “النهوض بالقوة الناعمة المصرية”، برئاسة السفير/ د. منير زهران، بحضور لفيف من أعضاء المجلس من الخبراء والأكاديميين حيث تضمنت الندوة المحاور التالية:
-
الجلسة الافتتاحية: “القوة الناعمة في عصر جديد”
-
رئيس الجلسة: سفير/ د. منير زهران– رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية.
-
المتحدث: د.عبد المنعم سعيد– الخبير الاستراتيجي.
-
جلسة العمل الأولى: “التجارب العالمية في بناء القوة الناعمة: دروس مستفادة”
-
رئيس الجلسة: سفير/ د.عبد الرؤوف الريدي– الرئيس الشرفي للمجلس.
-
المتحدث: د.محمد كمال – أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة.
-
جلسة العمل الثانية: “القوة الناعمة المصرية: الفرص والتحديات”
-
رئيس الجلسة: سفير/ د. منير زهران– رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية.
-
المتحدث: سفير/ د.محمد أنيس سالم – عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.
بدأت أعمال الندوة بكلمة للسفير/ د. منير زهران، رئيس المجلس، رحب خلالها بالحضور والمشاركين في الندوة الذي يهدف إلى تعزيز مساهمة المجتمع المدني وغيره من القوى الناعمة في إثراء الحياة الثقافية والفنية والإعلامية في مصر، جنبًا إلى جنب مع ما تقوم به القوى الأخرى في مصر من القوى السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية لتحقيق الآمال والتطلعات والأولويات الملحة التي تفرضها طبيعة المرحلة الراهنة.
مؤكدًا أن نشاط القوى الناعمة في مصر لا ينطلق من فراغ، بل إنه يرتكز على وعاء دستوري وتشريعي موجود بالفعل، من خلال أحكام دستور عام 2014، والتشريعات الوضعية القائمة في مختلف المجالات، والأمر هنا يتعلق بموضوعات حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، وحقوق الملكية الفكرية والأدبية، والتربية والعلوم والثقافة والإعلام، وكذا المؤسسات الدينية، من الأزهر والأوقاف والكنيسة، بالإضافة إلى الإذاعة والتليفزيون وأجهزة الإعلام والفنون والآداب والأفلام والمسلسلات…إلخ، مشيرًا إلى أن الإطار الدستوري لنشاط القوى الناعمة في مصر راسخ في مواد الدستور من (19) إلى(25) ومن (47) إلى (59) ومن (64) إلى(70)، إضافة إلى مواد دستور 2014(82، 92، 93، 99، 244).
مُنوّهًا بأن لدى مصر من القوة الناعمة ما سبقت به كثيرًا من الأمم والشعوب، فمن واقع التاريخ سبقت مصر كثير من الدول في الحضارة والثقافة منذ فجر التاريخ، وتشهد على ذلك الحضارة الفرعونية والتاريخ الإغريقي وخاصة مكتبة الإسكندرية، وما تركه الرومان في مصر من حضارة على شواطئ البحر المتوسط ثم التراث القبطي الذي تزخر به مصر، ثم التاريخ الإسلامي منذ فتح مصر في عصر عمرو بن العاص، وما بعده مرورًا بمصر الفاطمية، والعصر العثماني، والحضارة المسيحية منذ رحلة العائلة المقدسة بلجوء السيدة مريام العذراء والسيد المسيح إلي مصر، ويوجد بمصر العديد من الكنائس والأديرة قديمة العهد، ومنها الكنسية الأرثوذكسية خاصة الكاتدرائية المرقسية، ومقر بابا الإسكندرية فسبقت بذلك الكنائس المسيحية الأخرى – وخاصة الكنيسة الكاثوليكية – التي جاء على قمتها دولة الفاتيكان والكنيسة البروتستنتينية.
إضافة للقوى الناعمة الأخرى من تراث تركه محمد علي باشا، الذي حكم مصر منذ بداية القرن التاسع عشر بعد الحملة الفرنسية ، وما تركه لمصر من تراث كان يؤهل مصر لأن تكون في عداد الدول المتقدمة، لولا حملات الدول الاستعمارية من فرنسا مع حملة نابليون إلى انجلترا التي أبت إلا أن تهزم فرنسا في معركة أبي قير، مرورًا بالاحتلال الإنجليزي منذ عهد الخديوي توفيق، وصندوق الدين الذي كبل مصر بمديونيات ما أنزل الله بها من سلطان، نتيجة القروض باهظة التكاليف والفوائد التي اقترضها الخديوي إسماعيل، والتي تم إنفاقها على حضارة مصر الحديثة.
إضافة لذلك شهدت مصر نهضة ثقافية وفنية رائعة وتعليم على أعلى مستوى منذ عهد محمد على الذي أوفد لخارج مصر بعثات تعليمية للدول الأوروبية في العديد من التخصصات، فعاد أبناؤها للمشاركة في نهضة مصر الحديثة، وفي التعليم والثقافة، ومختلف الفنون التي باهت مصر بها الدول الأخرى، وتشهد على ذلك أوبرا القاهرة، ومتاحف مصر، ودار الكتب، ونهضة الفنون في مصر في جميع المجالات. فشهدت مصر النهضة التعليمية والثقافية منذ عهد علي باشا مبارك، والتاريخ الأدبي والإسلامي الذي قاده عظماء مصر من الشيخ محمد عبده، وأحمد لطفي السيد، ومصطفي كامل، وسعد زغلول، ومحمد حسنين هيكل، وعبد السلام فهمي جمعة، وعلى عبد الرازق مؤلف كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، وشقيقه الشيخ مصطفي عبد الرازق الذي تنازل للقصر الملكي عن لقب الباشوية بعد تعيينه شيخًا للجامع الأزهر في أربعينيات القرن الماضي، والأخوين أحمد ماهر وعلى ماهر، وأحمد فهمي النقراشي،وإعلاء شأن المرأة وتحررها بمبادرة قاسم أمين، وصفية زغلول، ودرية شفيق، وفنون المسرح والسينما، التي قادت القوى الناعمة في مصر والعالم العربي.
ومع ذلك فقد صاحب هذا العصر فترة من الظلام الذي أثّر سلبًا على إسهامات القوى الناعمة في مصر منذ أن بادر حسن البنا بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين، وما صاحبها من تعاون مع الاستعمار البريطاني لتحقيق مأربه، وتنفيذ مخططاته بدعم الجماعة سياسيًا وماليًا فكان لهذه الجماعة أجندتها الخفية للوثوب على حكم مصر وقيادتها للتخلف منذ بدأت حملة الاغتيالات ضد أقطاب مصر الحديثة من أحمد ماهر إلى محمود فهمي النقراشي رئيسي وزراء مصر، واغتيال قضاة مصر وعلى رأسهم المستشار الخازندار، وحريق القاهرة في يناير 1951 إلى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر أكثر من مرة إلى الرئيس السادات في أكتوبر 1981.
وأضاف أن جماعة الإخوان أفرخت منظمات إرهابية أخرى مثل الجماعة الإسلامية إلى جبهة النصره إلى داعش، وكلها مسميات مختلفة للمنظمات الإرهابية التي كادت أن تجر مصر وغيرها من الدول العربية إلى عصر من التخلف تحت اسم الدين، وما صاحبها من اغتيالات مست نسيج مصر الوطني باغتيال الأخوة المسيحيين في سيناء ثم تفجير كنائس مصر في القاهرة (الكنيسة البطرسية وكنيسة مارجرجس في طنطا، والكنيسة المرقسية في الإسكندرية في عيد الشعانين أو سبت السعف يوم 9 إبريل)، لهذا يلزم تجديد وترشيد الخطاب الديني وتطهيره من خلال دور العلماء من الفئة الضالة التي تستتر بغطاء الدين.
