“أثر التقدم التكنولوجى على السياسة الدولية وتوازنات القوى”- السفير محمد الشاذلى
أبريل 17, 2019لقاء السفير الإيطالى بأعضاء المجلس
أبريل 23, 2019
بتاريخ 21 إبريل 2019، استضاف المجلس محاضرة للدكتور/ محسن توفيق عضو المجلس، للحديث عن موضوع “من الأساطير إلى الفكر المنظومي…تطور الفكر الإنساني في فهم العالم والحياة من خلال الصوفية والفلسفة والدين والعلم”، بمشاركة السفير/د. منير زهران رئيس المجلس، ومديره السفير/د. عزت سعد، وعدد من أعضاء المجلس من السفراء والأكاديميين، كما شهد اللقاء حضور المهندس/ رمزي العدل.
بدأت أعمال اللقاء بترحيب السفير منير زهران بالحضور منوهاً لأن موضوع المحاضرة تكمن أهميته في أنه يسلط الضوء على تطور منظومة الفكر العالمي على مدى 5000 عاماً، وماحدث من تطوير للمفاهيم نتيجة التقدم في المجال المعلوماتي وفي الفكر الإنساني.
عقب ذلك أعطى رئيس المجلس الكلمة للدكتور/ محسن توفيق عضو المجلس، الذي أكد أن الهدف من المحاضرة هو استعراض تطور الفكر العالمي على مدى 5000 عاماً، خاصة وأن هذا سيمكننا من مواجهة المشاكل والتغيرات الحادثة في العالم كون أن معظم تلك الأخطاء عادة ماتنجم عن الافتقار لوجود المعلومات أو الخطأ في القيم والتقديرات أو نتيجة لضغوط خارجية، وهذا بالضرورة يثير تساؤلات حول كيفية التفكير واستقاء مصادر المعلومات والتي قد تكون من أمور تأملية (حدسية) ومصدرها (الدين والصوفية)، أو من أمور ومسلمات عقلية تعتمد على الفلسفة وبالتالي فهي ليست نتيجة للتجربة، وليست علم تجريدي، وإنما علم تجريبي مستقي من المظاهر المجتمعية، الواقع أن استقاء المعرفة قد ساهمت في تغيير التفكير البشري من الأساطير للفكر المنظومي ، فكلمة منظومة أو System يتكونان من أجزاء متشابكة ومعقدة ولها أهداف ، ولتحقيقها يتم الاعتماد على مجموعة من المدخلات والتي من خلالها وعبر عمليات خاصة يتم التوصل للمخرجات المطلوبة.
إن النظام العالمي قائم على تلك المنظومة ولكن لايجب التغافل أن التوصل لتلك النتيجة كان على مر العصور، خاصة وأن العالم في عصور سابقة كان ينظر للنظام نظرة جزئية، لكن نظرة العالم تغيرت ليتم دراسة النظام من مفهوم ونظرة كلية وليس كجزء أو أجزاء منفصلة، وبالتالي فعلى مر العصور تم الانتقال من الفكر الجزئي للفكر الكلي.
خلال العصر القديم كانت مصادر المعرفة مستقاة من المعتقدات الدينية كالهندوسية (من الفلسفة الصينية القديمة) والبوذية، ومع القرن السادس ظهرت مذاهب أخرى متفرعة من المذهب البوذي والزراداشتية، ثم ظهرت الصوفية ، وكلها فلسفات وليست أديان، عدا الهندوسية فلها معالم دينية، وكانت تلك المذاهب ترى أن المعارف العلمية تأتي بإعمال العقل عبر الفلسفة والعلم ولكن كل المعالم الحسية والتأملية تأتي عبر إسكات العقل والتعمق في التأمل بوسائل مختلفة، وقد تكون النتائج لاتتلاءم مع الواقع العملي، وهو مادفع البراما في الهند لتقسيم الحقائق لحقائق عليا (كلية) وأخرى (دونية)، وكلاهما مكملان لبعضهما.
ومع حدوث التغيرات مع دخول الفلسفة للقرن السادس قبل الميلاد وكانت المدارس الفكرية- التي انتقلت من آسيا إلى الإغريق – وأبرزها المدرسة الميليسية و Xenophanes في ذلك العصر، تؤمن أن نظام الحياة ماهو إلا أجزاء تتشكل معاً ، وكان أرسطو قد تبنى تلك الأفكار ولم يتم التخلص من هذا الفكر إلا بعد مرور 2000 عاماً عندما تبين أنه يتعارض مع العلم، ومع دخول المسيحية قامت عدد من الشخصيات البارزة في ذلك العصر كالقديس أوجاستين وتوماس بإدماج بعضً من نظريات أرسطو مع الدين المسيحي بما يتفق مع التفسيرات الإنجيلية للكون، لتصبح تلك الأفكار الفلسفية جزءاً لايتجزأ من الدين المسيحي حتى أن الكنيسة في ذلك العصر كانت تقف أمام من يعارض هذا الفكر.
