ندوة حول “إندونسيا والسلام في الشرق الأوسط”
ديسمبر 18, 2019كلمة السفير عبد الرءوف الريدي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية بعنوان: أمن الشرق الأوسط.. الفرص والتحديات
ديسمبر 23, 2019تمهيد :
طفح الكيل بالشعب العراقى بعد طول معاناة تزيد عن حدود القدرة البشرية على التحمل ، وكان من الطبيعى ان يتحرك معبرا عن رفضه لكل ما لحق به من معاناة بين الاحتلال الامريكى والتسلط والسيطرة الايرانية دون ان يجد صديقا او قريبا يمد له يد العون او يسانده . هذا الشعب صاحب الحضارة السامقة التى تضرب بجذورها فى عمق التاريخ الانسانى ، وكان يملك من الثروات ما تغبطه بها اغلب شعوب الارض، من احتياطات البترول والغاز ، والارض الصالحة للزراعة التى تزيد عن 30 مليون فدان ، وانهار يفترض انها كانت تتدفق عفية عبر اراضيها ، وثروات معدنية كالكبريت والفوسفات معروفة بجودتها لدى اغلب دول الارض، ونخيل يغطى ارضها من اجود التمور حتى انها كانت تسمى ارض السواد . وتنوع عرقى ومذهبى اعتاد العيش المشترك اغلب تاريخه الذى اضفى على البشر فيه حيوية وثراءا انسانيا .
وليس هذا المأزق وليد اليوم، فهو حصيلة معاناة متواصلة عبر عدة عقود ، كانت تفجر احتجاجات شعبية تكررت اكثر من مرة انتهت به الى هذه الحالة المأساوية ، والتى يلاحظ هذه المرة ان من سماتها البارزة :
اولا – اتساع نطاقه وشموله، فهى تحرك شعبى عفوى ، جاءت الدعوة اليه عبر شبكات التواصل الاجتماعى من خارج صندوق الجهات التقليدية الدينية والحزبية والسياسية ، لا تدعى جهة منها انها كانت من وراء هذا التحرك او انها قادرة على التحكم فيه . ومن ثم لا توجد لهذه الاحتجاجات قيادات واضحة محددة . ويصعب القول ان الولايات المتحدة ودول الخليج كانت من وراء نشوب هذه الاحتجاجات او انها القوة المحركة لها .
ثانبا – تغلب اعداد الشباب من الفئة العمرية بين 17-29 عاما ، وهم من تربوا فى ظل الثقافة التى سادت فى العهد الاخير ، فهم ابنائه ومن انتاجه ،غير ان معظمهم قد عانى من البطالة والفساد وغياب العدالة .
ثالثا – استعدادهم للتضحية فلم يهن من عزمهم سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح ، دون ان تتوقف تلك الاحتجاجات او ان تخفض من سقف مطالبها ، ولا غرو فى ذلك فهم احفاد ثوار العشرين ضد الاحتلال البريطانى الذين سقط منهم حوالى عشرة الاف قتيل واثخنوه بالجراح منذ ما يقرب من قرن من الزمان،. فقد بدأت الاحتجاجات بمطالب اصلاحية تتمثل فى محاربة الفساد وتوفير فرص العمل وتحسين جودة الخدمات ، وارتفعت تلك المطالب لتصل الى المطالبة باستقالة الحكومة ، وبدأ البعض بالمطالبة بتغيير النظام القائم بتعديل الدستور واجراء اننخابات جديدة نزيهة باشراف دولى .
رابعا –تركزت الاحتجاجات فى المناطق الجنوبية ذات الاغلبية الشيعية . وعبرت فى هتافاتها عن رفض الطائفية وضيقها من ممارسات الحشد الشعبى العراقى والحرس الثورى الايرانى والمطالبة بخروج ايران من العراق ، واحرقت صور مرشد الثورة الايرانية على خامئنى تعبيرا عن رفض النهج الايرانى وادواته واذرعته فى العراق ، وكان ابرز علامات الرفض حرق مقرات بعض الاحزاب الشيعية والعديد من المكاتب الاعلامية والمحطات التلفزيونية بالاضافة الى حرق سور القنصلية الايرانية فى كربلاء .