وفي إطار ذلك وسعيًا لمواجهة هذا الفكر اقترح سيادته أن يُوقف العلماء هذا الجرح النازف وتطهيره مما علق بعقول الإرهابيين القتلة من زيف وتخاريف وأباطيل تنال من عقيدة المسلمين وتشكك في يقينهم، وضرورة تصويب معتقداتهم. لهذا يجب أن يقوم المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب الذي أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرار بإنشائه لوضع استراتيجية شاملة لاستئصال العنف والإرهاب من أرض مصر الطيبة ليُقدم نموذجًا تحتذى به الدول العربية والإسلامية الأخرى.
وأضاف أن هذه الاستراتيجية يجب أن يكون لها أبعاد متعددة. وخاصة أبعاد سياسية واجتماعية ودينية وإعلامية واقتصادية وأمنية، كما شدّد سيادته على ضرورة أن تكون البداية من خلال التركيز على المناهج التعليمية في جميع مراحل التعليم، وتجديد الخطاب الديني من خلال نشاط وبرامج مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف، بحيث يتم التوصل إلى رؤية مستنيرة لكل الأئمة والشيوخ والعلماء، وأن يكون شعارها قول الله تعالى “ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، فضلاً عن أهمية دور المنظمات غير الحكومية، ومراكز البحوث والمكتبات ومختلف المجالس التي تنتمي إلى القوى الناعمة، ومنها منظمات المجتمع المدني التي تتمتع باستقلاليتها عن الحكومة، وتأثيرها يتعدى حدود الدولة مع التزامها بقانون الجمعيات الأهلية، ومالها من دور رائد في إثراء الحياة الثقافية والمجتمعية، مشيرًا إلى أن كثير منها بما في ذلك المجلس المصري للشؤون الخارجية يتمتع بصفة المراقب في إطار المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ويشارك في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة، ولها حق المداخلة في المداولات، دفاعًا عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مختلف بلدان العالم.
وارتباطًا بما تقدم، أوضح أن المجلس المصري من بين مؤسسات المجتمع المدني، وهو يتمتع بصفة مراقب لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأنه، بهذه الصفة، يشارك في اجتماعات مؤتمرات مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي ولجانه التحضيرية، وأضاف أنه بهذه الصفة أيضًا شارك المجلس في اجتماعات اللجنة التحضيرية الأولى لمؤتمر مراجعة المعاهدة لعام 2020، في بداية مايو 2017، والتي نوقش خلالها عدم الالتزام بنزع السلاح النووي من جانب الدول الحائزة على السلاح النووي، وهو السلاح الأكثر فتكًا ودمارًا، ويهدد بفناء الجنس البشري، مشيرًا إلى أنه ما فتئت تلك الدول تماطل في تنفيذ القرارات العديدة الصادرة من جميع المحافل الدولية بنزع السلاح النووي، والتي طالبت أيضًا بإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، وهو مادفع المجلس للمطالبة بتعديل لائحة الإجراءات لمؤتمر المراجعة للسماح لمنظمات المجتمع المدني كقوة ناعمة للمشاركة في جميع مداولات المؤتمر ولجانه التحضيرية لمراجعة مدى التقدم في تنفيذ جميع أحكام المعاهدة ، وليس فقط في جلسة واحدة مخصصة لذلك، كما يجري عليه العمل، وأن يكون اتخاذ القرارات بأغلبية الثلثين في حالة عدم التمكن باتخاذها بتوافق الآراء.
-
عقب ذلك أعطى السفير زهران الكلمة للدكتور عبد المنعم سعيد، الخبير الاستراتيجي، للحديث عن “القوة الناعمة والحالة المصرية”، حيث تضمنت كلمته “مفهوم القوة الناعمة وتاريخ المفهوم، و مصر والقوة الناعمة”.
وقد استهّل د. سعيد كلمته بالقول بأن الإطار المعرفي للقوة الناعمة هو مجال العلاقات الدولية ودور القوة وأدواتها، وتوازن القوى فيها. والقوة هنا تعني القدرة على التأثير، وتحويل ما لا يتحول وحده إلا باستخدام أداة أو أدوات من أجل حدوث التغيير. النار يمكنها أن تجعل الصلب سائلًا، والضغط يمكنه أن يحول الغاز إلى سائل.
وبين البشر فإن القوة تعني التأثير على إنسان، أو دولة، لاتخاذ مواقف، أو تقديم تنازلات أو تغيير سلوك، لا يمكنها القيام بها بدون هذا التأثير. والقوة هنا، من جانب، هي تعبير عن طاقة مستخدمة من ناحية، وأيضًا من ناحية أخرى، طاقة نسبية مقارنة بما هو موجود في الطرف المراد التأثير فيه، وكل ذلك يعرف بأنه توازن القوى.
ورغم أن “القوة” يمكنها التأثير وحدها بمجرد الوجود أحيانًا، فإن استخدامها يتطلب قدرًا من المهارة، وإدارة القوة هنا هي “السياسة” بعينها التي يقوم بها القادة أو من بيدهم إدارة مصالح الدولة. فهي مرتبطة بالدولة إذن، وهي التي لديها احتكار الاستخدام الشرعي للقوة. وبالتالي هنا يجب التمييز ما بين “القوة”(power)، و”القوة” (Force) اللغة العربية تجعلهما شيئًا واحدًا، بينما هما في الواقع مختلفان فالأولى تمثل أدوات ومصادر متعددة بما فيها الإقناع والترغيب والترهيب، والثانية تمثل أداة ومصدرًا وحيدًا، وهو القوة العسكرية، أو ما يماثلها من أدوات تقوم على العقاب والمكافأة، أو المنح والمنع. وهذه الأدوات تشمل الدبلوماسية، والقدرات الاقتصادية، واستخدام السلاح.
القوة الناعمة (Soft Power) تقع هنا كأداة من أدوات التأثير، وللتمييز بينها وبين القوة الصلبة أو الخشنة التي قد تتضمن استخدام القوة العسكرية أو أية وسيلة من وسائل الضغط الدبلوماسي أو الاقتصادي.
واختتم بأنه هنا في هذه المقدمة، ربما يكون ضروريًا التأكيد على أن أحدًا ممن استخدموا مفهوم القوة الناعمة تصور لها أن تكون بديلًا كاملًا للقوة الصلبة، فالقوة العسكرية هي في النهاية القوة الحاكمة في توازنات القوى، كما أنها الفيصل ساعة الاحتكام إلى المواجهة الكبرى.
يرجع تاريخ المفهوم إلى عالم العلاقات الدولية الشهير “جوزيف ناي” فهو مسجل بأسمه في مقال له نشر عام 1990 في دورية السياسة الخارجية عنوانه “القوة الناعمة أوSoft Power”. في هذه المقالة تتبع أصل المفهوم وأعاده إلى التغيرات البنيوية في العلاقات الدولية مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، فمن عالم يقوم على فاعل شبه وحيد هو الدولة، ومن بين دول كثيرة في العالم فإن حفنة صغيرة منها هي وحدها التي لديها القدرة على التأثير، والتفاعلات بينها هي التي تحدد مصير النظام الدولي كله، والآن فإن العالم بات متعدد الفاعلين، ومنها من غير الدولة وعابرة لها وحدودها، من أول المنظمات الإرهابية وحتى الشركات متعددة الجنسية.
ولكن” ناي” في ذات المقال رجع بالمفهوم إلى كتابه مع روبرت كوهين “Power and Interdependence” ، والذي صدر عام 1977، وحتى عندما ذكر هنري كيسنجر في خطاب له عام 1975:”إننا ندخل الآن عصرًا جديدًا. الأنماط الدولية القديمة تنهار… والعالم أصبح قائمًا على الاعتماد المتبادل في الاقتصاد، وفي الاتصالات، وفي الطموحات الإنسانية”.