ومع دخول الإسلام وظهور عدد من الفلاسفة المسلمين البارزين كالرازي وابن سيناء والفرابي والغزالي وغيرهم من العلماء والفلاسفة المسلمين والذين تبنوا كلام أرسطو ولكن دون أن يكون ذلك جزء من الدين المسيحي، كما اتضح في كتاب ابن رشد “في بيان الفلسفة فيما بين الشريعة والحكمة”، حيث أن تلك الأفكار تدخل في إطار فلسفي بعيداً عن إيمانهم بوحدوية الكون ووجود خالق واحد، ووحدة الكون لها 19 تقييماً فلسفياً قاسمهم المشترك هو الإيمان بوحدة الكون وأن الإله هو المتعالي ، لكن في الدين المسيحية يضاف على ذلك الايمان بأن كل شخص هو جزء من الإله.
حتى عام 1419 ومع انتشار عصور الظلام بعد سقوط الحضارة الإسلامية وبدء االعصور الحديثة تم ترجمة كلام ابن رشد وعدد من الفلاسفة المسلمين وتم رصد كتاب نيوتن “الفلسفة والطبيعة”، وبدأ العلم في تأسيس 4علوم رئيسية الفيزياء والرياضيات والأحياء والكيمياء وكل علم نشأ لخدمة غرض معين، وكان ابو العلوم جاليليو قد أكد أن العالم ماهو إلا مجموعة من المعادلات الرياضية ومن ثم كان Francis Bacon وسبقه ابن هيثم، قد وضعوا نظريات لصياغة العلوم بعد النظر للظواهر الطبيعية وصياغتها في شكل معادلات رياضية وحلها، حتى يتسنى صياغتها كنظرية.
وتلا أولئك الفلاسفة إسحاق نيوتن الذي صاغ كل قوانين الحركة وأكد أينشتاين أنه أعظم من صاغ الظواهر المعقدة في شكل معادلات وأن الكون ماهو إلا جسيمات تتحالف لتشكل ظاهرة بعينها، وكان العالم Pierre-Simon Laplace (لبلاس) أول من نقح تلك المعادلات وصححها نتيجة لتغير المدارس والمناهج المتبعة حينها، وبعد مرور فترة واتضاح عدم اتفاق بعد صحة تلك المعادلات والنظريات المستقاة منها، تم إسقاطها ووجدت دعوات للتخلي عن فكر نيوتن ، ومن هنا كان التوجه من النظرة التكاملية للنظرة الانفصالية التي تقسم العالم لأجزاء و لقوانين صاغها الخالق بشكل دقيق، ومع الاكتشافات التكنولوجية وجد تغير في الفكر لننتقل من الفكر الجزئي للفكر الكلي خاصة بعدما وجدت شكوك أن قوانين نيوتن لاتصلح لوصف كافة الظواهر، وبحلول القرن العشرين وجدت نظرية الكم التي صاغها أينشتاين وأن الطاقة الصادرة هي كميات ، وكذا النظرية النسبية التي لم يتمكنوا حتى الآن من إثباتها خلافاً للنظرية الكمية ، وكانت النظرية النسبية قد أكدت أن كل موجة من الضوء تصدر بشكل محدد من الطاقة لها كم معين ، وأن الأجسام التي تتحرك في الكون تتحرك بسرعة تعادل سرعة الضوء وفقاً للنظرية النسبية، وكانت النظريتان قد أحدثتا انقلاباً في المفاهيم ، حيث لخصت النظرية النسبية المادة بأنها عبارة عن طاقة مكثفة (معادلة الطاقة = الكتلة×مربع سرعة الضوء).
في حين ركزت النظرية الكمية على الذرة وجزيئاتها والتي لايمكن فصلها في المعامل كونها تتمتع بالروابط العضوية وبالتالي فالنظريتين قد أظهرت عدم صحة بعض النظريات التي صاغها نيوتن، كما أدركوا أنه من الصعب بمكان التوصل للتفاصيل الصغيرة المنشئة للنظام الكوني، وأن كل مافي الكون لايخضع للحتمية والتجريدية بل هو عبارة عن ديناميكية متغيرة لايمكن ضبطها.
وتلك النظرية أيدتها وأثبتت صحتها العلوم الأخرى من الأحياء والكيمياء وعلم الفلك، ومن هنا ظهر علم جديد وهو علم Ecology الذي يتحدث عن الكائنات الحية وعلاقته بالوسط المحيط (البيئة) وعلاقته مع مجموعة الكائنات الأخرى، ومن هنا فالعلم هو دراسة لشبكة من العناصر الجديدة يتم إدخالها في كل مرحلة والتي توضح لنا أن العالم ما هو إلا شبكة مترابطة تتم في دورات مستمرة.