ردود الفعل الرسمية والشعبية :
تراوحت مواقف الحكومة فى مواجهة الاحتجاجات بين محاولة حفظ النظام العام من خلال اجراءات امن يتولاها الجيش والشرطة ، وحظر التجول فى المناطق التى شهدت اعمال عنف ، وقطع خدمات الانترنت لعرقلة التواصل بين المحتجين واغلاق الطرق والجسور الرئيسية التى تربط وسط بغداد بالمنطقة الخضراء والتى تؤدى الى اماكن الاحتجاجات وخاصة ساحة التحرير، وحماية الابنية الحكومية، واستخدام المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى . وتم اطلاق الرصاص الحى في بعض الحالات راح ضحيته العديد من المحتجين والقوات الامنية التى تقدر اعدادهم بمئات القتلى والاف المصابين، التى نفت الحكومة اصدارها اوامر بذلك، مما يرجحه البعض انها بتدبير عتاصر مندسة او من متطرفى الحشد الشعبى .
وجرت من جانب اخر محاولات لتهدئة الاحتجاجات لم يكن لها الاثر المأمول ، فقد صدر عن رئاسة البرلمان العراقى بيان صحفى بأن حرية التظاهر السلمى مكفولة بحسب المادة 38 من الدستور، ودعت قوات الامن الى ضبط النفس والابتعاد عن استخدام العنف ،. وصدرعن الحكومة العراقية مجموعات من القرارات العاجلة تمثلت المجموعة الاولى منها التى صدرت عن الجلسة الطارئة لمجلس الوزراء يوم 6 اكتوبر تضمنت اعداد برنامج وطنى للاسكان يشمل 100 الف وحدة سكنية وتوزيع الاراضى السكنية ، وتقديم منح للعاطلين، وتوفير قروض لتأسيس المشاريع المتوسطة والصغيرة . والاعلان عن خطة لرئيس الحكومة تتضمن النظر فى تعديل وزاري موسع ، وتشكيل محكمة عليا بصلاحيات واسعة متخصصة فى قضايا الفساد ، وخطة لاطلاق برنامج وطنى لمكافحة الفقر ووالبطالة .
وتم الاعلان عن مجموعة ثانية من القرارات الجديدة من مجلس الوزراء يوم 8اكتوبر تتضمن تشكيل لجنة عليا برئاسة رئس الوزراء مهمتها معالجة مشكلة السكن، وتوزيع منظومات الطاقةالشمسية على 3 الاف عائلة فقيرة ، والعمل على توفير فرص العمل ، وتسهيل اجراءات تسجيل الشركات الصغيرة للشباب ، وتمويل مشاريعهم وتشجيع الصناعات الصغيرة، وتحسين الخدمان البلدية والبيئية، واصدرت الحكومة بيانا بانها توصلت بالفعل الى مشروع جديد للانتخابات النيابية يتضمن تعديل نظام الاختيار وتقليص عدد اعضاء المجلس النيابى من 329 الى 213 عضوا وخفض العمر الى 25 عاما. واقر البرلمان العراقى عدة اجراءات يوم 28 اكتوبر من بينها الغاء امتيازات الرئاسات الثلاث وامتيازات النواب وكبارالمسئولين ، وحل مجلس المحافظات، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور تقدم توصياتها خلال اربعة شهور، وتعهد محمد الحلبوسى رئيس مجلس النواب فى مؤتمر صحفى بعدها بايام بانه سيتم ادخال تعديلات على ميزانية عام2020 تتضمن مخصصات مالية للاسرالفقيرة ، واتخاذ الاجراءات المناسبة لعودة النازحين، ومنح القروض للمشروعات الصغيرة ، وتخصيص الاعتمادات المالية اللازمة لاعادة اعمار واستقرار المناطق المحررة.