وهنا يجدر الملاحظة أن هذه البداية مضى عليها أكثر من أربعة عقود، ولم يكن العالم ساعتها يعرف شيئًا عن المخترعات الحديثة للكمبيوتر الشخصي، أو الأيباد، أو جوجل أو شركات مثل مايكروسوفت أو آبل. ولكن البدايات كان ظاهرًا فيها أن الاستخدام الخشن للقوة ربما لا يتناسب مع نوعيات جديدة من التفاعلات التي جعلت الحرب مستحيلة بين الولايات المتحدة وكندا، وفرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، ولا حتى بين روسيا وأمريكا بسبب الطبيعة التدميرية للسلاح النووي، والظهور المتواتر لتفاعلات يمكن فيها لجميع الأطراف المتفاعلة أن تخرج فائزة. باختصار لم تعد القوة، بفعل تحولات العلاقات الدولية، واقعة في إطار القاعدة (Zero sum game) إذا كسب فيها طرف خسر الطرف الآخر، وإنما وبكثرة واقعة في إطار القاعدة المضادة Non Zero Sum – Game أو (Win- win Situations).
الحقيقة الكبرى، رغم كل ذلك، أن مفهوم القوة الناعمة لم يكن ليظهر كما نستخدمه اليوم لولا التغيرات الجوهرية التي جرت في النظام الدولي، وتحوله بقوة إلى نظام عالمي يتصف أساسًا – صدق أو لا تصدق – بالرخاء النسبي مقارنة بمراحل أخرى في التاريخ. فمنذ تسعينات القرن الماضي فإن الثورة الصناعية الثالثة حققت قفزات كبرى في ثروة البلدان المتقدمة، ولكن الدول الفقيرة أيضًا تغيرت بشكل رئيسي حينما تخرج أكثر من مليار نسمة من دائرة الفقر المدقع، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي فإن 60 دولة حققت انخفاضًا في عدد الفقراء رغم استمرار الزيادة في عدد سكانها، وصاحب هذه التطورات انخفاض حاد في نسبة وفيات الأطفال، ودخلت ملايين الفتيات المدارس، وتم تخفيض دورية الجوع إلى النصف في البلدان التي كانت تشهده بصورة مستمرة، وتراجعت وفيات الملاريا إلى النصف، وحتى حوادث الحروب، بالرغم من كل ما يجري في الشرق الأوسط، تراجعت هي الأخرى إلى النصف. وفي عام 1983 كان هناك 17 دولة فقط من بين (109) دولة نامية يصدق عليها وصف “ديمقراطية”، وفي عام 2013 صار هذا العدد (56). هذا التقدم غير المسبوق تاريخيًا يتعدى تأثيرات حالتي الصين والهند، وإنما بات يمس مئات الملايين من الناس في الدول النامية من منغوليا إلى موزمبيق، ومن بنجلاديش إلى البرازيل، ومن إندونسيا إلى بوركينافاسو.
النتيجة الكلية لكل ذلك أن استخدامات القوة الصلبة والخشنة باتت مكلفة للغاية، ليس فقط ماليًا أو باعتبارات أعداد الضحايا والمصابين، وإنما أيضًا بسبب نتائجها الخلافية في كل الصراعات الأخيرة في الشرق الأوسط وخارجه، فإن كل حسابات توازنات القوة الصلبة كانت تحسم هذه الحروب بسرعة أكبر بكثير مما هو حادث، ولكن الحرص على المدنيين جعل تحرير دولة الخلافة الإسلامية يستغرق ثلاث سنوت.
-
القوة الناعمة “Soft Power“
القوة الناعمة هي القوة التي تجعل الطرف المستخدم لها جذابًا لأطراف دولية أخرى، بحيث يحدث التأثير المطلوب دون الاستخدام المقصود لهذه القوة. فالقوة الناعمة تجعل الأطراف الأخرى تريد ما تريده، وترغب فيما ترغب فيه، أو هي قوة ذات تأثير ينبع من الاحتواء (co – potation)، والتماهي في المصالح، والتعريف المتماثل للمواقف السياسية المتغيرة.
محتوى هذه القوة هو توافر مجموعة من الأدوات تبدأ بالشرعية (إن الدولة من حقها أن تكون قائدة على سبيل المثال بسبب الحجم الجغرافي أو السكاني أو الثروة الاقتصادية أو النظام السياسي أو التاريخ الحضاري)، والمشروعية التي تخلق الثقة في أن قيادة هذه الدولة لديها من المهارة والقدرة التي تجعلها تحقق مصالح الأطراف المتفاعلة معها انطلاقًا من أيدولوجيات نافذة مثل الشيوعية أو الليبرالية. وبعد ذلك تأتي الثقافة بأشكالها المتنوعة سواء جاءت من التاريخ أو من المستقبل (الثقافة العلمية على سبيل المثال التي تحض على الاستكشاف سواء للفضاء أو المحيطات أو الخلية أو الكون)، أو جاءت هذه الثقافة من الفنون والآداب، أو جاءت من تنظيمات مدنية عابرة للحدود من أول الشركات متعددة الجنسية وحتى الجمعيات الأهلية، مرورًا بالمعلومات والإعلام.
هذا المحتوى الناعم للقوة هو ربما الذي أعطى الولايات المتحدة المكانة التي حصلت عليها في النظام الدولي، ففضلاً عن ما لديها من قوة صلبة، فإن قوتها الناعمة غير محدودة، وهي التي تميزها عن القوى المنافسة مثل الصين واليابان وروسيا والهند، التي لا تكتسب لغاتها وثقافتها صفات عالمية.
على مدى القرنين السابقين استخدمت مصر كافة أشكال القوة، سواء ما كان منها صلبًاأو خشنًاأو ناعمًا. وكانت نتيجة استخدام القوة الصلبة مخيبة للآمال، بل إنها قادت في أوقات كثيرة إلى ردة كبرى في تحقيق أهدافها القومية في التحرر والاستقلال والتقدم، وتراجع في مكانتها الإقليمية والدولية. فقط عندما كانت القوة الصلبة تستخدم مع قوة مصر الناعمة فإن النتائج كانت مختلفة، فكان “التحديث” الذي جرى خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين هو الذي دفع بمصر إلى مقدمة الصفوف في إقليم الشرق الأوسط، ولقيت مكانة مرموقة في النظام الدولي. وكان لربط الرئيس جمال عبد الناصر مصر بفكرة القومية العربية، مصاحبًا بالإعلام والمعلومات الرسالية، تأثيرًا كبيرًا يدفع دول المنطقة إلى التماهي والقبول بالمواقف والسياسات المصرية وتبنيها.
وللأسف، تراجعت كثيرًا المكانة المصرية، بل وأيضًا القدرات العامة للقوة عامة في مصر خلال العقود الست الماضية، وبشكل خاص منذ هزيمة يونيو 1967.
أصبحت مصر معتمدة على الخارج، حيث تأخذ السلاح من السوفيت وتأكل من القمح الأمريكي، ولا تستطيع الخلاص من مشاكلها إلا بالمعونات والمنح العربية والأجنبية. ورغم أن حرب أكتوبر 1973 استعادت بعضًا من الثقة في الحالة المصرية، إلا أن الحرب ذاتها بدأت عملية تزايد عناصر القوة سواء كانت صلبة أو ناعمة لدى دول المنطقة. ببساطة صارت العلاقة النسبية في غير صالح مصر، وتكرر الأمر بعد ذلك في أعقاب مشاركة مصر في حرب تحرير الكويت.
مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن مصر تمر بمرحلة صعبة من تاريخها، وهي تحتاج لمراجعة كبيرة سواء لعناصر قوتها الصلبة، وكذلك قوتها الناعمة التي تراجعت بسرعة خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت عهد الثورات. فيما يخص القوة الناعمة تحديدًا فإن مصر أمامها الكثير لاستعادة شرعية ومشروعية ومصداقية القيادة في المنطقة، ولا يمكن حدوث ذلك دون عمليات إصلاح كبرى وجذرية، وقبلها شجاعة في مصارحة النفس، ومصارحة الخارج.
على جانب أخر فإن عناصر القوة الأساسية، صلبة وناعمة، لدى مصر ليست قليلة، ولكن إدارتها واستخدامها بشجاعة وحصافة ورشد هي القضية. وربما تكون البداية باستنكار الحال، والاستعداد للتضحية، والإجابة على الأسئلة الصعبة التي تحدد لمصر عقيدتها السياسية Political Doctrine))، وعقيدتها العسكرية (Military Doctrine). ومن المدهش أنه لا توجد أية وثيقة مصرية تحدد الأمرين معًا، كما أن وثيقة رؤية مصر 2030 تجاهلتهما. القوة الناعمة تبدأ بالمصداقية والمصارحة مع النفس في السياسة والاقتصاد والأمن، وبعد ذلك تأتي الأدوار للتاريخ والثقافة والحضارة والإبداع والتي رغم كل شيء لا يوجد ما يُماثلها في كل دول المنطقة. كلها تحتاج بعثًا جديدًا للحضارات المختلفة التي تعاقبت على مصر، وإلى مصالحة مع الحضارة العالمية المعاصرة، وإلى تجسير الفجوة بينها وبين المستقبل. كل ذلك يُوجد له مخزون ليس قليل من القوة الناعمة، وما علينا إلا بعثه والقدرة على إدارته واستخدامه.
عمليًا فإن مصر تحتاج إلى عملية جراحية لكي تُعيد تعريف نفسها، أو ما يُقال في مجال السوق (Rebranding) تنهل فيها من مواردها الناعمة، وتحدد فيه رسالتها إلى المنطقة والعالم التي تدور حول فكرتين: البعث، والتقدم، الأولى، تُحيي ما لدينا من تاريخ متواصل، وحضارات مترابطة، والثانية، تتطلع إلى مستقبل شجاع. في هذا وذاك توجد تفاصيل كثيرة، وندوات أكثر، وربما مركز أو عدة مراكز بحثية تُعيد النظر فيما نحن فيه وتتطلع إلى ما هو آت.
عقب ذلك طرح عدد من الأعضاء بعض الملاحظات حول ما ذُكر كما يلي:
-
أكدت السفيرة/ منى عمر، عضو المجلس، أن مفهوم القوة الناعمة بدأ يترسخ في الدبلوماسية المصرية، وأصبح يتم توفير دورات تدريبية للدبلوماسيين حول القوى الناعمة، ومفهومها وأدواتها، والانفتاح على العالم من إعلام، ومراكز الفكر التي تلعب دورًا مؤثرًا في صنع سياسات الدول.
-
تناول السفير/ رخا حسن، عضو المجلس، التجربة الألمانية التي كانت أحد مصادر قوتها الناعمة الرئيسية الارتقاء بجودة التعليم، وكان ذلك الأساس في جميع مصادر قوتها الناعمة في مجال الصناعة والتكنولوجيا والتقدم العلمي، فضلاً عن توفر البرامج التدريبية في كل مراحل العمل، وبرامج ثقافية في كافة مجالات الثقافة من مسرح وفنون وأوبرا، وذلك في إطار مؤسسات الدولة، والعمل على تعزيز دور هذه القوة، خاصة وأنها الأساس للقوة الصلبة، وكذلك الحال في العديد من الدول النامية كدولة تشيلي.
-
علق السفير/ د. محمد أنيس سالم، عضو المجلس، على ما ذكره د. عبد المنعم سعيد من أن استخدام مصر للقوة الصلبة فقط آتى بنتائج عكسية، وأن تأثير القوة الناعمة يأتي في إطار نسبي أي نتيجة لارتباطها بالبيئة التي تتحرك فيها الدولة، وفي مصر نجد أن صعود القوة الناعمة المصرية ارتبط بصعودها في الإقليم، مشيرًا إلى أنها عندما تراجعت هذه المكانة تراجعت القوة الناعمة المصرية في ظل صعود قوى إقليمية أخرى، وحتى في وثيقة رؤية مصر 2030 تم تجاهل كيفية النهوض بالقوة الناعمة المصرية.
-
من جانبه، تساءل السفير/ أحمد رزق، عضو المجلس، عن مدى إتاحة المناخ السياسي في مصر منذ 2011 المجال للقوة الناعمة، خاصة وأن القوة الصلبة أصبحت القوة الحاكمة والفاعلة، متسائلًا عن كيفية العودة لأن تكون القوى الناعمة المصرية مصدر لجذب محيطها الإقليمي، الذي تراجع تأثيرها فيه، وبدأت حالة الانكسار عقب هزيمة 5 يونيو 1967،مع تأكيده على ضرورة معرفة أسباب التراجع ومعالجتها.
-
تساءلت النائبة/ أنيسة حسونة، نائب رئيس المجلس، عن عنصر البداية للنهوض بالقوة الناعمة المصرية، منوّهًة إلى أهمية ترتيب الأولويات ووضع استراتيجية لذلك تكون شاملة لكافة عناصر القوة الناعمة.
-
أكد د. محسن توفيق، عضو المجلس، أن اللغة العربية تفرق بين “القوة” و”القدرة”، فالقدرة هي قدرة كامنة وعند استخدامها تتحول لقوة ظاهرة، مُنوّهًا بأن عند مقارنة القوة الناعمة المصرية والصينية نجد أن الصين تتمثل نهضة قوتها الناعمة في إتّباع فكر جديد، وإدارة رشيدة وظفت خلالها تاريخها الحضاري مع العلم والتكنولوجيا والثقافة الحديثة.
-
أكد السيد/ أحمد أبو شادي، عضو المجلس، أن إصلاح الأساسيات هو الصعب والمدخل الأساسي لدراسة الأوضاع في مصر، مُنوّهًا بأن مصر تمتلك مقومات حقيقية للقوة الناعمة لابد من استثمارها والنهوض بها بالتوازي مع القوة الصلبة في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة.
-
أشار السفير/ محمد الشاذلي، عضو المجلس، الى أنه منذ العصر الإسلامي والمماليك والنهضة المعمارية كانت لدى مصر قوة ناعمة قوية، ومنذ عام 1952 تراجعت تلك القوى نتيجة توظيفها في السياسة، وعليه فما تحتاجه مصر هو إعادة توظيف وتوجيه قوتها الناعمة وعدم قصرها على مخاطبة الجانب الغربي، خاصة وأن قوة مصر تستلهم بشكل أساسي من محيطها العربي.
-
تعقيب ختامي للدكتور/ عبد المنعم سعيد
أكد د. عبد المنعم سعيد أن القوة الناعمة مفهوم متعدد الأبعاد لكنه في ذات الوقت لا يختلط بعناصر الدولة ومؤسساتها كالصحة والتعليم والتدريب، فهي خدمات أساسية تكفلها الدولة للمواطنين، مُنوّهًا إلى أن القوة الناعمة تكتسب قوتها من قوة التأثير المستقبلي على محيطها الإقليمي، مُستشهدًا على ذلك بالتجربة الإماراتية. وفيما يتعلق باللغة، أكّد أن اللغة تلعب دورًا مؤثرًا مهمًا باعتبارها أحد العناصر الأساسية للقوة الناعمة، مشيرًا إلى أن اللغة الإنجليزية هى لغة عالمية، وتمثل أحد عناصر القوى الناعمة الأمريكية، وأشار أن مصر، على مدار تاريخها، كانت تمتلك قوة ناعمة مؤثرة في منطقة المتوسط، والجوار الجغرافي لها المتمثل في العالم العربي، أعقبها تراجع هذا الدور إلا أن مصر لديها تاريخ وحضارة لاتزال تمثل حجر الأساس في القوة الناعمة المصرية، يجب البناء عليها.