ومع الثورة الصناعية وانتهاء الحرب العالمية الثانية ظهر علم Cybernetics ليبدأ منذ العام 1970 دخول التكنولوجيا وتأثيرها في الفكر الانساني وليبدأ مع هذا العصر الفكر المنظومي كطريقة جديدة للتفكير والتي تقوم على التعامل مع الكل وليس الجزء ثم ظهرت نظرية التعقيد التي تؤكد أن كل المنظومات معقدة وأعقب ذلك نظرية الفوضى، وبحلول العام 1973 أكدت المنظومة الفكرية أن الإنسان جزء من نسيج الحياة، ومن الجدير بالذكر أن الفوضى في الفكر في فترة ما هي التي خلقت النظريات التالية والتي امتازت بتفسير بسيط لواقع تلك الفوضى التي تصاحبت مع تلاشي بعض النظريات القديمة كنظريات نيوتن، و حتى ستتلاشى كنظرية دارون الخاصة بالصراع من أجل البقاء.
ليتشكل الفكر المنظومي القائم على علوم مترابطة ومتقاطعة عليه وليست حتمية بل متغيرة تأخذ باعتبارها الكم والكيف وتقوم على التعاون بين الشعوب ووضع الاستراتيجيات والأفكار اللازمة لحل أية مشكلات بعد إجراء المشاورات المختلفة ودراسة الكل بشكل متكامل مع تجنب الدخول في التعقيدات وتفعيل العلوم المختلفة لخدمة البشرية، وإذا ماتم تطبيق الفكر المنظومي في أي مجال كالتعليم والاقتصاد فلابد من دراسة سلوك كافة المنظومات والمؤسسات وتفاعلاتها مع أية استراتيجية خاصة بقطاع بذاته ودراسة كافة العوامل الداخلية والخارجية وهو الأمر الذي ينسحب عند صياغة الاستراتيجيات والسياسات الخارجية للدول.
مناقشات:
أبدى بعض أعضاء المجلس عدد من الملاحظات على النحو التالي:
1-أكد السفير/ محمد الشاذلي أن محاولة التوفيق بين الدين والعلم كان خطأ فإدخال الفلسفة في الدين كانت سبباً في حدوث صراعات طويلة ذات صبغة دينية، فالعلم أساسه التجريب والاثبات، ولايجب أن يتم الدمج بينهم.
2- في الساق عاليه، أشار المهندس رمزي العدل إلى أن الأرضية التي يتحرك عليها العلم تختلف عن تلك التي تنطلق منها الفلسفة فكلاهما متوازيان ولايمكن أن يتداخلا.
3- دعت السفيرة دولت حسن متخذي القرار في مصر للاستفادة من الفكر المنظومي في وضع السياسات، وتساءلت عن دور العصر الفرعوني في تطوير الفكر المنظومي؟
4- طالب السفير محمد العشماوي بترجمة العلوم الفلسفية للغة العربية حتى يمكن الاستفادة منها ، متسائلاً عن دور الديانة اليهودية في تطور الفكر العالمي خاصة وأن العديد من الفلاسفة والعلماء كانوا يهوداً؟
5- نوًه السفير/د. عزت سعد مدير المجلس، إلى أن التراث الفرعوني في مصر يعاني من الإهمال فبينما لدى مصر 250 بعثة أثرية أجنبية تعمل في البلاد منذ مئات السنين وترتكب بعض هذه المجموعات أعمال نهب وسعت لتحقيق المكاسب من خلال تدريس علم المصريات في أرقى جامعات العالم في مظهر لايوجد في أي دولة أخرى، تفتقر الدولة المصرية لأي استراتيجية لإنشاء أكاديمية مصرية لعلوم المصريات لبناء كوادر وطنية في هذا الشأن تحل تدريجياً محل هذه البعثات التي تستخدم طلابها الأجانب في زيارات قصيرة للمواقع المصرية الأثرية تجني منها ملايين الدولارات.
تعليق ختامي:
تعقيباً على ماذكر كانت مداخلة السفير محسن توفيق الذي أكد على مايلي:
– ضرورة عدم الخلط بين الدين والفلسفة، فالصوفية نشأت مع الفكر البوذي الآسيوي وتناقلتها اليهودية والمسيحية والإسلام، أما الفلسفة فنشأت نتيجة الخلط بين العناصر إما بإعمال العقل أو أسكتته، وبالتالي فاختلاف النشأة يعني اختلاف الفكر وبالتالي لايمكن الخلط بينه وبين الديانات ذات المبادئ المتكاملة.
– فيما يتعلق بالفلسفة الفرعونية، فالمشكلة عدم تعرضها للترجمة أو الاهتمام على عكس نظيره اليوناني مع العلم أن أصل الفلسفة فرعوني بالأساس ومعظم الفلاسفة الإغريق أثروا بالعلوم المصرية الفرعونية، كما أن الأدب الفرعوني تمت ترجمته للغات عدة ليست العربية من ضمنها. أما التراث اليهودي فغير متناقل نتيجة انغلاق تلك الحضارة وعدم السماح بتبادل تراثهم ومعتقداتهم
– عند صياغة استراتيجية للدولة فلابد من وضع كافة العناصر المؤثرة داخلياً وخارجياً في الاعتبار .