ونقل عن المرجع الشيعى الاعلى فى العراق على السيستانى انه القى مسؤولية الحفاظ على سلمية المظاهرات على عاتق القوات الامنية ، وحث القوى السياسية فى البلاد على الاستجابة لمطالب المحتجين .
وتبين مواقف الكتل النيابية فى البرلمان العراقى التى يفترض ان تعبر عن التوجهات العامة فى العراق مدى تأثير وثقل هذه الاحتجاجات ، فقد اعلنت كتلة سائرون بزعامة مقتضى الصدر تعليق عضويتها بالمجلس لحين صدور برنامج حكومى يرتضيه الشعب، وانضمت الى جماعة المعارضة المطالبة باستقالة الحكومة . وطالب ائتلاف النصر اذى يرأسه حيدر العبادى رئيس الوزراء السابق تشكيل حكومة مؤقته لتسيير امور البلاد لحين اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة ، وادانت استخدام العنف ضد المتظاهرين . واعلنت جبهة الانقاذ والتنمية التى يترأسها اسامة النجيفى نائب الرئيس السابق انها قدمت الى رئيس الجمهورية برهم صالح مبادرة تضم 11 اقتراحا اهمها الدعوة الى اجراء انتخابات عامة مبكرة باشراف دولى وفق قانون انتخابى جديد يضمن تمثيلا حقيقياً للشعب ، وتجميد عمل مجلس النواب باستثناء الحالات الوطنية الضرورية كتشريع قانون الانتخبات الجديد ، والسيطرة على السلاح وتعويض الشهداء وجرحى المتظاهرين . واعلن تحالف المحور الوطنى تعليق عضوية اعضائه فى مجلس النواب الى ان يتم صياغة موقف جاد مع بقية الكتل السياسية ، مؤكدا تأييد الاحتجاجات ومعارضا استخدام القوة ضدها، ودعمه لفكرة الذهاب لانتحابات مبكرة ضمن قانون انتخابى جديد . واوضح تيار الحكمة على لسان زعيمه عمار الحكيم عدم قبوله لاستخدام العنف المفرط ضد الاحتجاجات ، وطالب بتطويق الفتنة على حد تعبيره ، الا ان مصادر من هذا التيار صرحت فى اكتوبر 2019 باته ليست هناك اي نية لاستجواب رئيس الحكومة وان اولوية التيار دائما الحفاظ على النظام والسيادة فى العراق .
ويلاحظ انه قد تكرر اجتماعات الرئاسات الثلاث ( الجمهورية والحكومة والمجلس النيابى) اكثر من مرة فى خطوة غير مسبوقة لتدارس الوضع ، وفى ظل التعليقات التى احاطت به من انه اجتماعا ليس له اساس من الشرعية فى الدستور ، كما ان تطبيق نظام المحاصصة على هذه الرئاسات بحيث يتولى الاكراد منصب رئاسة الجمهورية والشيعة رئاسة الحكومة والستة رئاسة المجلس النيابى لم يرد ايضا فى نصوص الدستور وانما صار عرفا منذ عام 2005. وقد جرت هذه الاجتماعات استجابة لرغبتهم فى مواجهة الازمة الناجمة عن تفاقم الاوضاع فى العراق ، وشارك فى الاجتماع رئيس مجلس القضاء الاعلى. تضمن البيان الصادر عنهم وصف الاحتجاجات الشعبية بأنها حركة اصلاحية مشروعة لابد منها ، وان الاحتجاجات استجابة للرأى العام ولمتطلبات الحياة السياسية والخدمية التى يستحقها العراقيون بعد عقود من الطغيان والحروب والعنف والفساد ، وتعهد البيان بالامتناع ورفض أى حل أمنى للتظاهر السلمى، واكد على الالتزام والمحاسبة الشديدة لأى مجابهة تعتمد العنف المفرط، واشار المشاركون الى اوامر القائد العام للقوات المسلحة بمنع استخدام الرصاص الحى وجميع اشكال العنف التى تعتمد القسوة والمبالغة فيها فى مواجهة المتظاهرين، وانهم باشروا بالفعل بالتمهيد للحوار الوطنى لمراجعة منظومة الحكم والدستور وفق السياقات الدستورية والقانونية، وعبرواعن اعتقادهم بان المظاهرات ساعدت وتساعد فى الضغط المشروع على القوى والاحزاب السيسية وعلى الحكومة والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية من اجل القبول بتصحيح المسارات وقبول التغييرات الايجابية خصوصا فى مجالات التعديل الوزارى على اساس الكفاءة والحد من الاثار الضارة للمحاصصة بمختلف صورها .