وفي هذا السياق أكد أن مصر بحاجة لبعث قواها الناعمة ثم الُمضي قدمًا للمستقبل، مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن السلام الذي حققته مصر تم باستخدام القوة الصلبة وسط منطقة مليئة بالتحديات والصراعات، وعليه فلابد من وضع استراتيجية متكاملة قائمة على وضع استراتيجية تتعلق بكيفية إدارة عناصر القوة المصرية الناعمة والصلبة.
الجلسة الأولى
التجارب العالمية في بناء القوة الناعمة: دروس مستفادة
-
افتتح السفير/ عبد الرؤوف الريدي، الرئيس الشرفي للمجلس، الجلسة الأولى، مُنوّهًا إلى أن المجلس المصري للشئون الخارجية يُمثّل أحد عناصر القوة الناعمة شأنه كباقي منظمات المجتمع المدني في العالم، خاصة وأن القوة الناعمة المصرية لا يُمكن فصلها عن الساحة الإقليمية والعالمية، أو المواثيق الدولية، والتي كان ميثاق الأمم المتحدة هو بداية حقيقية لبدء عصر تفعيل عناصر القوة الناعمة العالمية، وإنهاء مرحلة الحرب العالمية الثانية، الممثلة أكبر استخدام لعناصر القوة الخشنة، ومنذ ذلك الحين والعالم يعتمد على الميثاق الأممي لإدارة ملفاته وقضاياه، مشيرًا إلى أن التضامن العالمي مع مصر خلال العدوان الثلاثي عليها عام 1956 كان أحد المظاهر الأساسية لترسيخ ما جاء به الميثاق الأممي من ترسيخ للسلام العالمي.
وفيما يتعلق بالقوة الناعمة المصرية، أوضح أن مصر كان لها تأثير كبير على محيطها العربي والإقليمي، فالثقافة والسينما المصرية كانت تلعب دورًا مهمًا في هذا الإطار، إلا أن القوة الناعمة المصرية تراجعت نتيجة لتراجع عناصرها الأساسية وصعود القوة الصلبة في مقابلها، مطالبًا في هذا السياق بضرورة إعادة الإحياء لتلك العناصر، وبخاصة العنصر الثقافي بهدف مخاطبة العقول الشابة، مُستشهدًا بأن إيران تمكّنت بعناصر قوتها الناعمة من فرض ولعب دور قوي في المنطقة والعالم، وواجهت العديد من التحديات.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن التأثير الخارجي ما هو إلا إنعكاسًا للقوة الداخلية، والذي يُمثّل العنصر الشبابي فيه عاملاً مهمًا، وهو ما يتطلب أهمية مخاطبة فكر الشباب والوصول إليهم، خاصة وأن ذلك يُمثّل أحد العناصر الأساسية في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف، فالمعركة فكرية وليست أمنية بالأساس، وهو ما اتضح من خلال ظهور جماعات الفكر المتطرف، والجماعات الإرهابية وسط تراجع لدور الأزهر الشريف.
-
من جانبه، أعطى السفير/ الريدي، الكلمة للدكتور/ محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية، لاستعراض التجارب العالمية للقوة الناعمة، حيث أكد على النقاط التالية:
-
مفهوم القوة الناعمة وفقًا لتعريف “جوزيف ناي” يتعلق باستخدام الجذب والإقناع لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، وعليه كل ما يرتبط بالقوة الناعمة هدفه موجه للخارج، وعليه فكل ما يرتبط بشكل أساسي بالوضع الداخلي ولا يستهدف مخاطبة الخارج فهو لا يتعلق بمفهوم القوة الناعمة، وبالتالي فتجديد الخطاب الديني ودعم الثقافة المصرية بكافة عناصرها لابد من وضعه في إطار يخاطب الخارج حتى يُمكن اعتباره أحد عناصر القوة الناعمة، مُنوّهًا إلى أن فترة الستينيات ارتبطت خلالها قوة مصر الناعمة بالقومية العربية، بينما كانت القوة الناعمة أحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية.
-
القوة الناعمة ليست بديلة عن القوة الصلبة سواء العسكرية أو الاقتصادية، وفي ظل القيود الضخمة في هذا العصر، واستمرار العقوبات الاقتصادية والقوة العسكرية وفشلها في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، يزيد الاعتماد على القوة الناعمة، ولم يعد استخدام القوة الناعمة حكرًا على أحد أو على قوة بعينها، وبالرغم من أن القوة الناعمة هدف خارجي إلا أن قوتها تعتمد على القوة الداخلية، مشيرًا إلى أن الدولة لم تعُد تمتلك مصادر للقوة الناعمة، مشددًا على أنه من المهم وجود أدوات واستراتيجية لمخاطبة الخارج، والأهم، كما أشار “جوزيف ناي”، (القيم السياسية) للدولة التى يجب أن يكون لها القدرة على جذب الآخر، فهي تعتمد على استراتيجية هجومية ودفاعية.
-
بناء القوة الناعمة ليست حكرًا على الدولة، وهناك دور كبير للقطاع الخاص، ولمنظمات المجتمع المدني، كالدور الذي يلعبه المجلس المصري للشؤون الخارجية، مُقترحًا في هذا السياق، وجود مجلس عربي للشؤون الخارجية مقره مصر.
-
مؤشرات القوة الناعمة (كيف تقاس قوة الدولة الناعمة وما هى مكوناتها؟)
-
تحدث “جوزيف ناي” عن الآداب والفنون الموجهة للنخبة، والمسرح، والتلفزيون، وسينما موجهة للجماهير.
-
هناك ما يرتبط بالقيم السياسية وتطبيق الشفافية والعدالة والمساواة في مؤسسات الدولة (الدولة النموذج).
-
النشاط الدولي والدبلوماسي للدولة.
-
أيضاً وعليه فالمسألة ليست قاصرة على الأدب والسينما، بل لها بعد أكبر يتعلق بالنموذج السياسي، والنشاط الدبلوماسي للدولة، وتلك كانت المحاولة الأولى لوضع مؤشرات للموضوع ثم تُقّدم للعالم، ويوجد مؤشر دولي لقياس القوة الناعمة للدولة تقوم به أحدى المؤسسات الإنجليزية مع الفيس بوك ترتب فيه أهم 30 دولة من حيث قوتها الناعمة، ويمتاز هذا المؤشر (Soft Power 30) بمصداقيته ( وفقاً للدكتور كمال) ، والواقع أن “جوزيف ناي” قدّم مقدمة في العدد الأول من كتابه حول تلك المؤشرات، والتي تضم ست مجموعات (الثقافة والتعليم والتكنولوجيا والنشاط الدبلوماسي والسياسة والاقتصاد)، وفي إطار المجموعات تم وضع 75 مؤشرًا منها:
-
مؤشر الثقافة: يتضمن عدد السياح، الأفلام في المهرجانات الدولية، المراسلين الأجانب في الدولة، حجم السوق الموسيقى، حجم ألبومات الموسيقى التي تُباع في الخارج).
-
مؤشر التكنولوجيا: يتمثل في جودة الموقع الإلكتروني لشركة الطيران الوطنية، عدد المواقع على الانترنت المُرّوجة للدبلوماسية، موقع الرئيس وعدد زواره ومتفاعليه، عدد مستخدمي الانترنت وسعة التحميل.