الحشد الشعبى الشيعى:
يعد من الاسباب الرئيسية للازمة، لارتكاب مسلحيه العديد من الممارسات والانتهاكات والجرائم ، والتى كانت تحسب على ايران، والتى دفعت الحكومة فى بعض المراحل الى محاولة تحجيمها ، بأن حاولت قصر مهمته اثناء قتال داعش المواجهة خارج المدن والامتناع عن دخولها خشية مما قد يرتكبه مقاتليه داخلها. والدعوة الى التحقيق فيما وقع من انتهاكات. وتوجه اليها الاتهامات حاليا بالمشاركة مع الحرس الثورى الايرانى فى تلك المحاولات التى جرت لقمع الاحتجاجات واستخدام القناصة الملثمين واسفرت عن اعداد كبيرة من القتلى والتى تعد بالمئات .
والحشد الشعبى كان فى البداية قوات غير نظامية مؤلفة من حوالى 67 فصيلا شيعيا ، تشكل بصفة خاصة بعد فتوى الجهاد الكفائى التى اطلقها على السيستانى المرجعية الدينية فى النجف الاشرف فى يونيو عام 2014 بعد سيطرة تنظيم داعش على عدد من المحافظات السنية فى شمال العراق ، ورغبة من الحكومة العراقية فى تنظيمه واحكام السيطرة عليه فقد عملت على اصدار قانون فى نوفمبر عام 2016 يضم الحشد الى الجيش العراقى واخضاعه لقيادة رئيس الحكومة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة ، ومن ابرز قادتها فالح الفياض رئيس هيئة الحشد وابو مهدى المهندس تائب رئيسها، وتضم عددا من الفصائل الهامة التى دخلت العراق من ايران بعد سقوط النظام العراقى عام 2003 ومن بينها ( فرقة العباس القتالية/ لواء على الاكبر التابع للعتبة الحسينية المقدسة /سرايا هاشوراء / منظمة بدر / عصائب اهل الحق / كتائب الامام على / كتائي حزب الله / حركة فرسان المذهب ….وغيرها ) وانخرط فى البداية فى صفوف الحشد بعض المسلحين من اديان اخري كالمسيحيين والكلدان والتركمان فى الفترة التى نكلت بهم داعش عند سيطرتها على مناطقهم . وعلى الرغم من ان القانون المنشأ لهذا التشكيل العسكرى فد تضمن نصا يقضى بأن ” يتم فك ارتباط منتسبى هيئة الحشد الشعبى الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الاطر السياسية والاجتماعية ولا يسمح بالعمل السياسي قى صفوفه ” ، الا انها فى واقع الامر تعلن ولائها للمرجعية الدينية فى النجف ، واخذ البعض منهم ينظم صفوفه للانتماء للمرجعية الشيعية فى ايران .
التجاذب الاقليمى والدولى :
تجىء هذه الاحتجاجات الحاشدة ضد الوجود الايرانى فى العراق فى وقت يبلغ التوتر الامريكى الايرانى ذروته نتيجة للانسحاب الامريكى من الاتفاقية النووية ، واستئنناف الضغط السياسيى والافتصادى على ايران لارغامها للعودة الى مائدة المفاوضات لتعديل تلك الاتفاقية، ومن ثم تعتبر ايران ان تفجر الاحداث فى العراق ولبنان انما هى من وسائل الضغط عليها لتحقيق ذلك ، فضلا عن العمل على تقليص التمدد الايرانى فى دول الجوار .
فقد هاجم المرشد الايرانى على خامئنى الاحتجاجات الشعبية فى العراق ولبنان ، ووصفها بأنها أعمال شغب تديرها امريكا واسرائيل وبعض دول المنطقة وانها مؤامرة من الاعداء تهدف الى التفريق بين ايران والعراق ، ودعا الى ان تتحقق مطالب الناس ضمن الاطر القانونية لبلادهم حصرا ودعا الى الحفاظ عى الاستقرار . وردد حسين شريعتمدارى ممثل المرشد الايرانى قى مقال بصحيفة كايهان الرسمية التى يراس تحريرها نفس التوجه الذى اعلنه المرشد بان المتظاهرين فى العراق مدفوعين من جهات اجنبية ” ان الشباب المؤمن والثورى والذى يعد الحشد الشعبى احد رموزه يجب ان يقوم باحتلال سفارتى الولايات المتحدة والسعودية ، وهو ما ادى الى تحذير البيت الابيض من هجمات محتملة تقوم بها الجماعات المدعومة من ايران فى العراق ” ، مضيفا بأنه سيعتبر ايران مسؤولة غن اى هجوم على المراكز الامريكية والحاق الضرر بأفرادها ومبانبها .
وجدير بالاشارة هنا الدور الذى يقوم به فيلق القدس فى العراق، وهو وحدة قوات خاصة للحرس الثورى الايرانى المسؤولة عن العمليات خارج الحدود الايرانية وتتبع المرشد الاعلى على خامئنى مباشرة وقائدها الحالى قاسم سليمانى، ويقدر عددها بحوالى عشرين الف مقاتل ، وهو من الاذرع الرئيسية الايرانية لتصدير الثورة والسيطرة الميدانية ، ويصول السليمانى ويجول فى الشئون الداخلية فى العراق ، ويقال انه من بين من اقنع رئيس الحكومة عادل عبد المهدى للعدول عن استقالته والبقاء للتصدى للازمة.
واشار الرئيس التركى اردوجان الى الشعارات التى اطلقها المتظاهرون العراقيون ضد تدخلات النظام الايرانى خاصة فى المناطق ذات الاغلبية الشيعية متسائلا عمن يقف ورائها ، ويعتقد انهم يخططون لمد هذه الاحتجاجات الى داخل ايران ، وقد اصدرت ايران بيانا امنت فيه على ما ذهب اليه اردوجان ، دون ان تعلق على ماجاء فى حديثه من ان ايران والعراق سبق ان اتخذا مواقف سلبية من تركيا .
من جانب اخر خرج البيت الابيض عن صمته ببيان اعرب فيه عن قلقه البالغ ازاء استمرار الهجمات ضد المتظاهرين والناشطين المدنيين والاعلام والقيود الموضوعة على وسائل التواصل الاجتماعى، وان العراقيين لن يبقوا مكتوفى الايدى ازاء استنزاف النظام الايرانى لمواردهم واستخدامه للمسلحين لمنعهم من التعبير عن ارائهم السلمية ، وانه على الرغم من استخدام العنف المفرط وحرمانه من الانترنت فقد سمع الشعب العراقي صوته . ودعا البيان الى اجراء انتخابات مبكرة واجراء اصلاحات انتخابية ووقف العنف ضد المتظاهرين فى انحاء البلاد. وقد فسر البعض تأخر واشنطن فى تبيان موقفها الرسمى وبخاصة الرد على الاتهام الايرانى لها بانها كانت من وراء هذه الاحتجاجات ، ان واشنطن كانت تتجنب احراج عادل عبد المهدى ، وكان بومبيو وزير الخارجية الامريكية قد اتصل به خلال الازمة ، وتفضل واشنطن الحفاظ على صيغة النظام القائم والذى يحقق لها اهدافها فى العراق ويسمح بتحرك قواتها على اراضيه . وتكتفى بالدعم الاعلامى للاحتجاجات باعتبارها من عوامل الضغط على ايران وبخاصة ما تقوم به قناة ” الحرة ” من متابعة تفصيلية لهذه الاحتجاجات.