-
مؤشر التعليم: قدرات الطلاب في العلوم والقراءة، عدد الجامعات في الترتيب الدولي، النشر الدولي للأكاديميين والطلاب، عدد الطلاب الأجانب في الدولة.
-
مؤشر الدبلوماسية: عدد السفارات في الخارج.
-
مؤشر الاقتصاد: ترتيب الدولة في مستوى التنافسية الدولية، ترتيب الدولة في تطبيق سياسة الحريات الاقتصادية، الإنفاق على البحث والتنمية، مؤشر سهولة الأعمال، حجم الصادرات للعالم.
-
مؤشر السياسة: ترتيب حجم التنمية البشرية، ترتيب الحريات، عدد مراكز الأبحاث، المساواة بين الجنسين، الثقة في الحكومة، حرية الصحافة، الحكم الرشيد.
-
مؤشر (SOFT POWER 30): يعتمد في قياس تلك المؤشرات على المؤشرات الصادرة عن المؤسسات الدولية،
وبالإضافة للمؤشرات الست السابقة، تم إجراء استطلاع للرأي العام في عدد من الدول لمعرفة رؤية شعوب الدول الأخرى في الدول المرتبة، لأنه من المهم رؤية المُتلقي واستخدموا استطلاع الرأي في عدد من الدول كإنطباعاتهم عن الترحيب بالزوار في تلك الدولة، ومدى جاذبية الدولة للسياح الأجانب، وأثر السياسة الخارجية لتلك الدولة (مدى فاعلية دورها في صنع السياسة الخارجية، طريقة صنع هذه السياسة). وبالتالي فالقوة الناعمة ليست قاصرة فقط على الجانب الثقافي والفن بل ترتبط بتفاعل العديد من العوامل.
-
عقب ذلك استعرض د. محمد كمال عدد من تجارب الدول:
-
تحتل الولايات المتحدة الصدارة في تقرير عام 2016، عقب تراجع مكانتها في التقرير الصادر في 2015 حيث احتلت المرتبة الثانية وسبقتها بريطانيا، وفي 2016 كانت الولايات المتحدة الأولى عالميًا نتيجة لتحسن مؤشر التعليم من حيث ترتيب الجامعات، وجذب نحو 28% من الطلبة في العالم، وارتفاع الإنتاج الثقافي الأمريكي، وصناعة السينما وتأثيرها على مؤشر السياحة، وكذلك مجال الفن والرياضة، مُنوّهًا إلى أن التكنولوجيا الرقمية كانت المؤشر الأفضل، في حين شهد مؤشر الانطباع لدى الشعوب الأخرى تراجعاً، نتيجة تراجع مدى تأثير سياستها الخارجية لتصل في هذا المؤشر لـ (27) من إجمالي (30) دولة.
-
في حين تلعب بريطانيا دورًا مهمًا في مؤشر التعليم والفن والرياضة والتعليم، وبخاصة عدد من المؤسسات الإنجليزية كالمجلس الثقافي البريطاني في مجالي التعليم والثقافة، وذلك على الرغم من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثّر على ترتيبها، وهو ما يُوّضح أهمية مؤسسات الدولة الداخلية في التأثير في القوى الناعمة للدولة.
-
أوضح أن ألمانيا تحتل الترتيب الثالث، وهو يعود بشكل أساسي لدورها داخل الاتحاد الأوروبي، ودورها في الاقتصاد العالمي، وسياستها في استقبال اللاجئين.
-
بينما كندا تقدم ترتيبها في المؤشر عقب انتخاب رئيس وزرائها الجديد، واستخدامه الفعّال لوسائل التواصل الاجتماعي.
-
تلعب الصين دورًا مهمًا في مجال القوة الناعمة، وبخاصة على صعيد القارة الأفريقية، مشيرًا إلى أن معهد كونفوشيوس يلعب دورًا مهمًا في نشر الثقافة الصينية، كما تُقدّم الصين نفسها للعديد من الدول النامية، وبخاصة الدول الأفريقية كنموذج للنمو الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونموذج سياسي لإدماج الحزب الواحد في الأحزاب المختلفة.
-
وحول سنغافورة أشار إلى أنأهم ما يميزها هو إدارة التنوع السكاني بشكل سلمي، خاصة وأنها تضم أكبر قدر من التنوع الديني، وكذلك الحال بالنسبة للهند، والتي زاد تأثيرها عقب انتخاب رئيس الوزراء الحالي “مودي”، والذي يحتل مكانة متميزة فيما يخص التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي.
-
وختامًا أوضح أن تركيا تحتل المكانة الـ27 في مؤشر 2015، وتقدم نفسها كنموذج يجمع بين الشرق والغرب، بالإضافة إلى تقدمها في السياحة والسينما، وتحسن مستوى الطيران التركي، مضيفًا بأن نقاط ضعفها تكمن في البعد السياسي، وحبس الصحفيين.
-
ارتباطًا بما تقدم، عرض د. كمال عدد من الملاحظات على القوة الناعمة المصرية:
-
أن مصر بها مخزون قوي من القوة الناعمة، وما يحتاجه هو التنشيط والتنمية مع ضرورة أخذ تلك المؤشرات في الاعتبار، ورؤية مكانة مصر ونقاط الضعف والقوى الموجودة، وكذلك إجراء استطلاع للرأي، وبخاصة في الدول العربية حول رؤية الشعوب العربية لمصر.
-
أهمية تشكيل لجنة تابعة للمجلس يتم العمل من خلالها على إعدادا خطة عمل حول أهم التوصيات، لا تركز على المؤشرات جميعها، بل يتم فيها التركيز والاستثمار في ما تملكه مصر من نقاط قوة.
-
هناك ارتباط كبير بالإنفاق الحكومي، وهو ما يستلزم من الدولة المصرية إعداد دراسة حول الإدارة الأمثل للإدارة الرشيدة للحكم، بالإضافة إلى ترتيب أولويات الإنفاق، والتنسيق بين كافة مؤسسات الدولة لإعداد دراسات تتعلق بالنهوض بالقوة الناعمة في الدولة، وهل يتم إدارتها من قبل هيئات مستقلة أم من قبل مؤسسات قيادية في الدولة؟.
-
لابد من إيلاء الدبلوماسية الرقمية مزيدًا من الأهمية، ولابد من تفعيل دورها وكيفية استخدامها في المجال الدبلوماسي، وإدراك أن التأثير في العالم لابد أن يُخاطب ويتفاعل مع العالم في كافة المؤشرات.
عقب ذلك طرح عدد من الأعضاء بعض الملاحظات حول ما ذكر، جاءت على النحو التالي:
-
أكد د. محمد بدر الدين زايد، عضو المجلس، أنه تم اقتراح تنظيم مؤتمرات مشابهة، وأن مصر منذ القدم تتحدث عن النهوض بالقوة الناعمة إلا أن الحديث عن القوة الشاملة يلزمها الإجبار، مُنوّهًا إلى أن ما تواجهه مصر حاليًا يختلف عما كان في الستينيات من القرن الماضي في ظل تصاعد قوى إقليمية، وتراجع تفاعل الرأي العربي مع القوة الناعمة المصرية، بعد أن كانت تُقّدم صياغة للعقول، على الرغم من أن مصر لاتزال تحتفظ بعناصر من القوة الناعمة، ولكنها تواجه مظاهر للتآكل في ظل تصاعد المنافسة بين الدول العربية والإقليمية وعلى رأسها النموذج التركي.
وفي هذا السياق اقترح سيادته أن يتبنى مقترح الدكتور محمد كمال، بأن يتم صياغة الأفكار حول كيفية خروج مصر من أزمتها الراهنة في كافة المجالات، وتفاعلها مع القوى الناعمة العالمية، مع وضع أجندة للعناصر التي تُمثّل أولوية لتلك المرحلة.
-
حذّر الدكتور/ رجائي فايد، عضو المجلس، من الهجمة الشرسة التي يواجهها الأزهر، بل وتم إعلان البعض عن وفاة الأزهر بمناسبة تشكيل الرئيس مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب، على الرغم من أن الأزهر يُمثّل أحد الأذرع الأساسية للقوة الناعمة المصرية، التي يجب إيلائها الاهتمام، وإعادة الثقة لدى أذهان الشباب بدور الأزهر، عن طريق فك الارتباط بالحكومة المصرية، وكذلك الحال بالنسبة للكنيسة المصرية، خاصة وأن تراجع أدوار تلك المؤسسات الدينية لعب دور مؤثر في صعود الجماعات الإرهابية الأخرى المستهدفة لعقول الشباب، مع أهمية إعطاء الأولوية للعناصر التي تملكها مصر من خلال رؤية متناسقة بين كافة مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الإعلام والذي يمثل المنبر الذي يقدم مصر للعالم.
-
وفي ذات الشأن، أكّد السفير/ رخا حسن، عضو المجلس، أن القوة الناعمة نشأت في استراتيجية متكاملة للدولة، فمثلًا التجربة الكورية الجنوبية تم وضع خطة متكاملة ساهمت في النهوض بكافة قطاعات الدولة، مشيرًا إلى أنه في مصر لابد من استلهام الماضي لبناء المستقبل.
-
بينما أكّد السفير/ محمد حجازي، عضو المجلس، أن مخزون مصر من القوة الناعمة يُعاني من امتزاجها بإطار السياسة والانشغال بالتنمية الاقتصادية والثقافية، معربًا عن أمله أن يتم ذلك في إطار مؤسسي يتناول جهود سبل النهوض بالقوة الناعمة، وأن يكون ذلك الأساس لتحقيق الجهد التنموي، داعيًا لضرورة مأسسة القوة الناعمة من خلال إحياء مشروع “إنشاء وزارة للقوة الناعمة”، تستهدف التنمية السياسية والبشرية.
-
أكد السفير/ محمد العشماوي، عضو المجلس، أن “ناي” هو مُنّظر لفكرة القوة الناعمة في العلاقات الدولية، وأشار إلى أن الموضوع في مصر يتعلق بصياغة استراتيجية تتعلق بالقوة الشاملة المصرية، وكيفية مواجهة عملية سقوط الدول العربية داعيًا لتبني مشروع أمن قومي عربي، مستشهدًا بكتاب للدكتور حامد ربيع عام 1984 بعنوان “نظرية الأمن القومي العربي”، مضيفًا بأن الحاجة لمشروع أمن قومي عربي نابعًا من فكرة العروبة والإسلام معًا، داعيًا لأهمية عودة الأزهر لممارسة دوره كأحد العناصر الأساسية في القوة الناعمة المصرية للحفاظ على الدولة القطرية العربية، وبناء قوة عربية في إطار الجامعة العربية بعد إعادة هيكلتها كمنظمة إقليمية يتم من خلالها تحقيق خطوات عملية على طريق تحقيق الاندماج الاقتصادي والثقافي والسياسي العربي.
-
أكّد السفير/ أحمد رزق، عضو المجلس، على ضرورة الترويج للقوة الناعمة المصرية أمام العالم، خاصة وأنها جزء من القوة الشاملة للدولة، مشددًا على أهمية تبني مشروع أمن قومي عربي إسلامي بمفهومه الحضاري، من أجل الحفاظ على الدول العربية والمنطقة بصفة عامة من الانهيار.
-
من جانبه، طالب السفير/ محمد قاسم، عضو المجلس، بدراسة أسباب تراجع عناصر القوة الناعمة في مصر وما آلت اليه الأوضاع حالياً.
-
تعقيب ختامي
عقّب د. محمد كمال على ما سبق ذكره، بأن ممارسة القوة الناعمة قائمة منذ الحضارات القديمة، ولكن “جوزيف ناي” قدم الإطار النظري في هذا الشأن، مضيفًا بأن السياسة الخارجية المصرية ارتبطت بها القدرة على تقديم أفكار جديدة بغض النظر عن مدى قابليتها للتنفيذ، في ظل ما نشهده من تراجع لمدى فعالية قيادة العمل السياسي نتيجة التوقف عن إطلاق مبادرات تعبر عن السياسة الخارجية المصرية. مؤكدًا على أهمية الاستفادة من تجارب الدول الكبرى ومعرفة بداية الانطلاق، وكذا الاهتمام بإعداد خطاب يعبر عن الرؤية المصرية يوجه للعالم، وهو ما يتطلب رؤية شاملة لإصلاح كافة المجالات، على أن يسبق ذلك تحليل لأسباب اندثار القوة الناعمة المصرية في ظل تصاعد ووجود لاعبين إقليميين ودوليين يعملون على ذلك.
الجلسة الثانية
القوة الناعمة المصرية: الفرص والتحديات
-
أكد السفير/ محمد أنيس سالم، عضو المجلس، أن ما تشهده المنطقة الحالية من توترات أدى لتعاظم إنفاقها على الشق العسكري، وتراجع العناصر الأساسية للقوة الناعمة في العديد من الدول، في ظل تمتع مصر بوزن نسبي في المنطقة يلقي على عاتقها وضع استراتيجية شاملة لكافة عناصر القوى الصلبة والناعمة، وعلى رأسها التعليم لمواجهة التحديات القادمة، مع إجراء حوارات تضم نخب المنطقة لصياغة هذه الرؤية، والاسترشاد بالصيغ وتجارب العديد من الدول، وعلى رأسها الصين، مشيرًا إلى أنه في المؤتمر الـ 17 للحزب الشيوعي الصيني في عام 2007، تم وضع استراتيجية من 3 عناصر تتضمن، تعزيز المضمون لنموذج صيني يتضمن النهوض بالآداب والفن، تطوير أدوات العمل لتلفزيون (CCTV)، إقامة 400 معهد كونفوشيوس حول العالم والاهتمام بقطاع السينما.
مضيفًا بأنه في الولايات المتحدة، حدد “جوزيف ناي” 3 عناصر للقوة الناعمة الأمريكية هي: الثقافة الأمريكية، والمنظمات الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أنه تم تغيير تلك العناصر عام 2000 لتتضمن الثقافة المؤثرة، والمخاطبة للعالم، والقيم السياسية والاجتماعية، والسياسات الخارجية.
وأوضح أن من ضمن المؤشرات التي تم الاهتمام بها والاعتماد عليها كمعايير رئيسية هي: مبيعات الكتب والموسيقى، والفائزون بجائزة نوبل، ومتوسط العمر المتوقع، وعدد السياح، بالإضافة إلى عدد الطلبة الأجانب، وكذا المكان المفضل للعيش بخلاف البلد الذي يُقيم فيه الشخص.
وحول العناصر الأساسية لتعزيز قوة الدولة الناعمة، أكّد أن كفاءة ذلك يعتمد على أن يتم خلال مدة زمنية معقولة، بتكاليف أقل، وأن تكون الاختيارات سهلة التطبيق (إذا وُضع نموذج عملي غير مكلف تكون حلوله سهلة التطبيق).
وفيما يتعلق باستراتيجية التطوير المصرية نوّه إلى أهمية أن تتضمن النقاط التالية:
-
العمل على تعزيز صورة مصر ومكانتها الإقليمية المؤثرة، ووقف تدهورها.
-
تخصيص المزيد من الموارد والفرص لخلق دورة إيجابية تصاعدية في كافة المجالات.