واكتفت روسيا بمراقبة تطورات الموقف ، وتوصية مواطنيها بعدم زيارة العراق بسبب اضطراب الاوضاع فيها . ولعل روسيا تنظر الى مستقبل علاقاتها الاقتصادية مع العراق ، وبخاصة فيما يتعلق بالبترول والكهرباء .
تقويم الموقف :
اولا –من الملاحظ ان الاقليم الكردى وبدرجة اقل المحافظات السنية كانت هادئة نسبيا ، ولم يكن يعنى هذا عدم تأييدها للاحتجاجات او رفضها للمظاهرات ، وانما قد مر بها من المواجهات ما تركها منهكة بالفعل ، وتخشى من قسوة ردود الفعل اذا ما تحركت مناصرة لها.
ثانيا – يجرى التساؤل عما اذا كان نشوب هذه المظاهرات قد حدث بصورة عفوية او- كما يقال – انها مؤامرة مدبرة من الولايات المتحدة واسرائيل ضد ايران . والارجح انها تعبير شعبى صادق ، وان كان الامر لا ينفى سعى تلك الاطراف لاستغلاله . فليس من الغريب هذا الموقف الذى اتخذته اغلبية الشيعة ضد التغول الايرانى وادعائه بان يقود هذا المذهب ، فاغلبية الشيعة فى العراق عرب اقحاح يضيقون بسيطرة ” الفرس ” او ما يسمونهم ” العجم” على مقدراتهم ، والصراع بين ” الفرسنة والبغددة ” قائم منذ العصر العباسى ، والمنافسه على المرجعية تاريخية بين ” قم والنجف ” . واعتمد صدام حسين على جيشه الذى ضم بالضرورة جنودا من الشيعة فى حربه مع ايران لثمان سنوات .
ثالثا – يعتقد البعض ان الولايات المتحدة لا تود سقوط النظام العراقى من جراء هذه الاحتجاجات ، وانما مجرد ضرب الوجود الايرانى ، وحرمانه من المزايا السياسية والافتصادية التى تتمتع بها ايران فى العراق . وعلى العكس من ذلك فانها تفضل بقاء النظام الحالى فى العراق ، فهو صيغة الحكم الذى وضعته يتسق مع مبادئها ويحقق اهدافها وتتحرك بشىء من الحرية من خلاله .
رابعا – جدير بان يوضع فى الاعتبار ان الاحوال العامة فى العراق لا تتحمل استمرار تصاعد هذه الاحتجاجات ، فما زالت هناك مشكلات معلقة ، من بينها مخاطر وجود الجيوب الكامنة لتنظيم داعش ، واعادة النازحين ، واستقرار العلاقة مع الافليم الكردى ’ والاوضاع الافتصادية التى يمكن ان تزداد سوءا فقد تسببت الاحتجاجات الاخيرة فى اصابة بعض القطاعات الاقتصادية بحالة من الاضطراب الامر الذى يمثل عاملا مضرا بالاقتصاد الكلى فى البلاد ومهددا لموقع العراق كمنتج ومصدر رئيسى للنفط فى العالم.
خامسا – ويطرح السؤال نفسه عما اذا كانت هذه الاحتجاجات سوف تستمر ، والمدى الذى سوف تصل اليه ، وهو ما يعتمد بالضرورة على الخطوات التى تتخذها الاطراف المعنية استجابة لهذه الاحتجاجات او رفضا لمطالبها ومحاولة قمعها .
سادسا – الموقف العربى فى الواقع اهم من ان لا يكتفى بمتابعة الاحداث. فلقد ترك العراق طويلا تتقاذفه الامواج العاتية ، وحان الوقت ان يجد اهتماما وعناية من اشقائه العرب المخلصين لاقالته من عثرته وتقديم الرأى الاخوى السديد الذى يستهدف فقط مصلحة العراق، بالتأكيد على وحدته واستقراره وازدهاره واستقلاله وامتناع الاخرين عن التدخل فى شئونه.
سفير سيد ابوزيد عمر
مساعد وزير الخارجية للشئون العربية والشرق الاوسط