-
وضع نماذج استرشاديه لذلك، مع إجراء عمليات تقييم، وهو ما سيساعد بدوره على تسريع وتيرة عملية الإصلاح والتنمية.
-
وأضاف سيادته عدد من الوسائل اللازم توافرها لتحقيق ذلك، ومنها:
-
اختيار 10 عناصر من عناصر القوة الناعمة المصرية المرشحة للإصلاح عبر معايير محددة.
-
وضع خطة عمل واضحة وسهلة التطبيق.
-
تحديد جهة مركزية للإشراف والتنسيق والمتابعة.
-
مراجعة وتقييم العمل قبل إطلاق المرحلة الثانية.
-
وحول القيادة والإدارة، اقترح سيادته عدة جهات تتضمن:
-
مجلس الأمن القومي (له دور في التخطيط والإشراف والمتابعة).
-
وزارة التخطيط (يتلخص دورها في إعداد خطة عمل تلحق برؤية مصر 2030).
-
مجلس للشؤون الخارجية (لإعداد مشروع خطة عمل نموذجية).
-
تحديد 10 مجالات للقوة الناعمة، و10 خبراء لإعداد مقترح للتطوير، وتحديد ميزانية لتنفيذ المبادرة، وعقد ورشة عمل لبحث المقترحات.
-
وحول الأولويات الواجب الاهتمام بها عند صياغة الرؤية المصرية، نوّه إلى أهمية تمتعها بالمعايير الآتية:
-
امتلاك مصر ميزة نسبية مقارنة بالدول الأخرى، وهو ما يمثل ضمانة لأكبر عدد من المتلقين، على أن تكون العناصر سهلة الإصلاح غير مُعّقدة وذات تكاليف أقل، على أن يتم الأخذ في الاعتبار ضرورة ظهور نتائج عملية الإصلاح خلال عامين.
-
أن خطة العمل لابد أن تتضمن تحديد القطاع أو المؤسسة المسؤولة، طرح التدخل الرئيسي (مثلًا أن يتم من خلال صندوق قومي لتمويل 5 أفلام سنويًا)، تحديد المؤشرات ومعايير الأداء(مثلًا أن يحقق الفيلم جائزة سنوية، أن يدرج أحد المطارات الرئيسية ضمن أفضل 100 مطار في العالم).
-
واختتم كلمته بصياغة بعض المقترحات الواجب الاهتمام بها عند صياغة استراتيجية لصياغة عناصر القوة الناعمة المصرية:
-
الثقافة والإعلام والنشر (المسرح، السينما، التلفزيون، الطباعة والنشر، الصحافة المطبوعة) مع إمكانية تولي خبراء لكل مجال لتقديم تقارير حول استراتيجية النهوض للمجلس.
-
المجالات المبتكرة(برمجيات، رياضة، إعلام اجتماعي).
-
أساسيات (الأزهر والتعليم، العمل الدبلوماسي ودبلوماسية المسار الثاني، السياحة، والطيران، الآثار).
عقب ذلك طرح عدد من الأعضاء بعض الملاحظات حول ما ذكر، جاءت على النحو التالي:
-
استشهدت السفيرة/ جيلان علام، عضو المجلس، بالنموذج الهندي الذي حرص منذ استقلاله على النهوض بالقوة الناعمة، وأقام مجلس هندي للعلاقات الخارجية، برئاسة نائب رئيس الجمهورية، ويتمتع باستقلال كامل من خلال تخصيص ميزانية مستقلة له، وهو يختص بالأساس في نشر الثقافة الهندية، ويروج لاقتصادها، وبأنها من أكبر الديمقراطيات في العالم، وهو يلعب دور أساسي في دعم نشاط القوة الناعمة، وتخصيص قرى للتكنولوجيا الإلكترونية والبرمجيات، مشيرة إلى أن هناك (50–60) عامل في هذا المجال، وعليه فالهند استفادت مما تتمتع به من ميزة نسبية، وهو ما يستوجب على مصر فعله خلال المرحلة القادمة من تحديد أولويات تلك العناصر والبدء في تعزيزها.
-
من جانبه، أكّد السفير/ رخا حسن، عضو المجلس، أن مصر تمتلك مؤسسات قوية في مجال القوى الناعمة تحتاج لإعادة تفعيل كالمسارح المغلقة، مع تأكيده على ضرورة تشكيل منظومة للإعلام تضم الإعلام الحكومي والخاص، وغيره من القطاعات، وهو ما يستوجب صياغة استراتيجية قومية من كافة مؤسسات الدولة، مع تخصيص جزء من ميزانية الدولة لذلك حتى يتم الانتهاء من المرحلة الأولى، مع أهمية ترشيد الإنفاق الحكومي المخصص، على أن يتم فيتح الباب للقطاع الخاص والمنظمات الأهلية.
-
بينما أوضح السفير/ محمد الشاذلي، عضو المجلس، أن التهاون بالتراجع النسبي في القوة الناعمة المصرية وعدم أخذ الحيطة منذ البداية، كان عاملاً أساسيًا في استمرار التدهور وتراجع التأثير، وهو ما يتطلب في الرؤية المصرية الجديدة، الدراسة المُبكرة لأسباب التراجع ومعالجته في مراحله الأولى، مع الاهتمام بعنصر الإدارة الرشيدة، وحرية الإبداع والفكر، بدلاً من الاكتفاء بالمأسسة والإدارة الحكومية كما ذُكر، وكذا أهمية التمتع بقدر من اللامركزية، وتطوير المؤسسات القائمة حاليًا.
-
في حين طالب السفير/ محمد سعد عبيد، عضو المجلس، المجلس بضرورة إيلاء الموضوع المزيد من الاهتمام والتعاون في هذا السياق مع مؤسسات الدولة المعنية كالأزهر الشريف ووزارة الثقافة، والتي لها دور بارز في هذا المجال، بالإضافة إلى وضع رؤية تشترك فيها كافة مؤسسات الدولة، وتخصيص مجموعات عمل لمتابعتها.
-
وفي ذات السياق، أكّد السفير/ محمد بدر الدين زايد، عضو المجلس، أن تراجع فاعلية القوة الناعمة المصرية لا يعني اندثارها، مُنوّهًا إلى أهمية البناء على الأسس الموجودة فعليًا، خاصة وأن مؤسسة الأزهر هي مؤسسة لاتزال تمثل مرجعًا أساسيًا في العديد من الدول، مُقترحًا ضرورة تحول اللقاء لمجموعة من ورش عمل بقيادة المعنيين في هذا المجال، لمناقشة كيفية عودة القوة الناعمة المصرية، مع العمل على إعداد مشروع عمل متكامل من قبل خبراء معنيين بالعمل في هذا الإطار، وإصدار ورقة عمل في كل مجال، خاصة وأن أي تحسن نسبي في أحد المجالات سيرافقه تحسن في المجالات الأخرى.
-
من جانبه، شدّد د. جمال يوسف، عضو المجلس، على أهمية التعامل مع الواقع والتحديات الراهنة في ظل فرض قيود أمنية صارمة لتحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما قد يصاحبه قيود على الفكر وحرية الإبداع، وهو ما يستوجب سرعة التحرك للارتباط والتنسيق مع العالم.
-
تعقيب ختامي
اختتم السفير/ محمد أنيس سالم، حديثه بالتأكيد على ضرورة تحديد الأولويات والاستثمار في عناصر القوى الناعمة بما يُدر عائدات على مصر بأقل تكلفة ممكنة في مدى زمني قصير، والتعاون مع مؤسسات الدولة لتقديم الرؤية والمشورة، بالإضافة إلى دعوة خبراء ومتخصصين لإجراء مناقشات مُوّسعة تُثري الرؤية المزمع صياغتها.